ترجمة وتحرير نون بوست
كتب كاثرين بورتر ووي فان
إن الاستثمار في مرحلة الطفولة يدوم مدى الحياة، وكلما كان الاستثمار مبكرًا كان العائد أكبر، وفقًا لجيمس هيكمان الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، والعكس كذلك فالصدمات التي تحدث عند نمو الطفل قد تدوم مدى الحياة.
على سبيل المثال، أصبح الأطفال الذين كانوا صغارًا في أثناء مجاعة إثيوبيا عام 1984 أقصر 5 سنتيمترات عند البلوغ، وحصلوا على تعليم أقل وأكثر عرضة للإصابة بالأمراض الآن، عند تقييم الآثار طويلة المدى للظروف التي تحدث في بداية الحياة يكون من الصعب الفصل بين العمليات البيولوجية والعمليات الاجتماعية، والسؤال المهم هنا: لما لا يستطيع الأطفال اللحاق بالركب بعد الصدمات التي تحدث في نموهم؟
من الصعب أن نعلم إذا كان هؤلاء الأطفال في إثيوبيا عام 1984 قد تأثروا بشكل دائم بالمجاعة لأن هناك عمليات بيولوجية تمنعهم من اللحاق بالركب، أم لأن والديهم توقفوا عن الاستثمار فيهم لصالح أخوتهم الذين كانوا أفضل حالًا، بمعنى آخر، هل يعزز الآباء الاختلافات أم يحاولون تعويضها؟
للإجابة عن هذا السؤال أجرينا دراسة لفحص كيفية استجابة الآباء في أكثر الظروف تعقيدًا إلى الاختلافات في قدرات أبنائهم، استخدمنا بيانات من دراسة “Young Lives cohort” في إثيوبيا التي تدرس فقر الطفولة حيث تابعت نمو الأطفال المولودين في بداية الألفية.
تم قياس قدرات الأطفال من خلال النقاط التي حصلوا عليها في اختبار المفردات، قمنا بتقييم نحو 1400 طفل تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 8 سنوات، كان هناك دائمًا زوجان من الأشقاء، قمنا بحساب الفرق بين درجات اختباراتهما وفحصنا العلاقة بينهما واختلافات البقاء في التعليم لكل طفل.
يميل الآباء إلى الاستثمار بشكل أكبر في الطفل الذي يعاني من ضعف التحصيل المعرفي، ويستخدمون مواردهم القليلة لإنفاق المزيد على التعليم
وجدنا أن الآباء يميلون إلى الاستثمار بشكل أكبر في الطفل الذي يعاني من ضعف التحصيل المعرفي، ويستخدمون مواردهم القليلة لإنفاق المزيد على التعليم، حتى في عينة الأسر الأكثر فقرًا، فهؤلاء الذين يملكون موارد أكثر، أكثر عرضة لتعويض الاختلافات في القدرات، هذه الاختلافات مهمة لكنها ذات قيمة هامشية.
عند متابعة الأطفال بعد 3 سنوات لم نجد أي تغيير في الفجوة بين الأشقاء رغم جهود الآباء، يشير ذلك إلى أن فجوة التحصيل في هؤلاء الأطفال الذين عانوا من ظروف صعبة في أول حياتهم سببها عمليات بيولوجية، رغم أن آباءهم حاولوا مساعدتهم للحاق بالركب.
البحث
هناك احتمالية أن تكون الاختلافات في درجات الاختبار سببها استثمار الآباء بشكل مختلف في كل طفل حتى لحظة إجراء الاختبار، وهي مشكلة عامة في هذا النوع من الدراسات، وللتعامل مع تلك المشكلة حاولنا عزل الاختلافات في التنمية المعرفية التي تحدث بسبب عوامل خارج سيطرة الأسرة.
في هذا الصدد استخدمنا الفرق في مستويات هطول الأمطار خلال فترة الطفولة المبكرة بين الشقيقين، ففي إثيوبيا يرتبط هطول الأمطار بشكل كبير بالدخل وقدرة الآباء الفقراء على الاستثمار.
في الدول النامية يواجه الآباء الفقراء قيودًا مالية شديدة، وانتشار عمالة الأطفال يعني مفاضلات أصعب
كان ذلك دليلاً على كيفية محاولة الأسر الفقيرة تحسين فرص الحياة لأبنائها وأي تحسن طفيف في ثروتهم يؤدي إلى بذل مجهود أكبر لتعويض الصدمات السيئة، لكن هذه الجهود لم تكن ناجحة، كنا نعتقد أن ذلك سببه قلة الموارد المتاحة، كما أن أهمية التدخل في مراحل الحياة المبكرة لم يكن مؤكدًا بما فيه الكفاية.
نظريات متنافسة
كجزء من البحث قمنا باستكشاف النظريات الاقتصادية القائمة بشأن كيفية تخصيص الآباء مواردهم النادرة في الأسرة، ووجدنا أن هناك نظريتين متنافستين، يشترك العديد من الاقتصاديين في فكرة أن الأسرة التي تسعى لزيادة دخلها الإجمالي لجميع الأطفال يجب أن تستثمر في الطفل الأعلى قدرة أو تعزز الاختلافات، لذا، عند تساوي بقية الأمور، إذا كان لديك شقيقان أذكى منك فإن والديك سيستثمران فيهما أكثر منك.
أما النظرية المنافسة فتقول إن الآباء يكرهون عدم المساواة بين أطفالهم، ويفضلون التعويض عن أي اختلافات، في الدول المتقدمة يرتفع مستوى الدخل وتلعب الحكومة دورًا قويًا، فالتعليم إلزامي والتعليم العام مجاني والتشريعات تمنع عمل الأطفال بدوام كامل.
في الدول النامية يواجه الآباء الفقراء قيودًا مالية شديدة، وانتشار عمالة الأطفال يعني مفاضلات أصعب: هل تستثمر في طفلك الآن لتضمن له مستقبل مشرق ومزدهر؟ أم تدعهم يستغلون وقتهم في العمل الآن لتوفير الطعام لأسرتهم؟ من المفترض أنه في الدول النامية ستتفوق القيود على الرغبة في المساواة، والآباء سيعززون الاختلافات بشكل أكبر.
المضيّ قدمًا
شهد الاقتصاد الإثيوبي نموًا سريعًا في السنوات العشرة الأخيرة وكذلك توسع في شبكة الأمان الاجتماعي، لكن العديد من الأسر ما زالت فقيرة للغاية وتعتمد على الأمطار للزراعة وكسب المعيشة، كذلك ما زالت معدلات سوء التغذية مرتفعة والتوسع في الحصول على التعليم لم يُترجم إلى تحسين مخرجات التعلم.
إن حماية الأطفال من الأحداث السيئة في فترة الطفولة المبكرة أصبح أكثر أهمية، حيث تواجه إفريقيا توابع تغير المناخ، وتحتاج الحكومات إلى بذل المزيد لدعم الآباء في الظروف القادمة الأكثر صعوبة، يتضمن ذلك تأمين اجتماعي وإجراءات حماية اجتماعية، كما يجب أن يتضمن ذلك تدخلات مثل ضمان هطول الأمطار والتكيف مع تغير المناخ لمساعدة الآباء على تقديم أفضل ما لديهم لأبنائهم.
المصدر: ذي كونفرسايشن