ترجمة وتحرير: نون بوست
ترأس الزعيم الأعلى شي جين بينغ العرض العسكري الأكبر والأروع على الإطلاق في تاريخ العالم بمناسبة الاحتفال بالذكرى السنوية السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، التي تتجاوز فترة تأسيس الاتحاد السوفيتي بسنة واحدة. في الواقع، كشف هذا العرض العديد من الإنجازات التكنولوجية العسكرية التي تجاوزت قوة وجهود الاتحاد السوفيتي سابقا. بعزم وإصرار شديدين، أكّد شي أن الصين “تواصل السعي جاهدة من أجل التوحيد الكامل لبلادنا”. وتتمثل خلاصة حديثه في التوصل إلى اختراع المزيد من الصواريخ ولو كان بالإكراه.
من المفارقات أن بكين سخّرت جهودها لفتح “طريق السلام الأبدي”. وفقا لهذا التقليد، فإن جميع الأنظمة المعروضة سبق أن وُضعت في خدمة جيش التحرير الشعبي الصيني. بالنسبة للمتخصصين، يُعتبر هذا تأكيدا على الجهود الراسخة لجمهورية الصين الشعبية في مواجهة مسألة الردع التي تتمحور حول الصواريخ. بالنسبة لمراقبين آخرين، قد يقدّم النطاق الواسع وحجم الأجهزة المعروضة، التي رُسمت على الكثير منها أحرف إنجليزية ضخمة، كشفا عن مدى قوة بكين العسكرية وإصرارها.
الكشف عن صواريخ قوية:
وفقا لنمط جمهورية الصين الشعبية، لا يمكن إبقاء أي جهد بهذه الأهمية على الصعيد الوطني للصدفة. وقد وقع التطرق إلى تفاصيل العرض العسكري على التلفزيون المركزي الصيني بحسّ وطني. منذ سنة 2015، كانت الاستعدادات تجري في منشآت مصممة لمحاكاة بيئة بكين. وكان الموكب بأكمله مزدانا بعبارات جميلة على غرار “حلم بلد قوي، حلم عسكري قوي”. ولكن، لم يكن الأمر يتمحور حول الأسلوب والرمزية على حساب الجوهر، فالمجموعة الهائلة من الأنظمة الاستراتيجية الحقيقية التي وقع عرضها كانت مذهلة، وتُظهر قوة حقيقية.
عُرضت صواريخ لأول مرة في موكب وَضع الصين في طليعة التكنولوجيات العسكرية على الحدود. وتشمل هذه الصواريخ “دي إف-100/ سي جي-100 غير المعروفة، وهي “صواريخ جوالة أسرع من الصوت”
يمكن اعتبار المحور الرئيسي للعرض بأكمله هو كشف النقاب لأول مرة عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات الذي يعمل بالوقود الصلب “دونغ فانغ-41” أو كما يُعرف باسم “دي إف-41”. وقد صُمّم نظام الأسلحة النووية الأحدث والأقوى والأكثر تطورا في الصين ونُشر بهدف ردع الولايات المتحدة. ويوصف بأنه “الركيزة الأساسية في قوة [الأسلحة] النووية للصين”. ويعتبر جزءا من جهود بكين الشاملة لردع الولايات المتحدة باستخدام الصواريخ النووية والتقليدية.
فضلا عن ذلك، عُرضت صواريخ أخرى لأول مرة في موكب وَضع الصين في طليعة التكنولوجيات العسكرية على الحدود. وتشمل هذه الصواريخ “دي إف-100/ سي جي-100 غير المعروفة، وهي “صواريخ جوالة أسرع من الصوت”، الذي وُصف على أنه “الأحدث في سلسلة شينشيانغ”، والصاروخ التقليدي دي إف-17 الذي وقع عرضه بصورة واضحة في مركبته الانسيابية فائقة الصوت.
في الواقع، شمل عرض الصواريخ الباليستية الأخرى دي إف-5 العابر للقارات المعروفة، التي تُعقّد المركبات ذات الأهداف المستقلة القابلة لإعادة الدخول الخاصة بها منظومة الدفاع ضدها إلى حد كبير، بالإضافة إلى الصاروخ الباليستي “دي إف-31 آي جي” العابر للقارات مع “قابلية بقاء عاليا”، والصاروخ الباليستي “جي إل-2” الذي يُطلق من الغواصات، والصاروخ الباليستي “دي إف-26” النووي / التقليدي متوسط المدى القادر على ضرب أهداف برية وبحرية. كانت منظومة الدفاع أرض جو موجودة أيضا في العرض، من خلال -6 آي، و-9 بي، -12 آي، -16، وأشكال مختلفة من -22. وشملت الصواريخ الجوالة الأخرى واي جي-12 بي، والأسلحة الأسرع من الصوت المضادة للسفن واي جي -18.
