“لقد جعلوني عديم الجنسية بين ليلة وضحاها، كل ما أفكر فيه الآن هو المغادرة، أريد الهروب من هنا لأن الوضع بدأ يشبه الديكتاتورية”.. بهذه الكلمات عبر رجل الأعمال “فيصل” الكويتي ( سابقا) عن صدمته من القرار المفاجئ بسحب الجنسية منه، حين صادرت السلطات الكويتية جواز سفره أثناء دخوله مطار الكويت الدولي، نهاية العام الماضي.
لم يكن فيصل هو الكويتي الوحيد الذي سُحبت منه الجنسية، إذ بات واحدًا من بين 42 ألف كويتي تم سحب جنسيتهم خلال الأشهر الستة الأخيرة فقط، يمثلون نحو 3% من إجمالي سكان دولة الكويت البالغ عددهم 1.5 مليون شخص، من بينهم شخصيات معروفة للجميع على رأسهم المغنية نوال الكويتية، والممثل داوود حسين، والإعلامية والمدوّنة المصرية-الكويتية نهى نبيل.
وتشن السلطات الكويتية حملة موسعة تستهدف تدقيق أوضاع الآلاف من حَمَلَة الجنسية الكويتية وسحبها ممن تقول السلطات إنّهم حاصلون عليها بطرق غير نظامية، وذلك منذ التعديلات التي أدخلتها على قانون الجنسية، أيلول/سبتمبر الماضي، والتي ألغت العديد من الحالات التي يتم فيها اكتساب الجنسية بالتبعية.
الحملة أثارت الكثير من الجدل داخل الشارع الكويتي بين من يراها خطوة تأخرت كثيرًا لإعادة الكويت التي كانت مختطفة من جنسيات أخرى بحسب تصريحات وزير الداخلية، فهد اليوسف الصباح، وأخرون يرونها نسفا للحقوق، وخرقا للتماسك المجتمعي، وانقلابا على الديمقراطية المزعومة، ومحاولة لتبرير الركود والأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
تعديلات قانون الجنسية
كان مجلس الوزراء الكويتي – البرلمان مُعطل بأمر أميري- أقر في أيلول/سبتمبر الماضي تعديلات جديدة بشأن أحكام المرسوم الأميري رقم 15 لسنة 1959 لقانون الجنسية الكويتية، كان أبرزها أن الأجنبي المجنس لا تصبح زوجته كويتية، فيما يعتبر أولاده القصّر كويتيين، ولهم أن يقرروا اختيار جنسيتهم الأصلية خلال السنة التالية لبلوغهم سن الرشد، كذلك لا يترتب على زواج المرأة الأجنبية من الكويتي أن تصبح كويتية.
حددت التعديلات خمس حالات لسحب الجنسية الكويتية، أولها: إذا ثبت أن الحصول على الجنسية تم بطرق الغش أو التزوير أو بناءً على أقوال كاذبة، وفي هذه الحالة تُسحب الجنسية أيضًا ممن اكتسبها بالتبعية.
أما الحالة الثانية، فتشمل من صدر بحقه حكم قضائي نهائي، بعد منحه الجنسية، في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة، أو في جرائم تمس أمن الدولة الداخلي أو الخارجي، إضافةً إلى الجرائم المتعلقة بالمساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية.
الحالة الثالثة، إذا فُصل تأديبيًّا من وظيفته الحكومية، لأسباب تتصل بالشرف أو الأمانة خلال عشر سنوات من منحه الجنسية الكويتية، وإذا استدعت مصلحةُ الدولة العليا أو أمنها الخارجي ذلك، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية.
وأخيرًا إذا توافرت الدلائل لدى الجهات المختصة على قيامه بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد أو على انتمائه إلى هيئة سياسية أجنبية، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون اكتسبها معه بطريق التبعية أيضًا.
تعديل قانون الجنسية في #الكويت:
سحب الجنسية الكويتية من الكويتي إذا حكم عليه في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو مساس بأمن الدولة أو الذات الإلهية.
