شكّلت المظاهرات الشعبية التي شهدتها الساحة العراقية منذ 1 من أكتوبر 2019، إحدى مدخلات عدم اليقين بالنسبة لصانع القرار السياسي في إيران، في محاولة منه لملمة خيوط نفوذه الإقليمي الذي يواجه تحديات كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” اللتين تواجهان إيران اليوم عسكريًا وسياسيًا، التحوّل الكبير الذي مثلته هذه المظاهرات، أنها خرجت من رحم المدن والمناطق التي تسيطر عليها إيران عبر أحزابها ومليشياتها المسلحة، وكانت تتسابق حتى وقت كبيرة في إبراز سيطرتها الأمنية والسياسية على هذه الحواضن الاجتماعية، وهو ما أربك حسابات إيران كثيرًا، مما دفعها إلى أن ترمي بثقلها السياسي والأمني لاحتواء هذه المظاهرات والحد من تأثيراتها الداخلية والإقليمية والدولية.
وفي هذا الإطار راحت الماكينة الإعلامية الإيرانية تستخدم كل مصطلحات التخوين الموجودة في قاموس المؤامرة الإيرانية، في توجه إيراني على ما يبدو لشيطنة هذه المظاهرات، لإسقاطها سياسيًا وشعبيًا من جهة، ومن جهة أخرى لتعطي مبررًا لاستخدام القوة المسلحة لإجهاضها، من خلال تصويرها على أنها جزء من مؤامرة دولية تستهدف الجمهورية الإسلامية في إيران وتضرب مشروع محور المقاومة في الشرق الأوسط.
صحيفة كيهان الناطقة باسم المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تحدثت في عددها الصادر يوم 6 من أكتوبر 2019، عن تآمر أمريكي جديد يستهدف العراق، إذ قالت: “ما شهدته بغداد والمحافظات الجنوبية السبعة من مظاهرات مطلبية، وإن كانت محقة، حيث اندفع الشباب العراقي إلى الشارع تحت يافطات مطلبية بهدف تحسين معيشته والقضاء على البطالة والفساد، لكن من كان يخطط لهذه التظاهرات يختفي وراء أجندته التآمرية للقضاء على العملية السياسية والديمقراطية، والعودة بالعراق إلى المربع الأول أي إلى ما قبل سقوط نظام صدام، وهذا ليس تحليلًا بل مسنود بأرقام ووقائع خطط لها من قبل ثلاثة أشهر، وكانت أغلب قيادات الحشد الشعبي وفصائل المقاومة العراقية على علم بذلك”.
أشارت وكالة فارس الإيرانية للأنباء إلى المظاهرات العراقية، من خلال الحديث عن القيادات المحرضة عليها، إذ قالت: “هذا الحراك المريب جاء دون سابق إنذار أو حتى شرارة تبرر الحدث الطارئ، سيما في موسم أربعينية الإمام الحسين”
وما سرّب مؤخرًا في بيروت من معلومات مؤكدة تشير إلى أن “المخطط الصهيوأمريكي الممول سعوديًا، كان يدار من أجهزة استخباراتية تهدف أولًا إلى تحريك مظاهرات مطلبية، ثم يجري استثمارها وخرقها، وبالتالي دفعها إلى العنف والفوضى، وهذا ما شهدناه من خلال توزيع القناصة على البنايات العالية الذين استهدفوا المتظاهرين والقوات الأمنية في آن واحد، وهذا ما سيربك الوضع تمامًا، ويقود البلد إلى حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس معًا، وفي هذه الحالة تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية على أنها المنقذ بتجميد الأزمة المفتعلة، وبخروج قائد عسكري محبوب جماهيريًا، وهذا ما رفع صوره المندسون في التظاهرات، على أنه الحاكم الذي يستطيع انتشال العراق من وضعه الحاليّ الغارق بالعنف والفوضى، ومن القباحة والصلافة أن الشيطان الأكبر (أمريكا) أوصلت رسالة عبر الوسطاء إلى إيران بأننا في العام 2019، سنقلب الطاولة عليكم في العراق”.
أما وكالة فارس الإيرانية للأنباء فقد أشارت إلى المظاهرات العراقية، من خلال الحديث عن القيادات المحرضة عليها، إذ قالت: “هذا الحراك المريب جاء دون سابق إنذار أو حتى شرارة تبرر الحدث الطارئ، سيما في موسم أربعينية الإمام الحسين (ع)، الذي يعد موسمًا هادئًا ينذر فيه العراقيون وقتهم وممتلكاتهم لإنجاح هذا الموسم الديني”، وحاولت الوكالة من ناحية استقصائية، العثور على بعض الخيوط، عن أشخاص يتهمون بقيامهم بدور تحريضي في الأحداث بعيدًا عن حرقة قلب المواطن الصالح، حيث يعيش أغلبهم في الخارج متنعمًا بالأجواء الباردة ومخصصات اللجوء، ومنهم أحمد البشر وغيث التميمي وستيفن نبيل، وهذه الشخصيات ينسب لها دور تحريضي في الأحداث الدامية الأخيرة”.
وأشارت الوكالة ذاتها في افتتاحية أخرى، في مقالة بعنوان “ماذا وراء إثارة الفوضى في العراق؟”، إلى نقاط عديدة تخص المظاهرات العراقية، التي وضعتها ضمن مخطط مؤامراتي يستهدف إيران أولًا قبل العراق، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: “تجهيز إعلام عالمي بريطاني صهيوني ممول سعوديًا ضد مسيرة الأربعين”.
ثانيًا: نلاحظ أن “الإعلام الإلكتروني الصهيوني الذي يديره إيدي كوهين يتبنى التظاهرات ويحرض على مواصلتها”.
