قبل فجر يوم الإثنين، في قاعدة عسكرية شمال شرق سوريا، سلّم جنرال أمريكي خبرًا سيئًا لنظيره السوري، مفاده أن الولايات المتحدة ستسمح للقوات التركية بالانتقال إلى المنطقة، تاركة القوات السورية التي يقودها الأكراد عرضة للخطر.
رد القائد العنيد لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم كوباني، الذي اكتسب شهرة دولية باعتباره واحدًا من كبار القادة الذين خاضوا المعركة في مواجهة تنظيم الدولة “داعش”، قائلاً بغضب: “أنتم تتركونا بمفردنا”، واتهم الولايات المتحدة بالتواطؤ في هجوم تركي يلوح في الأفق.
هذا الإعلان المفاجئ للرئيس ترامب بأن الولايات المتحدة ستسمح لتركيا بالسيطرة على جزء من شمال شرق سوريا، على حساب الميليشيات التي قاتلت إلى جانب الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة “داعش”، يمكن أن يغير مسار الحرب الأهلية في البلاد التي استمرت أكثر من ثماني سنوات، ويهدد مكاسب حيوية من بينهما المكاسب الأمنية والتغلب على تنظيم الدولة “داعش”.
“حروب عبثية وقبلية”
في توقيت بالغ الصعوبة والحرج، قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال سوريا، وترك حلفائها الأكراد لمواجهة مصيرهم، فالجيش التركي وحلفاؤه من مقاتلي المعارضة السورية على الحدود، وقد ينقضون في أي لحظة على مواقع القوات الكردية في عملية أعلنت أنقرة سلفًا أنها على وشك أن تبدأ.
القرار الذي اعتبره الأكراد “طعنة في الظهر” من حليفهم الأمريكي لم يكن حسب توضيحات أوردها الرئيس ترامب مجرد خيار ذهبت إليه واشنطن مكرهة، إنما هو اختيار واعٍ يعبر عن مبدأ أمريكي واضح يتمثل في خروج بلاده مما سماها ترامب “حروب المنطقة العبثية ذات الطابع القبلي”.
بالإضافة إلى “خيانة” ترامب لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، كما يقول البعض، فإن هذه الخطوة يمكن أن تمكن تركيا وتمدد سيطرتها على جزء آخر من شمال سوريا
الرئيس ترامب برَّر قرار إدارته أيضًا بأن مواصلة دعم القوات الكردية المتحالفة مع واشنطن في المنطقة “مُكلف للغاية”، لكن كلماته لن تفاجئ المتابعين لبحثه الدائم عن إستراتيجية خروج من كل صراع أُقحمت فيه قوات بلده أو إستراتيجية لتفادي الانخراط في صراعات غيرها نيابةً عن أطراف أخرى في الغالب.
بالنسبة لسوريا، يرى ترامب أن جنود بلده كان مفترضًا أن يمضوا 30 يومًا في سوريا قبل سنوات مضت، لكنهم بقوا هناك سنوات، ودخلوا في صراع شديد دون هدف واحد كما قال.
تصحيحًا لهذا المسار، ها هي الولايات المتحدة تغادر الساحة السورية، وقد بدأت بالفعل سحب قواتها من نقاطها العسكرية المؤقتة في منطقتين متاخمتين للحدود مع تركيا، كأنما تغسل إدارة ترامب يديها تمامًا من المسألة، وهي تريد أن تضطلع تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق ورسيا ومعهم الأكراد بمهمة تسوية الوضع في المنطقة.
لقد اعترضت تركيا دائمًا على وجود قوات سوريا الديمقراطية على حدودها، ورأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المقاتلين الأكراد الذين يشكلون العمود الفقري للجماعة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (P.K.K)، الجماعة المسلحة الكردية التي خاضت تمردًا دمويًا دام عشرات السنين ضد الدولة التركية.
