في السنوات القليلة الماضية، ازداد ترويج الشركات التجارية للمنتجات المصممة للنساء للدفاع عن أنفسهن، مثل العصا الكهربائية والبخاخ المخدر ورذاذ الفلفل وأحدثها سوار “إنفي” الذي صنعته شركة هولندية العام الماضي كأداة للنجاة من الاعتداءات والسرقات، وهو عبارة عن قطعة إكسسوار عادية تطلق رائحة كريهة جدًا لإبعاد المتحرش والمجرم. إلى جانب ذلك، ظهرت العديد من التطبيقات الرقمية التي تهدف إلى نجدة المرأة حال تعرضها لأي مضايقة أو هجوم.
لكن رغم هذه المحاولات، رأى البعض ومنهم الناشطة والكاتبة جاكلين فريدمان أن هذه الأدوات تستغل مخاوف النساء لأسباب تجارية ومادية، كما أنها حلول غير عملية أو فعالة، لا سيما أنها لا تمنح المرأة الثقة النفسية والعقلية اللازمة للتعامل مع هذه المواقف، كما أنها قد توقف الاعتداء بمجرد أن يبدأ ولكنها لا تضع حدودًا للثقافة الاجتماعية الذكورية التي تنظر إلى المرأة ككائن ضعيف لا يمكنه حماية نفسه دون الاستعانة بالآخرين.
وبديلًا عنها، اختيرت رياضات الدفاع عن النفس كالخيار الأفضل للمرأة، على المستوى الشخصي والاجتماعي، فهذه البرامج قادرة على منحها الأمان وكذلك القدرة على تغيير التصورات الاجتماعية السلبية التي تعتبرها إنسانًا عاجزًا وهشًا وبالتالي يمكن التعدي عليها وخرق مساحتها الشخصية وتهديد أمانها بسهولة لأنها لا تملك أي منظومة دفاعية من الأساس.
العنف ضد المرأة في الشارع وداخل المنزل
في أي لحظة من اليوم، يمكن أن يتحول العالم إلى مكان خطر للمرأة، سواء كان ذلك في الشارع أم المواصلات العامة أم العمل أم حتى المنزل، فبحسب التقديرات العالمية لعام 2017 الصادرة عن منظمة الصحة، فإن واحدة من كل 3 نساء تعرضت للعنف في حياتها على يد شركائها المقربين أو غرباء، وأشارت أن الكثير من الاعتداءات الجسدية والجنسية تكون من الشريك وتصل نسبتها إلى 30%.
أما فيما يتعلق بما تواجهه المرأة في الشارع، فوفقًا لبيانات مسح وطني أجرته منظمة SSH على ألفي شخص تقريبًا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2014، وجدت النتائج أن 65% من النساء اللواتي تعرضن للتحرش كن في الشارع و23% منهن تم لمسهن بطريقة جنسية، و20% تم ملاحقتهن من الرجال، بالنسبة للدول العربية، بينت منظمة الأونروا أن 37% من النساء العربيات تعرضن للعنف الجسدي، بالإضافة إلى أن 4 من كل 10 حالات قتل كانت على أيدي أقاربهن أو أزواجهن.
ونظرًا لهذا الحال، لا شيء أكثر أمانًا وأهميةً من تمكين المرأة جسديًا، بالتساوي مع التعزيز الثقافي والمادي، وهو تقليد قديم في بعض الدول مثل بريطانيا واليابان اللواتي دربن المرأة في أثناء الحرب العالمية الثانية على الدفاع عن أنفسهن، وهو ما تريد وزارة الدفاع البولندية تبنيه مجددًا في وقتنا الحاضر لتعليم النساء فنون الدفاع، لكن في مناطق أخرى من العالم، باتت الحاجة إلى هذه المهارة، ضرورة اجتماعية بحتة وليست عسكرية أو لدواعي حربية وقتالية.
فنون الدفاع عن النفس في العالم العربي
بحسب التقارير، قد تكون مصر من أولى الدول التي خصصت صالات رياضية لتعليم هذه الرياضات للنساء لتواجه المضايقات والانتهاكات الخارجية، ورغم أنه امتياز حصري، إلا أنه في الوقت نفسه إشارة لعمق حاجة النساء المصريات لهذا الفن بسبب تفاقم عدد حالات المضايقات الجنسية، فقد أفاد استطلاع رأي لمؤسسة تومسون رويترز، أن القاهرة أخطر المدن الكبيرة في العالم على النساء، لانعدام الحماية من العنف الجنسي وانتشار الأفكار الثقافية السلبية عن المرأة بشكل عام.
واستنادًا إلى هذا الواقع، نجد أن برامج الدفاع عن النفس لاقت تجاوبًا من النساء اللواتي اخترن الاندماج في رياضات مثل الكاراتيه والملاكمة التايلاندية وجيوجيتسو البرازيلية وبنجاك سيلات القتالية، إندونيسية النشأة، التي تعتمد على توجيه الضربات وصدها باستخدام الأيدي والأرجل، مع الاستغناء عن الضرب في الوجه أو منطقة أسفل الحزام، وهي تمرينات تحسن قدرة العضلات على التحمل وتزيدها مرونة في الحركة والركل واللكم والتقلب.
عدا عن ذلك كله، تقول لورين تايلور، مدربة في برنامج “دافع عن نفسك”: “الدفاع عن النفس لا يقتصر على تحسين قدرتك في الركل فقط لمواجهة المضايقات، وإنما يركز على وضع حدود للاعتداءات الخارجية والتعامل معها بحزم وثبات”، كما تشير إلى احتواء هذه البرامج على الدفاع اللفظي أيضًا مثل إخبار المعتدي بما تريد وأمره بالتوقف والابتعاد قبل أن يحدث أي احتكاك مباشر، فالهدف الأساسي من المهارات اللفظية عدم الانجرار إلى القتال وإنما درء محاولة الاعتداء في المقام الأول.
يضاف إلى ذلك، تمرينات أولية مثل التدريب على المشي بثقة ورأس عالية وعيون مركزة، وخطوات لا سريعة كثيرة ولا أبطأ من اللازم، مع إيماءات واضحة وحازمة لوقف أي ملاحظات مسيئة أو تدخلات لفظية أو جسدية غير مرغوبة، وهي مهارات تفيد تعويد النساء على امتلاك مساحتهن الخاصة، فيما تبعث رسالة للآخرين بعدم تجاوز حدودهم.
نشرت مجلة نيوانجلند الطبية عام 2015، دراسة مسحية عن طلاب جامعيين انضموا إلى برنامج لمقاومة الاعتداء الجنسي، كان الهدف منه تقييم المخاطر والتغلب على الحواجز العاطفية في الاعتراف بالخطر، والدفاع عن النفس من الإساءات اللفظية والجسدية، وبعد مرور عام على تدريب مجموعتين مختلفتين، خلص المسح إلى أن نسبة حدوث محاولات الاغتصاب بين المشاركين بلغت نحو 3.4% مقارنةً مع 9.3% من المجموعة الأخرى التي لم تلتزم بالدروس.
أخيرًا، وكما قيل قديماً “ما حكّ جلدك مثل ظفرك”، لا وسيلة أفضل لضمان أمن الفتاة أو المرأة من العنف والتحرش إلا الردع الذاتي، قوة الشخصية ومهارات الرد لفظًا وفعلًا على أي سلوك طائش من أي متهور. وهذا لا يعفي الحكومات والأنظمة من سن القوانين والتشريعات التي تحمي النساء ومن اتخاذ الإجراءات والتدابير الوقائية الكافية لردع المسعورين.