ترجمة وتحرير: نون بوست
في حال تم تفعيل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، من الناحية القانونية، ستصبح المملكة المتحدة دولة غير تابعة للاتحاد الأوروبي، وسيقع تجميد حرية تنقل الأشخاص والسلع. ولكن هل يمكن أن تحافظ بريطانيا على مكانتها السياسية؟
فلنتخيل أننا نعيش يوم 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، حيث لم يتوصل بوريس جونسون والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق في الأيام الماضية حول شروط خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون تأجيل الموعد. ما الذي سيحدث بشكل ملموس في هذه الحالة؟ من الناحية التقنية، يمكن الإجابة على السؤال الذي يعد من الناحية السياسية أكثر حساسية.
على غرار باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ستتطلع فرنسا إلى إخضاع المنتجات البريطانية للرقابة، إلى جانب فرض إجراءات إدارية، وضوابط جمركية، وضريبة القيمة المضافة، وضوابط صحية عليها
في اليوم التالي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، ستصبح المملكة المتحدة رسميا دولة غير تابعة للاتحاد الأوروبي، لتنتهي بذلك حرية تنقل الأشخاص والبضائع بين الجزيرة البريطانية والقارة الأوروبية. بعبارة أخرى، ستتراجع المبادلات الثنائية للمنتجات التي يقع تسويقها بشكل قانوني.
على غرار باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ستتطلع فرنسا إلى إخضاع المنتجات البريطانية للرقابة، إلى جانب فرض إجراءات إدارية، وضوابط جمركية، وضريبة القيمة المضافة، وضوابط صحية عليها. ولو قامت فرنسا بانتداب المزيد من موظفي الجمارك، مثلا، فسوف يتباطأ نسق تدفق السلع وستتشكل طوابير انتظار على الحدود، وينطبق الشيء نفسه على المسافرين الذين لن يستطيعوا الدخول والخروج من فرنسا دون الاستظهار بجوازات سفرهم.
تباطؤ نسق المعاملات التجارية
تتميز المملكة المتحدة بخاصيات تجارية خاصة، حيث أنها تعتمد بشكل كبير على توريد البضائع، ناهيك عن أن عجزها التجاري بلغ نحو 159 مليار يورو (6.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، وفقًا لأرقام وزارة الإحصاء ودراسات التجارة الخارجية. وبناء على هذه المعطيات، تعتبر المملكة المتحدة الدولة الأكثر عجزًا في الاتحاد الأوروبي على مستوى السلع، التي تعوضها عن طريق تحقيق فائض في الخدمات (120 مليار يورو في 2018).
بالنسبة لكل ما يتعلق بالسلع، تعتمد المملكة المتحدة على الاتحاد الأوروبي بنسبة 53 بالمئة (301 مليار يورو)، مع تصدر ألمانيا قائمة الموردين بنسبة 14 بالمئة. وهذا يعني أن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي قد يعقبه (بصفة مؤقتة) انقطاع في سلسلة التوريد من المنتجات الطازجة (الخضروات والفواكه)، إلى جانب منتجات أخرى مثل ورق المرحاض والأدوية.
ستصبح مراكز إيرباص في المملكة المتحدة مهددة على المدى المتوسط بدفع الرسوم الجمركية…
خفضت المملكة المتحدة من اعتمادها على الاتحاد الأوروبي منذ الألفينات عبر الانفتاح إلى حد كبير على الصين والحفاظ على تدفق الواردات من الولايات المتحدة (10 بالمئة) ودول الكومنولث (7 بالمئة). ويكمن المشكل في أن استمرار توريد المواد التجارية من أوروبا سوف يصبح باهظا أكثر فأكثر، لأن الاتحاد الأوروبي سوف يعمل على إعادة فرض الرسوم الجمركية على المنتجات البريطانية التي يفرضها على البلدان الأخرى، على غرار التعريفة الخارجية المشتركة الشهيرة.
