لا يزال موضوع ترشح نبيل القروي (55 عاماً) للانتخابات الرئاسية وخوضه للجولة الثانية في مواجهة أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد يثير الكثير من الحبر في وسائل الإعلام والجدل في الشارع التونسي، خاصة بعد إعلان محكمة التعقيب أمس قبولها الطعن الذي قدمه محاموه وإبطالها لقرار الإيقاف التحفظي.
والقروي رجل أعمال وقطب إعلام أُوقف في 23 آب/أغسطس وأودع الحبس الاحتياطي بشبهة تبييض أموال، لكنّه نال 15.58 بالمئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 15 أيلول/سبتمبر، مما أهّله لخوض الدورة الثانية الحاسمة التي ستُجرى الأحد المقبل بعد دورة أولى شهدت تصويتًا عقابيًا استبعد مَن كانوا في السلطة، وأدت الى تأهل وجهين جديدين (شعبويين) خاضا حملتيهما على أساس القطيعة مع النخب السياسية.
ملفات القروي
وواجه القروي تهماً متعلقة بالفساد المالي تعود لعام 2017، إذ رفعت منظمة “أنا يقظ” دعوى قضائية ضده بتهمة “التهرب الضريبي” و “القذف” و”التعنيف” بعد أن سُرّب شريط مصور يعلن فيه القروي استعداده إطلاق حملة تشويه سمعة أعضاء المنظمة المذكورة، والتي تسببت بفضيحة له في ذلك الوقت، وجّمدت على إثرها ممتلكاته ومنع من السفر منذ ذلك الحين.
كان القروي اتهم في وقت سابق بتسخير قناته التلفزيونية لخدمة حملة الباجي قائد السبسي للرئاسة عام 2014، ليقدم بعدها استقالته من “نسمة” عام 2016 وينضم لاحقاً إلى حزب “نداء تونس”.
وأثار صاحب قناة نسمة مرة أخرى جدلًا وسعًا في تونس بعد نشر السلطات الأمريكية نسخة من عقد بين وكالة علاقات دولية يديرها ضابط سابق في المخابرات الإسرائيلية وبين المرشح الرئاسي نبيل القروي.
وبحسب موقع “المونيتر” نشرت وزارة العدل الأمريكية نسخة من عقد تبلغ قيمته مليون دولار، تقوم بمقتضاه شركة “ديكينز وماديسون” الكندية للعلاقات العامة بحملة لصالح المرشح الرئاسي نبيل القروي “في الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة من أجل المساعدة في الحصول على رئاسة الجمهورية التونسية.
وكان القروي اتهم في وقت سابق بتسخير قناته التلفزيونية لخدمة حملة الباجي قائد السبسي للرئاسة عام 2014، ليقدم بعدها استقالته من “نسمة” عام 2016 وينضم لاحقاً إلى حزب “نداء تونس”.
ومُنعت القناة التي كان لرئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني حصة فيها، من تغطية الحملات الانتخابية لاتهامها بمحاولة “التأثير على مفاصل الدولة”.
الإفراج وتأجيل الانتخابات
وغادر القروي سجن المرناقية إثر صدور قرار قضائي مساء الأربعاء، محاطًا بمجموعة من أنصاره حملوه على الأكتاف، فيما جدد القيادي في حزب قلب تونس أسامة الخليفي التمسك بطلب تأجيل الجولة الثانية من الانتخابات، قائلاً إنه “من مصلحة البلاد خاصة أنه لم يبق سوى يومين فقط على موعد الانتخابات بما يجعل مبدأ تكافؤ الفرص لا معنى له وغير واقعي”، مضيفًا أنّ حزب القروي لا يزال على موقفه الرافض للتحالف مع حركة النهضة للاختلاف معها حول المشاريع، مؤكدًا أن حزب “قلب تونس” سيكون في المعارضة البناءة ومن المدافعين عن مصالح الشعب بعيدًا عن السياسوية”.
كاتب الناشط نورالدين الغيلوفي معلقًا على قرار الإفراج عن القروي: “ما أفسده القضاء يوم 9 أكتوبر يصلحه الشعب يوم 13 أكتوبر (الجولة الثانية للانتخابات)”.
