سراى نامة .. الغازى والدرويش

Screen Shot 2014-06-13 at 12

إذا أردت أن تبنى دولة أو تسترد ملكًا زال فانظر لماضيك .. انظر للنقاط المضيئة فى تاريخك ومواضع قوة أجدادك لتتحمس وتزداد عزيمة على نيل مرادك .. انظر لمواضع الضعف ومكامن الذل والهوان لتتعلم من أخطاء أسلافك وتتجنبها وتعالجها.

هذا بالضبط ما قام به الكاتب الشاب “محمد عبد القهار” في روايته سراي نامة فالكل ينظر للجزء الأول ويركز على فترة النبوة والخلافة الرشيدة وعدل ابن عبد العزيز وأمجاد الفاتح والقانوني وعبد الحميد الثاني، ويتغافل ويغض النظر عن مكامن الضعف والفساد اللذين نخرا في جسد الدولة الإسلامية حتى تفككت بسقوط الخلافة على يد أتاتورك، ولكن في هذه الرواية التاريخية يُبدع الكاتب بتركيزه على مكامن هذا الضعف وأسباب هذا الفساد الذي انتشر في الدولة وأودى بها إلى الفناء.

أتبحث عن الإفادة فعلاً من التاريخ إليك “سراي نامة” حيث استطاع الكاتب بكل روعة وتميز عن طريق أسلوب سلس ولغة أقل ما توصف به هي الفخامة أن يسقط الضوء على التاريخ المنسي للمسلمين فترة الخلاف والقتال على الملك بين سلاطين آل عثمان مسلطًا الضوء على دسائس الحريم التي أودت بالدولة وعلى قانون الفاتح الذي ينص على أن يقتل السلطان إخوته تجنبًا للفتنة .. أوليست الدماء نفسها فتنة!

“داوود يقتل رفاقه ويقول سياسة، وأنتِ تريدين قتل أبناء أخي وتقولين سياسة، وأبي قتل إخوته وقال إنه نظام العالم .. ألا يوجد في هذه السَّرَايْ من لم يُلطخ يده بالدماء بعد؟”.

الرواية تبين الواقع المرير وفساد الحاشية والنخبة المسيطرة على الدولة ومهادنة شيخ الإسلام للسلطان وتقربه إليه، غازى طموح هو سلطان شاب يطمح في استرداد أمجاد الغزاة الفاتحين، ولكنه يكتشف أنه منغمس في المؤامرات والدسائس التي تورط فيها ليثبت ملكه ويسترد أمجاد أجداده.

الرواية التى بُنيت على أحداث حقيقية في ربع القرن السابع عشر الميلادي الأول عند وفاة السلطان أحمد وتؤرخ أو تسرد الصراع المتتابع على كرسي السلطنة من بعده  ..الرواية التي تتحدث عن الصراع داخل الدولة وكيف يحاول كل طرف إقصاء الآخر وتتحث عن فساد حاشية السلطان والتي تنافقه لتتقرب منه مهما كان لتضمن حصتها من الثروة والسلطة ورحلة تلك الحاشية في إقصاء كل مصلح والإبقاء على عملائهم فقط.

“فالسلطان إذا وثب على السلطان بطش بقدر الحاجة لأنه يريد دولة قوية، أما القولار إذا وثبوا على سلطانهم فلن يغمدوا سيوفهم حتى يشبعوا شهوتهم ويحوزوا الغنائم إلى بيوتهم ويقتل بعضهم بعضا”.

الرواية هى من أروع ما ستقرأ في التاريخ وتناطح أفضل ما كُتب في هذا المجال مثل ثلاثية غرناطة للأديبة رضوى عاشور .. الكاتب يستخدم موهبته الأدبية التي تحلى بها في صياغة عمل مبهر فعلاً .. العمل قائم على أسلوب “الفلاش باك” أو ما يمكن أن نسميه تبادل الأحداث، فالكاتب يقفز بك من مكان لآخر من موقف لغيره ليجعلك مُثار بالكامل لتنهى تلك التحفة الأدبية التي لا مثيل لها.

“هناك أعمال تتمنى لو أن تنتهى بمجرد البدء فيها وأخرى تتمنى لو كانت عدد صفحاتها بالآلاف حتى لا تنتهي من فرط روعتها و”سراى نامة” من النوع الثاني”.

الرواية تنتهى بمشهد تراجيدى .. انقلب الإنكشارية على السلطان وقتلوه ثم انقلبوا على بعضهم البعض حتى تولى مراد السلطنة.

ختامًا .. الرواية عمل أدبى فذ برغم أنها باكورة أعمال صاحبها .. الأسلوب جيد جدًا اللغة فخمة والحبكة الدرامية موجودة .. الرواية في مضمونها العام جيدة جدًا لأنها ألقت الضوء على حقبة منسية أو متغافل عنها.