ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال الأيام القليلة الماضية، تصدّر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عناوين الأخبار مرة أخرى. فبعد إجراء مقابلة مع شبكة كولومبيا للبث حيث اعترف بمسؤوليته في جريمة قتل خاشقجي التي جدّت السنة الماضية، تفجرت ضجة إعلامية نُشرت على إثرها مجموعة واسعة من التقارير المرتبطة بيوم الذكرى السنوية الأولى لمقتل خاشقجي بطريقة الوحشية، والتي تهدف بالأساس إلى إضعاف موقف ولي العهد السعودي. وأفادت مصادر مجهولة بأن الموقف الذي أبداه بن سلمان جعله عرضة للهجوم من الكثير من الجهات، بما في ذلك من داخل المملكة.
منذ إعلانه حالة الطوارئ بصفته لاعبا رئيسيا في المملكة، تعرض ولي العهد محمد بن سلمان لانتقادات لاذعة من خصومه الدينيين المحافظين داخل المملكة العربية السعودية. وفي الآونة الأخيرة، انتقدت أصوات أكثر ليبرالية مثل وزير الطاقة السابق خالد الفالح بعض سياسات ولي العهد. وقد ردّ محمد بن سلمان بشدة على هذه الأصوات المعارضة، أولاً من خلال مشروع ريتز ثم من خلال إزاحة خالد الفالح والعديد من اللاعبين الرئيسيين الآخرين عن الساحة. أما الاستراتيجية الحالية فهي مصممة لدعم العرض العام الأولي لأسهم شركة أرامكو، وهو الحدث الذي يعتقد بن سلمان أنه سيساهم في تعزيز سلطته في مملكة النفط.
نحن نعلم الآن أنه بات يمكن من خلال كمية صغيرة من أنظمة الأسلحة المتقدمة منخفضة الحدة، عرقلة سير عمل قلب قطاع النفط العالمي.
يبدو أن خطة بن سلمان لتعزيز قوته ونفوذه كانت تسير كما هو مخطط لها، حتى حدوث الهجمات الأخيرة التي شنتها الطائرات المسيرة على بقيق. ويبدو أن وسائل الإعلام والمحللين لم يستطيعوا فهم شدة وطأة هذه الهجمات لأن معظمهم مازالوا يعتبرون تصريحات أرامكو ووزير الطاقة السعودي من الحقائق التي لا ريب فيها. وفي الواقع، يعتبر التفاؤل المفرط بشأن مستقبل المملكة بمثابة استخفاف بما يحدث، حيث أنه لا يمكن جبر الأضرار الناجمة عن هذه الهجمات في غضون أيام قليلة.
حتى إذا أصلحت الأضرار التي لحقت بقيق من الناحية الفنية، وبدأ النفط السعودي يتدفق بالمعدلات نفسها السابقة، فإن العالم تغير. فنحن نعلم الآن أنه بات يمكن من خلال كمية صغيرة من أنظمة الأسلحة المتقدمة منخفضة الحدة، عرقلة سير عمل قلب قطاع النفط العالمي.
في أحسن الأحوال، قد تتراجع المكانة المحورية للمملكة العربية السعودية باعتبارها من البلدان التي تساهم بشكل رئيسي في ضمان استقرار سوق النفط، أو قد تفقدها تماما في أسوأ الأحوال. ولن تتمكن أي شركة صيانة من إعادة الثقة المؤكدة في المملكة العربية السعودية كبلد منتج للنفط يمكن أن يُعتمد عليه لضمان أمن إمدادات الطاقة. فبواسطة أقل من 30 طائرة مسيرة وصواريخ كروز، تم كبح الطاقة الإنتاجية السعودية الاحتياطية من السوق. وخلافا لما يعتقد الكثير من المحللين، فإنه ليس بإمكان السعودية العودة إلى نشاطها المعهود.
يبدو أن واشنطن مثل الكلاب التي تنبح ولا تعض عندما يتعلق الأمر بتصرفات إيران ضد المملكة العربية السعودية
مع وجود تهديد حقيقي بحدوث صراع واسع النطاق، دخل الصراع الإيراني السعودي مرحلة جديدة. ستعاني الأوضاع في العراق وليبيا من حالة عدم الاستقرار الناجمة عن هذا الصراع. ورغم حدوث بعض الاضطرابات، رفضت الولايات المتحدة، حليفة المملكة العربية السعودية المهمة، الانجرار بالكامل إلى الصراع. لذلك، يبدو أن العلاقة بين ترامب ومحمد بن سلمان تضعف مع ازدياد الضغط الجيوسياسي.
