أقل من يومين يفصلان التونسيين عن موعد الانتخابات التشريعية الثانية في بلادهم بعد الثورة، موعد انتخابي هام- رغم برودة الحملة الانتخابية الذي سبقته- خاصة وأنه من المنتظر أن يفرز خارطة سياسية جديدة في البلاد، يكون وقعها كبير على الأحزاب التي تمثّل “الدولة العميقة”.
الانتخابات التشريعية الثانية بعد الثورة
يتوجه نحو 6 ملايين و688 ألفًا و513 ناخبًا، بعد غد الأحد إلى مكاتب الاقتراع في تونس البالغ عددها 13450 مكتبًا (يوجد 384 مكتب تصويت خارج تونس)، وفق إحصاءات رسمية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، للمشاركة في الانتخابات التشريعية التي تجرى بين دورتين رئاسيتين وانتخاب برلمان جديد.
يتنافس في هذه الانتخابات أكثر من 15 ألف مرشح، موزعين على 1503 قائمة (1340 قائمة في الداخل و163 في الخارج)، من بينها 673 قائمة حزبية و312 قائمة ائتلافية و518 قائمة مستقلة، موزعة على 33 دائرة انتخابية، منها 27 داخل الأراضي التونسية وست دوائر للجاليات التونسية بالخارج. وسيختار الناخبون مرشحيهم لشغل 217 مقعدا بالبرلمان التونسي.
يرى العديد من التونسيين –خاصة الشباب- أن لا فائدة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية
يذكر أن عملية التصويت في دوائر الخارج للانتخابات التشريعية، انطلقت في وقت متأخر من يوم أمس، الخميس، في أول مكتب اقتراع بمدينة سيدني في أستراليا (يبلغ عدد الناخبين هناك 203 ناخب) لانتخاب 18 نائبًا بالمهجر من إجمالي 217 عضوًا في البرلمان التونسي، على أن يغلق آخر مكتب تصويت في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وتمتدّ عملية الاقتراع خارج البلاد في 44 بلداً لمدة ثلاثة أيام (387 ألفًا و369 ناخبًا تونسيًا في الخارج)، وتنقسم دوائر الخارج على الأجزاء بحسب عدد الجالية التونسية المقيمة في المهجر، وهي أساسًا فرنسا وإيطاليا وألمانيا ودائرة الأمريكتين وبقية أوروبا ودائرة الوطن العربي والبلدان الأخرى.
ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية للانتخابات التشريعية في الداخل والخارج يوم التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول، حسب برنامج الانتخابات الذي أعلنه رئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بفون.
وتعتبر تونس “الاستثناء” في المنطقة العربية، حيث أنجزت منذ ثورتها في 14 يناير/ كانون الثاني 2011 انتخابات -تأسيسية وتشريعية ورئاسية- حرة بإشراف هيئة انتخابات مستقلة وأنجزت دستورا جديدًا في فبراير/ شباط 2014، وأسست عديد الهيئات الدستورية.
عدم مبالاة الشارع التونسي بالحملة الانتخابية
تعتبر هذه الانتخابات التشريعية المرتقبة، الثانية التي تشهدها تونس بعد الثورة، حيث شهدت البلاد في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2014 انتخابات تشريعية، وصفها مراقبو البعثة الأوروبية بـ”الشفافة” وذات “المصداقية”، واعتبرها العرب والأفارقة عنوان تقدم لتونس.
في تلك الانتخابات، فاز حزب نداء تونس ذو التوجه العلماني بالمرتبة الأولى بعد أن حصل على 86 مقعد من جملة 217 مقعد في المجلس، ثم تلاه حزب حركة النهضة الإسلامي ب69 مقعد متراجعًا 20 مقعد مقارنة بسنة 2011 حينما تحصل على 89 مقعد.
حملة انتخابية باهتة
تختتم اليوم الحملة الانتخابية التشريعية، وقد كانت في العموم باردة وباهتة على عكس الحملة الانتخابية الرئاسية، التي كانت حماسية واتسمت بالحركية والنشاط الكبير في كامل أيامها رغم رمزية المنصب المترشّح إليه وفق الدستور التونسي.
ومن المنتظر أن يكون غدًا السبت، يوم الصمت، ويمنع خلال هذه اليوم على كافة المرشحين أي نشاط في إطار الحملة الانتخابية، ويعرض خرق الصمت الانتخابي إلى غرامات مالية تصل إلى 20 ألف دينار مع إمكانية إلغاء بعض النتائج وإسقاط القائمة المخالفة بحسب صنف المخالفة والجريمة الانتخابية.
ورغم كون الانتخابات التشريعية في تونس أهم من الرئاسية، فإن الحملة الانتخابية بيّنت العكس، فلم نرى اهتمامًا كبيرًا من قبل التونسيين بهذه الحملة كما أن الأحزاب نفسها لم تقم بنشاطات كبيرة تجلب الانتباه، سوى نصب بعض الخيمات في الشوارع والساحات وفي مداخل الأسواق.
