مع بداية العمليات العسكرية ضد الميلشيات الكردية لإخراجهم من منطقة شرق الفرات السوريّة، تسير قوات الجيش الوطني السوري بأعدادٍ كبيرة إلى جانب القوات التركية مدعومةً من سلاح الجو التركي للسيطرة على القرى والمناطق والمدن التي تتحصن الوحدات الكردية بها. وتعتبر هذه المناطق الحدودية مع تركيا، مناطق نفوذ كردي بالنظر إلى الخارطة السورية المقسمة إلى عدة مناطق سيطرة.
وكان الجيش الوطني السوري أصدر بيانًا سبق عملية “نبع السلام”، دعا فيه عناصره المشاركين بتحمل المسؤوليات والالتزام بحقوق الإنسان وقال الناطق باسم الجيش الوطني الرائد يوسف الحمود مخاطبًا جنوده “كفوا عمن ألقى إليكم السلاح والتزم بيته وتجنب القتال وانشق إليكم طالبًا الأمان، وأحسنوا إلى الأسرى في الطعام والإيواء، وكفوا عن الجرحى منهم وقدموا لهم العلاج، واحرصوا على أهلكم من المدنيين، وحافظوا لهم على الممتلكات العامة والخاصة”.
;وكانت قوات الجيش الوطني انتقلت إلى تركيا قبل يوم من بدء العمليات العسكرية، ليكون دخولها من الحدود التركية السورية، حسب الخطط المرسومة. من جهته، وجّه رئيس أركان الجيش، سليم إدريس، رسالة تطمينات إلى قاطني المنطقة التي ستجري فيها العمليات وطالب إدريس العناصر في صفوف “قسد”،”إلى الانشقاق عنها ورمي السلاح وليسعكم بيتكم”.
ويتمركز الجيش الوطني السوري في المناطق القليلة المتبقية التي تسيطر عليها المعارضة في شمالي سوريا، ويتكون من آلاف المقاتلين والعديد من الفيالق، فيما يتلقى دعمًا تركيًّا. تأسس هذا الجيش قبل عامين ليتطور قبل أيام وتندمج تحت رايته العديد من التشكيلات المقاتلة، ويأتي الاندماج على إثر سيطرة النظام السوري مع روسيا على مناطق ومساحات شاسعة كان أهمها مدينة خان شيخون ومناطق ريف حماة، نلقي في هذا التقرير نظرة على هذا التشكيل السوري المعارض.
تأسيس وتوسع
تأسس الجيش الوطني السوري، في شهر يناير/كانون الأول من عام 2017، بعد اجتماع ضم القيادات العسكرية للفصائل الموجودة في ريفي حلب الشمالي والشرقي، جاء هذا التأسيس بعد عملية “درع الفرات”، التي سيطرت خلالها فصائل الجيش السوري الحر بإسنادٍ تركي على مناطق جرابلس والباب والراعي، لتكون أولى العمليات الثلاث التي تنفذها تركيا داخل الاراضي السورية.
وبعد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لقوات الجيش الحر بأنها هي “الجيش الوطني لسوريا”، دعا دول الخليج لتدريب “الجيش”، مؤكدًا أن “تركيا تسانده”، ونتيجةً للتشرذم الذي رافق الفترة التي سبقها تأسيس الجيش حاولت الهئيات الثورية والنشطاء من جمع شمل الفصائل المقاتلة حتى تكوّن التشكيل، إلا أنه ظل في دائرة مناطق السيطرة والحماية التركية وأصبحت تسمى بـ “درع الفرات”، وكان يتكون الجيش الوطني من 3 فيالق تتفرع إلى ألوية.
ظلت تركيا تدعم هذا التشكيل لوجستيًا وماليًا وعسكريًا لتتبين خارطة الصراع أكثر فأكثر، فالنظام السوري ومن ورائه روسيا وإيران تقفان داعمتان قويتان، وواشنطن وأوروبا تدعمان الوحدات الكردية. استطاعت تركيا دمج كبرى الفصائل السورية تحت لواء هذا التشكيل، لتنضم إليه الجبهة الوطنية للتحرير العاملة في مناطق إدلب وريف اللاذقية، التي واجهت مؤخرًا هجومًا روسيًا عنيفًا فقدت على إثره العديد من المواقع المهمة بعد سنين من السيطرة، لتتقلص أماكن سيطرتها ونفوذها.
