كشفت نتائج عمليات سبر آراء، تصدر حركة النهضة الإسلامية نتائج الانتخابات التشريعية التي شهدتها تونس أمس الأحد، بحصولها على أغلبية المقاعد في حين حل حزب “قلب تونس” بزعامة رجل الأعمال الموقوف على ذمة القضاء نبيل القروي في المرتبة الثانية.
الأربعة الأوائل
وفق النتائج التقديرية التي قدمتها وكالة سيغما كونساي تقدمت حركة النهضة بإحرازها نسبة 17.5%، وحصدت الحركة الإسلامية 40 مقعدًا فيما حصل حزب قلب تونس على نسبة 15.6% بواقع 33 مقعدًا، وحل في المرتبة الثالثة الحزب الدستوري الحر بزعامة عبير موسى بحصوله على نسبة 6.8% من نسبة مقاعد البرلمان البالغ عددها 217 مقعدًا (14مقعدًا)، أما المرتبة الرابعة فحصدها ائتلاف الكرامة الذي يقوده المحامي الشاب سيف الدسن مخلوف بحصوله على نسبة 6.1% من المقاعد بواقع 18 مقعدًا.
وخلال مؤتمر صحفي عقدته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عقب إغلاق مكاتب الاقتراع مساء الأحد، قال رئيس الهيئة نبيل بفون إن نسبة التصويت داخل تونس بلغت 41.3%، أما نسبة التصويت في الخارج بلغت 16.4%، وفق ما أعلنته الهيئة.
وأدلى الناخبون بأصواتهم في 13 ألف مكتب اقتراع، موزعين على 4567 مركز تصويت، في 33 دائرة انتخابية داخل تونس وخارجها، وشارك في تأمين العملية الانتخابية 70 ألف عنصر أمن، حسب وزارة الداخلية.
النهضة تعود للصدارة
هذه الانتخابات أعادت تصدر حركة النهضة البرلمان التونسي رغم تراجع عدد نوابها مقارنة بانتخابات 2014، في انتظار تأكيد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هذه النتائج المعلنة قبل قليل وتكليف رئيس الجمهورية رئيس الحزب باختيار مرشحهم لتشكيل الحكومة القادمة.
وقال الناطق الرسمي باسم “حركة النهضة” عماد الخميري، خلال مؤتمر صحفي عقده بمقر الحركة بالعاصمة تونس: “المعطيات الأولية والتجميع الأولي الذي تجريه الحركة، أظهر تقدمها في التشريعية على حساب باقي الأحزاب السياسية والقائمات المُستقلة”، دون تقديم أي أرقام للنتائج.
بدوره قال زعيم النهضة راشد الغنوشي إن حزبه فاز في الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد فوزًا لا غبار عليه، وخلال مؤتمر صحفي مساء الأحد، أشار الغنوشي إلى أن تونس مقبلة على تحدٍ اقتصادي واجتماعي، يتمثل في محاربة الفساد والفقر وتطوير مؤسسات الدولة، كما أكد الغنوشي دعم الحكومة الحاليّة برئاسة يوسف الشاهد حتى تستطيع حركة النهضة تشكيل حكومة شراكة تتكون من كفاءات.
https://mobile.twitter.com/R_Ghannouchi/status/1180956048766722048?p=v
وكانت النواة الأولى لحركة النهضة قد تشكلت عام 1969 ليتم في 1972 تأسيسها “سرًا” بقيادة مواطنين تونسيين، في مقدمتهم راشد الغنوشي الذي أصبح أول رئيس للحركة في أبريل/نيسان 1972، وفي 6 من يونيو/حزيران 1981، ظهرت الحركة إلى العلن بشكل رسمي، حيث عقدت مؤتمرًا صحفيًا في العاصمة تونس، واختارت لنفسها اسم “الاتجاه الإسلامي”، ولم يعترف بها رسميًا في البلاد إلا في 1 من مارس/آذار 2011.
تنافس في هذه الانتخابات أكثر من 15 ألف مرشح، موزعين على 1503 قوائم (1340 قائمة في الداخل و163 في الخارج)، من بينها 673 قائمة حزبية و312 قائمة ائتلافية و518 قائمة مستقلة، موزعة على 33 دائرة انتخابية، منها 27 داخل الأراضي التونسية وست دوائر للجاليات التونسية بالخارج.
القروي يشكك في النتائج
لاقت هذه النتائج رفض حزب “قلب تونس” حيث عبر بدوره عن فوزه بالانتخابات، وعقب إغلاق المكاتب بـ35 دقيقة، أصدر حزب “قلب تونس” بزعامة نبيل القروي المترشح للانتخابات الرئاسية بيانًا بفوزه وحصوله على المرتبة الأولى، وقال القروي، وهو مسجون بتهم تهرب ضريبي وغسيل الأموال، إن حزبه “قلب تونس” حل أولاً في الانتخابات البرلمانية في تونس الأحد، دون أن يعطي تفاصيل عن كيفية الحصول على هذه النتيجة.