المسيرات، التي كانت في شكل تشكيلات مشتركة، تتكوّن من جميع الفئات الرئيسية لجنود القوات المسلحة الصينية
بالإضافة إلى ذلك، شملت الطائرات القادرة على التحليق عاليا واي-20 و-9 الناقلة -8؛ وكيه جي-2000، وهي نظام إنذار مبكر وتحكم محمول جوا، والمقاتلة الشبح تشنغدو جي-20، والمقاتلة شنيانغ جيه-15 متعددة المهام التي تمثل “القمم” في حاملة الطائرات لياونينغ؛ المقاتلات جي-16 وجي-10 بي، إلى جانب قاذفة القنابل إيتش-6 إن وأشكال مختلفة من الناقلات إيتش-6 يو، وسرب المروحيات زي-8 بي، و-9 و -10 و-15 و-19 و-20. وشملت العديد من الطائرات الهجومية الشبح المسيرة التي عرضت أدناه طائرة الهجوم غونجي-11. وفي الآن ذاته، بعيدًا عن العنصر الطبيعي المحتمل في بحر الصين الجنوبي، عُرضت الطائرات المسيرة تحت الماء “إيتش إس يو 001 ” تحملها الشاحنات.
بشكل خاص، إن المسيرات، التي كانت في شكل تشكيلات مشتركة، تتكوّن من جميع الفئات الرئيسية لجنود القوات المسلحة الصينية. وتزامنا مع تصريح شي بأن الحكومة المركزية “ستحافظ على الازدهار والاستقرار على المدى الطويل لهونغ كونغ وماكاو”، صُوّرت قوات الشرطة المسلحة الشعبية الصينية على أنها “جهاز مهم للاستقرار الاجتماعي”، وظهرت قوة الدعم الاستراتيجي لأول مرة، وأُشيد بقوّة وأهمية جنود وحدة المدفعية الثانية. ولكن، يعد العدد الكبير للصواريخ التقليدية وتنوعها محورا رئيسيا لهذا العرض.
درس تقدّمه الصين للولايات المتحدة الأمريكية: تجنب المعاهدات غير المتكافئة
ماذا يعني هذا بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة؟ والأهم من ذلك، تؤكد الزيادة الضخمة في ترسانة الصواريخ التي تملكها بكين على سبب رئيسي يجعل إدارة ترامب محقة في الانسحاب من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لسنة 1987: تخليص واشنطن من ردع العدوان بصواريخ من تصميمها وصنعها.
من المنطقي أن لا يكون الاتفاق فعّالا في حال التزم طرف واحد بتنفيذه فحسب. لسوء الحظ، هذا بالضبط ما جعل معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى تنحلّ في نهاية المطاف. إثر انسحابها بشكل رسمي من هذه المعاهدة في الثاني من آب/ أغسطس 2019، أقرت واشنطن بشكل صريح بأن هذا الاتفاق القديم ليس له آفاق مستقبلية. أولا كانت موسكو، وهي الطرف الوحيد الذي وقّع على هذه المعاهدة، تخرق قواعد هذه المعاهدة لسنوات، وهو ما دفع الرئيس أوباما إلى إنهاء هذا الاتفاق لهذا السبب بالتحديد.
لن تنضم بكين إلى معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، التي تُعتبر الطريقة الوحيدة لتجديد هذه المعاهدة
ثانيا، أصبح هذا القيد الأمريكي أحادي الجانب مكلفًا: خلال فترة المعاهدة التي استمرت 32 سنة، طورت الصين أكبر قوة صاروخية تقليدية في العالم، لا سيما ضمن النطاقات التي تحظرها المعاهدة (الصواريخ البحرية والتقليدية والصواريخ البالستية التي تطلق من الأرض على مسافة 500-5500 كيلومتر)، والتي عُرض الكثير منها خلال هذا الموكب العسكري.