الرئيس التركي كان قلقًا من أن الحكم الذاتي الكردي الأكبر في سوريا كان يمثل تهديدًا أمنيًا وطالب بإنشاء ما يسمى “المنطقة الآمنة” على طول الحدود التركية السورية، بعمق يصل إلى 20 ميلاً (32 كيلومترًا) وبطول مئات الأميال، لإبقاء القوات الكردية في مأزق.
على مدى أشهر، كان الدبلوماسيون الأمريكيون يعملون لدرء التهديدات التركية لإرسال قوات عبر الحدود، حيث قاموا مؤخرًا بتنفيذ تدابير أمنية مشتركة في منطقة آمنة صغيرة مع الولايات المتحدة، لكن أردوغان لم يكن راضيًا، وتحدث هاتفيًا مع الرئيس ترامب يوم الأحد.
بعد ذلك بفترة قصيرة، أعلن البيت الأبيض أن الجيش التركي سيدخل سوريا، وأن الولايات المتحدة “لن تدعم العملية أو تشارك فيها”، وجادل ترامب يوم الإثنين بأن شراكة الولايات المتحدة مع الأكراد خدمت هدفها بشكل أساسي، حيث كتب على “تويتر” أن الأكراد قاتلوا جيدًا “لكنهم حصلوا على مبالغ ضخمة من المال والمعدات للقيام بذلك”.
رهان المنطقة الآمنة
فاجأ القرار الأمريكي العديد من المسؤولين العسكريين ووزارة الخارجية الذين ينفذون سياسة سوريا، وقوبل بمعارضة حلفاء ترامب الجمهوريين في واشنطن، فحاول ترامب لاحقًا تهدئة منتقديه، قائلاً: “إذا فعلت تركيا أي شيء اعتبرته، بحكمتي العظيمة التي لا تضاهى، أنه تجاوزًا للحدود، فسوف أقضي على اقتصادها بالكامل”.
As I have stated strongly before, and just to reiterate, if Turkey does anything that I, in my great and unmatched wisdom, consider to be off limits, I will totally destroy and obliterate the Economy of Turkey (I’ve done before!). They must, with Europe and others, watch over…
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) October 7, 2019
وتركيا المجاورة، التي قاتلت الانفصاليين الأكراد في بلادهم منذ عقود، معادية بشكل صريح للأكراد السوريين الذين حصلوا على الأرض والأسلحة المتطورة والتحالفات القوية نتيجة للحرب الأهلية في سوريا التي استمرت أكثر من 8 سنوات، وهذا يضع قوات سوريا الديمقرطية التي تشكل العمود الفقري للقوات الكردية عند مفترق الطرق.
في حال ضعفت قبضة القوات الكردية السورية على شمال شرق سوريا، فقد يسهل ذلك على قوات “الأسد” ومؤيديه الروس والإيرانيين استعادة الأراضي
وطالما اعترضت تركيا على وجود قوات سوريا الديمقراطية على حدودها، ورأى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن المقاتلين الأكراد الذين يشكلون العمود الفقري للجماعة امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (P.K.K)، الجماعة المسلحة الكردية التي خاضت تمردًا دمويًا دام عشرات السنين ضد الدولة التركية.
عمليًا، سيُخلي ذلك المجال لعملية تركية وشيكة مخطط لها منذ فترة طويلة، تهدف إلى تطهير منطقة شرقي الفرات ممن تصفهم أنقرة بـ”الإرهابيين”، لكن الانسحاب يعني أيضًا – وذاك ربما أهم – ترك أوثق حلفاء واشنطن المسلحين الأكراد يواجهون وحدهم مصيرهم المحتوم.
بالإضافة إلى “خيانة” ترامب لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، كما يقول البعض، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية والمرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، فإن هذه الخطوة يمكن أن تمكن تركيا، وتمتد سيطرتها على جزء آخر من شمال سوريا.
Let us be clear: The president has sided with authoritarian leaders of Turkey and Russia over our loyal allies and America’s own interests. His decision is a sickening betrayal both of the Kurds and his oath of office.