وأعلن رئيس الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض، عبد الرحمن مصطفى، أوائل هذا الشهر، قبل انطلاق عملية نبع السلام، عن اندماج فصائل “الجيش الوطني” العاملة في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون” بريف حلب مع فصائل “الجبهة الوطنية للتحرير” العاملة في محافظات إدلب وحماة وحلب وريف اللاذقية تحت مظلة عسكرية واحدة تابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.
وبذلك ازداد عدد فيالق الجيش الوطني ليصبح 7 فيالق تتفرع إلى ألوية، تتنوع سيطرتها في إدلب وريفها وبعض المناطق من ريف اللاذقية وأرياف حلب والمناطق التي تم السيطرة عليها في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون.
على الجبهات
خاض الجيش الوطني معارك عديدة كان أبرزها تلك التي تطلقها تركيا، فقبل أن يصبح الجيش بمسماه هذا، شارك في عملية “درع الفرات”، وهي العملية التي أسست لوجوده كجيش وطني، والتي خاضتها مجموعات الجيش السوري الحرّ بإسناد جوي بري تركي، لتتمكن من خلالها السيطرة على العديد من القرى والمدن التي كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة “داعش”، وقدّم الجيش الحر في هذه المعركة 500 قتيل ومئات الجرحى.
وفي يناير من عام 2018، شارك الجيش الوطني بمعركة غصن الزيتون، التي أطلقتها تركيا للسيطرة على مدينة عفرين، وطرد الوحدات الكردية منها، واستمرت المعركة لأيام تمكنت من خلالها القوات السورية والتركية من السيطرة على المدينة المهمة والتي وصلت بين ريفي إدلب ومناطق درع الفرات، وقدّم الجيش الوطني فيها 302 قتيلًا بالإضافة إلى العديد من الجرحى الذين أعطتهم تركيا ميزات كبيرة.
القيادة والجنود والسلاح
يقود الجيش الوطني اللواء سليم إدريس، وهو ضابط انشق عن قوات الأسد عام 2012، وتولى عدة مهام في الجيش السوري الحر، فيما تسلم العقيد فضل الدين الحجي منصب نائب رئيس الأركان عن منطقة إدلب، هو الذي كان يشغل منصب القائد العام للجبهة الوطنية للتحرير قبل أن تندمج مع الجيش الوطني، فيما تقلد العميد عدنان الأحمد منصب نائب رئيس الأركان عن جبهة حلب وهو ضابط منشق، وكان من بين قادة عمليات درع الفرات وغصن الزيتون.
قيادات الجيش الوطني
وفي حديثه لـ “نون بوست”، قال مصطفى سيجري، رئيس المكتب السياسي في لواء المعتصم المنضوي تحت الجيش الوطني، “بات تعداد الجيش الوطني بعد دخول قوات الجبهة الوطنية للتحرير أكثر من 110 آلاف مقاتل”، وأضاف سيجري أن السلاح الذي يستعملونه هو نفس السلاح الذي أمدتهم به مجموعة أصدقاء سوريا، حيث ذكر: “سلاحنا نفسه ولم نتلقى اي سلاح جديد، والتسليح السابق هو مما يسمى بمجموعة أصدقاء سورية”.
وأوضح سيجري أن الجيش الوطني هو “رأس الحربة في العمليات العسكرية الحالية، ويتحرك وفق المصلحة السورية العليا، يقاتل الجيش الوطني بهدف حماية الإرادة الشعبية، وتحقيق أهداف الثورة السورية، وطرد قوات الاحتلال”.
تحدّيات
في الانتظار تقف أمام هذا التشكيل عقبات عدّة ليس أولها حماية ما تبقى من أراضٍ تحت سيطرته من هجوم للنظام السوري وحليفته روسيا، فيما ينتظره تحد من نوع صعب وهو وجود هيئة تحرير الشام التي ما زالت تقف عقبة أما كل المشاريع الثورية، خاصة أنها مزقت الكثير من الفصائل وسلبت سلاحهم.
فيما تبقى وطنية هذا الجيش على المحك، إذ أن تركيا هي الداعم الأكبر له وتستطيع توجيهه بكافة تحركاته، فيما يرى مراقبون أن أنقرة تهيمن على قرار التشكيل، في الوقت الذي يرى آخرون أن ما يفعله الجيش من تحالف مع تركيا هو ضرورة مرحلية نتيجة لغياب جميع الدول عن الساحة وخاصة العربية منها. وسيبقى أهم ما يواجهه هذا الجيش هو كيفية بقائه متماسكًا خاصةً وأن الكثير من التشكيلات والاندماجات خلال السنوات السابقة تفككت وفشلت بالحفاظ على تماسكها.