في المقابل، لن تنضم بكين إلى معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، التي تُعتبر الطريقة الوحيدة لتجديد هذه المعاهدة. ومع ذلك، من غير المرجح أن يحدث ذلك. من جهتها، تهدد الصين الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وكذلك السلام والمعايير الإقليمية، بترسانة قوية من الصواريخ. لكن، هذا لا يعني أن نهاية المعاهدة هو الأمر الذي ينبغي علينا أن نشعر بالأسف حياله، ولكن الإجراءات الروسية الصينية التي عجلت بحلّها.
لا يمكن اعتبار الخروج من المعاهدة حلاً سحريًا، لكنه يفتح إمكانيات مطلوبة لإعادة التوازن العسكري وحساب التفاضل والتكامل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تشكل الصواريخ الصينية تهديدًا كبيرًا للأمن الأمريكي والإقليمي. ينبغي على الولايات المتحدة، بعد التخلّص من قيود المعاهدة، اغتنام الفرصة لتطوير ونشر صواريخها الخاصة لمواجهة هذا التهديد.
العشرات من “حاملات الأسلحة القاتلة” المنتشرة في الصين اليوم ليست سوى جزء بسيط من ترسانتها القوية.
تشير البيانات الرسمية لبكين إلى أنها لن تنضم إلى أي اتفاقات جوهرية أخرى للرقابة على الأسلحة في المستقبل القريب. وعلى العكس من ذلك، في وقت سابق من هذا الصيف، أطلقت الصين ستة صواريخ باليستية مضادة للسفن في بحر الصين الجنوبي. ومن المفارقات، أنه من خلال إجبارها على سحب وتدمير الصواريخ الباليستية الأمريكية النشطة التي تطلق بالرادار من نوع بيرشينج 2، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ربما تكون معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى قد زودت الصين بتكنولوجيات أساسية تُسهّل تطوير منظومتها الخاصة بالصواريخ البالستية المضادة للسفن، وهي أنظمة فعالة كان من الممكن أن تنتجها الولايات المتحدة وروسيا قبل فترة طويلة من غياب قيود معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى. على الأقل، درس باحثون من جمهورية الصين الشعبية الصواريخ من طراز بيرشينج 2 عن كثب.
لكن العشرات من “حاملات الأسلحة القاتلة” المنتشرة في الصين اليوم ليست سوى جزء بسيط من ترسانتها القوية. في الحقيقة، تسيطر الصين على “أكبر قوة من الصواريخ وأكثرها تنوعًا في العالم، مع قائمة جرد لأكثر من ألفي صاروخ باليستي وجوال”، وذلك وفقا لما أقرّه في سنة 2017 الأميرال هاري هاريس، المشرف على القيادة الأمريكية لمنطقة المحيط الهادئ. وأكد هاريس أن “ما يقارب 95 بالمئة من صواريخ الصين من الممكن أن تنتهك معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، إذا كانت الصين ضمن الدول الموقِّعة”.
كما أن حوالي 2650 صاروخ تابع للصين الشعبية لن يمتثل للمعاهدة. والأهم من ذلك، يبدو أن بكين تعتقد أن ترسانة نووية أصغر بكثير من تلك التي بحوزة روسيا أو الولايات المتحدة قادرة على الردع. وينظر الاستراتيجيون الصينيون إلى القذائف المسلحة التقليدية على أنها الأكثر قبولا، وبالتالي الأكثر نجاعة. يتجاوز عدد صواريخ الصين التقليدية عدد صواريخها النووية بنسبة لا تقل عن 7:1. يفسر ذلك باستغلال الصين لثغرة هائلة في النقاشات العامة للرقابة على التسليح، ناهيك عن القيود الفعلية القابلة للتنفيذ.
على مدار سنوات، أحرزت الصين تقدماً عسكريا في مجال الأرصاد الجوية من خلال استمرارها في اتباع التقنيات التي من شأنها أن تضع المعارضين وجها لوجه مع استخدام الفيزياء لأغراض سيئة
غالبًا ما تركز تصريحات بكين الرسمية وخطاب الحد من التسلّح بشكل واسع على الأسلحة النووية، الجديرة بالاهتمام بطبيعة الحال، بهدف إقصاء معالجة أنظمة الأسلحة التقليدية المتطورة التي نشرتها الصين على النطاق الصناعي. يجب أن ينتهي قصر النظر المتعلق بالصواريخ الآن، وذلك بصرف النظر عن التقنيات السيبرانية التخريبية المتزايدة. قد تكون القذائف المركزية الخاصة بالتعزيزات العسكرية العامل الأكبر والوحيد الذي من شأنه أن يؤدي إلى تآكل سلطة ونفوذ الأمريكيين في القارة الآسيوية. وإذا لم يقع مواجهتها بطريقة ناجعة، فقد تعيد الصين تشكيل المنطقة بعيدًا عن التحالفات والمبادئ التي تعزز السلام والازدهار الذي أهدرت واشنطن الدماء والثروات الهائلة في سبيل إرسائها خلال العقود الثمانية الماضية.