— أخبار السعودية (@SaudiNews50) December 24, 2024
وعن وضعية القاصر من أم كويتية مطلقة، نصت التعديلات على أنه يجوز بقرار من وزير الداخلية معاملةُ القاصر المولود من أم كويتية بصفة أصلية، المحافظ على الإقامة فيها إذا كان أبوه الأجنبي أسيرًا أو طلق أمه طلاقًا بائنًا أو توفي عنها، معاملة الكويتيين لحين بلوغه سن الرشد.
ومنحت تلك التعديلات السلطات الكويتية حق استرداد جميع ما صرف ومنح من مزايا لمن تُسحب جنسيته بسبب حصوله عليها عن طريق الغش، فضلاً عن حرمان من تُسحب جنسيته بسبب حصوله على جنسية دولة أخرى من جميع المزايا والحقوق التي كان يتمتع بها بصفته كويتي، وفق ما جاء في تعديل المادة (16) من القانون.
وشدد القانون على أن سحب الجنسية الناتج عن أسباب مرتبطة بمصلحة الدولة العليا أو بأمنها الخارجي، وفي حالات أخرى مرتبطة بارتكابهم أفعالاً تخدش ولاءهم للكويت وأخرى تمثل جريمة مخلة بالشرف، يترتب عليه سحب جميع الامتيازات التي كانت ممنوحة، أما في حال كان السحب لأسباب أخرى خلاف ما تقدم، يجوز بقرار من مجلس الوزراء إبقاء بعض هذه الحقوق والمزايا وفقاً لما يراه محققا للمصلحة العامة، وعلى أن يُحدد هذا القرار تلك المزايا والحقوق وشروط ومدة الاحتفاظ بها.
عودة الكويت المُختطفة
في تبريره لتلك الحملة، قال النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الكويتي الشيخ فهد اليوسف الصباح بأنه تم تكليفه بملف الجنسية الكويتية من قبل أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
وأضاف في مقابلة له مع قناة “الرأي” الكويتية، أن الدافع الرئيسي وراء تلك الخطوة يكمن في أن الكويت “كانت مختطفة من قِبَل جنسيات مختلفة” على حد تعبيره، معتذراً عن ذكر هذه الجنسيات.
وأضاف الصباح أن الحكومة في السابق كانت تحاول تشكيل لجان لبحث ملف الهوية الوطنية، لكن مجلس الأمة (البرلمان) كان يرفض، مؤكدًا أنه تم سحب الجنسية من أشخاص يحرّضون على الكويت.
وتابع “توجد جنسيات دخيلة على مجتمع الكويت في حياتها الاجتماعية في لغتها وفي طبعها، وهذا أدى إلى خلط في الأنساب، ومستمر منذ 40 أو 50 سنة”.
الشيخ فهد اليوسف: شنو العمل الجليل اللي قاموا فيه فنانين؟
برنامج #مسرح_الحياة مع #علي_العلياني @Ali_Alalyani
تابعونا على #ROD
البرنامج برعاية:
صناعات الغانم @ZainKuwait @royalpharmacykw
@atyabalmarshoud
@VisitQatar
#رمضان2025 #الراي_قمرنا pic.twitter.com/MwTGsApbmN— الراي (@AlraiMediaGroup) March 1, 2025
وألمح وزير الداخلية الكويتي إلى أن “بعض الأشخاص حصلوا على الجنسية الكويتية تحت مسمى (الأعمال الجليلة)، لكنها في الحقيقة كانت مصالح شخصية لمسؤولين وأعضاء بمجلس الأمة، وسيتم إسقاط الجنسية عنهم خلال مراجعتنا ملف الأعمال الجليلة”.
وتعليقاً على سحب الجنسية الكويتية من عدد من الفنانين والإعلاميين المعروفين، تساءل : “ماذا قدموا للكويت؟”، لافتاً إلى أن معظمهم لديهم جنسيات أخرى، وهو ما اعتبره أمر مخالف للدستور الكويتي الذي يمنع ازدواجية الجنسية.
