اعتبر مخيم الهول الواقع في محافظة الحسكة في الشمال الشرقي من سوريا، نقطة توجه للمدنيين الفارين من المعارك الدائرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في العراق وسوريا، وسيطرت ميليشيا سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 على بلدة الهول والمخيم الذي يحيط بها، عقب طرد عناصر التنظيم من المنطقة.
وقتل عدد من نساء عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مخيم الهول بـ”قسم المهاجرات” برصاص ميليشيا سوريا الديمقراطية، وذلك عقب محاولة النساء تحرير أبنائهن الذين اعتقلتهم ميليشيا قسد خلال مداهمتها الحي.
ويأوي المخيم آلاف المدنيين الذين فروا من بلداتهم مع ارتفاع وتيرة المعارك ضد التنظيم في محافظات دير الزور والرقة والحسكة، والموصل العراقية. إلا أن ميلشيا سوريا الديمقراطية نقلت عائلات عناصر التنظيم الذين سلموا أنفسهم في الباغوز قرب دير الزور، إلى المخيم.
قسد: تتاجر وتستغل سكان مخيم الهول
يواجه قاطنو مخيم الهول عواقب تعد أكبر من موضوع نقص الخدمات والمواد الغذائية، إنه الاستغلال الذي تقوم به عناصر ميليشيا قسد المعروفة لدى الإدارة الذاتية بالقوى الأمنية التي تحرص على أمن المخيم كما تدعي، إلا أنها على العكس تمامًا باتت تتاجر بقاطني المخيم وتستغل حاجاتهم.
قسد تتاجر بسكان مخيم الهول
تظاهرت عشرات من نساء مخيم الهول في 30 من سبتمبر/أيلول على خلفية ممارسات القوى الأمنية التابعة لـ”قسد”، التي اعتقلت عدد من الأطفال دون التسع سنوات مما دفع أمهاتهم للمطالبة بإطلاق سراحهم إلا أن الميليشيات أطلقت النار على المتظاهرات.
وتحدث “نون بوست” مع الناشط مصطفى الخلف، في المنطقة الشرقية، الذي قال: “عناصر يتبعون لقسد أطلقوا النار على نساء المخيم في أثناء التظاهر، مما أدى لمقتل امرأة وإصابة سبعة نساء إصابات بالغة”، وأضاف “عمليًا قسد تستغل سكان المخيم وتقوم بإذلال النساء واحتجازهم أحيانًا بمنفردات خاصة نظرًا لمطالباتهن بتحسين الوضع المعيشي”.
مؤكدًا “عناصر قسد يعتقلون الأطفال ويقومون بعقاب جماعي بحجة أنهم أبناء تنظيم الدولة”، ويشهد مخيم الهول حوادث كثيرة بشكل شبه يومي، إذ تستغل عناصر الميليشيات النساء جنسيًا مقابل الحصول على الطعام أو بعض النقود، بحسب ما أكدت مصادر محلية لـ”نون بوست”.
وأشارت المصادر أن قسد تضيق على السكان من خلال قطع الماء والطعام وحليب الأطفال، وكذلك محاولة منعهم من الذهاب إلى المشافي الموجودة في المخيم، ويتاجر أشخاص محسوبون على قسد بالأعضاء البشرية عبر خطف الأطفال، حيث شهد منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي عملية اختطاف طفل دون العشر سنوات ووضعه في صندوق كرتوني بعد تخديره، وقبل عملية النقل اكتشف سكان المخيم العملية ونقلوا الطفل إلى المشفى، لتؤكد مصادر طبية أنه مخدر بشكل دقيق لتسهيل عملية الخطف.
من سكان مخيم الهول؟
يقيم في مخيم الهول نحو 70 ألف مدني بحسب الأمم المتحدة من مناطق سورية وعراقية مختلفة، وجنسيات عربية وأجنبية، لكن الغالبية العظمى من سكان المخيم سوريون وعراقيون فروا نتيجة المعارك الدائرة ضد تنظيم الدولة.
وخلال حديث “نون بوست” مع الصحفي فراس علاوي الذي ينحدر من محافظة دير الزور، قال: “يحتوي مخيم الهول على آلاف المدنيين الذين فروا من دير الزور والرقة في أثناء المعارك ضد تنظيم الدولة”، وأضاف: “كما يحتوي المخيم على عائلات عناصر التنظيم من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة”.
تقدر نسبة النساء والأطفال في مخيم الهول بنحو 93%
وأكد أن الكثير من الأهالي والعائلات التي سيطرت قسد على مناطقهم نقلوا إلى المخيم ومتّهمون بالانتماء إلى التنظيم، وأوضح: “حتى اللحظة لم يخضعوا لأي نوع من المحاكمات وضمن شروط تعسفية غير مناسبة خاصة أن هناك عائلات أغلبهم من النساء والأطفال”.
كما اعتقلت قسد العديد من العائلات على الحواجز التابعة لها واتهمتهم بالانتماء إلى تنظيم “داعش”، وهم الآن يخضعون للإقامة المؤقتة التي طال أمدها في المخيم دون إيجاد حل لهم أو نقلهم إلى بلداتهم وقراهم على الرغم من بسط سيطرتها عليهم، وأكد علاوي لـ”نون بوست”: “مصير هؤلاء المدنيين مجهول خاصة أنهم ما زالوا موجودين دون إيجاد حل أو محاكمتهم قانونيًا”.