على مدار سنوات، أحرزت الصين تقدماً عسكريا في مجال الأرصاد الجوية من خلال استمرارها في اتباع التقنيات التي من شأنها أن تضع المعارضين وجها لوجه مع استخدام الفيزياء لأغراض سيئة – في إطار مسابقة قدرات لفائدة الصين مصممة لتصبح باهظة الثمن للغاية ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة للولايات المتحدة في حال انخرطت فيها، فما بالك الفوز بها. بشأن هذه النقطة بالتحديد، تريد بكين أن تفوز دون قتال، بينما ترغب في نفس الوقت في إجبار واشنطن وحلفائها الإقليميين على الخضوع “لمصالحها الجوهرية” المعلنة ذاتيًا عن طريق الترهيب بأمر واقع من القوة العسكرية الرادعة، تماما مثل العرض الذي أظهرته بشكل بارز اليوم.
يمثل الصاروخ الباليستي حجر الأساس في مساعي بكين. وفي حين يجب أن تعمل الصواريخ الجوالة التي تعمل بالديناميكا الهوائية على ارتفاعات شبيهة بالطائرات، ينبغي على الصواريخ الباليستية بعيدة المدى أن تزيد السرعة عن طريق التحليق فوق الغلاف الجوي في منتصف المدة. تقترب الصواريخ البالستية من نطاقات أهدافها بسرعة تضاعف سرعة الصوت، ما يترك وقتا وجيزا وفرصا ضئيلة لاعتراضها. بالنسبة للصين، وهي قوة قادرة تقنيًا أعطت الأولوية لتطوير هذه الصواريخ منذ أواخر الخمسينيات، يمكن تطوير الصواريخ البالستية ونشرها واستخدامها بثمن بخس وبفعالية أكبر بكثير مقارنة بالجهد الذي يتطلبه الدفاع عنها.
في مواجهة المنافسة المتزايدة من قبل الصين المُصمّمة والقادرة على متابعة سيناريوهات على غرار إكراه تايوان بطريقة لم يسبق لها مثيل، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على تحمل أتعاب النهج الأكثر تكلفة من الناحية التكنولوجية، بل المناهج التقليدية من الناحية الدفاعية
على الرغم من أن الصين بدأت تنشر أخيرا الأسلحة النووية البحرية، إلا أن الغالبية العظمى من صواريخها لا تزال تعتمد على اليابسة. هذا يضع بعين الاعتبار عاملين هائلين. أولهما، كما أثبتت صواريخ سكود خلال حرب العراق، أنه حتى في الصحراء المكشوفة، من الصعب للغاية العثور على صواريخ متحركة في الزمن الحقيقي وتحييدها قبل إطلاقها. ينطبق هذا أيضًا على مجموعة كاملة من التضاريس الخفية في الصين، والمرافق الواسعة تحت الأرض التي توفر الحماية الكافية للمحافظة على قوة الصواريخ، ونشر الصواريخ المحمولة على البر، والقدرة على التواصل بشكل آمن من خلال وصول كتائب الإطلاق إلى شبكات الألياف البصرية الآمنة في مواقع معينة محددة سلفا.
ثانيا، إن الصواريخ بعيدة المدى التي تعمل بتقنية المعلومات هي أسهل بكثير وأرخص من حيث التطوير والتشغيل على اليابسة مقارنة بالمتغيرات المماثلة للغواصات والسفن السطحية والطائرات. ثالثا، إن إطلاق صواريخ من أعماق المناطق الداخلية لدولة كبيرة على غرار الصين يجعل أنواع معينة من الاعتراض (على سبيل المثال، مرحلة التعزيز) مستحيلة.
