يبدو أن تبعات استهداف معامل شركة أرامكو السعودية لم تتوقف عند الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انخفاض الإنتاج اليومي من المادة الخام إلى النصف فحسب، فالآثار الناجمة عن هذا الزلزال المدمر تجاوزت ذلك إلى إحداث تصدعات واضحة في جدار العلاقة بين ولي العهد محمد بن سلمان والأسرة الحاكمة.
حالة من الإحباط انتابت بعض أفراد الأسرة الحاكمة، في أعقاب التفجيرات، بشأن قيادة ولي العهد ومدى قدرته على حماية البنية التحتية النفطية لأكبر منتج للمادة النفطية الخام في العالم وفق ما نقلت وكالة “رويترز” عن بعض المصادر التي تربطها علاقات وثيقة مع العائلة المالكة.
وكانت هجمات متفرقة قد استهدفت في الـ14 من سبتمبر/أيلول الماضي وحدتين لمعالجة النفط لشركة أرامكو السعودية العملاقة، مما أدى في بادئ الأمر إلى توقف نصف إنتاج المملكة من النفط، وهو ما يمثل 5% من إنتاج النفط العالمي، فيما ألقت الرياض بالمسؤولية على إيران، وهو نفس ما توصل إليه الأمريكيون، غير أن مسؤولين إيرانيين نفوا تورط بلادهم.
استياء شديد
الوكالة نقلت عن دبلوماسي أجنبي كبير وخمسة مصادر تربطهم علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال – بعدما طلبوا جميعًا عدم نشر أسمائهم – أن حالة من القلق خيمت على عدد من الفروع البارزة في عائلة آل سعود بعد التفجيرات مباشرة، وأن مستقبل حماية الدولة وممتلكاتها بات محل شك لدى الكثير منهم.
فرع من الأسرة يعتقد أن ما حدث كان نتيجة طبيعية للموقف العدائي المبالغ فيه تجاه إيران، فيما قال أحد المصادر وهو أحد أفراد النخبة السعودية الذي تربطه صلات بالعائلة المالكة، “ثمة حالة استياء شديد” من قيادة ولي العهد، “كيف لم يتمكنوا من رصد الهجوم؟”.
هذا الشخص أضاف أن بعض الأسماء في أوساط النخبة يقولون إنهم “لا يثقون” بمحمد بن سلمان، الأمر الذي أكدته المصادر الأربع الأخرى والدبلوماسي الكبير، وهو ما يتماشى مع تسريبات سابقة كشفتها بعض وسائل الإعلام، التي ربما كانت سببًا رئيسيًا في حملة الاعتقالات الأخيرة التي شنها ولي العهد ضد بني عمومته التي عُرفت إعلاميًا باسم “اعتقالات القصر”.
لم تكن تفجيرات أرامكو وحدها السبب الذي أدى إلى حالة الاستياء المتصاعدة ضد نجل سلمان، فالسياسات التي يتبعها منذ تصعيده قبل 4 أعوام ألقت بظلالها القاتمة على المشهد السعودي في مختلف الأصعدة، لا سيما خضوعه للابتزاز الأمريكي للحفاظ على كرسيه، أو ضرب مرتكزات الدولة الوطنية التي كانت تقوم في أحد أعمدتها على الالتزام بالثوابت الدينية التي أطاح بها الأمير الشباب تحت دعاوى الانفتاح والليبرالية في محاولة لمغازلة الغرب.
هذا بخلاف تضييق الخناق على الصوت الداخلي، وتحميل المواطن السعودي فوق طاقته عبر موجات متتالية من ارتفاع الأسعار وزيادة الرسوم والمعاملات، في الوقت الذي تتزايد فيه معدلات البطالة رغم مخطط السعودة الذي يبدو أنه فشل في تحقيق أهدافه بصورة غير متوقعة.
حالة من القلق خيمت على الشارع السعودي بسبب استهداف أرامكو
اهتزاز الثقة
رغم أن استهداف مواقع حيوية في المملكة ليس الأول من نوعه، إذ اخترق الحوثيون المجال الجوي السعودي وأحدثوا خسائر باهظة في الأرواح والممتلكات على مدار السنوات الأربعة الماضية، منذ انطلاق عمليات التحالف العربي الذي تقوده المملكة في مارس 2015، فإن ما حدث قبل أسبوعين مع أرامكو يعد الأسوأ على الإطلاق.
وسواء انطلقت الصواريخ التي استهدف الشركة السعودية العالمية من العراق أو اليمن، فإن وقوف إيران خلفها أمر غير قابل للشك وفق الكثير من المحللين، ويعد الأجرأ على إصابة الجانب السعودي في عمقه النفطي الذي يمثل ثقله الإقليمي والعالمي، وهو ما أحدث هزة في سوق النفط العالمية.
الإصابات البالغة التي تعرضت لها أرامكو بجانب أنها أثارت حالة من الاستياء داخل الشارع السعودي بوجه عام والأسرة المالكة بوجه خاص، فإنها في الوقت ذاته أحدث هزة قوية في منسوب الثقة في قدرة ولي العهد على الدفاع عن مقدرات وثروات المملكة.
الباحث لدى مؤسسة تشاتام هاوس البحثية في لندن نيل كويليام، وهو خبير في شؤون السعودية والخليج، أشار إلى أن “هناك تقلصًا في الثقة في قدرات الأمير على تأمين البلاد، وهذه نتيجة لسياساته”، مشيرًا إلى أن ابن سلمان يشرف على السياسة الخارجية والأمنية والدفاعية.
