راجت في الآونة الأخيرة تسريبات عن توتر وفتور في العلاقات بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة محمد بن زايد، بسبب خلافات تتعلق بوضع البلدين الجيوسياسي وتصادمهما في شأن عدد من الملفات مثل الصراع في اليمن والتقارب السعودي الإيراني، إلى جانب الخلاف بشأن النفط والتنافس الاقتصادي والسياسي بين البلدين.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” في وقت سابق عن مسؤول أمريكي قوله “هذان الشخصان طموحان للغاية ويطمح كل واحد منهما أن يكون اللاعب الأساسي في المنطقة”.
وقال المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) إنّ ولي العهد السعودي شعر أن ابن زايد قاده إلى صراعات مدمرة تخدم مصالح الإمارات وليس السعودية، مثل الحرب الأهلية في اليمنز
وأوضح أن القطيعة سادت بين الزعيمين لفترات استدلّ على ذلك بتغيب محمد زايد عن القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة في 19 مايو/أيار 2023، إذ ترأس وفد الإمارات نائبه منصور الذي يمتلك نادي مانشستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم.
وفي الأشهر الأخيرة بات جليًا حجم الخلاف بين الرياض وأبو ظبي على وقع التعامل مع سوريا الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث تعاملت السعودية ببراغماتية وانخرطت في دعم الإدارة الجديدة، فيما لم تبدِ الإمارات حماسًا للانخراط مع دمشق رغم عدم وجود تحفظات للأخيرة من التعاون مع أبو ظبي.
وفقًا للدكتور نيل كويليام– زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الملكي للشؤون الدولية “تشاتام هاوس”- فإنّ الإمارات العربية المتحدة لديها مخاوف بشأن صعود هيئة تحرير الشام وتهديدها “بإخلال توازن القوى في المنطقة قد يؤدي إلى نشوء تحالف مصالح يعارض الشراكات “العلمانية” للإمارات مع مصر وإسرائيل وخليفة حفتر في ليبيا.
ونظرًا لأجندة السياسة الخارجية “المضادة للثورة” ولتطلعات الشعوب التي تنتهجها أبو ظبي منذ الربيع العربي، فإنّ “وصف سقوط الأسد من السلطة بأنه نتيجة للانتفاضات العربية في عام 2011 يمثل تحديًا كبيرًا لأبو ظبي”، وفقًا لكويليام.
السودان ساحة للتنافس بين الرياض وأبو ظبي
في الشأن السوداني يبرز خلاف آخر متصاعد بين السعودية والإمارات، فبينما تقدم أبو ظبي الدعم المالي والسياسي والعسكري لقوات الدعم السريع التي يتزعمها حليفها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، تدعم الرياض الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان.
في بداية الصراع حاولت السعودية التوسط بين الجيش والدعم السريع لإيجاد حل سياسي للأزمة وتوجت تلك المحاولات بـ “إعلان جدة” الموقع في مايو/أيار 2023، لكنّ مليشيا الدعم السريع امتنعت عن تنفيذ معظم بنوده خاصة تلك المتعلقة بالتزام الخروج من منازل المواطنين والمرافق العامة كالمرافق الطبية والمستشفيات ومنشآت المياه والكهرباء، والامتناع عن استخدامها للأغراض العسكرية.
حسب مجلة “فورين بوليسي” فإنّ الصراع بين الجيش السوداني والدعم السريع ليس مجرد نزاع داخلي، بل يمتد إلى منافسة بين السعودية والإمارات لتعزيز تواجدهما الإقليمي والسيطرة على السودان.
وتحدثت المجلة الأمريكية في تقرير لها عن أهمية السودان في المنطقة، مشيرةً إلى أنه “جسر يربط الشرق الأوسط وأفريقيا، وموارده الطبيعية الوفيرة تعني أن معركة الخرطوم اتخذت بعدًا إقليميًا”.
