ترجمة وتحرير نون بوست
على حافة صحراء الربع الخالي الشاسعة التي تهيمن على شبه الجزيرة العربية، كانت الأبراج البيضاء والبنية تقف معًا بعيدًا عن قاع الوادي مثل القلاع الرملية، في يوم من الأيام كانت تلك المنطقة تستقبل القوافل المرهقة التي تجتاز طريق الحرير، والآن تقف شاهدة على عظمة وبراعة تلك الحضارة المفقودة.
هذه مدينة شبام القديمة ذات الأسوار التي أطلقت عليها المستكشفة فريا ستارك اسم “مانهاتن الصحراء” في الثلاثينيات من القرن الماضي، وفي اليمن الحديث تضم المدينة عددًا لا يُحصى من الكنوز الأثرية، هنا في هذا المكان ارتفعت سلالات حاكمة وسقطت مثل مملكة سبأ التي حكمتها ملكة أسطورية تدعى بلقيس، وترتبط ثرواتهم بموقع اليمن في مفترق طريق تجارة التوابل والبخور القديم بين آسيا وإفريقيا.
اليوم، نتيجة للحرب الأهلية التي تدخل عامها الخامس، دُمرت العديد من عجائب البلاد أو تقع تحت التهديد، ورغم أن هذا الدمار يتضاءل مقارنة بالتكلفة البشرية للصراع، إلا أن التراث الثقافي الغني للبلاد أصابه الدمار.
مدخل أحد مباني شبام الشاهقة المصنوعة من الطين
هناك على الأقل 712 مسجدًا و206 مواقع أثرية تأثرت بالحرب التي اندلعت عام 2015، وفقًا للمركز القانوني للحقوق والتنمية في صنعاء، لكن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير، فالقصف المتعمد من القوات السعودية والمتمردين الحوثيين والدولة الإسلامية والقاعدة وتجارة التهريب المزدهرة، ساهمت جميعًا في فقدان آلاف الآثار القديمة.
نجت شبام – المستوطنة التي تقع في وادي حضر موت ويرجع تاريخها إلى 1700 عام – من العنف المباشر، لكنها تعاني من سنوات من الإهمال رغم أنها موقع تراث عالمي تابع لليونيسكو.
سُميت المملكة على اسم الملك شبام بن حارث بن سبأ، وكانت وما زالت تعد واحدة من أفضل الأمثلة على البناء العمودي في العالم، في القرن الـ16 وجد سكان شبام أنه لم يعد لديهم مساحة للتوسع، ولحل تلك المشكلة بدأوا في بناء شبكة شوارع متعامدة وبدلاً من التوسع أفقيًا قاموا بالبناء لأعلى، ومنحوا العالم أول ناطحات سحاب، يحتوي أطول برجين في سبام المبنيين من الطوب الطيني وخشب الأرز على 8 طوابق ويبلغ ارتفاع كل منهما 30 مترًا.
رجل يسير بجوار أحد مباني شبام المتآكلة التي تحتاج لصيانة عاجلة
أعلى صحراء قاع الوادي تقع شبام بالقرب من مصادر المياه لكنها آمنة نسبيًا من الفيضانات، تعمل الظلال التي تمنحها المباني العالية على توفير بعض الظل في الشوارع الساخنة أسفل المباني، كما أن الجدران الخارجية المحصنة ونقاط المراقبة في الأبراج تجعل من الصعب على القبائل المنافسة الهجوم عليها.
ما زال سكان المدينة البالغ عددهم 3000 مواطن يتبعون تقاليد المعيشة بشكل كبير، وفي بعض الأحوال تعيش أسرة مكونة من 40 فردًا في نفس البرج، يتم الاحتفاظ بالحيوانات والأدوات في الطابق الأرضي ويُخزن الطعام في الطابق الثاني، يعيش كبار السن في الطابق الثالث ويستخدم الطابق الرابع للترفيه، أما الأدوار العالية فتعيش فيها الأسر قليلة العدد ويعيش حديثو الزواج الذين لا يملكون أطفالاً على السطح.
ما زالت الأبواب الداخلية تربط بين ما يصل إلى 10 منازل في مربع سكني واحد، ورغم أن الجسور التي تربط بين الأسطح وبعضها البعض لتحمي كبار السن من صعود ونزول الدرج قد تحطمت.