— Hillary Clinton (@HillaryClinton) October 7, 2019
لكن العملية العسكرية التركية تثير تساؤلات عن مستقبل المنطقة الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي تمتد لمئات الأميال على طول الحدود التركية وعمق الأراضي السورية على الجانب الشرقي من نهر الفرات، وتشمل المدن الكبرى مثل الرقة التي كانت في السابق عاصمة تنظيم الدولة الفعلية، وبعض أغنى الأراضي الزراعية في سوريا وعدد من حقول النفط.
وبينما سعى المسؤولون في قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة إلى التقليل من شأن علاقات المجموعة بحزب العمال الكردستاني، فالكثير من قادتها ومقاتليها لهم جذور في الحركة، ويمكنهم نشر تكتيكات حرب العصابات ضد تركيا إذا دخلت سوريا.
وما زال من غير الواضح كيف أن قوات سوريا الديمقراطية سترد على العملية العسكرية التركية المرتقبة، لكنها دعت يوم الإثنين سكان شمال شرق سوريا إلى الوقوف مع قواتها الشرعية للدفاع عن وطنهم ضد ما سمته “العدوان التركي”.
كيف سيساعد الانسحاب حلفاء الأسد؟
من المرجَّح أن يخلق الانسحاب الأمريكي فراغًا في المنطقة قد يفيد رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي هدَّد باستعادة الأراضي بالقوة إذا لزم الأمر، وفي حال ضعفت قبضة القوات الكردية السورية على شمال شرق سوريا، فقد يسهل ذلك على قوات “الأسد” ومؤيديه الروس والإيرانيين استعادة الأراضي.
يمكن الاستدلال على ذلك بالنظر إلى أنه عندما قرر ترامب الانسحاب من شمال شرقي سوريا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نجح مستشاروه في إثنائه عن ذلك بإيضاح أن الانسحاب سيمنح إيران الفرصة للتدخل بصورة أكبر في المنطقة، وهذا الرأي ما زال قائمًا حتى الآن.
وكما يبدو من التجربة العراقية، فإن الانسحابات تترك فراغًا يمكن أن يملأه خصوم الولايات المتحدة، فقد بادرت إيران إلى الاستفادة من الفراغ التي خلّفه انسحاب الجنود الأمريكيين في العام 2011، وكان لتلك الخطوة أثر بالغ في السيطرة الإيرانية في سوريا، لأن العراق كان نقطة عبور مهمة مدّت نظام الأسد بكميّة كبيرة من السلاح وعشرات الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية العراقية القوية الذين غدوا الآن القوّة الأكثر سيطرة على الأرض.
قد يؤدي صراع مفتوح مع تركيا إلى سحب المقاتلين الأكراد إلى الخطوط الأمامية، مما يسمح لبقايا التنظيم بإعادة تأكيد وجودهم في أماكن أخرى
بالنسبة لروسيا، فإن الانسحاب من سوريا سيسمح بإنشاء هيكلية أمنية تطغى عليها موسكو في المنطقة، في حين تبقى دول أخرى في الشرق الأوسط ضعيفة جدًا لتواجه إيران بفعالية من دون دعم وقيادة أمريكيَّين. وفي حال تركت الولايات المتحدة حلفاءها يقاتلون بدون دعم، سيتمكّنون من إدامة الحرب بالوكالة لكنّهم لن يشكّلوا سوى صداعٍ لا أكثر لإيران وروسيا، ولن يتمكّنوا من تغيير ميزان القوى أو إحداث أيّ تغيير على الأرض.
وتمتد التداعيات إلى ما هو أبعد من حلفاء “الأسد”، وصولاً إلى خصوم جميع أطراف الحرب في سوريا، وهو مقاتلو تنظيم الدولة “داعش”، فقد كان القرار الأمريكي آخر ما يتوقعه أولئك الذين طالما فاخرت واشنطن باستماتتهم في مقاتلة “داعش” إلى جانبها حتى دحره، لكن ذلك لم يكن بالمجان، فقد دفعت أمريكا إلى هؤلاء كميات طائلة من الأموال، وأمدتهم بالمعدات العسكرية اللازمة للمهمة.
