ترجمة وتحرير: نون بوست
في مكتب على بعد دقائق قليلة من وسط المدينة في رام الله، يسارع الدكتور أيمن ربيع إلى تقديم تقرير عن الجهود الأخيرة التي بذلتها مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين. وبصفته الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لهذه المنظمة، تحدث الدكتور ربيع عن أيام التأسيس والجهود والإنجازات الحالية للمجموعة. وعندما تذكر تلك الأيام قال بصوت منخفض وابتسامة خفيفة: “كنا نشرب ونأكل ونعيش في المكتب لمدة 22 يوما متتالية. واصلنا التقدّم كمجموعة هيدرولوجيا واتصلنا بالعالم الخارجي من خلال هذا العمل”.
تأسست “مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين” سنة 1987 في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وذلك في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة ضد موارد المياه الفلسطينية. وفي الوقت الراهن، تعاني المناطق في جميع أنحاء فلسطين من أزمة إنسانية، حيث يحتاج 1.3 مليون شخص في غزة من بين 1.9 مليون نسمة يعيشون هناك، إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية.
وفقا للأمم المتحدة، فإن أكثر من 55 بالمئة من الفلسطينيين لديهم احتياجات غير مستوفاة من الطاقة، و47 بالمئة منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين تملك مجموعة صغيرة فقط إمكانية الوصول إلى المياه. وحسب الزميلة السياسية في الخلية التفكير الأمريكية “الشاباك”، زينة آغا، فإن هذا يماثل سياسة الفصل العنصري التي “يعيش بموجبها الفلسطينيون والإسرائيليون على نفس الأراضي المادية، غير أن الفلسطينيين المستضعفين الذين يعيشون تحت وطأة الاحتلال والحصار سيعانون من آثار تغير المناخ بصورة أكثر حدة نتيجة لهوياتهم العرقية الدينية”.
إلى غاية سنة 1996، كانت المنظمات العاملة في المجال البيئي منفصلة عن بعضها البعض، إلى أن تأسست شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية
أدى انقطاع الكهرباء المستمر إلى تفاقم أوضاع المعيشة المتقلبة بالفعل في غزة، حيث أنه ما بين 90 و95 بالمئة من المياه ملوثة. وفي الضفة الغربية، أدت عمليات الهدم للهياكل الفلسطينية من قبل القوات الإسرائيلية إلى زيادة عرقلة الوصول إلى الموارد الطبيعية مثل المياه والزراعة. في ظل هذا الوضع، لجأ الفلسطينيون إلى حلول مبتكرة للبقاء، كما أصبحت شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين منظمة رائدة في توحيد هذه المساعي.
إلى غاية سنة 1996، كانت المنظمات العاملة في المجال البيئي منفصلة عن بعضها البعض، إلى أن تأسست شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين لتكون منظمة شاملة للتنسيق بين مختلف المنظمات الفلسطينية غير الحكومية التي تعالج قضايا الاستدامة البيئية في فلسطين. بالإضافة إلى ذلك، لا تزال الشبكة البيئية الفلسطينية الوحيدة التي تعمل في كل من الضفة الغربية وغزة، والتي تضم 14 عضوا تنظيميا.
بالنظر إلى التقسيم الجغرافي للضفة الغربية من غزة في ظل الحصار الإسرائيلي للقطاع منذ 13 سنة، والسيطرة على الحركة الفلسطينية داخل الضفة الغربية وخارجها، إلى جانب العقبات التي فرضتها “إسرائيل” على بناء تكنولوجيات مستدامة في مجالي الزراعة والطاقة النظيفة، أصبحت الجهود المنسقة لشبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية محورية بشكل متزايد. فقد زودت الشبكة وأعضاؤها 650 بيتا في وادي الأردن و270 بيتا في قطاع غزة بالطاقة الكهربائية.