يقع تحيين هذه الرسوم كل عام، مع تصنيفها وفقا لنوعية المنتجات. ويتكون المستند الجمركي لعام 2018 من 964 صفحة…. إلى حد الآن، تمكنت المملكة المتحدة من بيع محروقات بحر الشمال في أوروبا، بينما تصدر منتجاتها من صناعة الطائرات إلى أوروبا ضمن شركة إيرباص. ولكن، ستصبح مراكز إيرباص في المملكة المتحدة مهددة على المدى المتوسط بدفع الرسوم الجمركية…
الإدارة الدقيقة للرسوم الجمركية
تعاني المملكة المتحدة من نقص شديد في المواد الغذائية، وتعتمد اعتمادًا كبيرًا على أوروبا في توريد الخضروات واللحوم والفواكه والخضروات المعلبة… كما ستجد المملكة المتحدة نفسها مجبرة على تحديد رسوم جمركية على دخول البضائع الأوروبية إلى أراضيها.
تواجه المملكة المتحدة خطر إعادة النظر في التعامل مع المصنعين الأوروبيين، على المدى المتوسط، خصوصا المصنعين المستوطنين في المملكة المتحدة لتجنب الرسوم الإدارية والجمركية مع كل منتج عابر للحدود
ستفكر في إعفاء معظم المنتجات القادمة إلى أراضيها من الضرائب، باستثناء المنتجات التي توفرها أقاليمها الخارجية من وراء البحار (مثل الكاكاو والرم والسكر) التي تمثل بديلاً تنافسيًا.
من ناحية أخرى، تواجه المملكة المتحدة خطر إعادة النظر في التعامل مع المصنعين الأوروبيين، على المدى المتوسط، خصوصا المصنعين المستوطنين في المملكة المتحدة لتجنب الرسوم الإدارية والجمركية مع كل منتج عابر للحدود. وكل هذه العوامل من المرجح أن تعطل ومن ثم تقلل التدفقات التجارية مع القارة. لذلك، من الصعب تصديق أن دولة ذات توجه تجاري مثل المملكة المتحدة قد تكون راضية عن مثل هذا الموقف.
120 ألف شركة فرنسية ستكون معنية
فيما يتعلق بفرنسا تحديدًا، تستورد باريس بشكل أساسي السيارات والكيمياء والأدوية، ناهيك عن قطع الطيران من لندن. ومن ناحية التصدير، تعد المملكة المتحدة ثالث أكبر سوق للمنتجات الزراعية الفرنسية (15 بالمئة من المبيعات الوطنية). ومن المؤكد أن المنتجات المتعلقة بالترف (الخمور، الشمبانيا، الكونياك …) ستخضع لضريبة أكثر ارتفاعا، لكن زبائنها من خارج بحر المانش ليسوا مستعدين للاستغناء عنها. وتشارك نحو 120 ألف شركة فرنسية في التدفقات التجارية العابرة للمانش، حيث أن 10 آلاف شركة مستوردة ومصدرة، 90 ألف شركة مستوردة فقط و20 ألف شركة مصدرة فقط. سوف تخضع جميعها لإجراءات الجمارك الجديدة. ولكن الشركات التي بدأت التعامل مع دول غير تابعة للاتحاد الأوروبي تبدو مستعدة أكثر لمواجهة هذا التغيير.
إذا لم تلتزم المملكة بالقانون، فيجب على الاتحاد الأوروبي في حالة عدم التوصل إلى اتفاق استعادة الحدود بين الإيرلنديين للتحكم في البضائع التي تدخل جمهورية أيرلندا (التابعة للاتحاد الأوروبي) وأيرلندا الشمالية (التابعة للأراضي البريطانية)
سواء كانت مختصة في التصدير أو في الاستيراد، فإن أكثر من نصف هذه الشركات البالغ عددها 120 ألف توظف أقل من عشرة موظفين. كما أن أكثر من ثلث الشركات المصدرة لا تتعامل مع دول من خارج الاتحاد الأوروبي. وبالنسبة للشركات المستوردة، فإن النسبة تبلغ الثلثين. مع ذلك، يمكن أن تشجعهم التكاليف الجديدة على الرحيل إلى أي بلد آخر في أوروبا لا يطبق التعريفات الجمركية.