وقد يؤدي صراع مفتوح مع تركيا إلى سحب المقاتلين الأكراد إلى الخطوط الأمامية، مما يسمح لبقايا التنظيم بإعادة تأكيد وجودهم في أماكن أخرى، خاصة في ظل الحديث عن خروج الآلاف من مقاتلي داعش من تحت الأرض لشن هجمات جديدة والتخطيط لعودتهم.
ويعبر عن هذا الموقف حالة الصدمة التي عبَّرت عنها القوات الكردية التي قالت إنها فقدت أكثر من 10 آلاف مقاتل خلالها حربها ضد “داعش” إلى جانب الولايات المتحدة، وكتب المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، مصطفى بالي، في تغريدة “قرار السيد ترامب على وشك أن يدمر الثقة التي بُنيت خلال مواجهة تنظيم داعش بين قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة”.
We are not expecting the US to protect NE #Syria. But people here are owed an explanation regarding security mechanism deal, destruction of fortifications and failure of US to fulfill their commitments. @CJTFOIR @CENTCOM @OIRSpox
— Mustafa Bali (@mustefabali) October 7, 2019
كما شارك الأكراد الآخرين مقطع فيديو على “تويتر” يصف فيه ترامب الأكراد كشركاء عسكريين خلال مؤتمر صحفي في الأمم المتحدة العام الماضي، وقال في الفيديو: “نحن نتعاون مع الأكراد، إننا نحاول مساعدتهم كثيرًا”، مضيفًا أن الكثير منهم “ماتوا من أجلنا، يمكنني أن أخبرك أنني لا أنسى، هؤلاء أناس عظماء”.
Trump: “Kurds are great people, great fighters, I like them a lot. We are trying to help them a lot. Don’t forget that’s their territory.They fought with us, they died with us, we lost tens of thousands of Kurds fighting ISIS. They’re great people and we have not forgotten.” pic.twitter.com/jNcP0a30Ot
— Mutlu Civiroglu (@mutludc) September 27, 2018
وفي بيان صدر يوم الإثنين، حذرت قيادة قوات “سوريا الديمقراطية” من أن توغلًا عسكريًا تركيًا قد يجبرها على تحويل القوات الكردية عن المناطق التي ما زال يشكل تنظيم “داعش” فيها تهديدًا في الجنوب للدفاع عن نفسها ضد الأتراك في الشمال.
وقال البيان: “هذه العملية العسكرية التركية في شمال وشرق سوريا سيكون لها أثر سلبي كبير على حربنا على تنظيم داعش”، مشيرًا إلى أن التخلي عن العمليات المناهضة للتنظيم من شأنه أن “يدمر كل ما تم تحقيقه من حالة الاستقرار على مدار الأعوام الماضية”.
يُضاف هذا إلى موقف سابق في ديسمبر/كانون الأول الماضي، اعتبرت فيه قوات سوريا الديمقراطية أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية سحب قواتها من سوريا سيؤثر سلبًا على حملة مكافحة الإرهاب، وسيعطي داعش زخمًا سياسيًا وميدانيًا وعسكريًا للانتعاش مجددًا في حملة إرهابية معاكسة في المنطقة، إضافة إلى شن هجمات معاكسة بعد طرده من مساحات واسعة في البلاد.
هل يقوِّي الانسحاب تنظيم “داعش”؟
بعد أن سيطر الجهاديون في تنظيم الدولة “داعش” على ما يقرب من ثلث شمال شرق سوريا، دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع ميليشيا كردية سورية في عام 2015 لقتالهم، وانضمت مجموعات أخرى أيضًا لتشكيل قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تسيطر على الأرض التي حررتها من داعش.
