ترجمة وتحرير: نون بوست
لم تتجاوز زيارة لافروف إلى العراق اليوم ونصف اليوم، إلا أنها تعتبر مهمة، لا سيما في ظل استمرار وقوع بغداد تحت تأثير واشنطن، كما أن التعاون مع القيادة العراقية يفتح الطريق لتسوية عدد من مشاكل الشرق الأوسط.
تزامنت زيارة لافروف إلى العراق مع إعلان دونالد ترامب اقتراب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ووقف تقديم المساعدات العسكرية للأكراد، ما يبرهن تنسيق البلدين للأعمال فيما بينهما. وخلال اجتماعه مع وزير الخارجية العراقية محمد علي الحكيم، أشار وزير الخارجية الروسي إلى التقارب بين البلدين فيما يتعلق بالوضع في المنطقة. ونقلا عن وكالة “ريا نوفستي” الروسية، أضاف لافروف “تجمعنا مواقف مشتركة حول كيفية تحقيق تخفيف التوتر في منطقة الخليج العربي. نشعر وأصدقائنا العراقيين بالحاجة إلى القيام بذلك بطريقة توحد جميع اللاعبين، وليس من خلال التخطيط لإحداث شروخ في العلاقات بين بلدان المنطقة”.
رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي يستضيف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف
وفي معرض حديثه عن الوضع في منطقة الخليج العربي، أشار لافروف إلى الوضع المتعلق بإيران، التي ازدادت مواجهتها مع الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة. وفي هذا السياق، تضاعف الدور الجيوسياسي للعراق، الذي تجمعه علاقات اقتصادية كبيرة مع إيران، وهو ما ترفضه واشنطن التي تسعى إلى إضعاف نفوذ طهران على المستوى العالمي.
يشكل الصراع العسكري المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران خطرا على العراق، الذي يسعى لتجنبه بجميع الوسائل
على حد تعبير أحد الدبلوماسيين، تهدف الإجراءات الامريكية إلى تضييق الخناق على طهران، وهو ما يدفع واشنطن إلى محاولة عرقلة أو القضاء على العلاقات التي تجمع بغداد مع طهران. وعلى الرغم من اعتماد العراق على الولايات المتحدة، لا تزال القيادة العراقية قادرة على الدفاع عن مواقفها، كما يحاول العراق إيجاد فرصه للقيام بدور الوساطة في الحوار بين الولايات المتحدة وإيران، رغم رفض البيت الأبيض لهذه المبادرات.
في الوقت ذاته، يشكل الصراع العسكري المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران خطرا على العراق، الذي يسعى لتجنبه بجميع الوسائل، لاسيما وأنه سيلحق ضررا بالغا بالاقتصاد العراقي إذا ما انتقل إلى مرحلة ساخنة. في الوقت الراهن، يوجد حوالي خمسة آلاف جندي أمريكي على أراضي العراق، رغم أن وجودهم غير ملحوظ بسبب مكوثهم في القواعد العسكرية هناك.
ومع ذلك، فإن الوضع بالنسبة للقيادة العراقية أبعد ما يكون عن المثالية. ورغم هزيمة تنظيم الدولة، لازالت بعض الخلايا النائمة تتخذ من العراق موطنا لها، وتنفذ هجمات إرهابية في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، في أوائل سبتمبر/أيلول، دوى انفجار في المنطقة الخضراء المحصنة في العاصمة العراقية بغداد بسبب إطلاق صاروخين باتجاه المنطقة. وعلى خلفية ذلك، أعلن رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي حظر التجول في العاصمة بغداد.
على صعيد آخر، تعقد الوضع في بغداد بعد الاحتجاجات الجماهيرية التي اجتاحت عدة مدن الأسبوع الماضي. أسفرت الاشتباكات مع قوات الأمن، عن مقتل أكثر من مئة مواطن، في حين تجاوز عدد الجرحى الأربعة آلاف، وكان معظم المتوفين من بين المتظاهرين.
يدرك العراق الدور الهام الذي تلعبه موسكو في المنطقة، خاصة بعد العملية التي قامت بها في سوريا المجاورة.
في الواقع، أصبحت الاحتجاجات أحد المواضيع الرئيسية للصحافة العالمية، حيث دعت صحيفة “غولف نيوز” السلطات العراقية إلى بدء الإصلاحات لمنع المزيد من الاحتجاجات. وأضافت الصحيفة: “لقد سئم العراقيون الفساد وعدم الكفاءة اللذين يميزان الحكومة العراقية، والمأزق السياسي الذي يتخبط فيه البرلمان، ونفوذ إيران المتزايد في جميع جوانب الدولة، وعجز رئيس الوزراء عن تغيير مجرى الأمور”.
