مرت بضعة أسابيع على الذكرى الـ 15 من تولي الملك “محمد السادس” الحكم، وها هو في زيارته الرسمية إلى تونس يتجول في شوارعها في الجينز يجذب عدسات الإعلاميين ويجعل الإعلام العالمي يصفه بالملك القريب من الشعب.
وفي نفس الوقت ازدادت حدة التوتر بالمملكة، فاليوم نجد أن الدولة في المغرب تحاول ترويض المعارضة التي اشتدت شوكتها مع ثورات الربيع العربي.
أحد الصحفيين “علي أنوزلا” سيحاكم بعشرين عامًا من السجن بتهمة تشجيع الإرهاب؛ لأنه بث شريط فيديو يُعتقد أنه لجماعة القاعدة في المغرب الإسلامي تم فيه مهاجمة الملكية والدعوة إلى الجهاد في المغرب.
صحفي آخر، وهو “مصطفى حسناوي” يقضى عقوبة السجن لمدة أربع سنوات لما نسب له من علاقات مع المجاهدين في سوريا، وبدأ الحسناوي إضرابًا عن الطعام في أواخر أيار/ مايو احتجاجًا على سجنه.
“معاذ بلرحوات” وهو مغني للراب ومن الوجوه المعروفة في تحركات 20 شباط/ فبراير 2011، يتقاضى من أجل “تهمة ملفقة” على حد تعبيره بسبب بيع تذاكر لكرة القدم، ومؤخرًا تم الحكم بالسجن على العديد من الناشطين السياسيين من ستة أشهر إلى سنة واحدة بتهمة المشاركة في احتجاجات السادس من أبريل.
في 2011 عندما خرج المغاربة إلى الشوارع، كان رد الملك سريعًا فوعد بمراجعة كاملة للممارسات غير الديمقراطية، وبمزيد من الحرية والاحترام لحقوق الإنسان، كما سمح بإحداث دستور جديد.
هذا الدهاء في التعامل مع الأزمات يذكرنا بالحيل السياسية التي لجأ إليها والده الملك الحسن الثاني في سبع مرات عند مواجهته الأزمات خلال 38 عامًا من حكمه البلاد.
فالكثيرون يرون أن محمد السادس قام فقط بتغييرات شكلية على الساحة السياسية للبلاد لا غير، ويرى “نافي بيلاي” المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أن البرامج السياسية ولاسيما ما يتعلق منها بحقوق الإنسان، تفتقر إلى الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
فالكثير من هذه الوعود السياسية لم تترجم على أرض الواقع ولم يلمس الشعب المغربي الآثار الإيجابية للإصلاحات باعتبار أنها لن تتحقق حتى يتم إصدار القوانين.
ويرى نشطاء حقوقيون أن ما حصل في المغرب هو فقط ضجة إعلامية ولكن إلى حد الآن لم يطرأ أي تغيير جوهري على أرض الواقع.
“حقوق الإنسان في المغرب ما زالت في طور البناء” بحسب “إريك غولدستين” نائب مدير هيومان رايتس ووتش في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مضيفًا أن “السلطات تواصل اعتقال المتظاهرين والمنشقين من أجل تهم ملفقة، مع استخدام العنف لتفريق المظاهرات السلمية، لاسيما في الصحراء الغربية”.
وأضاف السيد غولدستين أن التهم التي نسبت لعلي أنوزلا والمتعلقة بالإرهاب تهدف بوضوح إلى تخويف الآخرين وتنبيههم لوجود “خطوط حمراء” لا يجب تخطيها، لكن المعارضة مصرة على مواصلة النضال، مما يعكس تزايد رغبة المغاربة في تحدي النظام.
وقال الناشط الحقوقي “مروان مرابط”: “جزء كبير من الطبقة السياسية ترفض المناقشة في العلن للقضايا الحقيقية المتعلقة بآفات مجتمعنا، من ذلك: الدور الذي ستلعبه الملكية، احترام حقوق الإنسان، توزيع الثروة والفصل بين السلطات”.
