يحتل صدارة “الترند” هذه الأيام مسلسل “معاوية”، الذي يتناول سيرة الصحابي معاوية بن أبي سفيان، ويُعرض في الموسم الحالي بعد تأجيله عامين، على خلفيّة تجسيده الصحابة المبشَّرين بالجنة والخلفاء الراشدين: عمر، وعثمان، وعلي، واثنين من آل بيت النبي عليهم السلام: الحسن والحسين، حيث يتفق الكثير من علماء الأمة ومؤسساتها الدينية على عدم جواز تجسيدهم في الأعمال الدرامية.
ويتناول المسلسل التاريخي الذي أنتجته شبكة “MBC” السعودية، أحداث الفتنة الكبرى التي شهدها المسلمون بعد واقعة مقتل الخليفة عثمان بن عفان، ثم تولي الخليفة علي بن أبي طالب من بعده وحتى مقتله، وما تلا ذلك من تولي نجله، الحسن، ثم تنازله عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، ثم الأحداث اللاحقة بما فيها تولي يزيد بن معاوية وقتل الإمام الحسين بن علي في كربلاء، وهي الفترة التاريخية التي ظلت حتى اليوم محل خلاف وسجال بين المؤرخين والعلماء، فيما يتجنب الكثيرون الخوض فيها لما بها من أسلاك شائكة ارتأى علماء كثر أنّ الأسلم تجنّب الخوض فيها.
ويُعد هذا العمل، الأضخم من حيث الكلفة الإنتاجية في تاريخ الدراما العربية على الإطلاق، حيث بلغت كلفته 100 مليون دولار تقريبًا، فيما ضم فريق عمل يتألف من أكثر من 350 فردًا، في حين يجسد شخصية معاوية بن أبي سفيان الممثل السوري لجين إسماعيل، أما علي بن أبي طالب فيؤدي دوره الممثل الأردني إياد نصار، بينما يقدم السوري أيمن زيدان شخصية الخليفة عثمان بن عفان، ويجسد وائل شرف دور الصحابي الجليل عمرو بن العاص، كما يؤدي الممثل السوري فادي صبيح دور الصحابي أبو سفيان، وتجسد الممثلة التونسية سهير بن عمارة شخصية الصحابية هند بنت عتبة، كما تؤدي كل من عائشة بن أحمد وجميلة الشيحة دوري زوجتي معاوية.
وبعيدًا عن الأخطاء الفنية (ديكور وأداء واختيار ممثلين ولغة) والتاريخية (تزييف لبعض الأحداث وتجاهل أخرى) التي شهدتها الحلقات الأولى من هذا العمل، فضلًا عن جدلية الحل والتحريم في تجسيد أدوار الصحابة والخلفاء الراشدين، إلا أن هناك وجه آخر للمسلسل ربما يُجيب عن الكثير من التساؤلات الحرجة، ويفك طلاسم الاشتباك بين المؤيدين والمعارضين، ذاك المتعلق بالبعد السياسي الذي يحاول منتجو العمل تسليط الضوء عليه.
بداية.. لماذا تأجل العرض لعامين؟
بدأ تصوير العمل في يوليو/تموز 2022 باستوديوهات “كارتاغو فيلم” بمدينة الحمامات بتونس، ومدن المهدية، والمنستير، والنفيضة؛ وكان من المفترض حسبما كان مقررًا أن يُعرض خلال الموسم الرمضاني للعام 2023، غير أن منصة شاهد التابعة لمجموعة “إم بي سي” السعودية المنتجة للعمل، غردت بعبارة مقتضبة على منصة “إكس” في 23 مارس/آذار 2023 بأن المسلسل “للأسف، خارج السباق الرمضاني”.
التأجيل وقتها فتح الباب أمام الكثير من التكهنات والتساؤلات حول عدم البث، البعض ذهب إلى أن العمل لم يكتمل بشكل نهائي وأن هناك بعض التعديلات التي تُجرى عليه، فيما ذهب آخرون إلى أن ظروفًا واعتبارات سياسية هي التي تقف وراء قرار الإرجاء، كونه يمس الشيعة بشكل مباشر، خاصة وأن الإعلان عن التأجيل جاء بعد 13 يومًا من إعلان الاتفاق بين السعودية وإيران على إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما في 10 مارس/ آذار من العام نفسه بوساطة صينية.
