رُفع الستار أخيرًا عن الحكومة الجديدة، بعد 70 يومًا من الانتظار، حيث أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس تعديلاً وزاريًا واسعًا بحكومة سعد الدين العثماني، يوم الأربعاء 9 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، لتضم بذلك 24 وزيرًا بما فيهم رئيس الحكومة، بعدما كان عدد أعضاء الحكومة السابقة يبلغ 39 وزيرًا، ما يعني أن 18 وجهًا قديمًا حافظوا على حقائبهم الوزارية وترك 4 منهم حقائبهم وتولوا حقائب أخرى، كما ضمت هذه التشكيلة الحكومية 6 وزراء جدد، فيما تم إلغاء 15 منصبًا وزاريًا.
تقليص حضور النساء وإلغاء وزارة الإعلام
في قاعة العرش بالقصر الملكي، استقبل الملك محمد السادس أعضاء الحكومة في صيغتها الجديدة، إذ حافظ أغلب الوزراء في الحكومة السابقة على حقائبهم أو استلموا حقائب جديدة، وتقلص حضور عدد النساء في الحكومة المعدلة إلى أربعة وزيرات بينما كان عددهن في الحكومة السابقة 8 وزيرات وكاتبات دولة، بينما تم إلغاء جميع حقائب كتاب الدولة في الحكومة الجديدة، ولأول مرة منذ استقلال المغرب تم الاستغناء عن وزارة الاتصال أو ما كان يعرف في السابق بوزارة الإعلام.
بلغ عدد “التكنوقراط” أو وزراء السيادة 8 وزراء داخل، فيما حافظ حزب العدالة والتنمية على 6 حقائب داخل الحكومة الجيدة بالإضافة إلى رئاسته لها، كما حافظ حزب التجمع الوطني للأحرار على 4 حقائب، وحافظ حزب الحركة الشعبية على حقيبتين، في حين اكتفى كل من حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاتحاد الدستوري على حقيبة يتيمة لكل واحد منهما.
مجلس وزاري لدراسة قانون المالية
كان الملك محمد السادس قد تعهد في خطابه للأمة بمناسبة الذكرى الـ20 لجلوسه على العرش بمرحلة جديدة للحد من التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية الصارخة في المملكة، عبر إجراء تعديل حكومي، عشية افتتاح السنة التشريعية في البرلمان خلال الجمعة الثانية من شهر أكتوبر/تشرين الأول.
يأتي هذا التعديل الحكومي بعدما أعلن الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير عن عدم قدرة النموذج التنموي على “تلبية الحاجيات المتزايدة لفئة من المواطنين، وعلى الحد من الفوارق الاجتماعية، ومن التفاوتات المجالية”، وجاء في الخطاب الملكي أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة ستعرف جيلاً جديدًا من المشاريع، ولكنها ستتطلب أيضًا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة، ونفى العاهل المغربي أن يعني هذا “عدم توافر الحكومة الحاليّة والمرافق العمومية على بعض الكفاءات”.
قبيل أيام قليلة من ولادة التشكيلة الحكومية الجديدة، قرر حزب التقدم والاشتراكية الانسحاب من حكومة سعد الدين العثماني
عقدت الحكومة في نسختها الجديدة مجلسًا وزاريًا برئاسة العاهل المغربي بشأن مشروع قانون المالية للسنة المقبلة وبعض القوانين المهمة، كما بحث المجلس إعادة توزيع مناصب المسؤولية بمؤسسات الدولة والمؤسسات العمومية، بينما يرتكز مشروع مالية 2020 على الشروع في التنزيل الفعلي للقانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين، إرساء آليات الحماية الاجتماعية ودعم الطبقة الوسطى وتعزيز استهداف الفئات المعوزة، فضلاً عن تسريع تنزيل الجهوية الموسعة باعتبارها رافدًا أساسيًا لمعالجة الفوارق المجالية وتحقيق التوازن المنشود بين المجهود التنموي العام وخصوصية كل جهة، وأخيرًا إعطاء دينامية جديدة للاستثمار ودعم المقاولة.
الإخوان والرفاق.. نهاية تحالف
قبيل أيام قليلة من ولادة التشكيلة الحكومية الجديدة، قرر حزب التقدم والاشتراكية الانسحاب من حكومة سعد الدين العثماني، يوم الثلاثاء فاتح أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، إذ أعلن المكتب السياسي لهذا الحزب ذي التوجه اليساري أن الأغلبية الحكومية الحاليّة، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة.
وسجل الحزب في بيان صدر عقب قرار الانسحاب أن “العلاقات بين مكونات الأغلبية الحكومية خيم عليها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسية مرفوضة، حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة الشعب المغربي”.