في المقابل، تنأى روسيا بنفسها عن الوضع في العراق، وتعتبره شأنًا داخليًا للبلاد، وتؤكد أن العلاقات التي تجمعها بالعراق تتسم بالصداقة، رغم أنه بعد الإطاحة بصدام الحسين سنة 2003 وصلت قوى سياسية أخرى إلى السلطة في بغداد. في هذا الصدد، يدرك العراق الدور الهام الذي تلعبه موسكو في المنطقة، خاصة بعد العملية التي قامت بها في سوريا المجاورة. ووفقا لما ذكره الخبير في معهد “جولف ستيت أناليتيك”، ثيودور كاراسيك، فإن زيارة لافروف للعراق والزيارة الوشيكة للرئيس فلاديمير بوتين للسعودية تتحدث عن بداية تقدم روسي جديد في منطقة الشرق الأوسط.
في شأن ذي صلة، أوضحت مصادر مطلعة على الوضع أن وزير الخارجية الروسية يعلق أهمية كبيرة على العلاقات الثنائية مع العراق، التي يتجاوز عمرها 75 سنة. وخلال هذه الزيارة، التقى لافروف بالرئيس العراقي برهم صالح ووزير خارجيته. بالإضافة إلى ذلك، لم يوقع لافروف مع نظيره العراقي على أي مستندات أو اتفاقيات، بيد أنه رافقه مجموعة من ممثلي الشركات الروسية المتمركزة في العراق. في الوقت الراهن، توجد العديد من الشركات الروسية العاملة في مجال النفط داخل العراق، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين سنة 2018 قرابة مليار دولار وهو آخذ في التناقص، ذلك ما يدفع البلدين إلى تكثيف حجم التعاون.
بالإضافة إلى بغداد، يزور لافروف عاصمة كردستان العراق، أربيل، أين يلتقي بالقادة المحليين ومع الرئيس السابق لكردستان العراق، مسعود البرزاني، الذي يطلق عليه اسم “الجد”
في الآونة الأخيرة، وبفضل السلطات العراقية، تمكنت روسيا من استعادة عشرات الأطفال الذين التحقت أمهاتهم بالإرهابيين وصدرت بحقهم أحكام بالسجن. وبمساعدة العراقيين، استطاع الدبلوماسيون الروس تحديد أقارب الأطفال وتسيلمهم إلى الأوصياء القانونيين عليهم.
بالإضافة إلى بغداد، يزور لافروف عاصمة كردستان العراق، أربيل، أين يلتقي بالقادة المحليين ومع الرئيس السابق لكردستان العراق، مسعود البرزاني، الذي يطلق عليه اسم “الجد”. في هذا الإطار، تربط موسكو علاقات طويلة الأمد مع الأكراد العراقيين، وتأتي هذه الزيارة تكريما للرئيس العراقي الكردي برهم صالح.
نيجرفان بارزاني رئيس إقليم كردستان
في سنة 2017، أجري استفتاء على أراضي كردستان العراق، حيث صوت 92 في المئة من السكان لصالح الاستقلال. ومع ذلك، لم يحظ الاستفتاء بدعم المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، لذلك تم تراجع عن مسألة الاستقلال. ومن المعروف أن موسكو لا تجمعها علاقات ودية مع الأكراد السوريين الذين يعارضون نشاط تركيا، غير أن ذلك لم يؤثر على علاقات موسكو مع الأكراد العراقيين، الذين يحثون نظرائهم السوريين على إيجاد حل وسط مع دمشق والاتعاظ من تجربتهم.
في ظل الظروف الراهنة، من الصعب على الأكراد السوريين الاستسلام. وتعتبر تركيا التي أعلنت عن نيتها القيام بعملية عسكرية ضدهم في المستقبل القريب، واعتبرتهم منظمة إرهابية، العدو الرئيسي لهم. وفي الوقت نفسه، أوضح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه لن يساعد الأكراد في سوريا مستقبلا. وفي تغريدة له على حسابه على موقع تويتر، كتب ترامب “لقد عطلت هذه المعركة لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، ولكن حان وقت الانسحاب من هذه الحروب التي لا نهاية لها وتفتقد إلى المعنى وذات الطابع القبلي، وإعادة جنودنا إلى ديارهم”.
ومن جهته، أوضح كاراسيك أن تزامن تصريح ترامب حول انسحاب القوات من سوريا وزيارة لافروف إلى العراق لا يعتبر من قبيل الصدفة. وأضاف كاراسيك “لا شك في أن انسحاب ترامب من سوريا تزامن مع زيارة لافروف، ما يبرهن التنسيق والإعداد فيما بينهما ويظهر قوة روسيا ومصداقيتها في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، كما أن الإعلان عن سحب القوات الأمريكية من سوريا يخدم مصالح ترامب في انتخابات 2020، وربما يساعده في الفوز بأصوات أكثر”.
المصدر: غازيتا