علاوة على ذلك فإن السياسة الحمائية التي ينتهجها الرجل عززت من تشويه صورة المملكة خارجيًا، ولعل الانتقادات التي تتعرض لها البلاد أمميًا جراء الانتهاكات الممارسة في اليمن، بجانب حملات الاعتقالات والترهيب الداخلية بدعوى محاربة الفساد أو التطرف، أكبر دليل على تعرض سمعة الأمير والسعودية لشروخات من الصعب مداواتها في الوقت الراهن.
ووفقًا لأربعة من المصادر التي لها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال فإن الهجوم الذي تعرضت له المملكة كان نتاجًا منطقيًا للسياسة الخارجية العدائية التي ينتهجها الأمير السعودي تجاه إيران وتورطه في حرب اليمن، كما عبروا عن شعورهم بالإحباط لأن ولي العهد لم يتمكن من منع الهجمات، رغم إنفاق مئات مليارات الدولارات على الدفاع.
وتتصدر السعودية قائمة الدول العربية والشرق أوسطية الأكثر تسليحًا، وبالأرقام بلغ المعدل السنوي للإنفاق العسكري السعودي في السنوات العشرة الماضية نحو 26% من إجمالي الإنفاق الحكومي، بواقع نحو سبعين مليار دولار عام 2017، وهو ثالث أكبر إنفاق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة والصين آنذاك، حسب بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام.
استعداء من أجل الكرسي
منذ تنصيب سلمان بن عبد العزيز ملكًا في يناير 2015 خطط نجله الأكبر محمد لخلافته منذ الوهلة الأولى، وفي سبيل هذا الهدف أطاح بالكثير من أبناء عمومته وأعمامه ممن هم أحق بالولاية منه، فكانت البداية حين أزاح الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد ووزارة الداخلية قبل عامين، وكان لولي العهد السابق خبرة لنحو 20 عامًا في المناصب العليا بالوزارة التي كانت مسؤولة عن الشرطة المحلية والاستخبارات.
الخطوة الثانية حين أطاح بالأمير متعب بن عبد الله الذي كان يشرف على قيادة الحرس الوطني ويتولى قيادته فعليًا منذ عام 1996، وفي نهاية المطاف حل محله في أواخر العام الماضي الأمير عبد الله بن بندر بن عبد العزيز وكان عمره آنذاك 32 عامًا وكان نائب أمير منطقة مكة لمدة تقل عن عامين وقبل ذلك كان يعمل في الأعمال التجارية.
ثم جاءت حركة الاعتقالات التي شملت عشرات الأمراء لتعزز حالة العداء الأسري ضد الأمير الطامح في خلافة والده بأي ثمن، وإن لم يترجم هذا العداء إلى مواقف وتصريحات، إلا أن التسريبات التي خرجت تكشف حالة الاحتقان الموجودة جراء هذا السلوك العدواني من ولي العهد.
الأمر تجاوز نطاق الأسرة التي ربما تهدد مستقبل ابن سلمان في خلافة والده على الكرسي، إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تخلص الرجل من العديد من الدوائر الأمنية والعسكرية والمخابراتية وجاء بموالين له، بعضهم ليس لديه خبرات كافية لتولي مثل هذه المواقع الحساسة، وهو ما زاد معدلات الاستياء كذلك.
استياء داخل الأسرة الحاكمة من سياسات ابن سلمان
أحمد بن عبد العزيز.. هل يكون البديل؟
رغم حالة الاستياء الشديدة جراء سياساته، فإنه على الأرجح لن تعارض الأسرة بقاء ابن سلمان في الحكم وفق ما ذكر سعوديون مطلعون ودبلوماسيون غربيون، على الأقل طالما بقي والده على قيد الحياة، مع الإقرار بأنه من غير المحتمل أن ينقلب الملك على ولده المدلل الذي نقل إليه معظم مسؤوليات الحكم.
ومما يزيد من صعوبة مواجهة ولي العهد قبضته المحكمة على هيكل الأمن الداخلي، الذي نجح خلال السنوات الماضية في إعادة تدويره ورسم ملامحه بما يتناسب مع سياساته ويضمن له الولاء، خاصة بعدما تخلص من العناصر والقيادات التي كانت ربما تمثل له تهديدًا مستقبليًا.
ورغم ذلك فإن الحديث عن البديل المحتمل لم يفارق طاولات اجتماع الأسرة الحاكمة ولا الشارع السعودي، إذ ينظر بعض الأمراء إلى أحمد بن عبد العزيز، الأخ الوحيد على قيد الحياة للملك سلمان، كالاسم المقترح لأن يكون بديلاً يحظى بدعم أفراد الأسرة والجهاز الأمني وبعض القوى الغربية، على حد قول اثنين من المصادر الخمس التي تربطها علاقات بالنخبة السعودية، وفق ما ذكرت الوكالة الإنجليزية.
“ينظرون جميعًا إلى الأمير أحمد (77 عامًا) ليروا ما سيفعل، لا تزال العائلة تعتقد أنه الوحيد الذي يستطيع الحفاظ عليها”، هكذا قال أحد رجال الأعمال الكبار المقربين من الأسرة، مع العلم أن لا يوجد دليل على أن شقيق العاهل السعودي مستعد للقيام بهذا الدور وهو الذي اختار لنفسه أن يكون بعيدًا عن الأنظار منذ عودته إلى الرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2018 بعد أن أمضى شهرين ونصف الشهر في الخارج.
يذكر أن الأمير أحمد كان من بين ثلاثة أشخاص فقط في هيئة البيعة التي تضم كبار أفراد الأسرة الحاكمة، عارضوا أن يصبح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد في العام 2017، بحسب مصدرين سعوديين في ذلك الحين، ولعل هذا يفسر غيابه أو تغييبه عن الساحة طيلة الفترة الماضية.