لم يكن غريبًا أن يتوج رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي بجائزة نوبل للسلام، تقديرًا “لجهوده من أجل التوصل إلى السلام وخدمة التعاون الدولي، وخصوصًا لمبادرته الحاسمة التي هدفت إلى تسوية النزاع الحدودي مع إريتريا”، على ما أعلنت رئيسة لجنة نوبل للسلام النرويجية بيريت رايس أندرسن.
فوز مستحق، هكذا وصفه الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو أوّل الذين هنأوا آبي أحمد بنيل الجائزة العالمية قائلًا: “لقد استمتعت بالعمل معه لتعزيز التعاون الإقليمي”، وبعده توالت التهاني وردود الفعل المرحبة من عدد من القادة الإقليميين والعالميين على رأسهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش الذي اعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي قدوة رائعة للآخرين في إفريقيا وخارجها.
إصلاحات داخلية عميقة
في الخطاب الذي ألقاه بعد أداء اليمين الدستورية، اعتذر آبي أحمد لمواطنيه عن سياسات الائتلاف الحاكم خلال الفترة الماضية، وتعهد بـ”إتاحة الحريات والممارسة السياسية أمام أحزاب المعارضة ومواطني المهجر، ومحاربة الفساد، وتطوير الاقتصاد”، مشددًا على “ضرورة معالجة التباينات الداخلية عبر الحوار”.
آبي أحمد كان قد واصل السياسات الإصلاحية التي بدأها سلفه هايلي مريام ديسالين، ففي مؤتمر صحفي مطلع العام الماضي، أعلن ديسالين أن جميع الاتهامات القضائية التي ينظرها القضاء حاليًّا ضد المعارضين السياسيين سيتم إسقاطها أيضًا في خطوة قال إنها تهدف لفتح باب الحوار المجتمعي في البلاد، وخلال المؤتمر الصحفي أعلن هايلي مريام أن الحكومة قررت إغلاق معتقل ميكالاوي (أكثر معتقل تتركز حوله الاتهامات بممارسة التعذيب في البلاد).
ساهمت إجراءات الزعيم الإثيوبي في تهدئة الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ عام 2015 نسبيًا، كما راقت هذه الإصلاحات لدول الغرب والمنظمات الدولية
أما رئيس الوزراء الجديد آنذاك، آبي أحمد، فقد واصل إطلاق سراح المعتقلين والسجناء المعارضين، بالإضافة إلى ذلك قام برفع 3 من أكبر حركات المعارضة المسلحة، وهي “قنبوت سبات” و”جبهة تحرير أورومو” و”جبهة تحرير أوغادين”، من لائحة المجموعات الإرهابية في البلاد.
كما عقد حوارًا مع قوى المعارضة والمجتمع المدني لبحث سبل الإصلاح السياسي ودعا المعارضين المقيمين في الخارج إلى العودة للبلاد، وتشمل الإصلاحات التي تبناها أحمد قطاعات الأمن والمخابرات والقضاء، وتعهد كذلك بالقيام بإصلاحات تضمن تحقيق العدالة وسيادة القانون، ووضع نظام محاسبة للمخالفين.
للمرأة نصيب من الإصلاحات
وفيما يخص المرأة، تبنت حكومة آبي سياسة المناصفة بين الجنسين، فاختار نصف أعضائها من النساء، وتولت امرأة “عائشة محمد موسى” منصب وزيرة الدفاع لأول مرة في تاريخ البلاد، كما خفض عدد الوزارات من 28 إلى 20 وزارة، واستحدث وزارة للسلام تولتها رئيسة البرلمان السابقة مفرحات كامل، كما تبنى أحمد عددًا من المبادرات التنموية والعالمية، أبرزها مبادرة لزراعة 350 مليون شجرة في يوم واحد في أغسطس/آب الماضي، وأعلن نجاحها.