من المنتظر أن يطرح هذا الملف بقوة أكبر في أيرلندا. وإذا لم تلتزم المملكة بالقانون، فيجب على الاتحاد الأوروبي في حالة عدم التوصل إلى اتفاق استعادة الحدود بين الإيرلنديين للتحكم في البضائع التي تدخل جمهورية أيرلندا (التابعة للاتحاد الأوروبي) وأيرلندا الشمالية (التابعة للأراضي البريطانية). لكن هذا السيناريو غير وارد. وإذا كان البركسيت سيتم دون اتفاق، فإنه سيتسبب في خلق فجوة عمقها 500 كيلومتر في السوق الموحدة … حيث يمكن أن تستغل لندن هذا الضعف الأوروبي، ويتوتر الوضع بشكل خطير.
3 شروط يجب أن تتوفر لتأجيل محتمل
في كل الحالات، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق لا يعني تجميد المفاوضات. في الواقع، انطلقت مفاوضات أخرى قبل أن تتعطل بسبب طرح سيناريو عدم الوصول إلى اتفاق. أولا، تتوفر إمكانية التفاوض على المدى القصير، حيث يمكن للأوروبيين والبريطانيين الاتفاق على الاستمرار في التفاوض بضعة أشهر أخرى لمنح أنفسهم وقتًا للتوصل إلى اتفاق دائم. في غضون ذلك، قد يتغير الموقف العام، في كلا المعسكرين، ليتم تعديل شروط التفاوض.
ليس الأوروبيون ملزمين بعرض تأجيل جديد. وقد يقرر الاتحاد الأوروبي أن الكوميديا استمرت لفترة كافية ليرفض بذلك أي تأخير إضافي.
من بين الأمور غير الواضحة في خصوص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، حقيقة أننا لا نعرف في الوقت الراهن من سيكون في لندن، أي من سيقود المفاوضات مع الجانب الأوروبي. من جهته، يجب على بوريس جونسون، من حيث المبدأ، أن يقدم مشروعه إلى البرلمان السيادي، الذي أقر قانون بن، الذي يحظر على المملكة المتحدة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
لم يسبق أن انتهك رئيس وزراء مثل هذا الأمر التشريعي. وإذا امتثل جونسون له، فسيتعين عليه أن يتراجع عن رأيه ويطلب من الأوروبيين، على هامش قمة 17 و18 تشرين الأول/ أكتوبر، تحديد موعد نهائي جديد. ومن المقرر أن يقوم الأوروبيون بتقديم ثلاثة شروط إلى لندن: أولا، يتعين على لندن تعيين مفوض بريطاني بحيث تكون القرارات الأوروبية اعتبارًا من 1 تشرين الثاني/ نوفمبر مضمونة قانونًا. ثانيا، سيتعين على البريطانيين المساهمة في الميزانية الأوروبية لسنة 2020 وأي سنة تبدأ ستكون مستحقة بالكامل حتى لو غادرت قبل نهاية 2020. ثالثا، يجب أن تظل منطقة الصيد البريطانية مفتوحة للسفن الأوروبية إلى موفى 2020.
مع ذلك، ليس الأوروبيون ملزمين بعرض تأجيل جديد. وقد يقرر الاتحاد الأوروبي أن الكوميديا استمرت لفترة كافية ليرفض بذلك أي تأخير إضافي. وفي هذه الحالة، سيضعون حدا للمضايقات الناجمة عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
في النهاية، يمكن دراسة احتمال أن يقدم بوريس جونسون استقالته ليتجنب “أن يكون رئيس الوزراء الذي سيطلب تأجيلًا جديدًا”. ولكن هذا لا يحل المشكل، لأنه حتى إذا استقال سيظل المسؤول عن إدارة الأعمال اليومية إلى أن يقع تنظيم انتخابات تشريعية جديدة. وفي غضون هذا الفاصل الزمني، من الذي سيغطي “المفاوضات الحالية” بالضبط؟ هل يستطيع، على هذا النحو، رفض طلب تأجيل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أم هل يجب عليه أن ينسحب دون اتفاق؟ في حقيقة الأمر، لا توجد إجابة واضحة لاسيما في ظل هذا الجو الضبابي المطلق الذي يحوم حول قضية البريكسيت قبل أسبوع من انعقاد القمة الأوروبية.
المصدر: لوبوان