منذ ذلك الحين، دعمت فرقة صغيرة من القوات الأمريكية، يبلغ عددها الآن نحو ألف جندي، قوات “قسد” في السيطرة على المنطقة، وبعد تراجع تنظيم داعش، رأت إدارة ترامب في القوات الكردية أفضل وسيلة للتحقق من نفوذ إيران وروسيا، ومنع عودة الجهاديين والحفاظ على حصة في محادثات السلام في نهاية المطاف.
لكن إعادة الانتشار الكردي سيعرض أيضًا الأهداف الأمريكية الأخرى للخطر، كما يقول المبعوث الرئاسي السابق في التحالف الدولي ضد داعش، بريت ماكجورك الذي كتب على “تويتر” يوم الأحد: “خلاصة القول: ترامب الليلة بعد مكالمة واحدة مع زعيم أجنبي قدم هدية لروسيا وإيران وداعش”.
Donald Trump is not a Commander-in-Chief. He makes impulsive decisions with no knowledge or deliberation. He sends military personnel into harm’s way with no backing. He blusters and then leaves our allies exposed when adversaries call his bluff or he confronts a hard phone call.
— Brett McGurk (@brett_mcgurk) October 7, 2019
مصدر قلق آخر هو السجون التي يديرها الأكراد في المنطقة، التي تحتجز مقاتلي داعش الأسرى ومعسكرين كبيرين على الأقل لعائلاتهم. ويضم أحد المعسكرات، وهو معسكر الهول، عشرات الآلاف من الأشخاص بمن فيهم المتطرفين الذين اتهمتهم القوات الكردية ومنظمات الإغاثة بالسعي إلى إعادة تأسيس حكم “داعش”.
وبعد أيام من إعلان إدارة ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا أواخر العام 2018، قالت قوات “قسد” إن لديها نحو ألف مقاتل داعشي إضافة لنسائهم وأطفالهم، يحملون 48 جنسية، وتخشى القوات الكردية فرارهم حال تنفيذ الجيش التركي أي هجوم على مناطق شمال سوريا، بينما توجه لـ”قسد” اتهامات بإطلاق سراح “دواعش” مقابل المال.
وبحسب تحليل للكاتب مارتن شولوف بصحيفة “الغارديان” البريطانية، فإنه منذ التغلب على تنظيم الدولة أصبحت القوات الكردية مسؤولة عن احتجاز من يشتبه في انتماءهم للتنطيم، حيث احتجزت 90 ألف شخص يُعتقد أنهم من مؤيدي تنظيم الدولة. ومن بين هؤلاء عدد من زعماء التنظيم وقادته الفكريين، ومجددًا أصبح شبح عودة الجهاديين للظهور في سوريا والعراق يلوح في الأفق.
هناك أيضًا أطفال سبايا تنظيم الدولة في مركز الرعاية في شمال شرق سوريا. هؤلاء الأطفال لا يمكنهم العودة إلى أراضي الأيزيدين، حيث تنص الأعراف الدينية للمنطقة على أنه لا يسمح بالدخول إلى أراضيها إلا من وُلدوا على الديانة الأيزيدية، ويُواجه أمهات هؤلاء الأطفال بالخيار الصعب: إما البقاء في المخيم مع غيرهن من زوجات التنظيم وسباياه، أو المغادرة دون أطفالهن.
أيتام تنظيم الدولة في مراكز الرعايا
في سياق التهديدات الكردية، قال بيان البيت الأبيض إن تركيا ستتولى مسؤولية “جميع مقاتلي داعش في المنطقة التي أُسروا خلال العامين الماضيين”، لكن اثنين من مسؤولي الولايات المتحدة قالوا إنه لم يكن هناك نقاش مع تركيا أو الأكراد بشأن إمكانية التسليم، كما أن المعسكرات والسجون بعيدة عن المنطقة التي من المتوقع أن تشملها العملية العسكرية التركية.
وبحسب الباحث بمركز “بروكنجز” رانج علاء الدين، فإن الانسحاب من سوريا سيسرع بروز داعش من جديد لأن سوريا ما زالت تُعتبر الكارثة الإنسانية الأسوأ التي يشهدها هذا القرن، وستكون موقعًا لصراع مدمر لسنوات إن لم يكن لعقود.
