يترقّب الوسط السعودي الإعلان رسميًا عن طرح أسهم أكبر شركات النفط في العالم، شركة أرامكو، للاكتتاب العام، في خطوة يعول عليها الكثيرون في إخراج اقتصاد المملكة من مأزقه الراهن الذي يقبع فيه خلال السنوات الخمسة الأخيرة على وجه التحديد.
تحت عنوان “أكبر اكتتاب عام في العالم يختبر إيمان السعوديين بولي عهدهم” كشفت الكاتبة الصحفية دونا أبو نصر في مقالها المنشور على شبكة “بلومبيرج” الأمريكية، كواليس هذه الخطوة التي تقول إنها تعاني من حالة انقسام واضحة في الرؤى لدى الشارع السعودي.
التعاطي مع هذا الملف يعد اختبارًا صعبًا ربما يواجهه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لا سيما فيما يتعلق بمصداقيته وثقة الشعب السعودي في إدارته للبلاد خلال السنوات الأخيرة، وفق ما ذهبت أبو نصر، كاشفة مساعي حثيثة تبذلها السلطات السعودية لتمرير هذه الخطوة مهما كان الثمن في ظل تصاعد الأصوات المعارضة لها.
المقال وإن كشف أن عملية الطرح ستكون بنهاية الأسبوع الحاليّ إلا أن رئيس مجلس إدارة الشركة ياسر الرميان أوضح أن الطرح الأولي “قريب جدًا جدًا” دون الإشارة إلى موعد محدد، وهو ما يضفي المزيد من الغموض على العملية التي كان مقررًا لها قبل 3 سنوات تقريبًا إلا أن أُجلت لأسباب عدة.
الصفقة في مأزق
مع مرور الوقت تبرز أهمية صفقة أرامكو كخيار لا بديل عنه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وكلما مر الوقت ازداد الوضع تأزمًا، وهو ما تخشاه المملكة مع كل مرة يتم تأجيل عملية الطرح فيها لأسباب بعضها خارج عن الإرادة، فالصفقة من المتوقع أن تدر حجم سيولة كبير يقدر بنحو 100 مليار دولار حسب الأرقام الرسمية، وهو الرقم الذي ربما يمثل عنصرًا حيويًا في ظل عجز الموازنة العامة الذي بلغ عامه الخامس وتراجع أسعار النفط المصدر الرئيسي للإيرادات العامة.
أسباب أخرى وراء أهمية الصفقة كونها ستكون صفحة جديدة لجذب استثمارات أجنبية ضخمة للسوق المحلية، والترويج لصورة المملكة في الخارج التي تضررت كثيرًا بسبب زيادة المخاطر الناجمة عن حرب اليمن، وأزمة الصحفي جمال خاشقجي والانتهاكات الحقوقية الممارسة على أكثر من مستوى، داخلي وخارجي.
وكانت الحكومة قد أعلنت أول الأمر عن موعد الطرح البالغ قيمته 5% من أسهم الشركة، بداية 2016 حين تم إطلاق رؤية ولي العهد 2030، إلا أن العديد من المستجدات الطارئة دفعت الرياض إلى تأجيل عملية الطرح الأولي، منها مقتل خاشقجي وتذبذب أسعار النفط وصولاً إلى استهداف معملي للشركة أسهما في خفض إنتاجها للنصف وهو ما كان له أثر سيء على سمعتها وقيمتها السوقية.
الهجوم الأخير الذي تعرضت له الشركة أحدث حالة من الارتباك أمام صانع القرار السعودي، خاصة بعد الخسائر التي تكبدتها إمبراطورية النفط في العالم، التي قدّرت وفق بعض الإحصاءات بنحو ملياري دولار، إذ انخفض الإنتاج بما يعادل 660 ألف برميل يوميًا، في حين رفعت مصادر أخرى الرقم إلى 1.3 مليون برميل، كذلك خفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية تصنيف أرامكو درجة واحدة إلى A، بعد أيام من خفض تصنيفها للمملكة.
مأزق كبير باتت فيه الشركة السعودية، فالتراجع عن الطرح هذه المرة سيضرب الثقة بمصداقية القرار السعودي في مقتل، وفي المقابل فإن المضي قدمًا في إتمام الصفقة وفق وضعيتها الحاليّة، سيكبد المملكة خسائر ضخمة
تلك المستجدات دفعت بنوك الاستثمار العالمية للضغط على السعودية لخفض القيمة السوقية للشركة من تريليوني دولار إلى 1.5 تريليون دولار فقط، أي أقل بنسبة 25% من التقييم الذي توقعه ولي العهد، وهو ما يفقدها 500 مليار دولار مرة واحدة بسبب الحادث الأخير الذي لم يعرف أحد مرتكبيه حتى الآن.