وفي فبراير/ شباط 2023 أعلنت قناة “الشعائر” الشيعية العراقية أنها تعتزم إنتاج فيلم تاريخي عن “شجاعة أبو لؤلؤة” (فيروز الفارسي الذي قتل الخليفة عمر بن الخطاب، بخنجر خلال صلاة الفجر عام 644 م) قالت إنه سيكون ضخمًا، وبمشاركة ممثلين عرب وإيرانيين، كرد فعل على إنتاج السعودية لمسلسل “معاوية”، ليأخذ الصراع منحى أخر، ينذر بفتنة دينية متصاعدة، دفع بعض العلماء للتدخل لتلجيم المشهد قبل انفلات السرج.
وبعد أيام قليلة من إعلان قناة “الشعائر” العراقية عن هذا الأمر، أصدر رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، بيانًا على منصة “إكس” في 14 فبراير/ شباط 2023، قال فيه إنه يرى أن من “الأجدر والأفضل بل المُتعيّن أن تتراجع قناة “MBC” عن بث مسلسل درامي بخصوص معاوية”، واصفًا إياه بأنه “رأس الفتنة الطائفية، وأول من سبّ الصحابة، وأول من خرج عن إمام زمانه وشق صف الوحدة الإسلامية، وأول من قتل الصحابة رضوان الله عليهم”
وفي نفس الوقت أصدر بيانا أخر رفض فيه ما يثار حول إنتاج مسلسل عن أبي لؤلؤة المجوسي، منوها من أن “كلا المسلسلين باطل ومثير للفتنة، فمعاوية لا يمثّل السُنّة ولا أبو لؤلؤة يمثّل الشيعة”، وطالب بمنع عرض المسلسلين، معتبرًا أن “بث مثل هذه المسلسلات مخالف للسياسات الجديدة المعتدلة التي انتهجتها السعودية الشقيقة، فلذلك نسترعي انتباهكم، فلا داعي لجرح مشاعر إخوتكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وإني لكم من الناصحين”.
وأمام هذه الضجة التي أثارها “معاوية” اضطرت الشركة المنتجة لتأجيل عرض العمل، الذي توقع البعض أنه لن يُعرض نهائيًا، خاصة بعد التقارب الأخير بين الرياض وطهران، وسياسة الاعتدال التي تتبناها المملكة مؤخرًا، حتى فوجئ الجميع قبيل رمضان الحالي بأيام قليلة بـ”MBC” تبث إعلانات ترويجية تؤكد فيها عرض المسلسل هذا الموسم، الخطوة التي فجرت معها براكين الغضب ودفعت بالعمل إلى مسرح النقاشات الجدلية مرة أخرى.
بين التأييد والرفض.. جدل لا ينتهي
بعدما تأكد بشكل رسمي عرض المسلسل، بدأت ردود الفعل تتوالي تباعًا، كانت البداية مع هيئة الإعلام والاتصالات في العراق والتي منعت منع بث المسلسل، مؤكدة في بيان أن “بث أعمال ذات طابع تاريخي جدلي قد يؤدي إلى إثارة السجالات الطائفية، مما يهدد السلم المجتمعي ويؤثر على النسيج الاجتماعي، خاصة خلال الشهر الفضيل”.
وأوضحت الهيئة في بيانها أنها أصدرت “خطابًا رسميًا إلى إدارة قناة أم بي سي العراق بهذا الشأن، مطالبةً إياها بالامتثال للقرار وعدم بث المسلسل، مؤكدةً أنها ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق أي جهة تخالف الضوابط الإعلامية النافذة في البلاد”.
من جانبه طالب حزب النور السلفي المصري بوقف إذاعة العمل، حيث تقدم عضو الهيئة البرلمانية للحزب في مجلس النواب (البرلمان)،النائب أحمد حمدي خطاب، بطلب إحاطة إلى رئيس البرلمان، موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، ورئيس المجلس الأعلى للإعلام، بشأن وقف إذاعة المسلسل، مستندًا إلى الفتاوى السابقة لكل من الأزهر ودار الإفتاء بحرمة تجسيد الأنبياء وأمهات المؤمنين والعشرة المبشرين بالجنة وآل البيت والخلفاء الراشدين.
