ماذا تسمى الأقصوصة في الادب ؟
الأقصوصة أو الومضة أو القصة القصيرة جدًا، جميعها مسميات لنوع أدبي واحد شيّق. الأقصوصة هي قصة تتسم بالتكثيف وتكون أكثر إيجازًا بكثير من القصة العادية المؤلفة من عدة صفحات، بينما الأقصوصة تبدأ من كلمات معدودة وحتى عدة أسطر فقط.
يقال أن أدب الأقصوصة بدأ مع إيفات تورجانيف الروسي وتبعه العديد من الكتاب، بينما يقول البعض أن هيمنجواي هو أول من نشر المصطلح عندما كتب قصة مكوّنه من ست كلمات فقط.
” للبيع: حذاء أطفال، لم يستعمل قط”
انتشرت القصة بشكل كبير وتبعه عدد كبير من الأدباء من أمريكا اللأتينية أشهرهم بورخيس وأرنستو ساباتو وروبارتو بولانيو، ولكن أدب الأقصوصة الغربي يحظى بالتقدير أو الاعتراف الأولي بكونه نوع أدبي وليس مجرد لعبة للهواة كما يتم التداول في وسائل التواصل الأجتماعي منذ فترة.
من يكتب الومضة؟
يظن الكثيرون أن تقليل عدد الكلمات يعني عناء أقل وليس بصعوبة رسم شخصية البطل مع تصاعد في الحبكة، مثل القصة العادية التي تكون في العادة أقل من 10 آلاف كلمة. الحقيقة أن العكس هو الصحيح، فالقدرة على وصف مشهد سريع في عدة اسطر أو كلمات مع تأثير القوي على القارئ أصعب بكثير من الاستفاضة في التفاصيل لوصف موقف ما.
منذ فترة واجهت الأقصوصة هجومًا حادًا على وسائل التواصل لانتشارها بشكل مفاجئ دون أن يكون هناك علم بكونها نوع أدبي موجود بالفعل وليست من إبتداع الهواة على الإنترنت، خصوصًا بسبب استخدامها في تصنيف واحد فقط وهو الرعب.
في الحقيقة لم يكن هذا هو الهجوم هو الأول من نوعه على الأقصوصة، فعلى الرغم من قله الكتابة النقدية عنها إلا أن هناك اتجاه من النقاد الذين لا يؤمنون بالقصة القصيرة جدًا لندره كتابتها عن باقي الأجناس الأدبية. ولكن ما لا يعلمه الكثيرون أن هناك الكثير من الأدباء العرب استخدمو الأقصوصة باعتبارها جزء من كتاباتهم. وحتى اليوم تستمر دور النشر بإصدار كتب تحتوي على الأقاصيص فقط لكتّاب شباب أو حتى مجموعة أعمال مختارة لكتاب أجانب.
في هذا المقال سوف نقدم لكم مجموعة من الأدباء العرب، المشهور منهم والمغمور، ممن كتبوا الأقصوصة…
أحلام فترة النقاهة – نجيب محفوظ
أحلام فترة النقاهة هي مجموعة من القصص والنصوص التي لا تلتزم بصنف أدبي واحد، ليست جميعها قصص ولا نصوص متشابهه بل شذرات من الأحلام، بعضها حوارات جُمعت تحت اسم الأحلام.
اتسمت أحلام نجيب محفوظ بالغرابة الشديدة، فهي لم تكن قصصًا كاملة ذات بداية ونهاية، بل مشهد سريع يروي فيه نجيب محفوظ أحلامه ببعض الشخصيات مثل مصطفى النحاس أو عرابي وحتى أبو الهول. قد يكون مضمون الحلم في الشارع أو في قالب خيالي فلا سلطة على الأحلام مطلقًا.
حلم 202
تأبطت الجميلة الشابة ذراعي
و وقفنا أمام بياع الكتب الذي يفرش الأرض بكتبه
و رأيت كتبي التي تشغل مساحة كبيرة
و تناولت كتابا و قلبت غلافه
ففوجئت بأنني لم أجد سوى ورق أبيض
فتناولت كتابا آخر و هكذا جميع الكتب
لم يبق منها شيء و استرقت النظر إلى فتاتي
فرأيتها تنظر إلي برثاء .
لم تكن هذه أقصوصة نجيب محفوظ الوحيدة، فقد نشر العديد من القصص القصيرة جدًا في مجموعاته بشكل متفرق مثل قصة دعابة الذاكرة:
رأيت شخصا هائلا ذا بطن تسع المحيط، و فم يبلع الفيل
فسألته في ذهول: من أنت يا سيدي؟
فأجاب باستغراب: أنا النسيان فكيف نسيتني؟
رأيت النخيل – رضوى عاشور
رضوى عاشور هي واحدة من أشهر الكاتبات العربيات، ورغم ارتباط اسمها بثلاثية غرناطة وجنس الرواية، إلا أن رضوى عاشور كتبت أيضًا القصة القصيرة والأقصوصة.
في مجموعة “رأيت النخيل” خصصت رضوى جزءًا في نهاية المجموعة للقصص القصيرة جدًا، ومن الملاحظ في المجموعة اتسام أغلب القصص بالطابع الاجتماعي والكتابة عن المرأة وآلامها.