وأشارت إلى أن الإمارات اكتسبت الثقة في حميدتي، لأن مقاتلي قوات الدعم السريع كانوا نشطين لصالحها في جنوبي اليمن منذ عام 2015.
وفي عام 2019، توسعت الإمارات إلى ليبيا لدعم الجنرال خليفة حفتر، وبينما تعاونت السعودية مع مصر في دعم البرهان، تعاونت الإمارات مع مجموعة فاغنر الروسية لتسليح قوات الدعم السريع، حسب المجلة.
خلاف حدودي واقتصادي
في أبريل/نيسان من العام الماضي 2024 خرج الصراع الحدودي بين الدولتَين الخليجيتَين إلى العلن مجددًا، إذ اتهمت الرياض جارتها أبو ظبي بالتعدّي على حدودها، عقب إعلان الأخيرة منطقة “الياسات” البحرية المتنازع عليها بين البلدَين “منطقة بحرية محمية”.
وفي خطوة تصعيدية نادرة، قدَّمت السعودية شكوى عبر بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة ضد الإمارات، وأعلنت رفضها الصريح للقرار الإماراتي الصادر عام 2019، والذي يعتبر هذه المنطقة تابعة لأبو ظبي، لتكون هذه هي المرة الأولى منذ سنوات طويلة التي طفت فيها الخلافات بين البلدَين إلى السطح.
قدمت #السعودية شكوى لدى الأمم المتحدة ضد #الامارات بشأن اعلان #ابوظبي لمنطقة #الياسات منطقة بحرية محمية.
وقالت السعودية في المذكرة ان الإعلان الإماراتي لا يعتد به ولا يعترف به ولا يعترف باى اثر قانوني له.
واكدت #الرياض تمسكها بكافة حقوقها و مصالحها وفقا للاتفاقية المبرمة بين… pic.twitter.com/Ek44qlorih
— ZaidBenjamin زيد بنيامين (@ZaidBenjamin5) April 14, 2024
يبرز التنافس الاقتصادي أيضًا كأحد عوامل الخلاف بين البلدين، ففي 2009 مثلًا، انسحبت الإمارات من مشروع مجلس التعاون الخليجي الرامي إلى تشكيل اتحاد نقديّ واعتماد عملة موحّدة، بسبب اعتراضها على اختيار الرياض مقرًّا للمصرف المركزي المُقترح بدلًا من أبو ظبي.
على مدى العقود القليلة الماضية، سعت الإمارات إلى ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي للتجارة والسياحة، في المقابل أطلق ولي العهد السعودي رؤية السعودية 2030 لتكون مسار المملكة الخاص بالتحوّل وتنويع الاقتصاد.
تهدف السعودية من رؤية 2030 إلى وضع المملكة في “قلب العالمَين العربي والإسلامي”، وتحويلها إلى “قوة استثمارية عالمية” و”مركزًا عالميًا يربط بين قاراتٍ ثلاث، هي آسيا وأوروبا وأفريقيا”، وهو ما جعل الإمارات تتحسس موقعها وتنظر إلى الرياض بمنظور المنافس خاصةً أن السعودية طبقت في الأعوام الثلاثة الأخيرة مجموعة من السياسات الاقتصادية الجديدة في السنوات الأخيرة، يطرح بعضها تحدّيات مباشرة على الإمارات.
في ديسمبر/كانون الأول 2022، وضعت الرياض مجموعة جديدة من القيود للحدّ من تعامل الهيئات الحكومية السعودية مع الشركات الأجنبية التي ليست لها مقارّ في البلاد لأجل تشجيع الشركات المتعدّدة الجنسيات على إقامة مقارّها الإقليمية في السعودية.
دخلت هذه الضوابط حيّز التنفيذ بالفعل في يناير/ كانون الثاني 2024، علمًا أن الرياض تهدف إلى جذب نحو 480 شركة لإقامة مقارّها الإقليمية في السعودية بحلول العام 2030، وتنظر أبو ظبي إلى هذه السياسات الجديدة على أنها تَحَدٍّ مباشر لمكانة الإمارات بوصفها الوجهة الخليجية المفضلة لأفرع الشركات العالمية متعددة الجنسيات.
