حَمي وطيس المواجهة بين ترامب وقادة الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي على خلفية ما أُثير من شبهات محورها الاتصال بين ترامب والقيادة الأوكرانية، ومع إعلان البدء في إجراءات محاكمة برلمانية قد تُفضي إلى عزل ترامب، انتهج ترامب سياسة الهجوم المضاد للدفاع عن نفسه، ورد بالقول: “ما يجري لا يعدو إلا أن يكون محاولة انقلابية ترمي إلى سيطرة الديمقراطيين على الحكم”.
ما هو أبعد من مجرد مكالمة هاتفية
مع إعلان الديمقراطيين البدء رسميًا بتحقيقات بهدف عزل ترامب، فتحت الشكوى المتعلقة باتصال ترامب بنظيره الأوكراني الباب على مصراعيه لسيل من التسريبات الجديدة التي قد يرى الديمقراطيون فيها دعمًا لمساعيهم، ويرى فيها آخرون مزيدًا من المتاعب للرئيس الأمريكي.
آخر هذه التسريبات تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” بأن الرئيس ترامب ضغط على رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون ليساعد وزير العدل الأمريكي وليام بار في جمع معلومات تهدف إلى التشكيك في مصداقية تحقيقات مولر المتعلقة بمزاعم استفادة ترامب من دعم روسي في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016، التي فاز بها ترامب أمام هيلاري كلينتون. ولم تثبت نتيجة التحقيق، التي نشرت في أبريل/ نيسان الماضي، ضلوع حملة ترامب في جريمة التأثير على نتيجة الانتخابات.
في تحقيق آخر لصحيفة “واشنطن بوست”، كشف أن وزير العدل عقد بالفعل اجتماعات خاصة في الخارج مع مسؤولي أجهزة استخبارات أجنبية للحصول على مساعدتهم في تحقيق لوزارة العدل
وأثارت هذه القضية الجدل بسبب اقتصار الاطلاع على فحوى المكالمة بين ترامب وموريسون على عدد قليل من مساعدي ترامب في البيت الأبيض، خلافًا للتقاليد البروتوكولية المعتادة، وهو ما أثار قلقًا من أن البيت الأبيض حاول محو أثر مكالمات ترامب مع قادة دول أجنبية.
ومع تصاعد المخاوف في أستراليا من احتمال أن يكون رئيس الوزراء قد حاول مساعدة ترامب في تشويه سمعة خصوم سياسيين، قلل موريسون من أهمية مكالمة هاتفية مع ترامب، ووصفها بـ”المقتضبة والعادية”، في حين أكد متحدث حكومي أن موريسون تلقى فعلاً طلبًا بذلك، وأنه وافق على المساعدة.
في تحقيق آخر لصحيفة “واشنطن بوست“، كشف أن وزير العدل عقد بالفعل اجتماعات خاصة في الخارج مع مسؤولي أجهزة استخبارات أجنبية للحصول على مساعدتهم في تحقيق لوزارة العدل، التي يأمل ترامب من خلالها أن يشوّه تدقيق الاستخبارات الأمريكية في علاقات محتملة بين روسيا وأفراد في حملته خلال انتخابات عام 2016.
الصحيفة الأمريكية أشارت إلى أنّ بار قام بمبادرات تجاه مسؤولي الاستخبارات البريطانية، كما أنه سافر، الأسبوع الماضي، إلى إيطاليا، حيث التقى والمحامي جون دورهام (الذي كُلّف بمراجعة عمل الاستخبارات الأمريكية المحيطة بانتخابات عام 2016 وما بعدها) بكبار المسؤولين في الحكومة الإيطالية، وطلب منهم مساعدة المحامي دورهام.
الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون
لم تكن هذه الرحلة الأولى لبار إلى إيطاليا للقاء مسؤولي الاستخبارات، بحسب ما أكد شخص مطلع على الموضوع، لهذا من المرجَّح أن يثير تورط بار شخصيًا في المسألة، مزيدًا من الانتقادات من الديمقراطيين، بأنه يساعد إدارة ترامب على استخدام صلاحيات السلطة التنفيذية لزيادة التحقيقات التي تستهدف خصوم الرئيس في المقام الأول.
