ترجمة وتحرير: نون بوست
استفاد المتمردون الحوثيون، الذين ضاعفوا من هجماتهم منذ نهاية شهر أيلول/ سبتمبر، من انقلاب موازين الصراع لصالحهم في اليمن ليؤسسوا دولة موازية بدعم من إيران.
بينما تحوم الشائعات حول وقف وشيك لإطلاق النار مع المملكة العربية السعودية، ويتم تسليط الضوء لأغراض دعائية على الانقلابات العسكرية الكبرى التي تعود إلى شهر آب/ أغسطس والإعلان الأحادي الجانب عن إطلاق سراح السجناء، يضاعف الثوار الحوثيون جهودهم منذ نهاية شهر أيلول/ سبتمبر لقلب موازين الصراع لصالحهم. ووفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، أطلق الحوثيون في 30 أيلول/ سبتمبر سراح حوالي 290 سجينا بموجب اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة لإلغاء التصعيد العسكري في البلاد.
تعد الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون موطن غالبية السكان في اليمن. بعد مرور حوالي خمس سنوات على وصولهم إلى صنعاء، قاوم المتمردون هجمات التحالف بقيادة الرياض
يأتي نشاط هذه المجموعة، التي تتمتع بدعم ايران وكانت مهمشة في المعادلة الإقليمية في الماضي، بعد أن وجدت نفسها في قلب القضايا العالمية في 14 أيلول/ سبتمبر إثر الضربة التي استهدفت مواقع النفط السعودية. وبعد خمس سنوات من مهاجمة الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء، التي نتج عنها قيادة السعودية للعملية العسكرية في أوائل سنة 2015، يبدو أن الحرب ستتخذ منعطفا جديدا. فالضربة التي تسببت في تعطل أسواق النفط، والتي اعترف بها الحوثيون، ستودي بالمنطقة إلى حافة هاوية، في الوقت الذي تعد فيه إيران وخصومها في خضم المواجهة بشأن القضية النووية.
الثوار الحوثيون يعززون مكانتهم
تعد الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون موطن غالبية السكان في اليمن. بعد مرور حوالي خمس سنوات على وصولهم إلى صنعاء، قاوم المتمردون هجمات التحالف بقيادة الرياض، ونددوا بانتظام بمقتل المدنيين وتدمير البنية التحتية، بل وعززوا أيضا سيطرتهم.
إلى جانب ذلك، ساهم الحصار الذي فرضته المملكة العربية السعودية في تعزيز اقتصاد الحرب والتهريب الذي من شأنه أن يعزّز مكانة قادتهم ويجعل السكان أكثر اعتمادا على السلطة. كما تسببت حالة الصراع في تخلي الشعب عن مطالبه في مسائل الحكم. في هذا السياق، تمكن الحوثيون من التغلغل في المؤسسات القائمة أو إنشاء مؤسساتهم الخاصة، متمسكين بحقيقة السلطة.
لم يكن تطوير الأسلحة التي تحصل عليها الرياض بتكلفة كبيرة من مؤيديها الغربيين كافيا لهزيمة الحوثيين، ولم تؤد التفجيرات إلى تحقيق أي نصر كبير في شمال البلاد
في الأثناء، لم تتوقف إيران عن توسيع نفوذها. وفي الواقع، إن تسليم أسلحة جديدة مثل الطائرات دون طيار أو الصواريخ الذي يسمح للحوثيين بتهديد الرياض القوية بأقل التكاليف، يسير جنبا إلى جنب مع الاستيراد التدريجي لأيديولوجيا الجمهورية الإسلامية إلى صفوف هذا التمرد الذي ولد في قلب الإسلام الزيدي في شمال اليمن، لكنه بعيد كل البعد، في الأصل، عن الشيعة الإيرانية.
ائتلاف منقسم
لم يكن تطوير الأسلحة التي تحصل عليها الرياض بتكلفة كبيرة من مؤيديها الغربيين كافيا لهزيمة الحوثيين، ولم تؤد التفجيرات إلى تحقيق أي نصر كبير في شمال البلاد. وفي الجنوب، تشتّتت الجبهة المناهضة للحوثيين. ومن جهتها، لا تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة الأخرى التي لها ثقل كبير في التحالف، أهداف الرياض الاستراتيجية في البلاد.
