في ظل غياب شبه تام لأي اتفاق سياسي في الأفق بين طرفي الصراع في ليبيا، يُعيد الاستقرار للبلاد التي أنهكتها الفوضى المستمرة منذ ثورة 17 فبراير، وتواصل الهجوم الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من برلمان طبرق وقوى دولية أبرزها الإمارات والسعودية ومصر وفرنسا، ضد حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا ومقرها طرابلس، طفت على السطح مُجددًا دعوات تقسيم ليبيا إلى أقاليم باعتبارها أحد السيناريوهات والخيارات المطروحة إذا تواصلت الأزمة وانعدمت الحلول.
وعلى مدى الشهور الـ6 الماضية، باءت محاولات حفتر المتكررة بحسم السيطرة على طرابلس، ولا يبدو أن هناك تغيرات جوهرية في وضع الأزمة الليبية، في ظل تواصل جمود المواقف الدولية التي تميل إلى الانفتاح على كل أطراف الصراع، وبقاء أطروحاتها لحل النزاع في صيغها النمطيةً ما عدا الدعوة الأخيرة إلى عقد مشاورات تمهيدًا لمؤتمر برلين.
كان الرئيس المشارك لقسم الشرق الأوسط ـ شمال إفريقيا في مركز (ISPI) للدراسات السياسية الدولية، أرتورو ڤارڤيللي، قد صرح في وقت سابق، أن الفيدرالية (الأقاليم الـ3: طرابلس وبرقة وفزان) الحل الوحيد لحل الصراع الليبي
وطُرحت قضية الفيدرالية في العام 2011، حين طالب سكان برقة بالتقسيم نظرًا لما سموه الظلم الواقع على الإقليم الذي يملك الجزء الأكبر من آبار النفط الليبي، وبرزت بشكل جلي بعد إعلان رئيس المجلس المحلي لإقليم أحمد الزبير السنوسي الفيدرالية من جانب واحد، في 6 من مارس/آذار 2012، إلا أن القرار لم يطبق على أرض الواقع.
الفيدرالية.. خيار
كان الرئيس المشارك لقسم الشرق الأوسط ـ شمال إفريقيا في مركز (ISPI) للدراسات السياسية الدولية، أرتورو ڤارڤيللي، قد صرح في وقت سابق، أن الفيدرالية (الأقاليم الـ3: طرابلس وبرقة وفزان) هي الحل الوحيد لحل الصراع الليبي أو “أي شكل آخر من أشكال تسليم السلطة إلى المجتمعات المحلية أو المدن الأخرى، مثل مصراتة التي تلعب دورًا مهمًا، مضيفًا “اللواء المتقاعد خليفة حفتر تم عزله عن الإدارة الاقتصادية من البنك المركزي وشركة النفط الوطنية التي تتخذ من طرابلس مركزًا لها، ولهذا السبب يشن هجومًا على العاصمة، بالإضافة إلى طموحاته الشخصية”.
من جانبه، قال الصحفي والكاتب الليبي إسماعيل القريتلي في تدوينة على موقع فيسبوك: “الحل إجرائيًا، يبدأ بالاعتراف المتبادل بالأزمة التأسيسية بين الأقاليم الثلاث المتجاورة، ومن ثم انتهاج الأساليب والطرق والإجراءات المستقرة في الخبرة الإنسانية مثل تهيئة الأوضاع الأمنية والنفسية وبرعاية ومراقبة وحماية من الأمم المتحدة لإجراء استفتاء داخل كل إقليم على حدة للإجابة عن سؤال تأسيسي: هل يريد سكان الإقليم تأسيس دولة بالشراكة مع الإقليمين الآخرين؟ ونتيجة الإجابات تحدد الخطوة التالية، فإن كانت إجابة الأغلبية (المتفق على نسبتها) داخل كل إقليم هي نعم، فعندها يبدأ التفاوض على قواعد عيش مشترك جديدة لا يكون الإقرار بها عن طريق المغالبة من أي إقليم أو الاضطرار، بل بالاستفتاء عليها داخل كل إقليم”، مضيفًا “أما إن كانت الإجابة هي لا فعندها تبدأ الأقاليم التفاوض على الانفصال الآمن، أيضًا برعاية ورقابة وحماية أممية، بدلاً من الاقتتال والاحتراب”.
