إعلان جائزة نوبل للآداب هذه السنة مختلف تمامًا عن المرات السابقة، فهذه المرة الأولى التي سوف يعلن فيها عن جائزتين للآداب، بدلاً من جائزةٍ واحدة. سوف يعرف العالم أجمع في يوم الخميس القريب فائزين لجائزة نوبل للآدب، لأول مرة منذ بداية الجائزة. يذكر أنالعام الماضي حجبت الجائزة، بسبب ما تعرضت له أحد أعضاء اللجنة، بسبب زوجها المصور الفرنسي جان كلود أرنو وفضيحته الجنسية، الأمر الذي أدى إلى تقديم استقالتها.
الطريق إلى نوبل
لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيحدث داخل الأكاديمية السويدية يوم الخميس، فاللجنة لا تعلن أبدًا عن المرشحين، إلا بعد فترةٍ طويلة جدًا، واللجنة الجديدة للجائزة -في رأيي- سوف تتخذ طريقةً آمنة، وقد تكون تقليدية أحيانًا، في اختياراتها للفائزين هذا العام، وذلك تفاديًا لأي شيءٍ قد يفقد الجمهور ثقته فيها، المهزوزة أصلًا.
استنادًا لذلك يمكننا محاولة التنبؤ بكُتّاب من المرجح حصولهم على الجائزة هذه السنة.
ميلان كونديرا.. كائن الخفة
كتب كثيرة في الفلسفة والموسيقى، آلة كاتبة عفا عليها الزمن، كبير في السن، يتحدث أحيانًا باللغة الفرنسية إذا أحب، يضع على جدران غرفته صورتان، إحداهما لوالده الذي كان عازف بيانو، وبجوارها صورة لمؤلف موسيقى من التشيك يدعى لويس جاناسيك، هذا الكاتب الشهير العريق هو ميلان كونديرا الروائي الفرنسي من الأصول التشيكية، مواليد أبريل 1929.
هو يرى نفسه لا ينتمي إلى كتاب الأدب الحديث، يرى نفسه منتميًا أكثر للروائيين الفينيسيين، فمن يقرأ لكونديرا سوف يجد في كتبه الكثير من الفلسفة والفن والموسيقى
دائمًا ما يذكر اسم كونديرا مع اقتراب موعد إعلان جائزة نوبل للآداب كل سنة، فهو مرشح دائم لهذه الجائزة، وعدم حصوله للآن عليها، آثار تساؤلات كثيرة في الأعوام السابقة، نظرًا لانتشار رواياته الواسع على مستوى دولي. لا يرى كونديرا نفسه منتميًا إلى كتاب الأدب الحديث، بل يميل أكثر لكونه روائيًا فرنسيًا، فمن يقرأ كونديرا سوف يجد في كتبه الكثير من الفلسفة والفن والموسيقى، ودائمًا ما تتضمن رواياته السرد الحلمي، أي أنه يصوّر الحياة في مكان آخر.
كونديرا أبرز المرشحين لهذه الجائزة هذا العام، لذا هو أول هذه القائمة.
سلمان رشدي.. شيطان الرواية
سلمان رشدي، الكاتب البريطاني من أصول هندية، كان يكتب تحت اسم مستعار حتى عام 2001. تغيّرت حياته تمامًا في فبراير 1989، وقت أن أهدر الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية في طهران، دمه بعدما اعتبر أن روايته “آيات شيطانية” تسيء للإسلام عبر احتوائها ما يعتبر تجديفًا.
13 عامًا، المدة التي قضاها سلمان يكتب تحت اسم مستعار، خوفًا من تلك الفتوى، كان يبلغ وقتها 41 عامًا، الآن عمره 71.
رشدي يعد مرشحًا دائمًا للجائزة، ليس فقط لجرأته في الكتابة واختياره لمواضيع يخشى منها الكثير من الكتاب، بل لتنامي الإسلام السياسي، وما تعرض له من ترهيب كل تلك السنوات، وعدم خضوعه أو استسلامه
سلمان رشدي المولود في 19 من يونيو 1947 في بومباي، يعد الآن أعظم كاتب أنجبته الهند بعد روبندرونات طاغور شاعر الهند الذي حصل من قبل على جائزة نوبل للآداب، الجائزة التي يتردد اسم سلمان في كل مرةٍ يقترب موعد إعلانها.
رشدي يعد مرشحًا دائمًا للجائزة، ليس فقط لجرأته في الكتابة واختياره لمواضيع يخشى منها الكثير من الكتاب، بل لتنامي الإسلام السياسي وما تعرض له من ترهيب كل تلك السنوات وعدم خضوعه أو استسلامه، يؤكد مدى إيمانه الشديد بالكتابة وما يفعله الأدب في الناس، وأن التخلي عنه هو أول الطريق لانتشار التعصب والجهل وسيادة الرجعية.
إيزابيل الليندي وشهرزاد
عمرها في الكتابة أكثر من 35 عامًا، يلقبها القراء والصحفيون بشهرزاد أمريكا اللاتينية، فهي تعرف كيف تملك الحكاية وتصنع منها روايةً تقرأ بشغفٍ في كل مرة. إيزابيل الليندي الروائية التشيلية المولودة في 2 من أغسطس 1942″ لا تحتاج تعريفًا، خصوصًا للقارئ العربي، فرواياتها تترجم دائمًا وبسرعة للغة العربية، ذلك لأنها تملك شعبيةً كبيرة هنا، كتلك الشعبية التي تملكها في العالم أجمع، وليس في أمريكا اللاتينية فقط.