وقسمت ميليشيا قسد مخيم الهول إلى سبعة أقسام من بينها عائلات تنظيم الدولة داعش، وكذلك بحسب الجنسيات التي ينتمون إليها، وخلال حديثه لـ”نون بوست” قال مصطفى الخلف: “المخيم كبير جدًا لذلك وضعت قسد أقسامًا له وتتم عملية التقسيم بين عائلات عناصر التنظيم والمدنيين الفارين من الحرب”.
يقول الصحفي فراس علاوي لـ”نون بوست”: “قسد تضغط على المجتمع الدولي من خلال المحتجزين لديها من عناصر التنظيم والعائلات مع اختلاف جنسياتهم، ويجب تحمل مسؤوليتهم ومساعدتها على الاستمرار باعتقالهم”
وأكد الخلف أن غالبية قاطني المخيم من الجنسية السورية والعراقية وهم مدنيون فروا من الحرب ولكن مصيرهم ما زال مجهولاً، وهذا ما تحاول قسد إظهاره أن كل سكان مخيم الهول عائلات من عناصر التنظيم أو مقربين منه، بينما لا يتجاوز عدد الأشخاص الذين ينتمون إلى عائلات عناصر تنظيم الدولة نحو 10 آلاف شخص، وتشكل نسبة الأطفال والنساء في مخيم الهول 93%، بينما لا يتجاوز عدد الرجال فيه الـ7% بحسب ما تؤكد التقارير والدراسات.
لماذا لا تخرج قسد المدنيين إلى بلداتهم؟
أخرجت ميليشيا قسد 140 نازحًا من النساء والأطفال وكبار السن من المخيم، في 1 من أكتوبر/تشرين الأول، وسيتم نقلهم إلى قراهم وبلداتهم في عين العرب ومحافظة دير الزور، وبحسب ما أكد الخلف فإن قسد أخرجت دفعتين من النساء وكبار السن: الأولى 70 شخصًا والثانية 60 آخرين بعد وساطة من العشائر في محافظة الرقة، وهي محاولة لتلميع صورة شيوخ العشائر الموالين لقسد ومجلس الرقة التنفيذي، وذكرت وسائل إعلام محلية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية خروج نحو 1313 مدنيًا من مخيم الهول منذ شهر يوليو/تموز الماضي.
يقول الصحفي فراس علاوي لـ”نون بوست”: “قسد تضغط على المجتمع الدولي من خلال المحتجزين لديها من عناصر التنظيم والعائلات مع اختلاف جنسياتهم، ويجب تحمل مسؤوليتهم ومساعدتها على الاستمرار باعتقالهم”، وهذا ما يؤكد التوجه الدولي الأوروبي وحتى العربي في زيارة ودعم ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية، وأكد: “أنها ورقة ضغط رابحة لمصالحها”.
من جانبه قال الناشط مصطفى الخلف: “قسد تحافظ على وجود المخيم لجعله شماعة إعلامية في العالم، وتهدد به المجتمع الدولي”، ذلك لتأكيد وجود تنظيم داعش وعناصره في المنطقة واحتمالية خروج خلاياه.
سكان الهول يموتون جوعًا
خصصت الأمم المتحدة 4.3 مليون دولار أمريكي، لتغطية احتياجات السكان في مخيم الهول، وبحسب بيان الأمم المتحدة في مايو/نيسان الفائت فإن هذا المبلغ سيخصص لتقديم الدعم الذي يشمل “الخيام والبطانيات ومياه الشرب ومواد النظافة الشخصية وعلاج سوء التغذية والرعاية الصحية الطارئة”، إلى جانب تمويل عملية توسيع القدرة الاستيعابية للمخيم.
سوء التغذية أدى إلى وفاة 390 طفلاً في الهول
وأضاف “قسد تستفيد من المساعدات التي تصل للمخيم من الأمم المتحدة والمنظمات، وتقوم بتوزيعها على عناصرها والقرى المقربة منها، بحجة انتماء سكان المخيم إلى تنظيم داعش”.
وأصدرت الأمم المتحدة تقريرًا في سبتمبر/أيلول الماضي، تحدث عن وفاة 390 طفلاً على الأقل بسبب سوء التغذية وعدم معالجة جروحهم، وأوضح باولو بينيرو، رئيس اللجنة المعنية بالتحقيق: “لا تزال غير كافية على الإطلاق”.
وقال المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يانس ليركيه خلال تقرير الأمم المتحدة: “المسؤولون عن هذه المخيمات لديهم موارد محدودة أيضًا، أقصد أنه يتم تعيينهم في أماكن لا يوجد فيها أشخاص جيدون مسؤولون، أو أشخاص مهتمون حقًا بمستقبل هؤلاء الأطفال أو أي شخص آخر في هذه المخيمات، بمن فيهم النساء”.
يواجه سكان مخيم الهول مصيرًا كارثيًا في ظل انتشار الأمراض والأوبئة وسوء التغذية، إلى جانب وجود نساء وأطفال من جنسيات مختلفة فقدوا هويتهم ولا يمكن تحديد الهوية التي ينتمون إليها ولا يملكون وثائق ولادة، إضافة إلى الكثافة السكانية وضعف القدرة الاستيعابية وعدم توافر خيم ومراكز إيواء وبطانيات مع اقتراب حلول فصل الشتاء، مما يهدد بكارثة إنسانية قد يشهدها المخيم، إذ كان يقطن المخيم سابقًا قبل المعارك ضد تنظيم الدولة “داعش” الـ10 آلاف مدني بينما الآن وصل العدد إلى 70 ألف، ولا تستطيع ثلاث نقاط طبية تأدية الخدمات.