مضيفًا “الوضع مختلف الآن فمجرد الحديث والمطالبة علنًا بهذه الحقوق له عواقب وخيمة”.
من ذلك ما حصل لصديقه “كريم لشقر” الذي توفي في ظروف غامضة في سجن الشرطة في 27 مايو في مدينة الحسيمة، وما قدمته الشرطة من تفسير لأسباب الوفاة كان فيه الكثير من الارتباك والتناقض مع الإهانة لعائلة الضحية.
“منية بناني شرايبي” أستاذة بمعهد الدراسات الدولية في جامعة لوزان بسويسرا، والباحثة في الحركات الديمقراطية المغربية، تقول إن “النظام يلاحق معارضيه من أجل جرائم الحق العام وجرائم الإرهاب، مثل ما تم نسبه للناشط السياسي علي أنزولا، لإزالة خصمه السياسي ومنعه من أن يصبح بطل في نظر الشعب”.
وتقول السيدة شرايبي إن “المغرب هو واحد من الأنظمة المتواجدة في المنطقة الرمادية – لا ديمقراطية ولا استبدادية كاملة – حيث يتم القمع بطريقة انتقائية وفي توقيت محدد”، مضيفة أنه ” في صورة تواجد حراك شعبي قوي تجد قوات الأمن يتعاملون بحذر لأنهم يعلمون أن القمع الشديد هو القطرة التي ستفيض الكأس”.
ومع ذلك، فإن السلطات لا تخاف من استهداف النشطاء السياسيين خاصة مع عدم استقلالية النظام القضائي، بحسب الخبراء.
ويقول المحامي “رضا الأمين” محام بالدار البيضاء ورئيس جمعية القانون والعدالة، إن “النظام لن يتوانى في سجن من يريد، والقوانين لن تعارض هذا العمل التعسفي”.
مضيفًا أنه “لا توجد سلطة قضائية مستقلة بالرغم من إصدار الدستور الجديد، الذي كان هدفه تهدئة الشارع”، مشيرًا إلى أن “هناك بعض التقدم في إنشاء نادي القضاة الشجعان الذي تكون سنة 2011 من مئات القضاة للمطالبة باستقلالية القضاء”.
وفي عدة مناسبات نفى وزير العدل “مصطفى رميد” أن تقوم الحكومة بتعذيب المعتقلين أو بتوجيه تهم ملفقة ضد المعارضين السياسيين، معتبرًا أن الدولة غير مسئولة عن التصرفات الفردية والمعزولة في إساءة استعمال السلطة.
ويقول النواب إنه لمعالجة أوجه القصور في النظام القضائي، فمن المتوقع الإسراع بإحداث تشريعات لحماية حقوق الإنسان في الأسابيع القليلة القادمة.
وتقول، عضو البرلمان “اعتماد زهيدي” إن “هناك رغبة في إصلاح القوانين، حيث تمت مناقشتها لأكثر من سنة، والتغييرات لا تحدث بين ليلة وضحاها”، مضيفة “لقد أنجزنا الكثير، مثل حماية المهاجرين غير المسجلين خلال الحملة الأخيرة من أجل إضفاء الشرعية لوضعيتهم”.
ويقول الخبراء إن المملكة نجحت إلى حد ما في إفقاد مصداقية المعارضة السياسية ونزع فتيل الغضب والإحباط من معظم المغاربة وذلك بصورة فعالة، ولكن هذه الاستراتيجية لها حدودها بحسب الكثيرين.
وقال “السيد مرابط” الناشط السياسي، إن “المملكة أضعفت اليسار والنقابات العمالية والمجتمع المدني والآن جاء الدور على الإسلاميين”، مضيفًا “وسوف تواجه قريبًا المواجهة المباشرة مع الشعب ولن يكون لها وقتها أي صمام أمان”.
المصدر: ترجمة نون بوست من NYTimes