“صنع في إفريقيا”.. تحت هذا الشعار كشفت مجموعة مارا MARA التكنولوجية الرواندية، النقاب عن أول هاتفين ذكيين مصنوعين بالكامل في إفريقيا، في سابقة هي الأولى من نوعها، من المرجح أن تكون بوابة لدخول القارة السمراء عالم صناعة التكنولوجية الذكية بعدما مكثت عقودًا طويلة في غرف الاستهلاك المغلقة.
الهاتفان اللذان حملا اسم “مارا أكس ومارا زد” من المقرر أن يستخدما نظام تشغيل أندرويد من غوغل ويكلفان 175.750 فرنك رواندي (190 دولارًا) و120.250 فرنك رواندي (130 دولارًا) على التوالي، وهو ما يجعلهما منافسين قويين للطرازات الأخرى في مقدمتها شركة سامسونغ التي يكلف هاتفها الذكي الأرخص 50 ألف فرنك (54 دولارًا) والهواتف ذات العلامات التجارية غير المعروفة بـ35000 فرنك (37 دولارًا).
خطوة ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها محاولات من دول عدة، لكنها برغم ما حققته من تقدم نسبي لم يكتب لها النجاح، ومن ثم تصبح هواتف “مارا” النافدة الأولى والأكبر لرواندا للتحول من ساحة للحروب الأهلية إلى أول دولة إفريقية تصنع الهواتف الذكية بصورة كاملة.
1200 هاتف يوميًا
“هذه أول شركة مصنعة للهواتف الذكية في إفريقيا”، بهذه الكلمات استهل أشيش ثكار الرئيس التنفيذي لمجموعة مارا، تعليقه على هذا الإنجاز، مضيفًا أن الشركة تستهدف العملاء المستعدين لدفع المزيد مقابل الجودة، بعيدًا عن المواد رديئة الجودة ورخيصة الثمن التي غزت القارة.
وعن مصادر المواد الخام اللازمة للتصنيع كشف ثكار أن الشركات تجمع الهواتف الذكية في مصر وإثيوبيا والجزائر وجنوب إفريقيا ولكنها تستورد المكونات “نحن في الواقع أول من يقوم بالتصنيع، نصنع اللوحات الأم واللوحات الفرعية خلال العملية برمتها، هناك أكثر من ألف قطعة في الهاتف”.
“الروانديون يستخدمون بالفعل الهواتف الذكية ولكننا نريد تمكين الكثير، إن طرح هواتف مارا سيجعل ملكية الهواتف الذكية في متناول المزيد من الروانديين” رئيس رواندا
وأضاف أن كلفة المصنع بلغت 24 مليون دولار ويمكن أن يصنع 1200 هاتف يوميًا، معربًا عن أمل مجموعته في الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة لإفريقيا القارة، التي تهدف إلى تشكيل كتلة تجارية من 55 دولة لتعزيز المبيعات في جميع أنحاء إفريقيا، حسبما ذكر ثكار.
ومن المقرّر أن تبدأ الاتفاقية التداول في يوليو/تموز من العام المقبل بهدف توحيد 1.3 مليار شخص وإيجاد كتلة اقتصادية بقيمة 3.4 تريليون دولار، لكنها لا تزال بالمراحل المبكرة للغاية ولم يتم الاتفاق على جداول زمنية لإلغاء الرسوم الجمركية، فيما قال الرئيس كاغامي إنه يأمل أن يزيد الهاتف من استخدام الهواتف الذكية في رواندا، الذي يبلغ حاليًّا نحو 15%، مضيفًا “الروانديون يستخدمون بالفعل الهواتف الذكية ولكننا نريد تمكين الكثير، إن طرح هواتف مارا سيجعل ملكية الهواتف الذكية في متناول المزيد من الروانديين”.
إرهاصات أولية
في سبتمبر 2012 أعلن خبير معلوماتي كونغولي يدعى فيرون مانكو (27 عامًا) صناعة أول هاتف ذكي في إفريقيا، الهاتف حمل اسم “إليكيا” وذلك بعد ثمانية أشهر من إطلاقه الجهاز اللوحي الإفريقي الأول الذي يعمل باللمس، وكان تحديدًا في يناير من ذات العام.
“كن مختلفًا، الهاتف الذكي الإفريقي الأول مصمم بناءً على قيمنا”، وبجوار هذه اللافتة أعلن مانكو هاتفه الذي قال عنه “إنه هاتف ذكي صممناه بأنفسنا هنا في كونغو. وفي إفريقيا، لم تقدم أي شركة على هذه الخطوة قبلنا”، موضحًا أن الهاتف جمع في الصين “حيث الأسعار منخفضة جدًا”.