ولقي هذا الطرح استحسانًا من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وكتب رمضان موسى: “أؤيد كلامك وبشدة، نعم نحتاج لإجراء استفتاء في كل إقليم على مطالبهم في الوحدة أو الاستقلال، وبناءً على نتيجة الاستفتاء يمكن اتخاد الخطوة التالية”.
وعلق الصحافي الليبي فتحي بن عيسى التالي: “نحن بحاجة لاستفتاء لتقرير المصير، أن نتوقف عن سوق الشعارات، أن نتعامل مع الأزمة لا أن نتجاهلها تحت تأثير عواطف لن تبني وطنًا“.
وأعاد بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي نشر مقال للكاتب الأمريكي جاستن رايموندو بعنوان ليبيا دولة لا وجود لها وجاء فيه: “البلد المعروف اليوم باسم ليبيا لم يكن موجودًا إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وكان نتاج زواج قسري للمقاطعات الثلاثة: تريبوليتانا في الغرب وسيرينايكا في الشرق وفزان في الجنوب، وأُنشئت ليبيا، للمرة الأولى، على أيدي الإيطاليين عام 1933″.
خطة الثورة المضادة
في مقابل ذلك، يرى مراقبون أن أطماع الدول الغربية في ثروات ليبيا (بترول وغاز إضافة إلى السواحل البحرية الشاسعة) وصراعها الشرس للفوز بعقود إعادة إعمار، سيدفع القوى المضادة للثورة الليبية إلى اختبار الخطة (ب) وهي التقسيم في حال فشل حصانهم الأسود (حفتر) في تحقيق مصالحهم وتنفيذ أجنداتهم.
وفي سياق ذي صلة، أكد عضو المجلس الدولة الاستشاري صالح جعودة، في وقت سابق “إذا ذهبت الإمارات إلى مشروع تقسيم ليبيا، مثلما تفعل الآن في اليمن، فمن المُرجح أنهم سيستغنون عن حفتر، لأنه لا ينتمي إلى قبيلة من قبائل برقة، وبالتالي من الممكن استخدام المسماري بديلاً له، خاصة أنه ينتمي لإحدى قبائل برقة، وأن تقوم الإمارات بتنفيذ خطتها بعد فشلهم في تنفيذ ما كانوا يريدونه وهو السيطرة على العاصمة طرابلس والاستيلاء على ليبيا بالكامل”.
وقال الناشط على موقع فيسبوك تحت اسم مكسيم جوركي: “فرضية التقسيم يطرحها الرباعي الداعم للواء حفتر والأخير لا يملك من أمره شيئًا”، مضيفًا: “حفتر لا يملك من الأمر شيئًا فهو اسم فقط أما من يدير الحرب فهم العدوان الرباعي (مصر والإمارات والسعودية وفرنسا) كلاً حسب مهمته مع تقسيم ليبيا وبالنسبة لحفتر فهو الأسفلت الذي تمشي عليه مدرعات العدوان لغزو ليبيا”.
من جانبه، قال المحلل السياسي والصحفي الليبي عصام الزبير في تصريح لـ”نون بوست”: “المسار السياسي لم يقدم حلاً للأزمة الليبية نتيجة اختلاف الرؤى بين الدول الماسكة بالملف الليبي، وتمسك رئيس حكومة الوفاق فايز السراج والشخصيات السياسية بطرابلس وقادة المحاور بعدم التفاوض ولجلوس مع الغزاة (حفتر)”.
التقسيم نهاية حفتر
وأضاف الزبير “عملية التقسيم التي ترغب فيها بعض مدن الشرق ودعاة الفيدرالية بالذات، في الوقت الراهن ستكون معقدة بشكل كبير، خاصة أن مناطق مثل ترهونة وصبراتة وصرمان مؤيدة لحفتر موجودة في غرب البلاد”.