وتراجعت الرياض عن الحديث عن طرح أولي بقيمة 5% من أسهم الشركة إلى نسبة تتراوح بين 1 و2% يجري طرحها في البورصة السعودية، كما يجري الحديث عن ضغوط تمارسها السلطات على أعضاء الأسرة الحاكمة وكبار رجال الأعمال لتغطية الطرح المحلي للأسهم، على أن يتبع ذلك طرح دولي، قد يكون في طوكيو، بحلول عام 2020 أو 2021، وفق ما ذهبت بعض المصادر الإعلامية.
مأزق كبير باتت فيه الشركة السعودية، فالتراجع عن الطرح هذه المرة سيضرب الثقة بمصداقية القرار السعودي في مقتل، وفي المقابل فإن المضي قدمًا في إتمام الصفقة وفق وضعيتها الحاليّة، سيكبد المملكة خسائر ضخمة نظرًا لتراجع القيمة السوقية للأسهم بعد التفجيرات الأخيرة، وعليه فإن الاقتصاد السعودي سيكون الخاسر الأكبر في كلتا الحالتين.
انقسام في الآراء
أفاد تقرير “بلومبيرغ” بأن السعوديين منقسمون بشأن عملية بيع أسهم أرامكو، بين من يرى فيها ولاء للحاكم و”مسؤولية وطنية”، ومن اعتبر أنها لن تكون جذابة للمستثمرين المحليين، حيث نقلت أبو نصر عن رجل أعمال سعودي (اشترط عدم ذكر اسمه) أنه لا يزال هناك نوع من عدم اليقين بشأن الجاذبية المالية للمستثمرين المحليين، حتى بعد إعلان الشركة عزمها دفع 75 مليار دولار من أرباح الأسهم العام المقبل.
كذلك نُقل عن مستشار استثمار في السعودية (اشترط عدم ذكر اسمه) قوله إن التقييم “العملاق” لشركة أرامكو في ظل انخفاض أسعار النفط يجعل العرض غير جذاب، موضحًا أن إمبراطور النفط في المملكة تمثل دعمًا لخطة ولي العهد السعودي للإصلاح الاقتصادي التي دخلت عامها الرابع.
كشف تقرير بلومبيرج النقاب عن استهداف المعارضين لعملية البيع والزج بهم في السجون دون تهم محددة، فيما ذهب البعض إلى أن السلطات السعودية باتت تعتبر الاقتراحات التي تقول إن تقييم الشركة لن يصل إلى تريليوني دولار بمثابة معارضة لولي العهد محمد بن سلمان
التقرير استعرض آراء عدد من أنصار الفريقين، المؤيد لعملية الطرح والمعارض لها، حيث ذهب الفريق الداعم لهذه الخطوة بأنهم ينتظرون الحصول على حصة في أرامكو، معتبرين أن الاستثمار في هذه الشركة “غير عشوائي” بالنظر إلى تاريخها، لافتين إلى أن الاكتتاب العام الأولي في تلك الشركة تعبير عن الولاء للقيادة، ولحظة تاريخية لامتلاك أسهم في مؤسسة عالمية.
وفي الجهة الأخرى كشف التقرير النقاب عن استهداف المعارضين لعملية البيع، والزج بهم في السجون دون تهم محددة، فيما ذهب البعض إلى أن السلطات السعودية باتت تعتبر الاقتراحات التي تقول إن تقييم الشركة لن يصل إلى تريليوني دولار بمثابة معارضة لولي العهد محمد بن سلمان، الذي تحدث عن هذا الأمر في مقابلات عديدة.
تأخير طرح أرامكو للاكتتاب يضع رؤية 2030 على المحك
الكاتبة ذكرت كذلك أن هناك ضغوطًا تمارس على بعض السعوديين للاستثمار في الشركة، موضحة أن رجل الأعمال السعودي عصام الزامل، سجن في سبتمبر/أيلول 2017، بعد أشهر من نشره تحليلات نقدية لسياسات الحكومة الاقتصادية على وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك العرض العام الأولي لشركة أرامكو.
ونشر الزامل سلسلة من التغريدات التي تم حذفها لاحقًا، قال فيها إن من المستحيل وصول تقييم أرامكو لنحو اثنين أو ثلاثة تريليونات دولار دون تضمين “حتى حقوق النفط تحت الأرض”، كما عارض الزامل هذه الفكرة قائلا إن النفط كان “ملكًا للشعب”، منوهة إلى رجل أعمال آخر (جميل فارسي) تم اعتقاله بسبب مناشدته عدم البيع في اجتماع لغرفة التجارة بجدة.
وفي المجمل تبقى العقبات أمام طرح أسهم الشركة للبيع قائمة رغم التصريحات الصادرة بشأن قرب إعلان هذه الخطوة خلال أيام، وهو ما يعني استمرار نزيف خسائر الاقتصاد السعودي، سواء تم البيع أم التأجيل، خياران أحلاهما مر، لكن هذه المرة سيكون أكثر مرارة.