هروب جماعي وبشكل غريب جدًا لأكثر من ثلاثين ألف عسكري (وبعض المصادر تقدر العدد بأكثر من 50 ألف عسكري) كانوا يخنقون المدينة ويذيقونها أقسى أنواع التضييق والطائفية.
الملابس العسكرية برتبها المختلفة أُلقيت في شوارع المدينة، وتم استبدالها بالملابس المدني والـ “دشداشة”، توجهت هذه الآلاف إلى طريقين رأيسيين هما كردستان العراق ومنطقة تلعفر ذات الأغلبية الشيعية، في مشهد ذوبان عسكري.
هذا الهروب العشوائي للقوات الحكومية سبقه هروب قادة الجيش في محافظة نينوى بطائرات إلى أقليم كردستان، وهم قائد القوات البرية الفريق أول ركن “علي غيدان”، وقائد العمليات المشتركة الفريق أول ركن “عبود كنبر”، وقائد عمليات نينوى قائد الشرطة الاتحادية الفريق الركن “مهدي الغراوي”.
وأشار نائب عن التحالف الكردستاني إلى دخول 500 ضابط هارب من الموصل بملابس مدنية إلى محافظات الأقليم.
في حين كشفت مصادر حكومية عسكرية عن هروب 3 فرق تابعة للجيش والشرطة من الموصل، بعد الانهيار الأمني الحاصل داخل المحافظة ودخول مسلحي داعش.
تحرير نينوى .. وجه نظر
الكثير من أهالي الموصل وحتى المحافظات السنية الستة التي انتفضت بوجه الحكومة العراقية للمطالبة بحقوقها المشروعة من قبيل الإفراج عن السجناء والمعتقلين الأبرياء من أهل السنة التي امتلئت بهم سجون الحكومة العراقية وخاصة المعتقلات من النساء السجينات اللاتي تعرضن لشتى أنواع التعذيب، وكذلك المطالبة بتحقيق التوازن في الدولة وغيرها من المطالبات والتي تم الاتفاق على 14 مطلب منه ،عمهم الفرح الغامر بالتخلص من مصدر التضييق عليهم.
الفرح الغامر للكثير من السنة في العراق وفي مدينة الموصل تحديدًا جاء بعد أن تخلصت المدينة من “طائفية القوات الحكومية” تجاه أحد أكبر المدن السنية في العراق والتي تحتضن أكثر من 2.5 مليون شخص – كما وصف المشهد الكثير من أهل الموصل -.
الممارسات التي وصفت بالطائفية والتي عانى منها السنة في الموصل إضافة إلى الضغط والتضييق قد انتهى برحيل القوات الحكومية، فضلاً عن الإفراج عما يقرب من 2000 معتقل في سجون المدينة المختلفة، الكثير منهم كما يؤكد أهل الموصل أبرياء وتم اعتقالهم بتهم الطائفية الجاهزة والمسماة “4 إرهاب”.
أيضًا الفرح السني كان سببه ما تعرضت له مدن ومناطق السنة المختلفة من الاستهداف المباشر للمناطق السنية في المحافظات السنية الست.
فمحافظة الأنبار ومدنها الفلوجة والرمادي تشهد حربًا مفتوحة منذ ما يقرب من ستة أشهر، ومناطق حزام بغداد تشهد تهجير واستهداف منظم من قبل القوات الحكومية من مدة طويلة.
ولهذا ينظر الكثير من السنة في العراق إلى أن الهدف هو التخلص من هذه الطائفية الحكومية بغض النظر عن البديل .!
وجة نظر الائتلاف السوري
ولأن المشهد في العراق لا ينفك عن المشهد في سوريا وله ارتباطات كثيرة، فقد تناولنا وجهة نظر الائتلاف السوري المعارض لحكومة بشار الأسد.
يرى الائتلاف السوري المعارض أن ما يجري في الموصل هو “مؤامرة” تحاك بين أطراف عدة هدفها القضاء على الثورة السورية.