أشارت قناة العالم الإخبارية إلى جود يدٍ خفية تدفع الشارع نحو العنف والتخريب، مشيرة إلى أنه – ومع اتساع رقعة التظاهرات – ثمة مجموعات أشبه بـ”الخلايا النائمة”، تحرض المتظاهرين على “استفزاز” الأجهزة الأمنية
ثالثًا: الأسطول الإعلامي السعودي يطبل ويزمر للتظاهرات.
رابعًا: كل النكرات التي تركت العراق وارتمت في أحضان المخابرات البريطانية والأمريكية من غيث التميمي وغيره يعتبرون أنفسهم قادة التظاهرات.
خامسًا: من الملاحظ أن أغلبية المشاركين بالتظاهرات شباب لا يملكون الوعي السياسي، غرر بهم، ودفعوهم إلى الواجهة، لأن لديهم حقوقًا يظنون أنهم سيحصلون عليها بالتظاهر وإحراق الممتلكات العامة.
سادسًا: عشرات الهجمات الإسرائيلية على الحشد الشعبي العراقي الذي ساهم إلى جنب إخوانه من الجيش العراقي في القضاء على تنظيم داعش الوهابي الإرهابي، ولم تخرج مظاهرة واحدة تندد بالعدوان الصهيوني على سيادة العراق.
سابعًا: لماذا إحراق علم الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وشعارات إيران خلال هذه التظاهرات؟ وهل لأجل هذا خرجت المظاهرات؟
ثامنًا: نتذكر قبل أسابيع تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلًا إن لدى القوات الأمريكية الآلاف من الأسرى الدواعش وسوف يطلق سراحهم كيفما يشاء، فهل أطلق سراح بعضهم وزجهم في صفوف المتظاهرين؟
تاسعًا: كل هذه الخيوط لو جمعناها معًا لخرجنا بنتيجة أن هناك مؤامرة على العراق لتفتيته من الداخل، هذه المؤامرة انطلت على فاقدي الوعي السياسي والبصيرة .
موقع مشرق نيوز الإخباري والمقرب من جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، تحدث عن المظاهرات العراقية عبر مقال معنون: “أين مفتاح حل الاحتجاجات في بغداد؟”، وقال فيه: “مفتاح حل احتجاجات العراق في طهران”!
في حين أشارت قناة العالم الإخبارية إلى وجود يدٍ خفية تدفع الشارع نحو العنف والتخريب، مشيرة إلى أنه – ومع اتساع رقعة التظاهرات – ثمة مجموعات أشبه بـ”الخلايا النائمة”، تحرض المتظاهرين على “استفزاز” الأجهزة الأمنية أو استدراجها إلى المواجهة المباشرة، وتكشف المصادر أن هذه “اليد” محرَّكةٌ بشكل مباشر وكامل من السفارات الأمريكية والبريطانية و(القنصلية) السعودية في العراق، بمشاركة “فاعلة” لـ”البعثيين”، وأنصار بعض الأحزاب المتضرة من تركيبة الحكم الحاليّة.
أما موقع مشرق نيوز الإخباري والمقرب من جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني، فقط تحدثت عن المظاهرات العراقية عبر مقال معنون: “أين مفتاح حل الاحتجاجات في بغداد؟”، وقال فيه: “مفتاح حل احتجاجات العراق في طهران”!، وأضاف أن المحتجين في العراق ينقسمون إلى: بعثيين وسنة دواعش وشيعة منحرفين، ولن تكون هناك أي حلول فوق رغبات إيران.
أما وكالة أنباء الطلبة الإيرانية “إيسنا”، فقد تحدثت عن دور مربع الشر في افتعال اضطرابات العراق، وقالت إن سبب الإخفاقات في العراق على مدى العقود الأربع الماضية، یرجع إلی أربع مجموعات: مشيرةً إلى أن المجموعة الأولى تعود إلی منتميي النظام البعثي الصدامي وهي واحدة من الجماعات التي لعبت دورًا رئيسيًا في خلق مشاكل العراق، والمجموعة الثانية هي الولايات المتحدة التي احتلت العراق منذ عام 2003، وبثت انعدام الأمن في البلاد، أما المجموعة الثالثة التي تلعب دورًا في هذا المجال فهي الرجعیة العربية والکیان الصهيوني، والمجموعة الرابعة التي ساهمت في عدم ازدهار العراق، وخاصة على مدى السنوات الخمسة الماضية، هي الجماعات المتطرفة والتكفيرية الإرهابية وداعش إحداها، وهذه المجموعات الأربعة هي للأسف مربع الشر في العراق، والآن ترکب علی أمواج المطالب الشعبية وتستغل الظروف، بینما یجب أن تتم محاكمتها بسبب تورطها في هذا البؤس.
بالمجمل لم تذهب وسائل الإعلام الإيرانية بعيدًا عن المتوقع منها، فتبنت خطابًا معتادًا في طبيعة تعاطيها مع المظاهرات الاحتجاجية التي تصطدم بطموحات الهيمنة الإيرانية وتضرب المشروع الإيراني في المنطقة، والمظاهرات العراقية ليست بالحالة الشاذة، ففي الوقت الذي وصفت فيه المظاهرات في البحرين واليمن بأنها مظاهرات شعبية، تعكس رغبة هذه المجتمعات في العيش الكريم، أنكرت هذا الحق على الشعب العراقي الذي خرج مطالبًا بتحسين الخدمات والتوزيع العادل للثورة وتحقيق قدر أكبر من الاستقلال والسيادة في القرار السياسي العراقي.