وساهمت إجراءات الزعيم الإثيوبي في تهدئة الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ عام 2015 نسبيًا، كما راقت هذه الإصلاحات لدول الغرب والمنظمات الدولية مما أكسبه دعمًا دوليًا واضحًا، لكن الجبهة الداخلية تفجّرت من جديد إذ واجهت البلاد محاولة انقلاب في يونيو/حزيران الماضي، وشملت هذه المحاولة هجومين منفصلين، في العاصمة أديس أبابا وإقليم أمهرة. قُتل رئيس الأركان في الهجوم الأول ورئيس ولاية أمهرة ومستشاره في الثاني، وتسبب تلك الأحداث في تشديد الإجراءات الأمنية، وإغلاق الطرق في العاصمة وقطع الإنترنت عن البلاد.
جاء قبول الائتلاف الحاكم في إثيوبيا تسوية النزاع مع إريتريا مفاجأة من العيار الثقيل، لأن العداء كان مستحكمًا بين البلدين منذ العام 2002
اتفاق السلام مع إريتريا
الخطاب الأول الذي ألقاه آبي أحمد خلال حفل تنصيبه أمام البرلمان الإثيوبي بعد أدائه اليمين الدستورية في مطلع أبريل/نيسان من العام الماضي 2018 تعهّد فيه بإصلاح العلاقات مع الجارة إريتريا، وتعهد كذلك بالمضي في خطط الإصلاح السياسي، مضيفًا “لا يمكن تحقيق الديمقراطية في غياب الحقوق سواء كانت مدنية أم اقتصادية. نحتاج جميعًا لمنصة للتعبير عن مخاوفنا”.
لم يتوقع الناس أن يُكسر جدار برلين بهذه السرعة مع الجارة اللدود التي بقيت العلاقات معها متوترة طيلة 20 عامًا، لكن سرعان ما أعلن الائتلاف الحاكم في إثيوبيا الذي يرأسه آبي أحمد إنهاء الخلاف الحدودي مع إريتريا بعد شهرين فقط من خطاب آبي أحمد، إذ قرر ائتلاف “الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية” التنفيذ الكامل لاتفاق الجزائر الموقع عام 2000 وما توصلت إليه لجنة ترسيم الحدود، وهذا يعني طي صفحة أكبر معضلة تعترض مسار العلاقات بين البلدين وهي سيطرة إثيوبيا على منطقة بادمي الحدودية حيث قضت لجنة تحكيم تابعة للأمم المتحدة بتبعيتها لإريتريا، ولكن أديس أبابا رفضت الانسحاب من المنطقة.
جاء قبول الائتلاف الحاكم في إثيوبيا تسوية النزاع مع إريتريا مفاجأة من العيار الثقيل، لأن العداء كان مستحكمًا بين البلدين منذ العام 2002، وعندما هبطت طائرة رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آنذاك في العاصمة الإريترية أسمرة في الـ8 من يوليو/تموز العام الماضي، استحوذ الخبر على كل وسائل الإعلام، وفي اليوم التالي وقع الزعيمان اتفاقًا أنهيا به رسميًا حالة اللاحرب واللاسلم بين البلدين، والاتفاقية الموقعة بين الجانبين تضمنت 5 نقاط هي: عودة العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات وفتح الاتصالات بين البلدين وفتح الأجواء الإريترية الإثيوبية واستخدام إثيوبيا الموانئ الإريترية، بالإضافة إلى وقف كل أشكال التحركات العدائية بين البلدين.
الحفاوة البالغة التي استقبل بها آبي أحمد قابلها امتعاض وشعور واضح بالاحتقار على وجه الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورفاقه من قادة المجلس العسكري
السودان.. شعبية هائلة لآبي أحمد
احتفى السودانيون أيما احتفال بآبي أحمد وفوزه بجائزة نوبل للسلام، ذلك أنهم يعتبرون الرجل نموذجًا يحتذى به في القارة السمراء، فهو في نظر السودانيين “رسول السلام” الذي قاد بلدهم نحو التوافق والاستقرار بعد نجاح الوساطة الإثيوبية الإفريقية المشتركة في التواصل للاتفاق النهائي الذي تم بموجبه تشكيل الحكومة المدنية في الخرطوم، ومنذ اللحظات الأولى لوصول آبي أحمد احتفى به الشباب السوداني بشكل واضح.
الشعبية الهائلة التي حصدها رئيس الوزراء الإثيوبي في السودان بدت واضحةً خلال التصفيق الحار غير المسبوق بالتزامن مع ذكر اسمه في كلمة لمتحدث عسكري خلال احتفال نقل السلطة، وتكرر المشهد ذاته عندما دُعي أحمد ليقول كلمته أمام الحفل، ومرة ثالثة عندما انتهى من تقديم الكلمة.