وقال في بيان “أيتها التونسيات والتونسيون شكرًا، فرغم كل ما تعرضنا له من ظلم وحيف وتشويه، ورغم وجودي في السجن، فقد نجحنا في الدور الأول للرئاسية، ونحن الآن مرشحون للدور الثاني، واليوم تتعزز انتصاراتنا بحصول حزبنا حزب قلب تونس الفتي على المرتبة الأولى بمجلس نواب الشعب، حيث اخترتمونا لنمثل صوتكم العالي وحلمكم بتونس جديدة وأفضل، وأنتم باختياركم تحملوننا مسؤولية تشكيل الحكومة الجديدة”.
وتأسس حزب قلب تونس في شهر يونيو/حزيران الماضي وكان يحمل اسم “السلم الاجتماعي التونسي”، قبل أن يغير اسمه في وقت لاحق ويختار صاحب قناة نسمة التليفزيونية الخاصة نبيل القروي رئيسًا له. ويقبع القروي حاليًّا في سجن المرناقية، حيث قامت وزارة الداخلية التونسية في نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، بتوقيف القروي عند عودته إلى العاصمة تونس قادمًا من مدينة باجة، وإيداعه السجن المدني بمدينة المرناقية، تنفيذًا لأمر قضائي صادر بحقه.
بالتزامن مع ذلك، أوضحت الوكالة العامة بمحكمة الاستئناف بتونس أن قرار إصدار مذكرة الاعتقال بحق كل من رئيس حزب “قلب تونس” نبيل القروي وشقيقه غازي القروي (في حالة فرار)، تأتي في إطار تطبيق الفصل 117 من مجلة الإجراءات الجزائية الذي ينص صراحة على أنه “يجوز دائمًا لدائرة الاتهام أن تصدر بطاقة إيداع ضد المظنون فيه (مذكرة اعتقال للمتهم)”.
بموجب الدستور، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب بالبرلمان التونسي هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة عن الأمور الخارجية والدفاع
جاء إيقاف القروي وإيداعه السجن، على خلفية شكاية رفعتها ضده منظمة “أنا يقظ” منذ سبتمبر/أيلول 2016 بتهمة التهرب الضريبي والتحيل، وقبل ذلك، قرر قاضي التحقيق المتعهد بالقضية بالقطب القضائي الاقتصادي تحجير السفر على المظنون فيه، وتجميد التعامل على الأملاك المنقولة والعقارية التابعة له، وتجميد الأرصدة البنكية الراجعة له.
ومن المنتظر أن تعلن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات النتائج الأولية للانتخابات التشريعية في الداخل والخارج يوم الـ9 من أكتوبر/تشرين الأول، حسب برنامج الانتخابات الذي أعلنه رئيس الهيئة العليا للانتخابات نبيل بفون.
تعتبر هذه الانتخابات التشريعية المرتقبة، الثانية التي تشهدها تونس بعد الثورة، حيث شهدت البلاد في 26 من أكتوبر/تشرين الأول 2014 انتخابات تشريعية، وصفها مراقبو البعثة الأوروبية بـ”الشفافة” وذات “المصداقية”، واعتبرها العرب والأفارقة عنوان تقدم لتونس.
في تلك الانتخابات، فاز حزب نداء تونس ذو التوجه العلماني بالمرتبة الأولى بعد أن حصل على 86 مقعدًا من جملة 217 مقعدًا في المجلس، ثم تلاه حزب حركة النهضة الإسلامي بـ69 مقعدًا متراجعًا 20 مقعدًا مقارنة بسنة 2011 حينما حصل على 89 مقعدًا.
صعوبة تشكيل الحكومة
هذه النتائج جعلتنا أمام فسيفساء، ذلك أنه لم تحصل أي مجموعة أو حزب سياسي على أغلبية واضحة في البرلمان، وحتى التحالفات لن تكون سهلة، وهو ما يضع تونس أمام سيناريوهات غامضة في الفترة القادمة، ومن شأن هذه النتائج أن تزيد من تشتت المشهد السياسي في البلاد، وتعمق الصعوبات نحو التوافق على تشكيلة الحكومة المقبلة، وذلك في ضوء نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي أظهرت فوز مرشحين غير متوقعين، هما أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعيد ونبيل القروي.
وينص الفصل 89 من الدستور التونسي على تكليف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي الحاصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، في أجل أسبوع من إعلان النتائج النهائية للانتخابات، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة.
عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه 45 يومًا وأقصاه 90 يومًا.
يتعين على حركة النهضة التونسية أن تبدأ مشاورات تشكيل الحكومة من الآن، وتبحث عن التحالفات الممكنة مع الأحزاب والقائمات الفائزة في هذه الانتخابات حتى يتسنى لها النجاح في المهمة التي اختارها لها الشعب التونسي. وبموجب الدستور، يكون رئيس الوزراء المنتمي لأكبر حزب بالبرلمان التونسي هو المهيمن على معظم السياسات الداخلية، في حين يتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة عن الأمور الخارجية والدفاع.