هل نحن وحدنا في هذا الكون؟ تحدنا السماء بنجومها اللامعة والقمر بمختلف أطواره على مدى الشهر الهجري وربما بعض الكواكب التي تظهر وقت اقترانها بالأرض مثل الزهرة والمشترى والمريخ؟ الإجابة هي “لا”، هناك الكثير من العوالم البعيدة، عشرات المليارات من الكواكب الخارجية التي تشكل جزءًا من هذا الكون وتساهم في تطوره، ولكن ماذا تمثّل لنا تلك العوالم البعيدة؟ وما مكان الأرض فيها؟ وكيف تطور هذا الكون الذي نعيش بداخله؟
كنا بحاجة لإجابات قدمها لنا الثلاثة الفائزون بجائزة نوبل للفيزياء لهذا العام، حيث أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم في ستوكهولم منح جائزة نوبل في الفيزياء للكندي الأمريكي جيمس بيبلز والسويسريين ميشيل مايور وديدييه كويلوز وذلك بسبب إسهاماتهم في فهم تطور الأرض وموضعها بالنسبة للكون.
وسيحصل بيبليز على نصف الجائزة التي يبلغ إجمالي قيمتها 830 ألف يورو في حين سيقتسم الثنائي السويسري النصف الآخر، وفي حواره عبر الهاتف مع الصحفيين بمقر الأكاديمية السويدية للعلوم حث العالم الكندي الأمريكي جيمس بيبليز صغار الباحثين على حب العلم وليس البحث عن الجوائز، يُذكر أن بيبليز حصل على بكالوريوس العلوم من جامعة مانيتوبا عام 1958 ثم نال درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة برينستون عام 1962 ونشر بيبليز العديد من الكتب في مجال الكونيات.
أما السويسري ديدييه كيلوز فيعمل أستاذًا للفلك في جامعة جنيف وجامعة كامبريدج البريطانية ويعرف بكونه صاحب ثورة الكواكب الخارجية في الفيزياء الفلكية، وبالنسبة لميشيل ماير فيعمل أيضًا أستاذًا للفلك في جامعة جينف ومديرًا لمرصد جنيف منذ عام 1998 ومرصد دي هوت بروفانس في فرنسا.
أبحاث جيمس بيبلز ودورها في فهم تطور الكون
ما الكون؟ إنه باختصار مجموع المكان والزمان والطاقة والمادة، ويمكن القول إن أول محاولة لفهم الإنسان للكون تعود للفيلسوف اليوناني أرسطو خلال القرن الرابع قبل الميلاد حيث كان يرى أن الأرض ثابتة في مركز الكون، كما رأى عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين عام 1915 أن الكون متجانس ومتوحد الخواص وهو في حالة سكون لا يتغير وهي النظرية التي تم التخلي عنها بعد ثبوت نظرية تمدد الكون.
بدأ العالم جيمس بيبلز أبحاثه النظرية عام 1964 قدم خلالها نموذجًا يصف لنا شكل الكون بداية من لحظة الانفجار العظيم منذ 14 مليار عام
وفي عشرينيات القرن الماضي ظهرت نظرية الانفجار العظيم لتفسير نشأة الكون، وقد استغرق تطور بناء هذه النظرية أكثر من 4 عقود، بداية من تأسيس النظرية على يد العالمين الروسي ألكسندر فريدمان والبلجيكي جورج لوماتر خلال عام 1922 ومرورًا بأبحاث روبرت هيرمان وجورج جامو ورالف ألفر في أواخر أربعينيات القرن الماضي المتعلقة بأصل العناصر في الكون ثم اكتشاف أرنولد بينزياس وروبرت ويلسون عام 1965 لإشعاع الخلفية الكونية الميكروني، الذي حصلا بسببه على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1978 وبعد ذلك جاءت أبحاث جيمس بيبلز التي استمرت قرابة الـ59 عامًا لتمنحه في النهاية جائزة نوبل لعام 2019.