في حين أفاد تقرير لصحيفة “وال ستريت جورنال” بأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو من بين المسؤولين في الإدارة الأمريكية الذين استمعوا لاتصال ترامب مع نظيره الأوكراني في 25 من يوليو/تموز الماضي، وهو أمر يربط وزارة الخارجية عن كثب بالتحقيق الذي يقوده مجلس النواب في هذا الشأن.
بومبيو قال، الأسبوع الماضي، إنّه لم يقرأ حتى الآن تقريرًا مسربًا من الشخص المبلّغ عن الاتصال بالكامل، لكنه قال إن تصرفات مسؤولي وزارة الخارجية، على حد علمه ووفقًا لما رآه، كانت “مناسبة ومتناسقة تمامًا” مع جهود الإدارة لتحسين العلاقات مع أوكرانيا.
كما دخلت أطراف خارجية أخرى على خط الأزمة، فقد كشف مصدر لشبكة “سي إن إن” الأمريكية أن البيت الأبيض يقيد الوصول إلى نص المكالمات الهاتفية التي أجراها ترامب مع كل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالإضافة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
اتخذ الديمقراطيون أحدث خطوة ضمن الجهود المبذولة لعزل الرئيس من منصبه، حيث أصدرت 3 لجان في مجلس النواب الأمريكية أمر استدعاء لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والمبعوث الخاص الأمريكي إلى أوكرانيا كورت ووكر
وفيما يتعلق بالمكالمات مع ولي عهد السعودية، قال المصدر إن المسؤولين الذين لهم صلاحيات للاطلاع على نصوص المكالمات التي تجري مع القادة الأجانب بصورة طبيعية، لم يروا أيًا من هذه النصوص، ونص المكالمات لم يذع نهائيًا، واصفًا إياه بأنه أمر “غير عادي” بعد مكالمة مع شخصية مهمة.
وفيما يتعلق بالاتصالات بين ترامب وبوتين، فإنه ووفقًا لمسؤول سابق في الإدارة الأمريكية، قُيّد الوصول إليها، وليس من الواضح إن كانت هذه الإجراءات هي ذاتها التي فرضت على مكالمات بين ترامب والرئيس الأوكراني، في حين قال بوتين إنه يؤيد نشر نص المحادثات الهاتفية، وأنه طلب من إدارة ترامب نشر تفاصيل محادثته معه خلال قمة هلنسكي بفنلندا في يوليو/تموز 2018.
وتدعم هذه التسريبات إجراء المحاكمة البرلمانية، وهي عملية سياسية وليست قضائية، لذا كلما أظهر الديمقراطيون انتهاكات أخلاقية، فإن نظامًا حكوميًا أمريكيًا بأكمله يُستخدم للضغط على حكومات أجنبية لأسباب سياسية، وهذا يقدم حجة قوية للديمقراطيين ويتخطى الحديث عن مكالمة واحدة تتعلق بالدعم العسكري لأوكرانيا، ليصبح السؤال مُلحًا عن المصالح الأمريكية التي تهددت بسبب أهداف الرئيس السياسية والشخصية.
مساعي عزل ترامب تتسارع
“هذه أوقات حزينة جدًا للأمريكيين”، بهذه الكلمات افتتحت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي مؤتمرًا صحفيًا غير اعتيادي إلى جانب رئيس لجنة الاستخبارات في المجلس آدم شيف، لتذهب إلى القول: “لا يوجد ما هو مفرح في بدء إجراءات محاكمة برلمانية تهدف إلى عزل رئيس الولايات المتحدة”.
بيلوسي وضعت بدورها الخطوط العريضة لهذه المجريات بأن الرئيس ترامب قوَّض الأمن القومي الأمريكي ونزاهة العملية الانتخابية، وأن تصرفات هذا الرئيس تمثل هجومًا على الدستور، وقالت: “في اللحظة التي حصلنا على اعتراف بذلك لم يكن أمامنا إلا المضي في إجراءات عزل ترامب”.