“امرأة تحمل سلة وتمشي في الشوارع .. لا أحد يعرف ان كان في السلة خبز ساخن أم حلوى مسمومة”
” خبزتهم وعجنتهم وغطتهم بمنديلها حتى اختمروا ثم سوتهم على نار هادئة.
عندما أصبحوا شبابًا يسعون في مناكبها ولهم أزواج يسكنون إليها ملأتها المرارة ولم تفهم لم تخبز هي الأرغفة ويأكلها الأخرون”
تكسير ركب – زكريا تامر
زكريا تامر هو أديب سوري ولد عام 1931 وما زال يكتب حتى الآن، خلال هذه الفترة الطويلة كتب العديد من الأنواع الأدبية مثل القصة والشعر والهجاء. يعد زكريا تامر من أكثر الأدباء الذين تحتوي مجموعاتهم على أقصوصات، قد يعود ذلك لأن أغلب أعماله من أدب الطفل أو النثر الهجائي، ما يتسم بالتكثيف والاختصار، لذا ليس من المستغرب أن تحتوي أعماله على تلك القصص القصيرة جدًا، التي تتمحور أيضًا حول الحياة الاجتماعية في الغالب.
شح المطر، فاستنجد الناس برجل صالح مستجاب الدعاء، وانهمر مطر غزير غريب غير مألوف، تمس الرجل قطرة من مائه، فيكبر ما يملكه ولا تملكه الناس، وتمس المرأة قطره من مائه، فيكبر نهداها وردفاها، ففرحت النساء، فالحقيقي ليس كالمزور، والعمليات التجميلية باهظة التكاليف، واحتفل الرجال بهذا التصحيح الذي يجعل من الغصن جذعا، ولكن بعضهم لم يكتف بما حصل عليه مجانا، وطالب بمطر آخر يعلم التهذيب لأهبل يظن ان كبره يعفيه من الوقوف احتراما للنساء.
وطالبت نساء بمطر عاجل يتيح لهن الحبل والانجاب بغير رجال، فيعاني الرجال البطالة، ولا يحظون أينما حلّوا إلا بالطرد والهزء والازدراء، وتنقض النساء على النساء والرجال على الرجال.
قيس وليلى والذئب – بثينة العيسى
بثينة العيسى واحدة من كاتبات الجيل الجديد، وربّما أكثرهم شهرة لاهتمامها بنشر الأعمال الأدبية بل كذلك بالكتابة عن الكتابة وفنياتها، بسبب اهتمامها بالأساليب والفنيات، تحاول دائمًا التجريب والتنقل في الأفكار وطرق السرد وغيرها.
من تجارب بثينة العيسى في مجموعة “قيس وليلى والذئب” أن استخدمت أسلوب القصة القصيرة جدًا في بعض الأجزاء، لا ينتمي الكتاب الكامل إلى جنس أدبي واحد بل إلى جانب القصص. ففيه النصوص والحوارات التي لا يمكن أن نصنفها قصصًا بشكل كامل، المميز في هذه المجموعة هو العامل الفنتازي، إذ تعيد بثينة العيسى سرد القصص المشهورة مثل (سندريلا/ سام والفاصولياء/ سنوايت/ليلى والذئب) ولكن بشكل مختلف عن القصة الأصلية وبطابع أكثر إنسانية.
“ماتَ العزيز !
بكتْ الأم والزوجَة الولد والخادِم الأمين ، وخُيّلَ للأسرة المفجوعة أنّ العالم كُلّه يبكي ، ولكن ذلك لم يكن صحيحاً ، فقد كان العالم يضحك !
لأن الدود وجدَ طعاماً مجّانياً لأيام ، ولأن الجُثّة تحوّلت إلى سماد فاعشوشَبت البُقعة الحزينة التي هي قبره ، وشوهدت فراشة صغيرة تصفق بأجنحتها فوق العشب ، وشوهدت الهرة لشقيّة تراقب الفراشة وتنتظر فرصَة للوثب ، وشوهد الكلب الذي يهوي عض أذيال القطط السعيدة يترصد القطّة ، وشوهد الطفل يضحك ويكعكع لأنه رى عشباً وفراشةً وهرةً وكلب ..
لقد أصبح العالم جميلاً جداً في تلك البُقعة ، وامتلأ المشهد بالفرح والحياة .. فوق جثّة العزيز ..”
المجنون – جبران خليل جبران
يعتبر جبران من أوائل من كتبوا الأقاصيص، فقد كتبها في مجموعة المجنون المترجمة من الإنجليزية وكتبها أيضًا في كتاب المجنون وفي بعض مجموعات أخرى، واتسم أسلوب جبران بالفلسفة والمعنى العميق من وراء كل موقف وجملة تدعونا للتفكير طويلًا كما هي السمة في أغلب أعماله.
اخترعت في ليلتي الماضية لذة جديدة .
وبينما كنت أتمتع بها لأول مرة رأيت ملاكا وشيطانا قد وقفا ببابي يتخاصمان ويتناقشان على تعريف لذتي .
فكان الأول يصرخ بأعلى صوته قائلا : ” إنها خطيئة مميتة “
فيعترضه الثاني بصوت اشد من صوته :” لا ، لعمري إنها فضيلة