ويقول عضو الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري “محمد خير الوزير”: “إن من يراقب الأحداث يجد أن فصلاً جديدًا من فصول المؤامرة بين داعش ونظام الأسد والمالكي ضد الشعب السوري وثورته قد بدأ، فليس من قبيل المصادفة أن يتم تسليم مدينة الموصل من قبل قوات المالكي، وتسهيل عملية تحرير ما يقارب 2800 سجين، بالإضافة لتسهيل عملية السيطرة على مطار الموصل من قبل قوات داعش، واغتنامهم كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر بالإضافة لعدد من الطائرات المروحية، بنفس الوقت الذي تتجه فيه قوات تنظيم داعش لإحكام سيطرتها على المنطقة الشرقية من سورية، بغية وصل الأماكن الخاضعة لنفوذ التنظيم”.
ويؤكد الوزير أن سياسة تسليم المناطق الواسعة التي حدثت في سوريا تكرر نفسها في الموصل، ويذكر: “ما يقوم به المالكي يشبه إلى حد كبير ما قام به نظام الأسد من تسليم تنظيم داعش مناطق كثيرة بغرض استبعاد الجيش الحر ووأد الثورة، حيث عمد المالكي إلى تسليم “داعش” مناطق واسعة تسكنها أكثرية معارضة لنظامه للتهرب من المطالب المرفوعة من قبل الشعب العراقي في انتفاضته قبل عامين، والتي تركزت حول المشاركة السياسية ووقف التمييز على أساس طائفي، والتي رفض المالكي التعامل معها وأرسل قواته لقمعها.”
الغبار لم ينكشف بعد
يؤكد الكثير من المتابعين على أن الأمر ما زال غامضًا في ظل الأحداث المتسارعة التي مرت بها بعض المحافظات السنية ، وأن الأمر يحتاج إلى التأني وربط ما حدث بالأحداث الجارية في سورية والمحيط الإقليمي.
ولتسليط الضوء على وجهة النظر هذه تابعنا ما نشره الدكتور “محمد عياش الكبيسي” وهو مفكر إسلامي عراقي ، حول ما جرى ويجري في الموصل.
يقول الكبيسي: “إن الراية الوحيدة الموجودة في الموصل هي راية الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، التي تمكنت بسرعة من اختطاف الأرض والسلاح، وربما ستتمكن سريعًا من استيعاب الطاقات الشبابية الغاضبة والمستنفرة بسبب استفزازات المالكي ومليشياته الطائفية المجرمة؛ وبناء على كل هذا فإن التمدد باتجاه محافظات أخرى سيصبح أسهل بكثير مما هو متوقع”.
ويطرح الكبيسي سؤالاً يصفه بالمحوري: من يقف خلف كل هذا الذي حصل ويحصل؟
ويذكر في جوابه أن هناك “التزام ما وفق خطة أوسع وأكبر من الواقع المنظور الآن، وربما تسعى إيران بالفعل لتحويل المناطق السنّية إلى (هلال إرهابي) يمتد من حلب والدير إلى الأنبار والموصل، وهي الكتلة السنّية الكبيرة التي تمثل العقبة الأخيرة أمام المشروع الإيراني، وبهذا تضرب إيران أكثر من عصفور بحجر”.
وأهم الاهداف التي يخلص لها الكبيسي في هذا “الهلال الارهابي” هي:
1- تأليب المجتمع الدولي والإقليمي وحتى العربي ضد هذه المنطقة ومحاصرتها سياسيًا واقتصاديًا ولوجستيًا.
2- تحسين الوضع التفاوضي للإيرانيين مع الغرب، فإيران ستقدم نفسها كجزء أساسي من الحل، بمعنى أنها تصنع المشكلة ثم تقدم الحل بالثمن الذي تريد.
3- إنهاء الثورة السورية.
4- الضغط على إقليم كردستان وإجبار القادة الكرد على تقديم تنازلات لحكومة بغداد.
ويؤكد الكبيسي على نقطة مهمة في احتمالية تشابه الوضعين السوري والعراقي: “في البداية لم يكن هناك سوى (الجيش الحر) ثم تشكلت (الفصائل الإسلامية) ثم جاءت (النصرة) ثم (الدولة)، وكان السوريون يرحبون بكل مجاهد وبكل من يمد لهم العون دون الدخول في التفاصيل والاحتمالات لأن كل الاحتمالات كانت عندهم أهون من (الأسد) لكنهم لما وقعت الفتنة لم يتمكنوا من مقاومتها”.
هي وجهات نظر مختلفة بين مؤيد له يجرب ورافض له ومتأني في قراءة الأحداث، ويبقى الوضع على الأرض والأيام القادمة هي الفيصل.