رغم تصريحات ومحاولات بومبيو، فإن المفتش العام لوزارة الخارجية الأمريكية طلب اجتماعًا عاجلاً ليقدم خلاله إلى الكونغرس وثائق متعلقة بأوكرانيا
في حين رسم آدم شيف الطريق الذي سيسلكه الديمقراطيون بالتشديد على أن أي محاولة من وزير الخارجية مايك بومبيو والرئيس أو أي شخص آخر لإعاقة المسؤولين الحاليّين أو السابقين الذين يعتزمون تقديم شهاداتهم سيُعد عرقلة للعدالة، مشددًا في الوقت نفسه على ضرورة حماية هوية ضابط الاستخبارات الذي تقدَّم بالشكوى بشأن مكالمة بين ترامب ونظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.
“شيف” عبَّر أيضًا عن القلق العميق حيال الجهود التي يبذلها ترامب وبومبيو ربما للتدخل في شهادة المسؤولين الذين تم استدعاؤهم للمثول أمام لجنة نيابة، الذين وردت أسماء العديد منهم ضمن شكوى المخبر، مشيرًا إلى أنهم إذا كانوا سيمنعون الشهود من الإدلاء بشهاداتهم بشأن الدعاوى الواردة في شكوى ضابط الاستخبارات، فإن ذلك سيوحي بأن هذه الادعاءات صحيحة.
تصميم شيف وبيلوسي يأتي في وقت يدافع فيه مايك بومبيو عن الرئيس دونالد ترامب، واصفًا استدعاء الديمقراطيين في الكونغرس بـ”محاولة ترهيب لدبلوماسيي وزارة الخارجية”، في حين أقر في الوقت نفسه أنه كان يستمع بالفعل في أثناء مكالمة ترامب وزيلينسكي ودافع عن فحواها.
المشرعون الأمريكيون يراجعون شكوى ضد الرئيس
ورغم تصريحات ومحاولات بومبيو، فإن المفتش العام لوزارة الخارجية الأمريكية طلب اجتماعًا عاجلاً ليقدم خلاله إلى الكونغرس وثائق متعلقة بأوكرانيا، وهو الأمر الذي فتح باب التوقعات على مصراعيه بشأن فحوى تلك الوثائق وتأثيرها المحتمل في الجدل المستمر بشأن أداء الرئيس ترامب واستمراره في منصبه “سيدًا” للبيت الأبيض.
وكان الكونغرس الأمريكي، قد بدأ قبل أيام التحقيق في تفاصيل المكالمة الهاتفية التي طالب فيها ترامب – حسبما ورد في تفريغ محتوى المكالمة – بإعادة فتح التحقيق مع نجل نائب الرئيس السابق جو بايدن والمرشح المحتمل في انتخابات الرئاسة المقبلة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عزل الرئيس ترامب إذا ثبت تورطه في مطالبة رئيس دولة أجنبية بالتدخل في مسار الانتخابات الأمريكية واستغلال منصبه لتشويه سمعة خصمه السياسي.
وإذا تم تأكيد هذه التهم في مجلس النواب، سوف يتم تحويلها إلى مجلس الشيوخ، وهو بدوره سيتخذ القرار النهائي بشأن مصير رئيس الدولة، إلا أن الأغلبية في مجلس الشيوخ في صف حزب ترامب الجمهوري.
سياسة الهجوم المضاد
على خلفية شكوى المخبر والتسريبات المتسارعة، انتهج ترامب سياسة الهجوم المضاد دفاعًا عن نفسه، فواصل ترامب هجومه المتصاعد ضد أحد المبلغين الذين اتهموه بالضغط على أوكرانيا للتحقيق مع خصومه السياسيين، حتى مع ظهور أدلة جديدة يوم الإثنين على أنه هو وإدارته يحثون الحكومات الأخرى على تقديم المساعدة للتحقيق ذي الصلة بوزارة العدل.
وقال ترامب إنه كان يحاول معرفة هوية المخبر الذي قال إنه يقدم إفادات “خاطئة”، وقال في تصريحات للصحفيين: “ما قلته للرئيس الأوكراني كان ممتازًا، لكن المخبر قدَّم إفادة مختلفة تمامًا، وجعل ما قلته يبدو سيئًا”.
بينما يواجه ترامب اتهامات متزايدة بارتكاب مخالفات، بدا أنه يقود جهوده الدفاعية، إلى حد كبير من حسابه على “تويتر”
وفي خطوة أخيرة ضمن هجوم مضاد مضطرب بشكل متزايد، واصل ترامب، يوم الأربعاء، هجومه على كبار الديمقراطيين الذين يقودون تحقيق الإقالة، داعيًا في تغريدة على حسابه بموقع تويتر، إلى القبض على الرئيس الديمقراطي للجنة الاستخبارات بمجلس النواب آدم شيف بتهمة “الخيانة“.