وفي ذات السياق قال عضو هيئة كبار العلماء المصرية، عبد الفتاح عبد الغني العواري، في تصريحات صحفية له، إن تجسيد الصحابي معاوية بن أبي سفيان، “الذي كان أحد كتاب الوحي، هو أمر مرفوض دينيًا، ولا يجوز تجسيد الصحابة في الأعمال الفنية، كون الفنان الذي يجسد الدور سيقدم بعدها أعمالًا تخالف الشريعة الإسلامية”.
ورغم أن الأزهر لم يعلق بشكل رسمي على عرض المسلسل إلا أن له مواقف سابقة بشأن تلك المسألة، أوردتها صحيفة “المصري اليوم” المحلية، في تقرير لها قاله فيه إن الأزهر، ممثلًا في هيئة كبار العلماء، أكد أن موقفه تجاه تجسيد الصحابة “واضح وثابت” منذ سنوات، إذ سبق له رفض أعمال سابقة تناولت شخصيات تاريخية إسلامية مثل مسلسل “عمر بن الخطاب”.
وكان للأزهر فتوى سابقة في عام 1926 تمنع تصوير الأنبياء والصحابة على الشاشات الكبيرة، وخلال عرض مسلسل “عمر” (إنتاج مشترك بين “MBC” ومؤسسة قطر للإعلام) عام 2010 أكد الأزهر حينها أن مقارنة المشاهد بين الممثل والصحابي قد تقود لنتائج سلبية، داعيًا صناع الدرامية التي تتناول سيرة النبي محمد ﷺ والصحابة للاستعانة بالتقنيات الحديثة والحيل السينمائية.
أما على الجهة المقابلة، فخرج الكاتب الصحفي ومؤلف المسلسل، خالد صلاح، مدافعًا عن العمل، حيث كتب على حسابه على فيس بوك قائلًا إن “معاوية لم يكن مجرد رجل دولة أو قائد عسكري يخوض معاركه بالسيف، بل كان إنسانًا صاغته الأيام كما تصوغ النار الحديد، قاسيًا حين تستدعي الحاجة، ولينًا حين يتطلب الأمر التروي والتدبر”، مضيفًا “سعينا إلى الاقتراب من معاوية كإنسان وجد نفسه وسط زلزال سياسي لا يهدأ، واضطر إلى أن يكون لاعبًا رئيسيًا في صراعات لم يخترها بنفسه، بل ألقتها الأقدار بين يديه.”
وكشف صلاح أن “العمل يقدم قراءة جديدة لمسيرة معاوية، بعيدًا عن ثنائية المنتصر والمهزوم، مشيرًا إلى أن المسلسل يسلط الضوء على نشأته في بيت العظمة بين قريش، ورحلة التحولات الكبرى التي شهدها العالم الإسلامي آنذاك، وصولًا إلى الصراع السياسي الذي وجد نفسه فيه”، مختتمًا دفاعه بالإشارة إلى أن العمل يطرح تساؤلات أكثر مما يقدم إجابات، داعيًا المشاهدين إلى إعادة التفكير في شخصية تاريخية أثرت في مسار الأحداث الإسلامية، بعيدًا عن الجدل المسبق الذي يحيط بها عبر العصور، على حد تعبيره.
📍 الكاتب الصحفي خالد صلاح
معاوية لم يكن مجرد رجل دولة أو قائد عسكري بل كان إنسانًا صاغته الأيام .. قاسـ. ـيًا حين تستدعي الحاجة ولينًا حيث ينبغي التروي والتدبر pic.twitter.com/1L2Eb4eUkL
— besraha_موقع بصراحة (@besraha_) March 2, 2025
لواء الدفاع ذاته حمله الناقد الفني المصري طارق الشناوي، الذي أشار إلى أن “معاوية” ليس العمل الوحيد الذي جسد الصحابة، مستشهدًا بمسلسل الفاروق “عمر” الذي عُرض قبل 13 عامًا تقريبًا، للكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي، وكان فيه تجسيد لكل الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة.