بدأ العالم جيمس بيبلز أبحاثه النظرية عام 1964 قدم خلالها نموذجًا يصف لنا شكل الكون بداية من لحظة الانفجار العظيم منذ 14 مليار عام، حيث كان نقطة منفردة في حالة شديدة الكثافة من المادة والطاقة وشديدة الحرارة وبعد نحو 400 ألف عام من الانفجار العظيم بدأ الكون في التوسع وأخذ يبرد تدريجيًا إلى بضعة آلاف من الدرجات المئوية ثم تشكلت ملامحه الحالية شيئًا فشيئًا وأصبح الكون شفاف يتألف في المقام الأول من ذرات الهيليوم والهيدروجين وكانت حينها الأشعة الضوئية قادرة على السفر عبر الفضاء تحيطها إشعاع الخلفية الكونية الميكروي وهي أشعة كهرومغناطيسية لا تزال موجودة في جميع أرجاء الكون بنفس التوزيع والشدة وهي تعادل درجة حرارة 2.725 درجة كلفن.
ووضعت نتائج أبحاث جيمس بيبلز تصورًا مفاده أن جميع ما نعرفه عن الكون من نجوم وكواكب هو 5% من حجم الكون، أما باقي الـ95% فهي مادة مظلمة غير معروفة وقد لعبت هذه المادة المظلمة دورًا كبيرًا في تكوين المجرات في البداية ولكنها ما زالت أحد أهم ألغاز الكون ومن الصعب اكتشافها.
ميشال مايور وديدييه كيلوز واكتشاف أول كوكب خارج المجموعة الشمسية
في 6 من أكتوبر عام 1995 أعلن ميشال مايور وديدييه كيلوز في مؤتمر علم الفلك بمدينة فلورنسا الإيطالية اكتشاف أول كوكب خارج مجموعتنا الشمسية، ففي أحد الأيام وحين كان العالمان جالسان بمرصدهما “هوت بروفنس” في جنوب فرنسا اقترب الكوكب “Pegasi b 51” من مجال رؤيتهما ليغير هذا الاكتشاف مفهومنا عن العالم إلى الأبد، إذ لم نعد مركز الكون ولكن هناك الكثير من العوالم الجديدة خارج المجموعة الشمسية في درب التبانة.
يمكن القول إن استكشاف الكواكب الجديدة لم يعد يتم فقط من خلال التلسكوبات على الأرض ولكن أيضًا من خلال الأقمار الصناعية
ويقع “Pegasi b 51” في كوكبة الفرس الأعظم التي تبعد عن الأرض بنحو 50 سنة ضوئية، ويستغرق هذا الكوكب أربعة أيام فقط لاستكمال مداره وهو ما يعني أن مساره قريبًا جدًا من النجم إذ يبتعد نحو 8 كليومترات فقط بينما يبعد مسار الأرض عن الشمس نحو 150 مليون كيلومتر، وهذا ما يجعل درجة الحرارة على الكوكب الجديد أكثر من 1000 درجة مئوية.
كما اتضح أن الكوكب المكتشف حديثًا ضخم جدًا، فهو عبارة عن كرة غازية يشبه إلى حد كبير أضخم عملاق غازي في مجموعتنا الشمسية: كوكب المشتري، فمقارنة بكوكب الأرض حجم المشترى أكبر 1300 مرة ووزنه أكثر من 300 ضعف.
وقد أحدث هذا الاكتشاف ثورة كبيرة في علم الفلك، فبعد هذا الاكتشاف مباشرة قام اثنان من علماء الفلك الأمريكيين وهما بول بتلر وجفري مارسي بتحويل تلسكوبهما باتجاه النجم “Pegasi b 51” وسرعان ما تأكدا من اكتشاف مايور وكويلوز وبعد بضعة أشهر وجدا كوكبين خارجين جديدين يدورون حول نجمين من النوع الشمسي، ومنذ ذلك الحين عُثر على أكثر من 4000 كوكب خارج المجموعة الشمسية ومعظم هذه الكواكب لا يشبه نظامنا في شيء.
يمكن القول إن استكشاف الكواكب الجديدة لم يعد يتم فقط من خلال التلسكوبات على الأرض ولكن أيضًا من خلال الأقمار الصناعية، ففي أبريل 2018 أطلقت ناسا القمر الصناعي “TESS” وهو عبارة عن تلسكوب فضائي بدأت مهمته في العثور على كواكب جديدة تدور حول ألمع نجوم السماء.