يبدو أن واشنطن مثل الكلاب التي تنبح ولا تعض عندما يتعلق الأمر بتصرفات إيران ضد المملكة العربية السعودية. ويبين ذلك أن المحللين وصناع السياسة في الولايات المتحدة لا يدركون أن هذا الموقف لا يضعف النفوذ الأمريكي في المنطقة فحسب، بل يفتح مباشرة أبواب المعارضة على مصرعيها أمام محمد بن سلمان داخل المملكة.
في الآونة الأخيرة، نشرت مصادر إعلامية غربية وعربية عدة قصص حول المعارضة المتزايدة التي يواجهها بن سلمان داخل عائلة آل سعود الملكية. وبلا شك، تعد هذه التقارير صحيحة وتدل على أنه يمر بفترة عصيبة. وسيحدد الشهران القادمان مستقبل بن سلمان، لذا لم يتبق سوى وقت قليل جدًا للمعارضين. وبعد مستنقع حرب اليمن والأضرار التي لحقت ببقيق، من المؤكد أن بعض أفراد العائلة المالكة سيحاولون إضعاف موقف بن سلمان.
في الوقت الحالي، تتمثل المشكلة الرئيسية في أنه لا يوجد منافس حقيقي لمحمد بن سلمان، حيث أن معظم السعوديين ما زالوا يدعمونه، فضلا عن أن الجيل الشاب لا يميل لشقيق الملك سلمان، الأمير أحمد بن عبد العزيز. نتيجة لذلك، يتعين على محمد بن سلمان التسريع في نسق المشاريع المشغوف بها لأن تحقيق النجاح يعد مهما بالنسبة له، خاصة عندما يتعلق الأمر بالظفر بالسلطة في الرياض.
قريبا، سيحظى محمد بن سلمان بالدعم المفتوح، حيث من المتوقع أن يتوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض في الفترة القادمة
ليس من المستغرب أن تنطلق موجة التقارير الإعلامية الإيجابية، التي صدرت في الآونة الأخيرة من المملكة العربية السعودية قبيل انعقاد الفعاليات الاقتصادية لمؤتمر دافوس في الصحراء، الذي يعرف أيضا باسم مبادرة مستقبل الاستثمار لسنة 2019. ومن شأن إجراء تقديم للعرض العام الأولي لأسهم أرامكو في الاجتماع، يليه إدراج 1 بالمائة منها في سوق أسهم “تداول” السعودي، أن يضع محمد بن سلمان بقوة في دائرة الضوء ويضعف أي قوى معارضة له.
مع حالة الجمود الراهنة التي تعاني منها المنطقة، سيكون أكثر من أربعة آلاف صاحب صندوق استثماري وصناديق الثروة السيادية والشركات الكبرى حاضرين في قاعات المؤتمرات في فندق ريتز، وعلى استعداد للتخلي عن المال والمشاريع التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، التي يعد محمد بن سلمان في أمس الحاجة لها لتعزيز مكانته على الصعيد العالمي.
قريبا، سيحظى محمد بن سلمان بالدعم المفتوح، حيث من المتوقع أن يتوجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض في الفترة القادمة. في تناقض صارخ مع تراجع الصداقة بين ترامب ومحمد بن سلمان، يعد بوتين من كبار الداعمين بشكل كبير لاستراتيجية ولي العهد وأحلامه. وفي الوقت الراهن، يتجه صندوق الثروة السيادية الروسي وآخرون إلى فنادق الرياض وذلك دليل إضافي على الدعم الذي تقدمه روسيا له.
بناء على ذلك، يبدو أن موسكو مستعدة لاغتنام فرصة ردّ الفعل الضعيف لواشنطن على الهجمات الأخيرة التي استهدفت المملكة العربية السعودية، التي سوف يكون محمد بن سلمان حريصا على الاستفادة منها. ومن المرجح أن يساعد توطيد العلاقات السعودية الروسية على كبح جماح إيران، نظرا لأن الجمهورية الإسلامية تعتمد بشكل كبير على الدعم الذي تتلقاه من موسكو.
المصدر: أويل برايس