وأوضح الشناوي في تصريحات صحفية له أن “هذا جدل فقهي؛ والمفروض أن نعلو عليه طالما هناك أئمة يبيحون تجسيد الصحابة، فلا مانع، مع احترامي قطعًا لرأي الأزهر، ولكن من حق كل جهة أن ترى ما يتناسب معها”، أما بشأن قيام ممثل مثل إياد نصار، له أعمال سابقة بها بعض الإسفاف والتجرؤ، بتجسيد دور الإمام علي، فأوضح أنه “كممثل يقوم بكل ما يُعرض عليه، وبالتأكيد من عمل دور سيدنا عمر وهو السوري سامر إسماعيل عمل أدوارًا كثيرة قد يكون منها نصاب أو حرامي أو حتى قواد، وفق الدور المعروض، والناس تعرف أن هذا تمثيل”، واختتم حديثه بمناشدة الجميع بالتريث لحين عرض المسلسل كاملًا ثم تقييمه بشكل دقيق، بعيدًا عن المعركة الضارية التي تشهدها الساحة حاليًا، وتابع “بعد المشاهدة لكل مقام مقال، ولو هناك ملاحظات سلبية أو إيجابية سنقولها، لكن لنر المسلسل أولًا”.
ما علاقة السعودية؟
فريق يرى أن اختيار شخصية كـ”معاوية بن سفيان” تحديدًا، وفترة تاريخية كـ”الفتنة الكبرى” ليس من قبيل الصدفة، وبعيدًا عن المبررات التي ساقها كاتب العمل، إلا أن هناك من يرى أن هناك بعدًا سياسيًا في الأمر، ورسائل تحاول السعودية إيصالها للداخل والخارج من خلال المسلسل، تتمحور حلال 3 مسارات أساسية:
أولها: مشروعية التوريث.. لماذا معاوية؟
يُعد معاوية أول من وضع اللبنات الأولى لمنظومة التوريث في الحكم الإسلامي، حيث ورث الحكم لوالده يزيد، وأيده في ذلك الكثير من الصحابة، لتتحول السلطة فيما بعد تركة يورثها الأبناء عن الآباء والأجداد، وعليه فإن في اختياره إسقاط مباشر على المشهد في المملكة، حيث وراثة ولي العهد محمد بن سلمان للحكم من والده، وبذا يقاوم تاريخيًا الاتهامات التي تعرض لها بشأن عدم أحقيته في وراثة والده ووقوفه خلف الإطاحة بولي العهد السابق محمد بن نايف، الأحق بالحكم، ومن ثم فإن تقديم عمل كهذا، يجمل من مسار توريث الحكم من معاوية لابنه، بل ويشرعنه، فإنه قد يمنح ولي العهد مصداقية تاريخية للسلطة ومنطقية شرعية لتوريثها.
ثانيًا: مواجهة التيار الإيراني
رغم العلاقات المتنامية مؤخرًا بين الرياض وطهران، وتراجع حدة السجال السياسي والإعلامي والديني بين البلدين، إلا أن المستتر فيما يتعلق بالاحتقان السني الشيعي أكبر بكثير مما هو معلن تحت الأضواء، وسط تصاعد القلق من المد الشيعي الإيراني في المنطقة، والتخوفات من زيادة الرقعة الشيعية في أرجاء المملكة، لاسيما المنطقة الشرقية، حيث الدمام والخبر والجبيل، والمعروف بكثافة الشيعة بها.
ومن هنا يأتي المسلسل الذي يرسخ لفكرة انتصار الأمويين، ليشدد على مسألة مواجهة التيار الشيعي، ليس في السعودية وحدها، بل في دول الخليج وبعض البلدان العربية الأخرى كلبنان والعراق وسوريا، وهي المواجهة التي يتم توظيفها في شكل درامي مشفوع بشرعية تاريخية، كرسالة إنذار وتحذير غير مباشرة.