الذهب والموانئ
يرى الدكتور أحمد مقلد أن الاقتصاد أحد أسباب تدخل الإمارات في السودان ودعمها لمليشيا الدعم السريع بهدف السيطرة على الذهب والموارد الطبيعية، بوصف السودان أحد أكبر منتجي الذهب في إفريقيا، مشيرًا إلى التقارير الموثوقة التي تحدثت عن تهريب الذهب السوداني إلى الإمارات، مما يعزز دبي كمركز رئيسي لتجارة الذهب.
Dubai/UAE doesn’t have ANY gold mines. They’re killing, raping, and terrorizing Sudanese people for OUR gold. Boycott UAE tourism and don’t buy gold from them. https://t.co/1zwAGMGusU
— Saroyah♡ྀི🎀 (@saroyahx) May 31, 2024
وأضاف مقلد وهو عضو مؤسس تجمع المدني الثوري في حديث لـ”نون بوست” أنّ السيطرة على البنية التحتية والموانئ السودانية مثل ميناء بورتسودان، أحد أهداف الإمارات لتوسيع نفوذها على طول البحر الأحمر، موضحًا أنّ هذا النفوذ يمنح أبو ظبي قوة تجارية في إفريقيا وطرق الشحن الدولية.
وفي شأن الخلاف السعودي الإماراتي في التعامل مع الملف السوداني أشار مقلد إلى أن محمد بن سلمان عندما خاطب القمة العربية الإسلامية المشتركة العام الماضي عبّر بشكل واضح عن دعم المملكة لوحدة السودان، وهو ما شكل بداية الخلاف مع أبو ظبي التي تسعى لتقسيم السودان.
واعتبر أن مشروع الإمارات قائم على السيطرة على الموانئ وهو الأمر الذي يثير عدم ارتياح السعودية، مشيرًا إلى ما فعلته أبو ظبي للسيطرة على موانئ اليمن، إلى جانب دعمها لتقسيم الصومال من خلال استثماراتها في ميناء بربرة بإقليم “أرض الصومال”، فضلًا عن جيبوتي التي انتبهت لذلك المخطط وقامت بإنهاء امتياز موانئ دبي بشكل لا رجعة فيه.
كما أوضح أن أمن البحر الأحمر يمثل أولوية قصوى للسعودية كونها لن تسمح للإمارات بالاستحواذ على موانئ السودان المقابلة للشواطئ السعودية لأنها لا تثق في الإمارات ومشاريعها، حسب وصفه.
بيان سعودي محرج للإمارات
شهدت الأيام الأخيرة أبرز حلقات الخلاف بين السعودية والإمارات في الشأن السوداني متمثلةً في بيان سعودي قوي اللهجة أعلنت فيه المملكة عن اعتراضها على أي خطوات أو إجراءات “غير شرعية” خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية للسودان “قد تمس وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه الشقيق” بما في ذلك الدعوة إلى تشكيل حكومة موازية.
جاء هذا البيان، بعدما وقعت مليشيا الدعم السريع المدعومة إماراتيًا وعدد من حلفائها في وقت سابق في العاصمة الكينية نيروبي، ميثاقًا تأسيسيًا يمهد الطريق لتشكيل حكومة بمناطق سيطرة المليشيا.
شكّل البيان السعودي ضربة كبيرة لمشروع الحكومة الموازية التي يعتزم حلفاء الإمارات إعلانها، نظرًا للمكانة التي تحظى بها المملكة إقليميًا ودوليًا، فبعد ساعات من البيان السعودي أصدرت وزارة الخارجية الكويتية بيانًا مماثلًا وكذلك وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية.
وكانت دول أخرى مثل مصر وقطر والصومال وتركيا والسنغال وسيراليون قد أصدرت بيانات مشابهة دعمًا للحكومة السودانية ورفض أي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية.