وأكد الصحفي الليبي “تعثر المسار السياسي سيزيد من تعميق الأزمة في ليبيا، وعجز حفتر في السيطرة على طرابلس وتكبده لخسائر فادحة أحرجته أمام داعميه رغم استعانته بالمرتزقة وبالذات الروس (شركة فاغنر) وجانجويد السودان وخبرات فرنسية ودعم إماراتي، سيدفعه إلى البحث عن مصادر للتمويل ومنها التحكم في مؤسسة النفط، وفي حال قوبلت خطوته برفض دولي كما صدر عن الأمم المتحدة، فإن قواته ستتقهقر إلى الشرق وستنهار بذلك هيبته وستُكشف مزاعمه (محاربة الإرهاب)”، مضيفًا “في هذه الحالة سينتهي حفتر سياسيًا ويمكن تعويضه حينئذٍ بخطة التقسيم”.
بدوره، قال رئيس تحرير صحيفة الرأي الليبية حسين العريان في تصريح لـ”نون بوست”: “المسار السياسي الليبي مر بعدة مراحل وجولات، وصحيح كانت نتائجها غير مرضية لجميع الأطراف ولكن لغة الحوار أفضل بكثير من لغة السلاح”، مضيفًا “مبعوثو الأمم المتحدة وخاصة ليون وسلامة لم يردعا الأطراف الداخلية المعرقلة (برلمان طبرق) الذي انتزع منه القرار تحت سيطرة العسكر والدول الداعمة له وهي مصر والإمارات ومن خلفها فرنسا، وبدا الأمر واضحًا للعيان بعد الهجوم على طرابلس الذي شُن قبل انعقاد الملتقى الجامع بأسبوع بمدينة غدامس، هذه الدول لها مصالحها، لذلك فهي تسعى لتفكيك الدولة الليبية”.
يؤكد ناشطون ليبيون أن النظام المصري تحت قيادة السيسي يأمل من وراء دعمه لحفتر، إثبات أن نموذج الحكم العسكري قادر على توفير الأمن والاستقرار
وتابع العريان قوله: “ما قاله رئيس مصر في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة عن ليبيا ودعوته لتقسيم الثروات وكيفية ممارسة الديمقراطية ناهيك عن إعلامه الذي يعطي في رسائل بأحقية مصر في الشرق الليبي وما توجد به من ثروات، يُحيلنا إلى التساؤل لماذا لم يصل السيسي إلى حل مع إثيوبيا عن حصة مصر من مياه النيل وتنازله عن أراضٍ مصرية لصالح السعودية (تيران وصنافير)، هل يريد تعويضها من ليبيا؟”.
وأشار حسين العريان إلى أن الدول (مصر والإمارات والسعودية) منخرطة ضمن ما يُعرف بصفقة القرن المخطط الجديد لتغيير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تسعى لدعم عدم الاستقرار في ليبيا وتعطيل المسار السياسي.
وتابع الصحافي الليبي قوله: “بالنسبة للتقسيم أراه آخر الحلول، إذا لم يُحكم شركاؤهم بالداخل (قوات حفتر) سيطرتهم على كامل البلاد سيلجأون إلى التقسيم كعملية ضغط في البداية وإذا لم يأت بنتائج سيكون واقعًا رغم رفض العديد من الأطراف الليبية لذلك وخاصة بالغرب والجنوب الليبي”.
أخيرًا، يؤكد ناشطون ليبيون أن النظام المصري تحت قيادة السيسي يأمل من وراء دعمه لحفتر، إثبات أن نموذج الحكم العسكري قادر على توفير الأمن والاستقرار، وأن وساطتها لا تدور حول تحقيق الاستقرار في الجارة الغربية، أكثر من تمكين اللواء المتقاعد من السيطرة على الحكم وإقصاء الإسلاميين، ويرون أن انحياز القاهرة الواضح في الأزمة الليبية من شأنه أن يصعد الانقسامات والفوضى وقد يُعجل بسيناريو التقسيم.