ترجمة وتحرير نون بوست
تعتقد عائلة السياسية الليبية البارزة أنها قُتلت بعد ساعات من إجرائها للمقابلة التلفزيونية التي انتقدت فيها الهجوم الذي شنه القائد العسكري الليبي خليفة حفتر على طرابلس. لم تُسمع أي أخبار عن سهام سرقيوة، وهي أحد الأعضاء المنتخبين في مجلس النواب الذي أنشئ في شرق البلاد، منذ السابع عشر من تموز/ يوليو عندما سحبها رجال ملثمون متحالفين مع الجيش الوطني الليبي من منزلها في بنغازي، وذلك وفق ما أفاد به أفراد عائلتها وشهود عيان. ويُذكر أن الرجال الذين كانوا يرتدون زيا عسكريا اقتحموا منزل سرقيوة بعد أن ظهرت في مقابلة صحفية انتقدت فيها حفتر، أحد أصول وكالة الاستخبارات المركزية السابقين، الذي استولى على البلاد مؤخرا.
أصيب علي زوج سرقيوة برصاصة في ساقه بينما كان يحاول مقاومة المهاجمين، في حين تعرض ابنها فادي البالغ من العمر 16 سنة للضرب المبرح مما تسبب في قضائه أسبوعين في المستشفى. في هذا الصدد، صرّح شقيقها آدم لموقع “ميدل إيست آي”: “مضت شهور على اختفائها ولم نسمع بعد شيئًا عن مكان تواجدها. لا أعتقد أن أختي على قيد الحياة، نعتقد أنها قُتلت في الليلة التي اختطفتها فيها قوات حفتر”.
كانت سرقيوة ضمن مجموعة من النواب الذين طالبوا حفتر علنا بوقف عملياته العسكرية ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس. وفي نيسان/ أبريل، شن حفتر وأنصاره هجوما “لتطهير” ما أسماه بعاصمة “الإرهابيين”. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية، أسفرت هذه العملية عن مصرع ما لا يقل عن ألف شخص وتشريد حوالي 120 ألف آخرين. وقبل ساعات من اختطافها، أجرت سرقيوة مقابلة مع قناة “الحدث” انتقدت فيها هجوم طرابلس الذي قوّض خطط الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية سياسية في البلاد.
دعت سرقيوة حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي إلى تسوية قبل ساعات من اختطافها.
في المقابلة التي أجرتها، دعت سرقيوة -الحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم النفس من جامعة لندن- كلا الطرفين إلى تسوية وإنشاء حكومة وحدة وطنية. فضلا عن ذلك، صرحت سرقيوة بأن مؤيدي حفتر كانوا من “المتطرفين”، وذلك ردّا منها على الادعاء القائل إن أعضاء حكومة الوفاق الوطني ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين ولهم صلات بتنظيم القاعدة والفرع المحلي لتنظيم الدولة. ونددت سرقيوة قائلة: ألا يوجد لديك متطرفون في الجانب الآخر يدعمون الجيش الوطني الليبي؟ لذلك، حتى المتطرفون في الجانب الآخر لهم الحق في المشاركة”.
“ممارسة الألاعيب معنا”
وفق ما صرّح به شاهد عيان بشأن اختطاف سرقيوة لموقع “ميدل إيست آي”، فقد كان خاطفوها يحملون أسلحة متطورة ثم انطلقوا مسرعين في سيارات تحمل شعار “الشرطة العسكرية”. وبعد الهجوم، عُثر على كتابات على جدران المنزل فيها اسم المجموعة “أولياء الدم”، التي تعني “المنتقمون بالدم”.
كتابات على الجدران عثر عليها داخل منزل سرقيوة في بنغازي بعد الهجوم الذي وقع في السابع عشر من تموز/ يوليو.
إن مجموعة “أولياء الدم” ميليشيا تابعة للجيش الوطني الليبي، أعضاؤها من أقارب الأشخاص الذين قُتلوا أثناء المعارك على ما يسمونه “الإرهابيين” في بنغازي. ومنذ تأسيس هذه المجموعة في سنة 2014، ألقت باللوم على الجماعات المتحالفة مع طرابلس في اغتيال أفراد من قبيلتهم. ووفقا لما ذكرته جماعات اليمين، فقد اتُهمت هذه المجموعة بارتكاب جرائم قتل خارج نطاق القضاء ونهب المنازل وحرقها.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض أعضاء الميليشيات ووحدات أخرى من الجيش الوطني الليبي من أتباع المذهب السلفي المدخلي السعودي، الذين يعتبرون حفتر “الحاكم” الذي يدينون له “بالطاعة الكاملة”. ومن جهته، نفى طارق الخراز، المتحدث باسم وزارة الداخلية في حكومة بنغازي، أي تورط لقوات حفتر في اختفاء سرقيوة، مؤكدا لموقع “ميدل إيست آي” أنه جاري التحقيق لتحديد مكانها.
حيال هذا الشأن، قال آدم سرقيوة: “تقول عناصر مؤيدة لحفتر والقنوات التلفزيونية إنها غير مسؤولة عن اختفاء سهام سرقيوة … وحتى أنه أُفرج عنها، لكن هذه الادعاءات ليست حقيقية على الإطلاق”. وأضاف قائلا: “الجيش الوطني الليبي يمارس ألاعيبه معنا [مع أسرتها] ومع المجتمع الدولي في محاولة لتهدئة الوضع”. وأشار آدم: “في هذه الأثناء، يختفي النشطاء السياسيون باستمرار لتظهر جثثهم في الشوارع بعد بضعة أيام، كإشارة تنبه الليبيين بأن لا يشككوا في سلطة حفتر … وهذا هو الحال مع شقيقتي”.