من جهة أخرى، ورغم تأكيد الخليفي، بأن “القضاء التونسي أنصف القروي وأعاد له حقه”، مبينًا أنه “لا صحة لما يروج بخصوص وجود صفقة وراء خروج نبيل القروي من السجن”، إلا أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي دعموا فرضيات تورط جهات أجنبية وشبهة تدخل في استقلالية القضاء أو وجود صفقات سياسية من وراء القرار.
انتقادات للقضاء
وكاتب الناشط نور الدين الغيلوفي معلقًا على قرار الإفراج عن القروي: “ما أفسده القضاء يوم 9 أكتوبر يصلحه الشعب يوم 13 أكتوبر (الجولة الثانية للانتخابات)”.
من جانبه تساءل الصحافي التونسي مختار غميض حول تدخل القوى الأجنبية في قرار القضاء قائلاً:” ما هي العواصم الغربية، أو الأوروبية تحديدا، التي تدخلت لإطلاق سراح المكرونة ؟!”.
وكانت منظمات محلية وأجنبية قالت إن القروي لم يتمتع بفرصة متكافئة في الجولة الأولى، ولم يتمكن من التوجه إلى ناخبيه في مناظرات تلفزيونية، داعية إلى منحه حق الاتصال بناخبيه.
بدوره ألمح عدنان منصر مستشار الرئيس التونسي السابق محمد المنصف المرزوقي في تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى قرار المحكمة بالإفراج عن مالك قناة نسمة بالقول:”#يوم_الأحد_محاكمة_شعبية”
ونشر جوهر بن مبارك تدوينة على فيسبوك جاء فيها: “حكم الشعب بالأصابع حكم باتّ ونهائي لا تنقضه ايّ محكمة. فأحكموا بالملايين يوم الأحد حكم الحقّ الذي لا يعلوه حكم”.
مضيفًا في تدوينة أخرى: “قلتلكم اللّي هزيمة المنحرف (نبيل القروي) وهو طليق ستكون ألذّ وأطعم”.
دعم خارجي وصفقة
وفي ذات الإطار، قال الصحافي التونسي محمد علي الشتيوي في تصريح لـ”نون بوست”: “أعتقد أن قرار الإفراج عن القروي سياسي بامتياز يأتي على خلفية الضغوطات الرهيبة التي مورست على القضاء لإطلاق سراحه بحجة مبدأ تكافؤ الفرص وضرورة أن يخوض القروي حملته الانتخابية من خارج أسوار السجن رغم توفر قرائن الإدانة في الملفات التي بحوزة القضاء، والضغط الرهيب على المؤسسة القضائية كان حتى من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، كذلك تدخل أطراف خارجية بطريقة مباشرة أو حتى غير مباشرة، والأخطر من ذلك تسويق القروي على أنه سجين سياسي ويجب إخراجه ليقوم بحملته الانتخابية”.
وتابع الشتيوي “كان من المتوقع في أية لحظة خروجه في إطار صفقة سياسية رائحتها كريهة وخاصة بعد تصريح محمد الناصر الذي أكد فيه إجراءه لمشاورات مع كل الأطراف المتدخلة لإيجاد تسوية أو حل لخروجه متناسيًا مبدأ استقلالية القضاء وبالتالي إطلاق سراح القروي في هذا التوقيت رسالة سياسية أنه قادر على الإفلات من العقاب مهما كان الجرم الذي ارتكبه، وهذا خطير جدًا بحكم شبكة علاقاته الداخلية والخارجية المعقدة والتي تمثل قوة ضغط رهيبة بالنسبة للقروي، وقد تكون هي اللاعب الأساسي في العملية، ورسالة ثانية تؤكد أن قضاؤنا مخترق وما يزال يخضع للتعليمات رغم تعافيه نوعًا ما بعد الثورة”.
قبل نحو أسبوع قال الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر إن وضع المرشح الرئاسي المسجون نبيل القروي وعدم تمكنه من التواصل مع ناخبيه قبل أسبوع من جولة الإعادة، ستكون له تداعيات خطيرة على مصداقية الانتخابات وعلى صورة تونس.
واعتبر الصحافي التونسي أن إطلاق سراح القروي بتلك الطريقة أعاد للأذهان قضاء التعليمات في حقبة الاستبداد وحكم بن علي وردة فعل عدد من القضاة الذين استغربوا طريقة خروجه من السجن والأدلة القانونية التي استندت عليها محكمة التعقيب لأطلاق سراحه لخطورة القضايا المتعلقة بالقروي.