تعمل مباني شبام الشاهقة على توفير الظلال للشوارع
اليوم أصبحت الشوارع ضيقة جدًا على السيارات، لكن شبام تتمع باكتفاء ذاتي بنسبة كبيرة، فالمزارعون وأصحاب المتاجر يوفرون الطعام لسكانها قليلي العدد، ويعمل الكثير من الرجال في صناعة طوب القش والطين المستخدم في البناء، وكما هو الحال في العديد من المدن اليمنية فإن الماعز والدجاج يتجولون في الشوارع.
يقول علي عبد الله – 28 عامًا الذي يرعى أغنام أسرته مع شقيقه ذي الـ10 سنوات-: “لقد غادر الكثير من الشباب، شبام مدينة جميلة لكنك لا تستطيع جني المال هنا ما لم يبدأوا في الحفاظ على مبانيها مرة أخرى”.
رغم أن مالكيها يفعلون ما بوسعهم لإعادة بناء الجدران المتهالكة وحماية منازلهم من هجوم النمل الأبيض، فإن مباني شبام البالغ عددها 444 مبنى عرضة للتآكل بسبب الرياح والمطر والحرارة، تحتاج الطبقات الخارجية من الطين إلى صيانة مستمرة لإيقاف تكسر الجدران وانهيارها في النهاية.
رجال يصنعون الطوب الطيني على مشارف شبام
منذ اندلاع الربيع العربي في اليمن عام 2011 توقف التمويل المحلي الذي يحافظ على المدينة بسبب ثبات تدفق السياح وفقًا لما يقوله سليم ربيعة رئيس الجمعية المحلية المسؤولة عن الحفاظ على المباني العامة داخل جدران شبام.
انهار برجان في السنوات القليلة الماضية وهناك 15 برجًا على الأقل في حاجة لإصلاح عاجل وفقًا للمنظمة العامة للحفاظ على المدن التاريخية في اليمن، يقول ربيعة: “شبام مدينة خاصة جدًا، لا أعلم لماذا لا يبني الجميع مثل مبانيها، أخشى أن يكون هذا الجيل هو الأخير هنا الذي يستطيع أن يصنع حياة هنا ويقدر جمال المدينة”.
في كل مكان في اليمن، تعيد القصة نفسها، فهناك بقايا لموقع يقال
إنه عرش ملكة سبأ ومن المحتمل أن الأثر الوحيد الباقي لمملكتها التي ظهرت في القرن العاشر قبل الميلاد، وهو يقع في الصحراء قرب مدينة مأرب، ونظرًا لأنه الموقع الديني والسياسي والاقتصادي لحضارتها الأسطورية فإن له أهمية كبيرة، يقول الدكتو عبد الله أبو الغيث من جامعة صنعاء إن المكان يعد العجيبة الثامنة لعجائب العالم.
عائلة تجلس على أنقاض عرش بلقيس بالقرب من مأرب
كان فريق التنقيب عن الآثار والزوار الأجانب قد ابتعدوا عن المكان منذ هجوم القاعدة عام 2007 على معبد في المنطقة الذي تسبب في قتل 10 أشخاص على الأقل من بينهم 8 سياح إسبان، واليوم يمتلئ الموقع بالقمامة والكتابة على الجدران، كما أن النقوشات القديمة معرضة للعواصف الرملية ولا يحمي محيطها إلا بعض الأسوار البالية.
في صنعاء – التي تعد واحدة من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان – تعرضت المواقع القديمة لقصف التحالف السعودي، وأصبحت العديد من مباني مدينة صنعاء القديمة مجرد حطام، ورغم أن اليونسكو زودت قوات التحالف بقائمة من المواقع التاريخية التي لا يجب قصفها عندما بدأت الحملة عام 2015، فإن مواقع مثل قلعة تعز تعرضت للقصف وكذلك متحف ذمار.
تقول سماء الحمداني مديرة المعهد الثقافي اليمني للفنون والتراث: “نحن قلقون بشأن تسييس التراث وعسكرة الآثار خلال الصراع، يجب أن نتأكد من أن الروايات التي تتحدث عن تدمير التراث حقيقية ودقيقة، ونحن بحاجة لحماية تراث اليمن من الأطراف المشاركة في التدمير، لا يمكنك أن تكون المدمر والمنقذ في الوقت نفسه”.
المصدر: الغارديان