ردود الفعل الداخلية والخارجية على فوز آبي بجائزة نوبل
داخليًا، انقسم الرأي العام الإثيوبي بين مؤيد ومعارض لحصول رئيس الوزراء على الجائزة الرفيعة، فعلى سبيل المثال، يقول الناشط الإثيوبي جوهر محمد لشبكة CNN“قام رئيس الوزراء آبي بعمل رائع بتحقيق السلام مع البلدان المجاورة وداخلها، واستطرد: “ومع ذلك، لا يزال أمامه الكثير لتحقيق السلام على الصعيد الوطني، ولضمان نجاح التحول الديمقراطي”.
بينما يعتقد المدون دانيال برهان أنَّ آبي أحمد لا يستحق جائزة نوبل، ويبرر ذلك بقوله “إن حدث هذا، فسيكون ذلك بمثابة تأييد لشخص لا يحب المؤسسات أو العمل الجماعي، بل يكتفي بإخراج أفكار غير مدروسة بما يكفي تهدف لاسترضاء الغرب”. حسب تعبيره.
عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن ارتياحه لمنح الجائزة لآبي أحمد مهندس المصالحة بين بلده وإريتريا المجاورة
على المستوى الرسمي، قالت الحكوم الإثيوبية إنها “فخورة كأمة” بنيل رئيس وزرائها جائزة نوبل للسلام، وكتب مكتب آبي على تويتر “نحن فخورون كأمة.. هذه الجائزة تشكل اعترافًا بعمل رئيس الوزراء من أجل الوحدة والتعاون والتعايش”.
عالميًا، عبّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن ارتياحه لمنح الجائزة لآبي أحمد مهندس المصالحة بين بلده وإريتريا المجاورة، مشيرًا إلى أن هذا التتويج يغذي الآمال بإحلال “الاستقرار” في المنطقة، كما هنأ رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي في تغريدة على تويتر رئيس الوزراء الإثيوبي “على جهوده التاريخية لبناء السلام التي منحت العالم أملاً في وقت يحتاج فيه إلى قيادة خدومة أكثر من وقت مضى”.
الغريب في الأمر أن الحكومة الإريترية لم تدل بأي تعليق حتى لحظة كتابة التقرير، في وقتٍ كان يفترض فيه أن تكون أول المهنئين خاصةً وزير إعلامها يماني جبري ميسكل المعروف نشاطه على تويتر !ومن غير المستبعد أن يكون رئيسه أسياس أفورقي غاضبًا من منح آبي أحمد الجائزة الرفيعة فأفورقي يعمل بمبدأ “خالف تذكر” فهو القائد الوحيد من دول الجوار الذي لم يهنئ آبي حتى الآن.
ومن بين المهنئين، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي أرسل برقية تهنئة إلى آبي أحمد بمناسبة فوزه بجائزة نوبل للسلام “تقديرًا لجهوده في تحقيق السلام والتعاون الدولي“، كما هنأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي، مؤكدًا أن نيله الجائزة “فوز جديد للقارة السمراء الطامحة دومًا إلى السلام”.
بكل تأكيد سيؤثر منح جائزة نوبل لرئيس الوزراء الإثيوبي بشكل إيجابي على إثيوبيا، إذ ستعزز قوتها الناعمة على المستوى الدولي
وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بتفاعل كبير من المغردين على فوز رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام للعام الحاليّ بسبب جهوده لتحقيق السلام مع إرتيريا البلد الجار لإثيوبيا، وجهوده لإحلال الاستقرار في القارة الإفريقية، من أبرزها الأزمة السياسية التي عاشها السودان عقب إطاحة الجيش بالرئيس عمر البشير بعد ثورة شعبية.
وفي هذا الصدد علّق الكاتب المصري جمال سلطان بقوله: “فاز بجائزة نوبل للسلام حاكم إفريقي لم تلوث يده بدماء شعبه ولا ارتكب مذابح ضد معارضيه ولا قاد انقلابًا عسكريًا ليغتصب السلطة، فرغ السجون بإطلاق سراح آلاف السياسيين، ألغى كل صور الرقابة الإعلامية وقاد مصالحة وطنية داخل بلده ومصالحة إقليمية مع إريتريا ورعى مصالحة سودانية”.