وقبل نحو أسبوع قال الرئيس التونسي المؤقت محمد الناصر إن وضع المرشح الرئاسي المسجون نبيل القروي وعدم تمكنه من التواصل مع ناخبيه قبل أسبوع من جولة الإعادة، ستكون له تداعيات خطيرة على مصداقية الانتخابات وعلى صورة تونس.
وأضاف الناصر أنه سيواصل بذل جهود لإيجاد ما وصفه بـ”حل مشرف” لضمان حق القروي في التواصل مع ناخبيه، معتبرا أن الوضع “غريب” ويثير الاهتمام والانتقاد في تونس وخارجها.
النهضة وملف القروي
في مقابل ذلك، قال الصحافي التونسي زياد الهاني إنّ قرار المحكمة التونسية لا يعني بالضرورة تبرئة القروي من التهم المنسوبة إليه، ولكنه يأتي في سياق احترام القانون خاصة وأن عملية إيقافه لم تستجب إلى التراتيب الإجرائية، مشيرًا إلى أنّ التحقيق مع المرشح للانتخابات الرئاسية في قضايا غسيل الأموال ستتواصل، مؤكدًا أن القرار ليس سياسيًا.
وتعليقًا على قرار الإفراج، اعتبر مرشح حركة النهضة للانتخابات الرئاسية والنائب الأول لرئيس حزب حركة النهضة عبد الفتاح مورو أن خروج المرشح الرئاسي نبيل القروي عنصر إيجابي يرد النضارة للانتخابات الرئاسية ويعطيها زخمًا أكبر، مشيرًا إلى المحكمة بررت الإفراج المؤقت عنه بأن قرار الإيقاف جاء مخالفًا للطعن الذي تقدم به القروي، متابعًا القول: “أعتقد أن الخطوة ستُضفي مصداقية على نتائج الجولة الثانية للانتخابات وحتى لا يقول أحد أنّ هذه الانتخابات (مفبركة)”.
من جانبه: رد الناشط عبد الواحد السديري على محاولة بعض السياسيين والإعلاميين ربط حركة النهضة سواء باعتقاله أو الإفراج عنه ومحاولة توريطها في القضية بالقول: “دخل القروي الحبس (السجن) قالوا النهضة هي التي أدخلته لتتخلص منه، خرج القروي من السجن قالوا النهضة أخرجته لتتحالف معه، النهضة لن تتحالف مع القروي قف انتهى”.
وفي السياق ذاته، قال مراسل قناة “نسمة” المملوكة لنبيل القروي، ناجح الزغدودي، في تصريح لـ”نون بوست” إنّ “عملية إيقاف رئيس حزب “قلب تونس” رافقتها شكوك كبيرة، منذ توقيت اعتقاله إلى قرار الإفراج عنه” مضيفًا “يبدو أن هناك صفقة ما خفية بتأثير من المافيا العميقة (السيستام) التي خرجت جريحة من الانتخابات التشريعية قصد إحراج حركة النهضة، كما توجد شبهة تدخل أجنبي في القضية”.
وتابع الصحافي التونسي قوله:” شخصيًا، تمنيت لو أنه لم يتم إيقافه أصلاً بعد أن ترشح وأن يكون التتبع بعد الانتخابات لتفادي التداخل بين القضائي والسياسي، لأنّه يبدو أن نبيل القروي استفاد من إيقافه لزيادة شعبيته إضافة لاستفادته من التوقيت الحملة الانتخابات الرئاسية، والسؤال المطروح لو أن القروي لم يفز في الدور الأول هل كان سيتم إطلاق سراحه؟”.
إلى ذلك، يرى مراقبون أنّ المستفيد الأكبر من قرار الإفراج عن نبيل القروي هو منافسه في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية قيس سعيد الذي أعلن في وقت سابق عدم خوض حملة انتخابية لدواعي أخلاقية في ظل استمرار توقيف القروي بتهم فساد وقطع بذلك الطريق على المنادين بمبدأ تكافؤ الفرص، ليسجل بذلك نقطة جديدة تُضاف إلى قرار مناصريه الذين وإن اعتبروا قرار الإفراج جاء بتدخل في استقلالية القضاء، بعد عرقلة مسار الاستحقاق الانتخابي وخيّروا تجنيد طاقاتهم لدعم مرشحهم بكل الوسائل ومنها التطوع لنقل الطلبة والقيام بحملات لفائدته.