الهاتف يتمتع بشاشة تعمل باللمس حجمها 3.5 إنش وتحمل اسم “في أم كاي” وهو اسم الشركة التي أسسها فيرون مانكو سنة 2009 المتخصصة في التكنولوجيات النقالة، وقد قدمت هذه الشركة التي يبلغ رأسمالها 380 ألف يورو، مبلغًا بقيمة 90 ألف يورو لصناعة هاتف “إليكيا”.
نجحت القارة الإفريقية خلال السنوات القليلة الماضية في أن تضع لها موطئ قدم على ساحة أباطرة صناعة التكنولوجية الذكية في العالم، وذلك لما تتمتع به من إمكانات كبيرة، عقلية كانت أو مادية
كما زوّد بذاكرة وصول عشوائي (رام) 512 ميغابايت وبمعالج 650 ميغاهرتز وبذاكرة داخلية سعتها 256 ميغابايت وبكاميرا دقتها 5 ميغابسكل، وهو يضم أيضًا جهازًا لحفظ التوازن (جيروسكوب) وجهازًا لتحديد المواقع ويتمتع بقدرة اتصال لامتناهية بواسطة تقنيتي “واي فاي” و”بلوتوث”.
وبالإضافة إلى التطبيقات المعروفة مثل “فيسبوك” و”تويتر” و”يوتيوب”، يضم الهاتف تطبيقات أخرى طورتها شركة “في أم كاي” وألعابًا متعددة، وسيتم تسويق الهاتف من خلال ثلاث شركات خاصة وكبيرة للهواتف النقالة تتخذ من الكونغو مقرًا لها، على أن يبلغ سعره 85 ألف فرنك إفريقي (نحو 130 يورو).
الخبير الكونغولي في تصريحاته قال: “ثمن “إليكيا” معقول بغية السماح للجميع بالنفاذ إلى التكنولوجيات الجديدة”، مضيفًا أنه يعتزم “بيع 50 ألف هاتف ذكي في سنة واحدة، منها 10 آلاف هاتف بحلول نهاية العام 2012”.
طفرة تكنولوجية إفريقية
نجحت القارة الإفريقية خلال السنوات القليلة الماضية بوضع موطئ قدم على ساحة أباطرة صناعة التكنولوجية الذكية في العالم، وذلك لما تتمتع به من إمكانات كبيرة، عقلية كانت أو مادية، هذا بخلاف كونها سوقًا واعدةً أسالت لعاب كبريات الشركات في هذا المجال.
وفي مقال نشره موقع “ميديوم” الأمريكي، قال الكاتب ديف غيرشورن: “على مدار السنوات الثلاثة الماضية بدأ أكاديميون وباحثون من جميع أنحاء القارة الإفريقية رسم مستقبل صناعة الذكاء الاصطناعي الخاص بهم، من خلال تنظيم مؤتمر أطلقوا عليه اسم “إندابا للتعلم العميق”.
هذا المؤتمر الذي تأسس عام 2017، ردًا على المؤتمرات الأكاديمية الغربية التي غالبًا يصعب على الباحثين من مناطق بعيدة من العالم حضورها، مثل “مؤتمر نظم معالجة المعلومات العصبية” الذي يُعقد غالبًا في منتجعات بعيدة وباهظة الثمن، يضم مئات الباحثين من أكثر من أربعين دولة إفريقية بهدف عرض أعمالهم، ومناقشة مواضيع متعددة، بدءًا بمعالجة اللغات الطبيعية، وصولاً إلى أخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
وفي نسخته الثانية دعت الجهات المسؤولة عن إندابا أربعمئة شخص، وخلال هذا العام، تضاعف عدد الحاضرين في المؤتمر تقريبًا، حيث حضره سبعمئة مشارك، ليتحول خلال أعوامه الثلاث إلى نسيج يضم مجتمع الذكاء الاصطناعي الإفريقي، إذ إنه ليس مساحة للقاء جميع فئات المجتمع مع بعضها البعض فحسب، بل أضحى جزءًا من المجتمع نفسه.
المؤتمر الذي ترعاه شركات عملاقة مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون وآبل ونتفيلكس وغيرها، أسهم كذلك في توطيد العلاقات بين الباحثين في القارة من خلال وضع أجندة واضحة تهدف إلى بناء مجتمع تقني نابض بالحياة في إفريقيا، وإيجاد حلول للتحديات التي تواجه المنطقة، مثل ازدحام حركة المرور ودفع مصاريف التأمين والجفاف.
وفي المجمل يبدو أن هاتفي مارا الروانديين لن يكونا الأخيرين في التكنولوجيا الذكية، فالقارة واعدة بالعديد من الفرص الهائلة التي من المتوقع أن تضعها في مصاف الدول المتقدمة، وتبقى الإرادة السياسية والتخطيط والقدرة على استغلال الموارد وتوظيفها بصورة جيدة التحدي الأكبر للنهوض بركب العالم الذكي خلال السنوات القادمة.