أما عن مصير أبناء الكويتيات وزوجات الكويتي المسحوب منهن الجنسية، فأكد الوزير أن الأبناء سيحصلون على إقامة تصل إلى 15 سنة قابلة للتجديد، فيما ستحصل زوجة الكويتي على امتيازات، شريطة أن يكون ملفها الأمني نظيفاً، وأن تحافظ على هذا الملف دون مخالفات جسيمة يعاقب عليها القانون.
واختتم وزير الداخلية الكويتي حديثه بالهجوم على المواطنين الكويتيين المقيمين بالخارج، ممن اتهمهم بمهاجمة رموز الدولة، لافتا بأنهم لا يستحقون الحصول على الجنسية ولابد من سحبها منهم، فيما ألمح في المقابل إلى أن مجلس الأمة في الفترة المقبلة يشهد تركيبة مختلفة في الأربع أعوام المقبلة.
تكميم الأفواه
استنادا لتصريحات وزير الداخلية بأن من يهاجمون رموز الكويت لا يستحقون جنسيتها، أبدى كثيرون تخوفهم من تحويل الجنسية كسلاح وورقة ضغط لتكميم الأفواه، وأن يخضع المعارضون لابتزاز سياسي واضح، إما الصمت والكف عن الهجوم والانتقادات الموجهة للدولة وأجهزتها وسلطتها أو التجريد من الجنسية.
وهذا ما تخوفت منه أَيضًا الباحثة المقيمة في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، كريستين سميث ديوان، التي قالت في حديثها لصحيفة “فاينانشال تايمز” إنه : “في السابق، كان الكويتيون يتسابقون للدفاع عن مؤسساتهم الديمقراطية، وكانت القوى الخارجية تتدخل لدعمهم، لكن اليوم يشعر الكويتيون بالخوف بسبب إلغاء الجنسية، فيما تقف الولايات المتحدة صامتة”.
وأضافت “رغم أن الحصول على الجنسية يعد حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، إلا أنه لا يبدو أن هناك “رغبة دولية” في تحدي الكويت بشأن هذه الإجراءات”.
وكانت الكويت توصف قبل سنوات بأنها الدولة الخليجية الأكثر انحيازًا للديمقراطية وذات المعارضة الأشرس والأقوى أنيابًا في مواجهة السلطة، غير أن الوضع تغير كثيرًا خلال الفترة الماضية، حين أقدم أميرها مشعل الأحمد الجابر الصباح بتعليق البرلمان المنتخب وبعض مواد الدستور لمدة أربعة أيام، بجانب تعليق الانتخابات الطلابية ومجالس التعاونيات والمحليات، بزعم أنه لن يسمح للديمقراطية بـ”أن تُستغل لتدمير الدولة” على حد قوله.
سحب الجنسية الكويتية من الاعلامية المصرية (داليا بدران) التي اثارت الجدل بعد اتهامها في قضية الاساءة الى الكويت والقوات المسلحة pic.twitter.com/MOawKKgffT
— شبكة الكويت (@NetworkKw) January 9, 2025
تجاوز للخطوط الحمراء.. أشبه بمخطط ترامب
من المؤشرات التي تكشف حجم التناقض بين المبررات التي ساقها وزير الداخلية للإقدام على تلك الخطوة وبين المُنفذ على أرض الواقع، أن ثلثي من سٌحبت منهم الجنسية هن نساء تخلين عن جنسياتهن السابقة للحصول على الجنسية الكويتية بعد مرور عقد كامل على زواجهن من مواطنين كويتيين، وهو ما أثار حفيظة الكثير من المواطنين والساسة.
هذا التناقض الذي يلقي بظلاله القاتمة على التماسك المجتمعي الكويتي دفع أحد النواب لتوجيه رسالة تحذير للحكومة قائلا : “لقد تجاوزتم الخط الأحمر عندما دخلتم كل بيت في الكويت”.