إثر إنشاء شبكة من النفوذ على امتداد ساحل اليمن، شاركت الإمارات في الانسحاب العسكري في إطار دعمها لحلفاء محليين لا يكترثون لوحدة البلاد. وفي شهر آب/ أغسطس الماضي، فرض الانفصاليون المنظمون في الجنوب والذين وقع تزويدهم بالسلاح من قبل أبو ظبي، سيطرتهم على الميناء الجنوبي في عدن من أجل إحياء ذكرى استقلال جنوب اليمن من سنة 1962 إلى 1990، وخوض مواجهات عنيفة مع القوات التابعة للحكومة الرسمية التي تتلقى بدورها الدعم من طرف المملكة العربية السعودية.
تفكّك الدولة
إن التطورات التي شهدتها المناطق الخاضعة للسيطرة الرسمية لتحالف يعرف بدوره مجموعة من الانقسامات، ناتجة عن فقدان الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي لشرعيتها. وقد عُزل الرئيس عبد ربه منصور هادي وأُرسل إلى المنفى في الرياض دون مراعاة مصير البلاد.
في محافظة حضرموت الغنية بالموارد الطبيعية والمهمشة منذ فترة طويلة، تعتزم القوى المحلية اتباع المسار الخاص بها.
على خلفية الأمر الصادر سنة 2016 الذي يقرّ بإغلاق البنك المركزي اليمني المسؤول عن سداد رواتب موظفي الخدمة المدنية، تسبّب هادي في انهيار آخر ما تبقى من الدولة المشتركة التي تجمع بين اليمنيين. وفي المقاطعات المعادية للحوثيين، نجحت قوات الميليشيا أو الوحدات المنشقة عن الجيش الوطني في الإطاحة بحكام هذه المقاطعات بدعم مباشر من المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة حيث تمارس المملكتان السلطة الفعلية على المستوى المحلي.
بالإضافة إلى المواجهة بين الحوثيين وخصومهم والانقسامات الداخلية التي يشهدها التحالف، تستمر الصراعات المحلية في الاحتدام. وفي محافظة حضرموت الغنية بالموارد الطبيعية والمهمشة منذ فترة طويلة، تعتزم القوى المحلية اتباع المسار الخاص بها.
في المقابل، في أقصى الجنوب الشرقي، ينتهي النزاع بالوكالة بين المملكة العربية السعودية التي تستثمر عسكريا في المنطقة وسلطنة عمان التي تخرج عن حيادها تدريجيا، منذرًا باندلاع مواجهات مستقبلية في هذه المنطقة المعزولة.
تعزيزات في صفوف الجماعات المتطرفة
في ظل هذا المشهد المجزأ، تأخذ الجماعات المتطرفة في الازدهار. وفي يونيو/ حزيران الماضي، شن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية هجومًا مضادًا، علما بأنها المنظمة التي ارتكبت الهجوم على شارلي إبدو في سنة 2015. ويبدو أن الصراع بين القوات الموالية للحكومة والمدعومة من المملكة العربية السعودية والانفصاليين الجنوبيين المدعومين من الإمارات العربية المتحدة، قد خول للجهاديين السيطرة على بعض المناطق الجنوبية وتعزيز نفوذهم على حساب المناطق التي تم استعادتها من قبل تنظيم الدولة.
في حال فقد تنظيم القاعدة “عاصمته” في ميناء المكلا، الذي نجح في السيطرة عليه في الفترة الممتدة بين نيسان/ أبريل 2015 ونيسان/ أبريل 2016، بإمكان المنظمة الانتشار في المناطق النائية. وفي حالة عدم وجود منطقة مستقرة، تحتفظ المجموعة بقدرتها على فرض وجودها ونفوذها إلى جانب قدرتها على التجنيد. وتستفيد الأفكار الجهادية أيضًا من منطق الطائفية الذي يؤدي إلى تخبط البلاد بسبب المواجهة بين إيران والسعودية. ويعتبر استيراد الممارسات الإيرانية الشيعية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين تعميما للخطاب السني المتطرف في أماكن أخرى حتى بعد نجاح التعقيدات الطائفية في اليمن في تفادي الانقسام الذي انتقل الآن بين الشيعة والسنة.
المصدر: لوموند