وانتقد ترامب مرارًا وتكرارًا التحقيق الذي وجهته إليه المحكمة، الذي كان مدفوعًا بمكالماته الهاتفية مع الرئيس الأوكراني، واتهم جهود عزل الديمقراطيين بأنها “لا أساس لها من الصحة وتحمل دوافع سياسية”، وقال إنهم حاولوا عزله منذ يوم انتخابه.
بينما يواجه ترامب اتهامات متزايدة بارتكاب مخالفات، بدا أنه يقود جهوده الدفاعية، إلى حد كبير من حسابه على “تويتر”، حيث وصف مساعي الإقالة في تغريدة بأنها “أعظم مطاردة ساحرات في تاريخ بلادنا”.
تؤيد شريحة كبيرة من الأمريكين إجراءات مساءلة ترامب
ترامب اعتبر أيضًا إجراءات الإقالة، انقلابًا على الشعب، وكتب على حسابه في تويتر: “يزيد اقتناعي يومًا بعد آخر بأن ما يحدث ليس إجراءات عزل، بل انقلاب يهدف إلى نزع السلطة من الشعب وحرمانه من صوته ومن حريته وتعديله الثاني (الخاص بالسماح بحمل السلاح) والدين والجيش والجدار على الحدود، ومما منحه الرب له من حقوق كمواطن في الولايات المتحدة الأمريكية”.
As I learn more and more each day, I am coming to the conclusion that what is taking place is not an impeachment, it is a COUP, intended to take away the Power of the….
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 1, 2019
يأتي هذا في حين اتخذ الديمقراطيون أحدث خطوة ضمن الجهود المبذولة لعزل الرئيس من منصبه، حيث أصدرت 3 لجان في مجلس النواب الأمريكية (الاستخبارات والشؤون الخارجية والرقابة) أمر استدعاء لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو والمبعوث الخاص الأمريكي إلى أوكرانيا كورت ووكر الذي ورد ذكره في الشكوى، وكذلك محامي ترامب الخاص رودي جلولياني لتسليم وثائق ومعلومات بشأن مساعيهم لحمل الحكومة الأوكرانية على فتح تحقيق في مزاعم الفساد ضد نائب الرئيس السابق والمرشح الرئاسي المحتمل جو بايدن.
على خلفية هذه الخطوة، شنت إدارة الرئيس الأمريكي هجومًا عنيفًا على التحقيق الرامي لعزل ترامب، شكَّك مايك بومبيو في أن تكون صلاحيات اللجان النيابية الثلاث التي تجري التحقيق، تخوّلها استدعاء دبلوماسيين للإدلاء بإفاداتهم حول ما بات معروفًا بـ”فضيحة أوكرانيا”، أو تتيح لها الطلب من الدبلوماسيين تسليمها الوثائق الرسمية حول أوكرانيا.
وفي رسالة وجهها إلى الكونغرس، قال بومبيو إن المسؤولين الخمسة لن يستجيبوا لطلب المثول أمام اللجان الأسبوع المقبل، وتابع: “لن أكون متسامحًا مع تكتيكات كهذه، وسأستخدم كل ما لدي من وسائل لمنع وفضح كل محاولة لترهيب المهنيين المتفانين الذين أفتخر بقيادتهم”.
هذه الهجمات تأتي أيضًا في الوقت الذي ناضل فيه أنصار ترامب من أجل التوصل إلى إستراتيجية واضحة للرد على تهديد سريع الحركة ومتصاعد بسرعة لرئاسته، بينما تعثر بعض المسؤولين الجمهوريين في الأيام الأخيرة في محاولاتهم للدفاع عن تعاملات ترامب مع أوكرانيا، ودفع آخرون البيت الأبيض لتقديم المزيد من التوجيه للمدافعين عن طريق تنظيم جهود الاستجابة لتحركات الديمقراطيين، ما يعني أن جهود مقاومة المساءلة المخصصة التي تطورت بشأن ترامب تؤكد الخطر الذي يواجهه الرئيس.