في مواجهة المنافسة المتزايدة من قبل الصين المُصمّمة والقادرة على متابعة سيناريوهات على غرار إكراه تايوان بطريقة لم يسبق لها مثيل، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على تحمل أتعاب النهج الأكثر تكلفة من الناحية التكنولوجية، بل المناهج التقليدية من الناحية الدفاعية. عوضا عن ذلك، يجب عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الدور الذي لعبته الصين في الفترة ما بعد الحرب الباردة، إذ أن تسليط الضوء على الصواريخ هي واحدة من أكثر الملامح التاريخية قوة التي وقع ترك أثرها. إن انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى يوفر إمكانيات مهمة.
العديد من المخاوف المتعلقة بمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لمنع انتشار الأسلحة قادمة من أوروبا بلا شك، في وقت لا توجد فيه قيود على أكثر التطورات العسكرية الجذرية والمزعزعة للاستقرار التي تحدث في شرق آسيا
قد يتساءل أي مختص استراتيجي في دراسة كوكب المريخ يراجع للمرة الأولى الظروف الأرضية، عن سبب مراقبة الولايات النمو السريع للصواريخ الصينية والتغيير الكبير الذي قد تحدثه في التوازن العسكري، أثناء قيامها بالقليل من التغيرات في القطاع. ما يمكن دون شك ملاحظته، هو أن الصين لم تقم بنشر أسطول من القوة الصاروخية الأكثر تعددا وتنوعا في العالم فحسب، بل قامت أيضا بتجهيز غواصاتها بالصواريخ التقليدية على حساب الطوربيدات.
يمكن أيضا التساؤل عن سبب إبقاء الولايات المتحدة طوعية، صواريخها بعيدة عن شرق آسيا، وقيامها بتسليح غواصاتها عالية التكلفة بالصواريخ النووية لكن مع عدد القليل من الصواريخ التقليدية. (تحتوي الفئة الفرعية الهجومية من طراز فرجينيا وحدة 5 على ستة أنابيب بقطر كبير ويمكنها حمل 42 صاروخ جوال من طراز توماهوك).
ما يمكن ملاحظته، هو أن العديد من المخاوف المتعلقة بمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لمنع انتشار الأسلحة قادمة من أوروبا بلا شك، في وقت لا توجد فيه قيود على أكثر التطورات العسكرية الجذرية والمزعزعة للاستقرار التي تحدث في شرق آسيا. هذا ما قد يفهمه المراقب الخارجي من القيود المفروضة من قبل معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى على العمليات الأمريكية في المنطقة.
انعكاسات هذه السياسة:
ماذا يمكن أن تفعل الولايات المتحدة حاليا بعد تحررها من قيود المعاهدة؟ أولاً، يمكنها استئناف تطوير واختبار الصواريخ متوسطة ووسيطة المدى التي لا تتطلب منصة بحرية أو سلاح جو للانتشار والاستخدام. لقد بدأ الاختبار في نطاق أرضي انسيابي متغير لصواريخ توماهوك، مما قد يسمح بالانتشار في غضون 18 شهرًا تقريبًا.
من المؤكد أن الجزر الأصغر قد تكون أقل فعالية في إخفاء التضاريس، لهذا السبب قد تواجه استضافة الصواريخ الأجنبية رد فعل شعبي وقد يقتصر الانتشار الأولي على منطقة غوام
في نهاية المطاف، ستختبر الولايات المتحدة صاروخًا باليستيًا متوسط المدى محمولًا في نطاق أرضي. بسبب افتقاره لإرث توماهوك المثبت منذ فترة طويلة، أو أي نظير أمريكي إثر المعاهدة، من المرجح أن يستغرق تطوير هذا الصاروخ الذي يتراوح مداه بين 3 آلاف و4 آلاف كيلومتر عدة سنوات.
ثانياً، يمكن للولايات المتحدة أن تبدأ في نشر الصواريخ الجوالة الأرضية والصواريخ البالستية حالما تصبح متاحة. إن الموقع الأكثر جاذبية وواقعية في آسيا والمحيط الهادئ يتمثل في منطقة غوام التابعة للولايات المتحدة، إلى جانب ممتلكاتها الأخرى في المحيط الهادئ، وتعتبر أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين أيضًا مواقع محتملة.