تملك سحر شهرزاد في سرد الحكاية، وذكر اسمها في كل مرة يقترب فيها إعلان جائزة نوبل للآداب، ليس وليد صدفةٍ بل نتاج لأكثر من 35 عامًا، من سحر الكتابة
شهرزاد في حكايات “ألف ليلة وليلة” كانت تملك سحرًا خاصًا، يمكنها من سرد القصة دون ملل، جاذبةً الأمير ناحيتها، فينصت لها بكل حواسه، هكذا هي إيزابيل، تملك سحر شهرزاد في سرد الحكاية، وذكر اسمها في كل مرة يقترب فيها إعلان جائزة نوبل للآداب، ليس وليد صدفةٍ بل نتاج لأكثر من 35 عامًا من سحر الكتابة، فهي مرشحة بقوة لهذه الجائزة.
لجوؤها في أمريكا، بلدٍ أجنبية بعيدة عن موطنها “تشيلي”، وموت ابنتها باولا، التي كتبت عنها روايةً من أصدق وأجمل الروايات، كل هذا يجعل تجربة إيزابيل تجربة صادقة تستحق أن تتوج بمثل هذه الجائزة.
هاروكي موراكامي القصة دائمًا لها بعد آخر
الواقعية السحرية عرفنا بدايتها مع الكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز، وظلت حقلًا لكثير من التجارب، إلى أن جاء الكاتب الياباني “هاروكي موراكامي” ونقلها لبعد آخر، هو ما بعد الواقعية السحرية.
موراكامي المولود في “12 من يناير 1949″، أحد أكثر الكتاب الذين يذكر اسمهم بشكل مستمر وقوي كمرشح لجائزة نوبل للآداب في السنوات الأخيرة، فرواياته من الأكثر مبيعًا وعالمه الروائي يختلف كثيرًا عن باقي الكتاب، عالم مٌختلف وغريب، فيه تهبط الأسماك من السماء في أحد محطات “طوكيو”، لا وجود فيه للمعقول، وصعب أن تتنبأ ماذا سوف يكتب في الصفحة التالية أو كيف تتصرف شخصياته، هي شخصيات مركبة، عوالمها الخفية كثيرة، يعتبر “كافكا”، أحد الكتاب الذين أثروا فيه وفي كتابته، يمكننا القول إن غرائبية “موراكامي” مستمدة من غرائبية “كافكا”.
“هاروكي” هو الكاتب الذي لا يخشى هدم أي شيء، والبداية من الصفر، ودائمًا أفكاره مجنونة لا تخطر إلا على عقل داخله تمطر السماء سمك أسكمري
شعبية هاروكي في العالم كبيرة، ليس في اليابان أو آسيا فقط، حتى في الوطن العربي يحتل مكانة كبيرة وتُقرأ وتُترجم رواياته باستمرار.
من إدارة نادي للجاز ومشاهدة “البيسبول”، إلى تجربته كتابة قصة قصيرة لأول مرة، هاروكي هو الكاتب الذي لا يخشى هدم أي شيء، والبداية من الصفر، ودائمًا أفكاره مجنونة لا تخطر إلا على عقل داخله تمطر السماء سمك أسكمري.
مارجريت أتوود.. ما دمت تحكي إذًا أنت موجود
لا تتوقف عن السؤال ولا التفكير ولا ترضى بما هو سائد ولا تتوقف أبدًا عن الكتابة سواء نثر أم شعر. ولا شيء يميز غرفتها إلا الكتب الكثيرة. الروائية الكندية مارجريت أتوود المولودة في 18 من نوفمبر 1939، جربت كل أنواع الكتابة تقريبًا، من كتابة روايات تتسم بالخيال أو دون ذلك، وكتابة للطفل ومسرح وشعر والنقد الأدبي والعمل في حقوق المرأة والسياسة.
مارجريت، هذه الكاتبة ذات الشعر الأبيض الجميل التي بدأت الكتابة في سن الخامسة، متأثرة بحكايات الأساطير والجنيات، تتقد عيناها بالشغف وتتسم بالجرأة في كتابتها ولا تخشي أبدًا أن تتعرض للنقد، لذا دائمًا ما يوجد اسمه ومطروح بقوة للفوز بجائزة نوبل للآداب، خصوصًا هذه السنة مع وجود جائزتين لأول مرة.
“المرأة الصالحة للأكل” أول روايات أتوود التي حققت شهرة واسعة فور صدورها، ناقشت فيها وانتقدت في وقتٍ مبكر جدًا المجتمع الأمريكي الاستهلاكي، أيضًا في روايتها “حكاية الخادمة” تنبأت بصعود اليمين المتطرف وسيطرته على الحكم في كثير من الدول الأوروبية.
لم أذكر في القائمة كتاب عرب، لأنني لا أعتقد فوز أحدهم بالجائزة لهذا العام، رغم وجود أسماء كتاب عرب يتنبأ لهم بالفوز بالجائزة مثل أدونيس وإبراهيم الكوني ونوال السعداوي.