بعد حوالي ثلاثة أشهر من اختطافها، لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها أو طلبت فدية. ووفقا لعائلة سرقيوة والعديد من السكان المقيمين في الجوار، الذين تحدث معهم مراسل “ميدل إيست آي”، فإن رسالة التهديد المرسومة على أحد جدران منزل الضحية والتي تقول: “لا تتخطي حدود الجيش”، تمثل اعترافا بتورط الجيش الوطني الليبي.
عاش حفتر، وهو جنرال سابق في عهد نظام القذافي، في المنفى في الولايات المتحدة لمدة 20 عامًا لكنه عاد إلى ليبيا بعد سقوط القذافي. لاحقا، تعهد حفتر بمواصلة هجومه على طرابلس، إلا أن عمليته العسكرية لازالت تفشل في تحقيق أي من أهدافه المعلنة
في بيان لها عقب اختفاء سهام سرقيوة بفترة وجيزة، قالت ماجدالينا مغربي، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من منظمة العفو الدولية: “يبدو أن سرقيوة قد تعرضت للهجوم بسبب تعبيرها السلمي عن آرائها وانتقادها لهجوم الجيش الوطني الليبي على طرابلس”. وأضافت مغربي قائلة: “يجب على الجيش الوطني الليبي، الذي يسيطر على بنغازي، ضمان الإفراج الفوري وغير المشروط عن سرقيوة، والامتناع عن شن أي هجمات ضد المدنيين”.
المرأة المستهدفة
غرقت ليبيا في حالة من الفوضى منذ ثورة 2011 المدعومة من قبل منظمة حلف شمال الأطلسي، التي أطاحت بالزعيم القديم معمر القذافي وتسببت في مقتله. ولاحقا، فشلت سلسلة من الحكومات في فك وإعادة دمج الميليشيات التي برزت بشدة خلال الثورة.
في هذا السياق، قدمت الإمارات العربية المتحدة ومصر والقوى الأجنبية الأخرى بما فيها الولايات المتحدة دعمًا قويًا لحفتر الذي صور نفسه على أنه شخصية قوية يمكنها تحقيق الاستقرار في ليبيا وسحق الجماعات المسلحة. وقد مثلت سرقيوة أحدث الضحايا من ضمن النساء الليبيات اللاتي تم استهدافهن بالاغتيال ومحاولات القتل والاعتداء البدني والعنف الجنسي في المناطق التي يسيطر عليها حفتر. وفي الحقيقة، تم اغتيال ثلاث ناشطات وسياسيات منذ سنة 2014 بسبب عملهن – بما في ذلك سلوى بوقعيقيص، الناشطة الشهيرة التي كانت وجهًا معترفًا به دوليًا لثورة سنة 2011.
الناشطة الليبية في مجال حقوق الإنسان سلوى بوقعيقيص في سنة 2011، قبل ثلاث سنوات من مقتلها بالرصاص في منزلها في بنغازي.
بعد أسابيع قليلة من وفاة بوقعيقيص، أطلق مسلحون النار على فريحة البركاوي، وهي ناشطة أخرى في مجال حقوق المرأة كانت قد احتجت على مقتل بوقعيقيص. في حوار له مع “ميدل إيست آي”، قال عماد بادي، وهو باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط: “يتمثل أسوأ كابوس لشخص استبدادي مثل حفتر في التعبير عن المعارضة، حتى فرديا، لأنه من الممكن أن يتحول بسرعة إلى تعبيرات واسعة النطاق تدعو إلى التمرد”. وأضاف بادي قائلا: “يشعر أعضاء كتيبة أولياء الدم بأن لهم الحق في التصرف كما يشاؤون وإسكات أي صوت يشعرون بأنه ينتقد حفتر و”عملية الكرامة””.
عاش حفتر، وهو جنرال سابق في عهد نظام القذافي، في المنفى في الولايات المتحدة لمدة 20 عامًا لكنه عاد إلى ليبيا بعد سقوط القذافي. لاحقا، تعهد حفتر بمواصلة هجومه على طرابلس، إلا أن عمليته العسكرية لازالت تفشل في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، حيث تكافح قواته المتمركزة في الشرق لتخطي الخطوط الأمامية لحكومة الوفاق الوطني المتمركزة على طول الضواحي الجنوبية للعاصمة.
في تصريح له لموقع “ميدل إيست آي”، قال جلال حرشاوي، وهو باحث زميل في معهد كلينغندايل الهولندي: “إذا عبرت شخصية عامة عن أي نوع من الانتقاد للمجهود الحربي، الذي يصل إلى مستوى 180 يومًا، فإن رد فعل الجيش الوطني الليبي ومؤيديه يتمثل ببساطة في قمع أصوات المعارضة”. وأضاف حرشاوي: “لقد كلف المجهود الحربي مئات الأرواح … وقد أصبحت الحملة القمعية قاسية لأن الهدف منها هو تخويف الجميع حتى يظهروا التضامن تجاه الجيش الوطني الليبي وتجاه مغامرته العسكرية”.
المصدر: ميدل إيست آي