هذه الفسيفساء، ستجعل من الصعب تشكيل حكومة جديدة، ذلك أنه لن تحصل أي مجموعة أو حزب سياسي على أغلبية واضحة في البرلمان
ضعف الحملة الانتخابية، زاد من مخاوف ارتفاع درجة المقاطعة والعزوف عن الانتخاب، فهذه البرودة ستفضي حتمًا لنتائج مشوهة وسينجر عنها عزوف فئة كبيرة خصوصًا من الشباب، وهو ما يهدّد المسار الانتخابي ويزيد الشكوك حول نجاحه ونجاح البلاد في عملية الانتقال الديمقراطية.
يرى العديد من التونسيين –خاصة الشباب- أن لا فائدة من الذهاب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية، ما دامت الأحزاب السياسية لا تفي بتعهداتها الانتخابية، ولا تطبّق الوعود التي قدّمتها خلال حملاتها الانتخابية.
يشعر المواطن التونسي، بدرجة كبيرة من الإحباط، نتيجة عجز السلطات الحاكمة 2011 على الاستجابة لتطلعاته وتحقيق مطالبه وحقوقه المشروعة، خاصة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، رغم الوعود الكبيرة التي ما فتئ يسمعها في كلّ محطة انتخابية، حتى أنه فقد الأمل من تحقيق أهداف الثورة من قبل الطبقة السياسية التي لم تفي بما وعدت به.
مشهد سياسي جديد
إحباط الشباب من شأنه أن يغير الخارطة السياسية في تونس ويحدث مفاجئات كبرى كما حصل في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، حيث خسر مرشّحي الأحزاب الكبرى وصعد إلى الدور الثاني كلّ من المرشّح المستقلّ قيس سعيد الحاصل على18.4 بالمائة من الأصوات، والمرشّح عن حزب قلب تونس الموجود في السجن نبيل القروي الحاصل على بنسبة 15.6 بالمائة.
ومن المتوقع أن يلتجأ الشباب إلى التصويت العقابي، وهو ما سيصب في صالح المرشحين الشباب. المستقلين، كما حصل في الانتخابات المحلية التي أجريت في مايو/أيار 2018، حيث فازت القائمات المستقلة بأغلبية المقاعد، لذلك يأمل الكثير من المرشحين المستقلين الجدد في الحصول على مقعد في البرلمان هذا العام.
تدخل اللوائح المستقلة بقوة غمار السباق بنسبة تقدر بثلث مجموع اللوائح المرشحة، ما يعزز فرضية إفراز برلمان متنوع الكتل وبتمثيل صغير، فهذه اللوائح ستستفيد من التوجه العام للناخب التونسي الذي عبّر عن رفضه لسياسات الحكم الحالية.
إلى جانب ذلك، من المنتظر أن يتنافس حزب قلب تونس الانتخابات، و الذي يقوده المرشح الرئاسي نبيل القروي، والذي تأسس قبل بضعة أشهر فقط، حركة النهضة في صدارة هذه الانتخابات، فقد أحسن اللعب بعقول التونسيين خاصة ممن هم ضعاف الحال.
يأمل التونسيون في تغيير شامل ينقذ البلاد
فضلا عن قلب تونس، يتوقّع أن تحقّق قائمات “ائتلاف الكرامة”، التي يقودها المرشّح السابق للانتخابات الرئاسية والمحامي الشاب سيف الدين مخلوف الذي حصل على أكثر من 4 بالمائة من الأصوات في الدور الأول للانتخابات الرئاسية.
كما ستسجّل هذه الانتخابات، دخول وافد جديد على المشهد السياسي التونسي وهو ائتلاف “عيش تونسي“، وهي حركة شبابية شعبية، نشأت من منظمة غير حكومية، تمولها السيدة أولفة تراس رامبورغ. الحركة تنشط في جميع أنحاء البلاد تحت شعار “لا تخافوا لسنا أحزابا”.
من المنتظر أيضا أن تسجلّ هذه الانتخابات تراجع للأحزاب التي تمثّل الدولة العميقة، وهي نداء تونس وتحيا تونس ومشروع تونس وأفاق تونس وحزب البديل، فجميعها لن تحقّق أي نتائج إيجابية نتيجة انتهالها من نفس الخزان الانتخابي وفشلها في تحقيق مطالب التونسيين.
هذه الفسيفساء، ستجعل من الصعب تشكيل حكومة جديدة، ذلك أنه لن تحصل أي مجموعة أو حزب سياسي على أغلبية واضحة في البرلمان، وحتى التحالفات لن تكون سهلة، وهو ما يضع تونس أمام سيناريوهات غامضة في الفترة القادمة.