كيف يؤثر فوز آبي أحمد بالجائزة على إثيوبيا؟
من المأمول أن يؤثر منح جائزة نوبل لرئيس الوزراء الإثيوبي بشكل إيجابي على إثيوبيا، إذ ستعزز قوتها الناعمة على المستوى الدولي، وترفع من مكانة آبي أحمد مما يدعم الموقف الإثيوبي دوليًا على صعيد ملف سد النهضة الذي تخوض فيه أديس أبابا معركة مفتوحة مع القاهرة بعدما وصلت المفاوضات بينهما إلى طريق مسدود، وفي هذا الإطار نشير إلى أن آبي أحمد استضاف يوم الخميس الماضي رؤساء الدول الأعضاء في منظمة الإيقاد وهم رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، والرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو إلى جانب الرئيس الرواندي بول كاغامي وورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ورئيس كينيا أوهورو كينياتا والرئيس الأوغندي يوري موسيفيني. وحضور كل هؤلاء في هذا التوقيت يعد رسالة دعم سياسي واضحة لإثيوبيا.
ثانيًا، الجائزة ستجعل إثيوبيا محط اهتمام العالم خاصةً المدافعين عن حقوق الإنسان، الأمر الذي يحمل بشارة للناشطين في الداخل الإثيوبي من أن الأجهزة الأمنية لن تتعرض لهم.
ثالثًا، سترتفع مكانة إثوبيا إقليميًا وهي أصلًا مرتفعة لأنها الدولة التي تحتضن مقر الاتحاد الإفريقي والعديد من المنظمات الكبرى، وبعد جائزة نوبل للسلام ستتوقف محاولات التقرب والابتزاز التي سعت إليها دول إقليمية مثل الإمارات والسعودية اللتين زعمتا أن اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا كان برعاية منهما، في حين أن الجائزة قدمت للشخص المبادر فقط وهو آبي، وقد كان الأخير حريصًا في الفترة الماضية على انتهاج سياسة خارجية متوازنة مع كل دول العالم.
يُنظر إلى آبي أحمد بأنه صانع السلام وضع اسمه جنبًا إلى جنب مع القادة العِظام الذين حازوا الجائزة الرفيعة كباراك أوباما وكوفي عنان
رابعًا، يفترض أن تكون الجائزة دافعًا قويًا لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد كي يعالج الصراعات الداخلية المستفحلة التي أدت إلى نزوح نحو 3 ملايين مواطن إثيوبي خلال الفترة الماضية، وملف الصراع العرقي يشكل خطرًا داهمًا على مستقبل إثيوبيا ومستقبل آبي أحمد كذلك إن لم يتحرك فيه بالسرعة المطلوبة، فمشاعر الغضب على سياسات الحكومة الفيدرالية أخذت تتصاعد في إقليم أمهرة منذ أيام المحاولة الانقلابية الفاشلة هناك عندما اعتقلت قوات الأمن نشطاء وسياسيين ما زالت محاكمتهم جارية.
عليه نتوقع أن تكون جائزة نوبل للسلام دافعًا قويًا يحث آبي أحمد على إعلان حوار وطني شامل أو مؤتمر سلام يعالج قضايا النزاع العرقي، واستعادة الثقة بين أطراف الائتلاف الحاكم الأربع رغم الحديث الذي نما مؤخرًا عن إمكانية عدم صمود الائتلاف وبقائه موحدًا، في وقت تقترب فيه البلاد من الانتخابات العامة المقررة في العام 2020.
ختامًا، يُنظر إلى آبي أحمد بأنه صانع السلام وضع اسمه جنبًا إلى جنب قادة بارزين أثروا الحياة السياسية لبلادهم وحققوا قفزات في تعزيز السلم المحلي والإقليمي، ويمثّل آبي أحمد أملًا القارة السمراء في حل الخلافات داخليًا من دون إملاءات خارجية، ويقدم إثيوبيا كبلد رائد في التغيير الإيجابي وتحقيق الإصلاحات الديمقراطية في وقتٍ وجيز.