وجدت الإمارات نفسها في موقف محرج، إذ لم تدل بأي بيان أو تصريح حول مشروع الحكومة الموازية، فيما وجّه إليها مغردون سعوديون انتقادات مبطنة مشيرين إلى أنّ بيان الخارجية السعودية وضع أبو ظبي في موقف لا تحسد عليه.
لماذا لا يخرج من يدعم الحكومة الموازية السودانية المزعومة الى العلن .
معقول لهذه الدرجة جبان ؟
اين العضلات 😂 ؟
— شجاع العتيبي (@SHGaaaa2014) March 2, 2025
وفيما يقر الدكتور أحمد مقلد بالتنافس بين السعودية والإمارات يرى أن الحسابات الإستراتيجية لأبو ظبي في السودان تقوم على عدة أهداف رئيسية هي السيطرة على الموارد السودانية، خاصة الذهب والزراعة، وتعزيز نفوذها في البحر الأحمر وتأمين موانئ إستراتيجي، والتأثير على المشهد السياسي السوداني من خلال دعم قوات معينة، ومواجهة النفوذ الإسلامي والإخواني في السودان، وموازنة نفوذ السعودية ومصر في المنطقة.
ويضيف أن الخلاف بين الدولتين فيما يخص الملف السوداني ليس خلافًا بسيطًا يمكن تجاوزه، بل إن الإمارات تجد أن الخلاف حتمي ومبدئي في خططها الرامية لتوسيع النفوذ في المنطقة، لذا فهو يتوقع المزيد من الخلاف والبعد عن التوافق في السياسة الخارجية بين السعودية ومصر من جانب والإمارات في الجانب المقابل.
سيناريوهات
يمكن أن نخلص إلى أن السعودية في مقاربتها للصراع في السودان وللأزمات الإقليمية بشكل عام – تعطي الأولوية لتحقيق الاستقرار ودعم الحكومات التي تحظى بقبول وشرعية داخلية وخارجية معقولة مثل سوريا والسودان، كما تركز الرياض أيضًا على تأمين سواحلها على البحر الأحمر حيث تتمركز عدد من مشروعاتها الكبرى لرؤية 2030.
في المقابل تهتم الإمارات بمصالحها فقط مهما كانت الوسائل التي تنتهجها للوصول إلى أهدافها، فهي لا تهتم كثيرًا بسمعتها التي تلطخت نتيجة لتدخلاتها العنيفة في كل من اليمن وليبيا والسودان وحتى إثيوبيا، ولا تعير اهتمامًا لأمن استقرار الدول -التي يفترض أنها شقيقة.
ومن الوارد أن تنتقل الخلافات بين الرياض وأبو ظبي في الشأن السوداني إلى العلن فالبيان السعودي خاطَبَ القضية بشكل مباشر حينما أكد على “رفض أي خطوات أو إجراءات (غير شرعية) خارج إطار عمل المؤسسات الرسمية للسودان قد تمس وحدته ولا تعبر عن إرادة شعبه الشقيق”.
وجاء البيان عكس البيانات القطرية والتركية التي جاءت بلهجة أقل “الدعم الكامل لوحدة واستقلال وسيادة وسلامة أراضي جمهورية السودان الشقيقة، ورفضها لأي شكل من أشكال التدخل في شؤونها الداخلية”.
فعلى سبيل المثال يمكن أن تقدم السعودية المزيد من الدعم السياسي للحكومة السودانية التي يقودها الجيش أو أن تقدم دعمًا عسكريًا صريحًا لموازنة شحنات السلاح الإماراتي اللا محدود التي تحظى به مليشيا الدعم السريع.
وربما تتوسع المنافسة الجيوسياسية بين السعودية والإمارات إلى دول أخرى مثل الصومال، حيث تتمتع الأخيرة بدعم سعودي كبير بينما تدعم أبو ظبي إقليم صوماليلاند الانفصالي.