من المؤكد أن الجزر الأصغر قد تكون أقل فعالية في إخفاء التضاريس، لهذا السبب قد تواجه استضافة الصواريخ الأجنبية رد فعل شعبي وقد يقتصر الانتشار الأولي على منطقة غوام. ومهما كانت القيود التي قد تواجه الولايات المتحدة في بناء الصواريخ البالستية ذات النطاق الأرضي التي يتم إطلاقها في الخارج، مازال بإمكانها استئناف الاتفاقيات مع الحلفاء والشركاء من أجل السماح بالاعتماد السريع للصواريخ في مختلف الحالات الطارئة لدعم دفاعاتهم.
ثالثا، وفي مجال الردع العسكري الغامض، فإن زيادة الخيارات وإتاحة مجال للمناورة يجبر المنافسين والخصوم المحتملين على التفكير في أساليب جديدة وذلك عن طريق إيجاد عوامل تأخذ القدرات والإجراءات المحتملة بعين الاعتبار.
شرع الناطقون الرسميون ووسائل الإعلام التابعة للدولة الصينية في انتقاد تطوير الولايات المتحدة لصواريخ باليستية وسيطة المدى ومارسوا ضغوطا عليها وعلى حلفائها
إن انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى جعلها قادرة على طرح خيارات جديدة على الطاولة. لا تزال روسيا حرة في العمل مع الولايات المتحدة للحد من استخدام الأسلحة النووية والأسلحة الناشئة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وتحت سطح البحر، فضلا عن برنامجها الصاروخي الذي يعمل بالطاقة النووية والذي يتسم بخطورة فريدة من نوعها، والذي لا يخضع حاليا لأي اتفاق رسمي.
في صورة موافقة بكين على الجلوس على طاولة المفاوضات حول الحد من التسلح في نهاية المطاف بدلا من أن تنتظر قيام الآخرين بجميع التنازلات كما كان الحال سابقا، فإن ذلك سيكون ممكنا بسبب توفر خيارات جديدة لواشنطن، وليس لأنها تريد تقييد أيديها بشكل أحادي.
لقد شرع الناطقون الرسميون ووسائل الإعلام التابعة للدولة الصينية في انتقاد تطوير الولايات المتحدة لصواريخ باليستية وسيطة المدى ومارسوا ضغوطا عليها وعلى حلفائها، ولكن لا يجدر بالإدارة الأمريكية إيلاء اهتمام يذكر بهذه التحركات. في الحقيقة، لا ينبغي أن تتأثر واشنطن بالدعاية أحادية الجانب التي تؤسس لفكر يكرس النفاق والقائل إن “القضاة أحرار في إشعال الحرائق، في حين أن عامة الناس ممنوعون حتى من استخدام مصابيح الإضاءة”.
إعلان التقرير
تمثل هذه الخطوات واحدة من أكثر الطرق المباشرة لتعزيز أمن الولايات المتحدة والمصالح الإقليمية من خلال إعلاء قيمة الفيزياء ومدرجاتها، وتغريم المنافسين فيما يتعلق بالأسلحة المتقدمة، وتطمين الحلفاء والشركاء الإقليميين، وردع العدوان الصيني، فضلا عن التمتع بالخيارات المناسبة لمواجهة أي تهديدات أمنية في طور التبلور.
مع تزايد قبضة بكين وتنمرها على جيرانها وممارستها ضغوطا على الولايات المتحدة وحلفائها للاستجابة لمطالب أحادية الجانب، فإن إعادة ضبط حساب التفاضل والتكامل للقذائف العسكرية سيكون انتصارًا بحد ذاته
يمكن الاستنتاج أن التموقع العسكري الأمريكي الجديد الذي يتضمن تركيز بعض الصواريخ الباليستية وسيطة المدى التقليدية القابلة للحركة على جزيرة غوام، بالإضافة للقدرة على نشرها في وقت قصير نسبياً على مواقع أخرى، سيقدم مجموعة خيارات مفيدة وقادرة على إضفاء صعوبة على التخطيط العسكري الصيني مما سيولد تأثيرات ردعية ناجعة، على الرغم من محدودية هذه الخيارات.
مع تزايد قبضة بكين وتنمرها على جيرانها وممارستها ضغوطا على الولايات المتحدة وحلفائها للاستجابة لمطالب أحادية الجانب، فإن إعادة ضبط حساب التفاضل والتكامل للقذائف العسكرية سيكون انتصارًا بحد ذاته. وكما أوضح العرض العسكري الصيني للذكرى السنوية السبعين لتأسيس الحكم الشيوعي لتوه فمن الواضح أنه قد حان الوقت للعمل.
المصدر: ناشيونال إنتريست