داخل مقهى وسط مدينة رام الله، تحرس عبير البطمة طفليها بينما تحمل ابنها الرضيع. وتعمل البطمة مع شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين منذ 11 سنة، وهي منسقة الحملة الحالية للمنظمة. بعد أن شهدت على التحديات والنجاحات التي عرفتها المنظمة، تشدد البطمة على ضرورة “البقاء صامدين، ومراقبة التغييرات لأنها تدفعنا إلى مواصلة التقدّم وتعيد التأكيد على حقوقنا في أراضينا”. وتملك شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين وفروعها أربعة مخاوف رئيسية، تركز في الأساس على الحقوق المتعلقة بالمياه، وحفظ التنوع البيولوجي، والعدالة في الوصول إلى الطاقة، والتصدي لمختلف أشكال التلوث في فلسطين.
نظرا إلى الاحتلال الإسرائيلي الشامل وانتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة من قبل الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين، فإن القضايا البيئية وقضايا المرأة غالبًا ما تُعد من الاهتمامات الثانوية.
في الآونة الأخيرة، تسعى شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين إلى إرساء دور المرأة في الاستدامة البيئية. في هذا الصدد، أوضحت البطمة أن “المرأة تشارك في جميع جوانب الحياة، وهي الأكثر تضررًا من التلوث البيئي، خاصة أنها تلعب أيضًا دورًا مهمًا في رفع مستوى الوعي وتقديم التوجيه للجيل الأصغر”. وتمضي شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين نحو تغيير الهياكل التشريعية والسياسية من أجل التأكيد على الديناميات الجنسانية في فلسطين، وذلك من خلال التركيز على دور المرأة وتمكين القادة في مجال الاستدامة البيئية والطاقة النظيفة.
بابتسامة ودودة، علقت البطمة على الجانب المتعلق بالنوع الاجتماعي في عملهم، مؤكدة بثقة أن “ما نقوم به هو تعزيز دور المرأة في التأثير على السياسات والبرامج المؤسساتية كشخص فاعل ورائد”. وتهدف شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين من خلال جمعها بين عمل المنظمات التي تعنى بالمحافظة على البيئة والتأكيد على دعم سيادة المرأة، إلى إعادة هيكلة العلاقات الاجتماعية.
مع ذلك، عند تسليط الضوء على الجانب المتعلق بالنوع الاجتماعي في الجهود البيئية، يجب على شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين التركيز على جانبين مهمشين في فلسطين. فنظرا إلى الاحتلال الإسرائيلي الشامل وانتهاكات حقوق الإنسان المتزايدة من قبل الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين، فإن القضايا البيئية وقضايا المرأة غالبًا ما تُعد من الاهتمامات الثانوية.
حاليا، تدرك سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية أهمية القضايا المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وتُمكن شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين من إجراء المزيد من البحوث والمشاورات حول تغيير سياسات المنظمات مع مراعاة النوع الاجتماعي. كما أنها تراجع المواد التشريعية لتحديد مواطن الضعف فيها وتقديم حلول بالتنسيق مع وزارة شؤون المرأة.
في ذروة الانتفاضة الأولى في الثمانينيات والتسعينيات، كان المجتمع المدني الفلسطيني مبنيا حول الجهود الجماعية للبقاء صامدين ضد التوغلات الإسرائيلية
ما يميز شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين (والمنظمات الأعضاء فيها) هو منهجهم في العمل مع المجتمعات الفقيرة في فلسطين. في الواقع، تعمل منظمات مثل مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين مباشرة مع المجتمعات التي تهدف إلى مساعدتها. وهذا يستدعي تواجدهم في الميدان وضلوعهم في اكتشاف الوقائع المختلفة للنسيج الاجتماعي الفلسطيني. ومن جهته، قال الدكتور ربيع: “لهذا السبب أي تدخلات ننفذها تكون من خلال المجتمعات”.