جاء هذا القرار بعد موافقة العاهل المغربي على مقترح رئيس الحكومية الذي يقضي بتقليص عدد الوزراء، بالتالي فقدان رفاق حزب التقدم والاشتراكية لوزارة واحدة، لتتبقى لهم وزارة يتيمة، وهو ما كان سيضع التنظيم السياسي في موقف حرج للغاية
قرار الحزب الشيوعي (سابقًا) أثار الكثير من ردود الفعل السياسية عن خلفيات إنهاء التحالف بين حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، وجاء هذا القرار بعد موافقة العاهل المغربي على مقترح رئيس الحكومية الذي يقضي بتقليص عدد الوزراء، بالتالي فقدان رفاق حزب التقدم والاشتراكية لوزارة واحدة، لتتبقى لهم وزارة يتيمة، وهو ما كان سيضع التنظيم السياسي في موقف حرج للغاية.
لكن النفي جاء سريعًا على لسان الأمين العام لـ”التقدم والاشتراكية”، محمد نبيل بنعبد الله حيث قال: “الحزب كان سيقبل البقاء في الحكومة بنصف حقيبة، لو كانت الحكومة تستحق، ولو كانت حكومة إصلاح وتوجهات قوية، قادرة على التغلب على خلافاتها الداخلية، ولم تدخل في خلافات وتطاحنات قبل انتخابات 2021”.
حرب انتخابية توشك أن تندلع
البنية الحاليّة للحكومة لن تصمد إلى غاية الدخول السياسي لسنة 2020 كأقصى تقدير، حسب بنعبد الله الذي تنبأ باندلاع حرب وتطاحنات انتخابية سوف تقيس مدى صمود وحدة صف الأغلبية الحكومية التي لن تترك مكانًا لحزب التقدم والاشتراكية، بالتالي جعلت من الضروري الانتقال إلى صف المعارضة، وهو القرار الذي حسم فيه برلمان “التقدم والاشتراكية” يوم الجمعة 4 من أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، بتصويت 235 عضوًا بالإيجاب من أصل 275 عضوًا.
العلاقة المتوترة التي تجمع بين نبيل بنعبد الله وسعد الدين العثماني، هي التي أدت إلى نهاية التحالف الاستثنائي بين حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية
عملية التصويت بشأن قرار الخروج من الحكومة عرفت جدلاً وخلافًا بين عدد من الأعضاء الذين اعترضوا على طريقة التصويت “غير الشفافة” التي لم تتم بالصناديق، وإنما بحمل الشارات، في وقت كان عدد كبير من الأعضاء خارج القاعة، حيث احتجوا خارج القاعة برمي شارات الاجتماع وغادروا القاعة، وسط فوضى وعراك بين المعترضين والموافقين على طريقة التصويت.
لا بد أن العلاقة المتوترة التي تجمع بين نبيل بنعبد الله وسعد الدين العثماني، هي التي أدت إلى نهاية التحالف الاستثنائي بين حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، عكس علاقة التوافق والانسجام التي جمعت بين هذين الحزبين من مرجعيتين متناقضتين عهد حكومة عبدالإله بنكيران، وفقًا لوجهة نظر المحلل السياسي عبد الله السحيمي، حيث أضاف أن علاقة بنعبد الله مع أحزاب الأغلبية يطبعها التوتر، خصوصًا حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التجمع الوطني للأحرار.
المحلل السياسي لفت كذلك إلى أن قرار التقدم والاشتراكية جاء بعد الاعتراض على استمرار أنس الدكالي في وزارة الصحة، ناهيك عن سحب حقيبة السكنى من الحزب، “الأمر الذي فجر غضب التقدم والاشتراكية”، وعلى هذا الحزب أن يراجع مشاركته في الحكومة لعشرين سنة منذ حكومة التناوب، ليقف عند النتائج التي حققها الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله، باعتباره مسؤولاً عن الحزب طيلة هذه الفترة، حسب ما خلص إليه السحيمي.
حكومة كفاءات أم “مكافآت”؟
الحكومة المعدّلة أثارت الكثير من موجات ردود الفعل الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع فيسبوك الأكثر شعبية في المغرب، إذ وصف المعلقون هذه التشكيلة الحكومية الجديدة بـ”حكومة المكافآت” عوض حكومة الكفاءات، في إشارة إلى أن تعيين الوزراء يستند بالضرورة إلى المحاباة وتغليب العلاقات الشخصية الضيقة ومكانة السياسيين داخل الأحزاب، فيما يتم تجاهل الكفاءات ولا تؤخذ بعين الاعتبار.
عقب نشر أسماء أعضاء الحكومة الجديدة، تفاعل نشطاء التواصل الاجتماعي مع هذا التعديل، وعمت السخرية جدران الفضاء الأزرق، معتبرين أن هذه التشكيلة لم تأت بتغيير ملحوظ، إذ احتفظت بأغلب الوجوه السابقة، بينما تساءل آخرون “أين هي الكفاءات” ويجيب أحد المتفاعلين ساخرًا “الكفاءة في القلب على وزن الإسلام في القلب”، وعلقت إحداهن ساخرة بأن “75% من أعضاء الحكومة الجديدة كفاءات قديمة والـ25% المتبقية كفاءات جديدة”، بينما انتبه آخرون إلى حضور النساء المستوزرات في الصورة التي التقطت لأعضاء الحكومة، حيت تتوارى الوزيرات الأربعة عن الأنظار في الصف الأخير خلف الرجال.