رقص و موسيقى في مسلسل معاوية. انا اعتقد انه هذا هو احد اهم اسباب عمل المسلسل. ترسيخ فكرة ان الرقص و الموسيقى بهذا الشكل كانت موجودة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. الفكرة التي يتبناها شيوخ شولوم لتبرير حفلات موسم الرياض و المدل بيست #مسلسل_معاوية pic.twitter.com/WcWWnDXhsB
— NmR (@NmRak2) March 4, 2025
ثالثًا: ترسيخ رؤية 2030
بجانب جدلية القضية التي تناولها العمل، فإن إنتاج مسلسل بهذه الكلفة الضخمة، والتي تعد الأكبر في تاريخ إنتاج الدراما في العالم العربي، وهذا التنوع الكبير في الأسماء من ممثلين من مختلف البلدان، وأطقم فنية وإدارية على أعلى مستوى، ينقل السعودية نقلة كبيرة، من متلقي للدراما العربية إلى أحد أكبر صناعها، ومن الاكتفاء بدور المشاهد للأعمال الفنية إلى منتجها الأول إقليميًا، وبالرؤية التي تريدها وتخدم أهدافها وتلبي طموحات ولي العهد.
يتزامن ذلك مع الطفرة الكبيرة التي شهدتها المملكة في مجال الرياضة والإعلام، حيث الميزانيات المفتوحة لتقديم المملكة بوجه جديد، مغاير لتلك الصورة الذهنية المزروعة في مخيلات الرأي العالم العالمي عن سعودية محمد بن عبدالوهاب والسلفية المتشددة، في محاولة من ولي العهد لتقديم نفسه مرتديًا عباءة الإصلاح والانفتاح والمرونة الفكرية والسياسية، كعربون مسبق – رغم كلفته الباهظة – لاعتماده خلفًا لوالده دون عثرات تحول دون تحقيق هذا الحلم.
وهنا تساؤل يفرض نفسه: أين علماء السعودية من هذا الأمر؟
بالعودة إلى عام 2011 كان المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي التي تحتضنها المملكة قد أصدر بيانًا تعليقًا على تجسيد مسلسل “عمر” لشخصيات الصحابة، قال فيه إن “الصحابة رضوان الله عليهم شرفهم الله بصحبة النبي، واختصهم بها دون غيرهم من الناس، ولا يمكن للممثلين مطابقة ما كان عليه الصحابة من سمت وهدي”، وأضاف “ما يقال من أن تمثيل الأنبياء عليهم السلام والصحابة الكرام فيه مصلحة للدعوة إلى الإسلام، وإظهار لمكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب غير صحيح، ولو فرض أن فيه مصلحة فإنها لا تعتبر أيضًا، لأنه يعارضها مفسدة أعظم منها، وهي ما سبق ذكره مما قد يكون ذريعة لانتقاص الأنبياء والصحابة والحط من قدرهم”.
وفي كتابه “فتاوى الجامع الكبير” أفتى مفتي السعودية الأسبق، الشيخ عبدالعزيز بن باز، الذي شغل منصب رئاسة هيئة كبار العلماء السعودية، وإدارة البحوث العلمية والإفتاء، والمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، والمجمع الفقهي الإسلامي، بأنه “لا يجوز تمثيل الصحابة، ولا تمثيل الأنبياء في أي مكان؛ لأن هذا يفضي إلى شرور كثيرة، وقد يفضي إلى الكذب عليه، وقد يفضي إلى تمثيله بصورة غير مناسبة، ولا تليق بهم، وقد يفضي إلى الاستهزاء بهم، والسخرية بهم، فلا يجوز هذا الأمر لا في الأنبياء، ولا في الصحابة”.
إن كانت هذه أراء علماء المملكة في السابق عن تحريم تجسيد شخصيات الأنبياء والصحابة، فلماذا غاب علماء اليوم عن المشهد ولم يُسمع لهم صوتًا، إدانة أو تحفظًا، على تجسيد عمل من إنتاج بلادهم لثلاثة من العشرة المبشرين بالجنة واثنين من آل بيت النبي، وعدد من الصحابة؟ غياب مثير للجدل، يفتح الباب أمام كثير من التساؤلات حول هذا العمل الذي تجاوز جدلية التحريم والحل إلى تزييف التاريخ لتمرير أهداف سياسية ما.