علاوة على ذلك، أوضحت شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين (وأعضاؤها) أنهم “لا يذهبون إلى هذه الأماكن لتزويد سكانها بالمساعدة التي لا يحتاجونها أو لا يريدونها أو لا يفكرون فيها. نحن أيضًا لا نفرض أي شيء لا يريده المجتمع”. بناءا على ذلك، فإن شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين لا تعمل على تعميم رسالتها فحسب، بل تقوم أيضًا بتأسيس علاقات ثقة واحترام مع المجتمع الفلسطيني.
انبثقت هذه الاعتبارات إلى حد كبير من الواقع الذي تأسست فيه هذه المنظمات. ففي ذروة الانتفاضة الأولى في الثمانينيات والتسعينيات، كان المجتمع المدني الفلسطيني مبنيا حول الجهود الجماعية للبقاء صامدين ضد التوغلات الإسرائيلية. وفي الوقت الحاضر، أصبحت حرية التنقل والنفاذ إلى مناطق معينة أسوأ من ذي قبل.
في نفس السياق، أوضح الدكتور ربيع: “علينا أن نتخذ اعتبارات مختلفة الآن، إذ اننا نواجه مخاطر أكبر، وعلينا أن نخطط بعناية وعلى نطاق أوسع وهو ليس بالأمر الهين، ناهيك عن أن موظفينا يتعرضون لتهديدات خطيرة أيضًا”. كما لاحظت آغا أن: “الحقائق البيئية والسياسية في الأراضي المحتلة مرتبطة ارتباطًا جوهريًا”، لذلك يجب أن تعمل منظمات مثل شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين في ظل التقسيم الجغرافي والسياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
رفض “إسرائيل” منح التصاريح وبناء جدار فاصل، إضافة إلى القيود المفروضة على الأرض والمياه والخدمات الأساسية، يزيد من التحديات التي يجب على الفلسطينيين هناك مواجهتها.
تنقسم الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام: المنطقة “أ”، “ب”، و”ج”. ويعيش معظم الفلسطينيين في الضفة الغربية في المنطقة “ج” الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، مما يعني أن أي جهود للتنسيق أو طلب تصاريح بناء يجب الحصول عليها من الحكومة الإسرائيلية وبالتالي من الصعب نيلها. من ناحية أخرى، هذا يعني أن المجتمعات الفلسطينية في هذه المناطق هي الأكثر ضعفا وتعتمد بالأساس على القرارات الإسرائيلية، ما يؤدي إلى عدم القدرة على إنتاج الطاقة النظيفة والمستدامة لأنه لا توجد سيادة فلسطينية على الموارد الطبيعية، وأي مشاريع منجزة ستكون عرضة لخطر الهدم.
في آب/ أغسطس من سنة 2019، مثلا، هدمت القوات الإسرائيلية جزءا من البنية التحتية المائية التي قامت ببنائها إحدى المنظمات العضوة في شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية في وادي الأردن، لكن هذه المنطقة عرضة للتقلبات وعمليات الهدم من قبل “إسرائيل”. وعلى هذا المنوال، فإنّ رفض “إسرائيل” منح التصاريح وبناء جدار فاصل، إضافة إلى القيود المفروضة على الأرض والمياه والخدمات الأساسية، يزيد من التحديات التي يجب على الفلسطينيين هناك مواجهتها.
لكن هذه الحوادث ليست غريبة، وهو ما أكده الدكتور ربيع من خلال قوله: “لقد اعتدنا على هذه المضاعفات”. مع ذلك، تظل شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية – أصدقاء الأرض فلسطين ثابتة في مواجهة هذه العقبات: “عندما اتخذنا هذا المسار، اعتمدنا على فكرة أن هذا هو حقنا لأننا جزء من الشعب الفلسطيني الذي لديه الحق في السيطرة على موارده وأراضيه. كل ما نفعله، مهما كان حجمه، يخدم هدف التركيز على الحقوق الفلسطينية”.
المصدر: أوبن ديموكراسي