هل خاب الرهان على الأمريكيين؟
منذ وقت ليس ببعيد، كان ينظر إلى الأكراد على أنهم من بين أكبر الفائزين في الحرب السورية، حيث انتقلوا من أقلية مهمشة إلى العنصر الأقوى في قوة عسكرية تسيطر على أكثر من ربع الأراضي السورية، وذلك بفضل قتالهم العنيف وشراكتهم مع الولايات المتحدة.
ومع تصاعد انتصاراتهم العسكرية ضد داعش، أنشأوا مجالس محلية للحكم، لكن القرار الأمريكي الأخير قد يجعل أكراد سوريا عرضة للهجمات التي يشنها مقاتلو تنظيم داعش أو غيرهم ممن يستاءون من صعودهم، خاصة أن لديهم عددًا قليلاً من الحلفاء الدوليين الآخرين الذين يشتبه المحللون في أنهم قد يدفعونهم إلى البحث عن تسوية مع حكومة بشار الأسد في دمشق، لإبعاد الأتراك، لا سيما عندما يجد الأكراد صعوبة كبيرة في التصدي بمفردهم لهجمات تركية موسعة.
يعتقد مراقبون أن مغادرة سوريا والتخلي عن الحلفاء المفترضين هناك قد يُنبئ بردات فعل مخيبة لآمال مزيد من الحلفاء
لكن حتى هذا قد لا يحميهم من تركيا التي أرسلت قواتها إلى أجزاء أخرى من سوريا، مما أدَّى إلى تشتيت الأكراد وإنشاء مناطق حيث قدمت لهم الخدمات وإعادة توطين اللاجئين، وتقول أنقرة إنها ستفعل الشيء نفسه في المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية الآن.
ويبدو أن ما جرى نتيجة ستنتهي إليها حتمًا رهانات أطراف عدة، فترامب حريص كما يبدو على الوفاء بوعده الانتخابي حينما كان يخوض السباق نحو البيت الأبيض، بألا يورط الجنود الأمريكيين في مزيد من الحروب خارج الحدود، وبأن يعيد أولئك الذين تم نشرهم بالفعل في أكثر من بؤرة توتر يسخِّف ترامب الصراعات فيها.
على ضوء التطور الأحدث في سوريا، يمكن أيضًا فيما ترى بعض التحليلات فهم مآلات التوتر القائم بين واشنطن وطهران، ويعتقد مراقبون أن مغادرة سوريا والتخلي عن الحلفاء المفترضين هناك قد يُنبئ بردات فعل مخيبة لآمال مزيد من الحلفاء.
تجمع أكراد سوريون حول مركبة مدرعة أمريكية على مشارف بلدة رأس العين في سوريا في أكتوبر الجاري
منظور ترامب للعالم، الشبيه بنظرته للصفقات التجارة، لا يسمح بتأمل الشق التاريخي أو الأخلاقي لسنوات التعاون مع الأكراد، وتتجاهل واقعيته التي لا ترحم أن المصالح الإقليمية التي يود تأمينها ستتعرض لخطر كبير بالتخلي عن الأكراد.
وفقًا لوجهة النظر تلك، إنها رسالة واضحة للأطراف الإقليمية التي تحاول استثمار التوتر لجر الأمريكيين نحو مواجهة مفتوحة مع إيران، أي نحو حرب إقليمية شاملة لطالما نبَّه خبراء إستراتيجيون إلى عواقبها الوخيمة.
مفهوم التحالفات والشراكات في حقيقة الأمر يفرض إعادة ضبط ومراجعة أكثر من أي وقت مضى، وسيزداد الأمر إلحاحًا مع رئيس أمريكي جاء إلى السياسة من عالم الأعمال، ويقيس كل شيء بمنطق الربح والخسارة، وسيزيد ذلك كثيرين إيمانًا بالمثل الدارج “عارٍ هو من يتغطى بالأمريكيين”.