لإن الشِّعْرَ يُولَدُ في العراقِ كما يصف الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصديته “أتذكّرُ السيّاب” فإن القصيدة وأبيات البلاغة كانت إحدى أسلحة الاحتجاج لدى العراقي، يصوغها محاولاً إيصال رسالته بالطريقة التي تعبّر عنه وعن حقيقة ثقافته وحضارته، خاصة أن المتظاهرين منذ اندلاع الاحتجاجات في الأول أكتوبر الحالي يحاولون أن يقولوا للعالم: “إننا بلد الأدب وفن والتاريخ وهذا الحراك إنما يريد استعادة ذلك البلد الذي أُريد له أن يُنسى لكن يأبى أهله ذلك”.
فقد ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بشاعر عراقي يتلو ابيات قصيدته فيما يتعبق الشارع من حوله بالغاز المسيل للدموع مستهلاً مطلعها بالنداء على حكام العراق وخوفه على “تاج العروب” كما يصف بلده من الضياع ويختم قصيدته متعجبًا “انت العراق وكيف هكذا تقهرُ!”.
فيما تداول الناشطون مقطعًا آخر للشاعر البصري، علي المنصوري، وهو يرسل رسالة للحكومة العراقية على تقصيرها وعدم سماعها لمطالب المتظاهرين. ورغم أن المقطع قديم ويعود للمظاهرات السابقة في عام 2018 التي اجتاحت الجنوب العراقي وخاصة مدينة البصرة نتيجة نقص وتلوث المياه، إلا انها عبرت عن واقع الحال اليوم ايضًا كما وصفها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من عدم خروج مدينة الموصل ومشاركتها الاحتجاجات في الأيام الثلاثة الأولى خوفًا من تعرضها لنكبة أمنية كما حدث في منتصف 2014 وسقوطها بيد داعش، التي ما تزال تعاني من تداعياتها الاجتماعية والأمنية إلى اليوم، إلا أن ذلك لم يمنع الشاعر الموصلي عمر عناز أن يشارك مكنونات قلبه تجاه ما يحدث بأبيات شعرية وصف فيها حال العراق في أبياته:
مَنْ لم يَذُق طَعْمَ العراقِ، فمالَهُ
مِنْ قهوةِ الأحزانِ غيرُ الرَّائحةْ..
مَنْ لم يَمتْ مَوتاً عراقيّاً ..
تُقَصِّرُ بالنّواحِ على ثَراهُ النَّائحةْ
مَنْ ليس يبدأُ بالعراق، صلاتُهُ منقوصةٌ
إنَّ العراقَ الفاتحةْ
إنَّ العراقَ حكايةُ الجرحِ الذي
ينمو على رَملِ الأماني المالِحةْ
فيما رثا الشاعر الشعبي العراقي أدهم عادل بقصيدة مؤثرة أول شهداء التظاهرات العراقية الذي سقط في اليوم الأول للاحتجاجات في بغداد.
فيما تفاعل الشاعر والصحفي العراقي عباس الجنابي عبر حسابه على موقع تويتر ببيتين من الشعر داعمًا الحراك على الأرض في بغداد متمنيًا أن تكون هذه الثورة هي القاضية على أركان الفساد محققة للشعب العافية التي طالما حلم بها منذ سنوات.
ثارَ العراقُ وقد تكون القاضية
وتُهدُّ اركان الفساد الواهيةْ
ويزولُ عن صدر العراق منافقٌ
وتعودُ للشعب العظيم العافية
ويظهر متظاهر عراقي ينشد أبياتًا وسط دخان المظاهرات، تحمل رسالة للعالم أن ما يحدث اليوم في العراق إنما هي ثورة إنسانية لا دخل لها بدين أو مذهب، وإنما بحثًا عن الحرية.
فيما استفز الشاعر الكويتي سعد العجمي موقف لمرأة عراقية فاقدة القدرة على النطق تمتهن بيع المناديل الورقية في شوارع بغداد عندما رأت المتظاهرين يضرب عليهم الغاز المسيل للدموع قامت بفتح علب المناديل وتوزيعها على المتظاهرين فأنشد أبيات نبطية واصفًا المرأة العراقية بالشجاعة وأنها شرفت كل النساء بهذا الفعل.
رصيدها في الوقت .. علبة مناديل
ولأجل العراق اليعربي.. أرخصتها
ضحّت بقوت أيتامها … تالي الليل
بلا عشاء …… نامت هي و عايلتها
ماعاد خلى الفقر من حيلها.. حيل
وزودٍ على عوز السنين … أطرمتها
نعم مره …… لكن تساوي رياجيل
بأفعالها …….. كل النساء شرفتها#سعد#العراق pic.twitter.com/Ux0sd8P4Aq— سعد العجمي (@saadal3jmi) October 3, 2019
يجابه اليوم المتظاهرين السلميين في العراق حالة من التعسف والإفراط في استخدام القوة من قبل حكومة عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء العراقي، إضافة لمجموعة من الإجراءات مثل قطع شبكة الإنترنت عن البلاد وفرض منع التجوال في العاصمة العراقية بغداد ومنح صلاحيات أمنية للمحافظين لإتخاذ اجراءات مماثلة في باقي المدن العراقية.
فيما وصل عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم إلى 30 شهيدًا، وتجاوز عدد المصابيين ألف مصاب غالبيتهم من المدنيين وتستمر الاحتجاجات في الشارع العراقي لليوم الرابع على التوالي، ويتمنى العراقيين أن تحقق هذه المظاهرات هدفها بإحداث تغيير حقيقي في المنظومة السياسية مع تخوف كبير من دخول البلاد لدوامة عنف جديدة نتيجة تعنّت الحكومة في احتواء الأزمة وتقديم خطوات حقيقية.