في اليوم الثالث من شهر أكتوبر عام 1932، تم الاحتفال برفع العلم العراقي فوق سارية مقر عصبة الأمم المتحدة مع أعلام الدول الأعضاء كبلدٍ مستقل بذاته، حينها قال الملك العراقي فيصل الأول “العراق أصبح حرا طليقا، لا سيد عليه غير إرادته… نحن أحرار، مستقلون لا شريك لنا في مصالحنا ولا رقيب علينا بعد دخولنا عصبة الأمم إلا الله”، ليصبح هذا اليوم عيدًا وطنيًا لاستقلال العراق عن الانتداب البريطاني.
إلا أن حكومة الانقلاب العسكري بقيادة عبد الكريم قاسم، عام 1958، ألغت الاحتفال بذكرى هذا اليوم كعيدٍ وطني للعراق. وجعلت الاحتفال بالعيد الوطني هو ذكرى يوم وصولها إلى الحكم، حتى أن نوري السعيد قتل وسحلت جثته وهو من الذين عملوا على إدخال البلاد ضمن عصبة الأمم في أيام الاستقلال، وتأتي الذكرى الـ 87 لإنهاء الانتداب الإنجليزي على البلاد في ظل تساؤلات عديدة عن مدى استقلال البلاد حاليا في ظل المتغيرات التي عصف بالعراق منذ ذاك الوقت.
ومنذ الاستقلال حتى اليوم مر العراق بأحداث وحركات كبيرة، حيث تعاقب عليه رؤساء وحكومات وصلوا إلى الحكم بأشكال مختلفة. في هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز الحركات والانقلابات العسكرية التي مرت على هذا البلد العربي الذي كان مهدًا لأول انقلاب عسكري في البلدان العربية والشرق الأوسط.
انقلاب بكر صدقي
في 29 أكتوبر 1936، دوت انفجارات متتالية في العاصمة العراقية بغداد، بالتزامن مع تحليق الطيران الذي ألقى مناشير تحمل توقيع الفريق بكر صدقي، واصفًا نفسه فيها بـ”قائد القوة الوطنية الإصلاحية”، وتضمن بيان صدقي: “إن الجيش المؤلف من أبنائه، نفد صبره من الحال التي يعانيها من جراء اهتمام الحكومة الحاضرة بمصالحها وغاياتها الشخصية”،
وطالب صدقي الملك إقالة الحكومة وتشكيل وزارة من أبناء الشعب المخلصين برئاسة حكمت سليمان. في ذلك الوقت استقالت الحكومة وكلف الملك غازي السياسي حكمت سليمان بتأليف الوزارة الجديدة. وكانت هذه الحركة أول انقلاب عسكري تشهده البلاد العربية، وحينها دعمت الحكومة افتتاح جريدة اسمها “الانقلاب”.
انقلاب 1958
أطاح هذا الانقلاب العسكري بالملكية العراقية فاتحًا الطريق أمام تأسيس الجمهورية المستمرة حتى يومنا هذا، وبهذا الانقلاب تم إعدام كل من الملك فيصل الثاني وولي العهد عبد الإله ورئيس الوزراء نوري سعيد، وفيه تولى العميد عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع فيما تقلد العقيد الركن عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء ونائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية. في الوقت الذي وُزعت فيه الوزارات على الضباط أعضاء الحركة التي قامت بالانقلاب.
وبعد أشهر على هذه الحركة قام عبد الكريم قاسم بإقصاء زملائه الانقلابيين واحدًا تلو الآخر وبدأ بإصدار الأحكام حتى بإعدام البعض منهم ومحاولة اغتيال آخرين، وتحول عبد الكريم قاسم إلى زعيم اوحد، وجمع كل السلطات بيده، مستحوذًا على القرار كاملًا، فيما بقي منصب رئيس الجمهورية معلقاً في عهده. وحل مجلسي النواب والأعيان للحكم الملكي، ولم يفسح المجال لانتخاب مجلس نواب جديد.
عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف
انقلاب عارف على قاسم 1963
على إثر سياسات قاسم الإقصائية لرفاقه في حركته الانقلابية، وتمكينه للحزب الشيوعي من مفاصل الدولة وضربه للأكراد بقسوة إثر انتفاضتهم، بدأت في 8 شباط من عام 1963 حركة بهدف الإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم، وقاد هذه الحركة عبد السلام عارف، من جهته ألقى قاسم بيانًا للشعب لحثهم على التصدي لما يحصل، إلا أن البيان لم يُذع، لأن ضباط يوسف كانوا قد استولوا على مقر الإذاعة، وتحصن قاسم ، مع ضباط أركانه في مقر وزارة الدفاع.
سيطر ضباط الحركة الانقلابية في اليوم التالي على المقر الذي يتحصن به عبد الكريم قاسم ورفاقه بعد استسلامه. وأعدم عبد الكريم وضباطه بعد ظهيرة ذلك اليوم، رميًا بالرصاص في مبنى الإذاعة في بغداد، ليظل من أكثر الشخصيات التي حكمت العراق إثارةً للجدل.
عبد الكريم قاسم واثنين من ضباطه بعد إعدامهم في مبنى الإذاعة
انقلاب 1968
حصل هذا الانقلاب في العراق في شهر يوليو من عام 1968، حيث تمت الإطاحة بنظام حكم الرئيس عبد الرحمن عارف الذي جاء به انقلاب 1963، وتولى حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة بقيادة أحمد حسن البكر، ونائبه صدام حسين. على الرغم من وصفه بالانقلاب الأبيض إلا أن اعتقالات واغتيالات كثيرة جرتلشخصيات عسكرية وسياسية.
ولكن أحمد حسن البكر وصدام حسين وحردان التكريتي قاموا بحركة أخرى بعد الانقلاب بأيام قليلة 30 يونيو، حين طردوا أبرز العسكريين الذين قاموا بانقلاب 17 يونيو وهم إبراهيم الداود وعبد الرزاق النايف وجرت تصفيتهم بعد ذلك في المنفى. وبدأ البعث بالسيطرة الكاملة على جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وأصبح الحزب هو الحزب الحاكم في العراق، ولا مكان لأي كيان سياسي آخر.
أحمد حسن البكر وصدام حسين
حركة صدام 1979
كانت هذه الحركة كما يعتبرها الكاتب كريستوفر هيتشنز، “لحظة فاصلة أصبح فيها صدًام سيدًا مطلقًا للعراق وهو ما يقابل ليلة السكاكين الطويلة في ألمانيا النازية”، ففي 22 يوليو عقد صدام حسين الذي أزاح احمد حسن البكر من الرئاسة، اجتماعًا، ادعى فيه أنه كشف خيانات داخل حزب البعث العربي الإشتراكي.
وباعترافات القيادي البعثي عبد الحسين، الذي أقر بتعامله مع القيادة السورية آنذاك للانقلاب على صدام، اعترف بـقائمة تحتوي على 68 اسمًا، وبعد قراءة قائمة أسماء “الخائنين”، تمت محاكمتهم وإدانتهم بالخيانة. وحكم على 22 منهم بالإعدام، ليخلو الجو لصدام حسين ويستمر بالحكم حتى خلعه عام 2003.