فيما علق الأكاديمي الكويتي بدر السيف، الأستاذ المساعد في جامعة الكويت: بقوله “لقد تعرض التماسك الاجتماعي لضغط كبير خلال الأشهر القليلة الماضية”، وأضاف: “إرثنا كدولة كان دائمًا عن الترحيب بالناس”.
انخفاض مؤشرات #بورصة_الكويت واستمرار الضغوط البيعية..
تفاصيل أكثر مع مراسلنا عايد العنزي وقراءة تحليلية من أستاذ الاقتصاد عبد المحسن المطيري و المدير التنفيذي لشركة المناخ للاستثمارات علي العنزي#الكويت #المؤشر #السوق_الكويتي #قناة_الأخبار
رابط البرنامج:… pic.twitter.com/zJRSYaeV02
— قناة الأخبار (@newsktv) March 9, 2025
الحملة أحدثت كذلك حالة ارتباك كبيرة داخل المجتمع الكويتي على كافة المستويات، ووضعت عشرات الآلاف من المواطنين ومصالحهم في فوضى عارمة، فبحسب التعديلات فإن الأشخاص المجردين من الجنسية لا يمكنهم امتلاك العقارات أو أن يكونوا أصحاب أعمال رئيسيين، كما أن رخص القيادة الخاصة بهم أصبحت غير صالحة.
وشبه البعض هذا التوجه الأميري بتجريد عشرات الآلاف من الكويتيين من جنسياتهم بمخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامي إلى طرد ملايين المهاجرين غير الشرعيين من الولايات المتحدة، إذ طالب أحدهم –بشكل ساخر- الأمريكان بالاستعانة بالتجربة الكويتية في التخلص من مواطنيها.
فيما نقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤول حكومي كويتي سابق: “الطريقة التي يتم بها تحميل الكويتيين المجنسين المسؤولية هنا تشبه إلى حد كبير الحجج التي نسمعها في أوروبا، لكن الفرق أنهم مواطنون حقيقيون، وليسوا لاجئين”.
صرف الانتباه عن الركود الاقتصادي
وذهب أخرون إلى أن مثل تلك التحركات المتوقع أن تثير الجدل داخل الشارع الكويتي وتستحوذ على نصيب كبير من خارطة اهتماماته، تهدف في المقام الأول لصرف الانتباه عن الركود الاقتصادي الذي تعاني منه البلاد، ووصل إلى مستويات خطيرة، ومن الصعب إصلاحه في الوقت الراهن خاصة وأن 80٪ من ميزانية الدولة تذهب إلى الرعاية الاجتماعية والقطاع العام، مما يترك القليل للاستثمار في البنية التحتية أو المشاريع الكبرى.
وكانت الحكومة حذرت في برنامج لها من أن البلد الغني بالنفط سيواجه “تحديا استثنائيًا خطيرًا” في ظل تذبذب أسعار النفط واعتماد المالية العامة عليه كمصدر وحيد للدخل.
وتشكل إيرادات النفط حاليًا 90% من ميزانية الدولة، وهو ما يدفعها لتنويع اقتصادها وتقليل الاعتماد على المورد النفطي الوحيد، وإلا سيهدد هذا التحدي قدرات الكويت على الاستمرار في توفير الحياة الكريمة للمواطنين واحتياجاتهم الأساسية ويهدد أيضا بعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات المحلية والدولية.
وأمام المطالب التي تنادي بإعادة النظر في خارطة الأجور والرواتب والتململ من الارتفاعات المتتالية في أسعار السلع والخدمات وتراجع حجم المشروعات البنيوية والخدمية، والحديث بين الحين والأخر عن ضرورة التكويت والتخلص من العمالة الأجنبية داخل الدولة، كان لابد من اختلاق أزمة داخلية تصرف الأنظار وتغض الطرف عن هذا الركود الذي بات كابوسًا يؤرق مضاجع الحكومة والمواطنين في آن واحد، هكذا يرى المعارضون لتعديلات قانون الجنسية.