ترجمة وتحرير: نون بوست
بين جولتين من الانتخابات الرئاسية، دُعي سبعة ملايين تونسي في السادس من تشرين الأول/أكتوبر لاختيار 217 ممثلاً عن برلمانهم، وهي الانتخابات البرلمانية الثانية منذ اعتماد الدستور التونسي سنة 2014. حيال هذا الشأن، أتيحت لي الفرصة لأكون مراقبة دولية للانتخابات برفقة المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني في مهمة دولية مشتركة لمراقبة الانتخابات.
دعم الديمقراطية
عُيّنت في مدينة زغوان، وهي مركز ولاية زغوان أين كانت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية أقل من نسبة الانتخابات الرئاسية التي قاربت 50 بالمئة. وقدرت نسبة المشاركة بحوالي 41.3 في المئة على المستوى الوطني، بينما بلغت 41 في المئة في زغوان.
عدّل التونسيون القيم الديمقراطية واعتمدوها واكتسبوها، وأصبح التصويت في كنف الشفافية عادة لديهم
يوضح المراقبون أن هذا المعدل لا يزال متواضعًا نظرًا لأهمية القضايا السياسية. وعلى الرغم من أن التونسيين يشعرون بخيبة أمل عميقة من جراء النتائج الاجتماعية والاقتصادية التي جلبها الانتقال الديمقراطي، إلا أن دعمهم للديمقراطية لا يعوقه شيء. بعد ثمان سنوات فقط من الثورة، أصبح التثاقف الديمقراطي في هذا البلد الصغير الواقع في شمال إفريقيا حقيقة واقعة.
في هذا السياق، عدّل التونسيون القيم الديمقراطية واعتمدوها واكتسبوها، وأصبح التصويت في كنف الشفافية عادة لديهم. على الرغم من انخفاض نسبة المشاركة في هذه الانتخابات التشريعية، أظهر التونسيون التزامهم بالممارسات والعمليات الديمقراطية.
حسب ما تبين من قبل جميع وكلاء قائمة المرشحين والمراقبين المحليين وممثلي وسائل الإعلام الذين قابلتُهم خلال يوم الانتخابات، كان المواطنون منخرطين بشدة في هذا العرس الديمقراطي. ووفقًا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فقد اعتمدت هذه الهيئة حوالي 700 مراقب دولي و17 ألف مراقب محلي و95 ألف وكيل قائمة المرشحين في جميع أنحاء البلاد.
داخل زغوان
على الرغم من أنني لاحظت بعض التجاوزات البسيطة والمتفرقة، إلا أنني أُعجِبت بالاحترام الذي أظهره طاقم الموظفين، فضلا عن معرفتهم وكفاءتهم المهنية. في زغوان، اتسمت الانتخابات بحسن الإدارة وأُجرت في بيئة هادئة ومتناسقة كما تماشت مع الأنظمة المعمول بها.
وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء، انخفض معدل البطالة بشكل كبير في المنطقة، حيث انخفض من 20 في المئة في سنة 2004 إلى 9 في المئة في سنة 2018
تقع زغوان في شمال تونس، على بعد حوالي 60 كم جنوب العاصمة، ويبلغ عدد سكانها 28150 نسمة. في حين أن هذه الولاية تمثل إحدى أقل الولايات المأهولة بالسكان في تونس، فهي تمثل أيضا أكثر المدن تعليما حيث بلغ معدل الالتحاق بالمدارس 95 في المئة في سنة 2017. علاوة على ذلك، تبلغ مساحة المنطقة الزراعية في هذه الجهة حوالي 282 ألف هكتار. وعلى ذلك، يعتمد الاقتصاد المحلي على الزراعة التي تستوعب حوالي 13 في المئة من القوى العاملة.
يقترب معدل الفقر في محافظة زغوان من متوسط إقليمي قدره 20 في المئة، مع وجود اختلافات ملحوظة بين مختلف المجموعات الشبه إقليمية مثل الصواف والناظور. بلغ معدل الفقر في هذه المناطق 26 في المئة و29 في المئة على التوالي مقابل 13 في المئة و18 في المئة في زغوان والزريبة.
وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء، انخفض معدل البطالة بشكل كبير في المنطقة، حيث انخفض من 20 في المئة في سنة 2004 إلى 9 في المئة في سنة 2018. ويعود الفضل أساسًا إلى تطوير منطقة صناعية تضمنت حتى تشرين الثاني/نوفمبر لسنة 2017 حوالي 288 شركة.
نظرا لهذا الوضع الاقتصادي الأفضل نسبياً، شهدت المحافظة اضطرابات واحتجاجات أقل من المحافظات التونسية الأخرى. في حين أن سكان زغوان انضموا في 2017 إلى الاحتجاجات تضامناً مع متظاهري منطقة الكامور، الذين احتلوا منشأة للنفط والغاز في جنوب تونس بهدف الشكوى من التهميش الذي تتعرض له منطقتهم فضلا عن نقص المشاريع التنموية. ومع ذلك، لم ينضموا إلى الاحتجاجات الوطنية في سنوات 2016 أو 2018 التي تمحورت حول قطاعَي الصحة والتعليم.
في زغوان، اتسمت الانتخابات بحسن الإدارة وأُجرت في بيئة هادئة ومتناسقة.
وفقًا للمقابلات التي أجريت مع السلطات المحلية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في اليوم الذي سبق الانتخابات، كان هناك 137 مركز اقتراع و257 مكتب اقتراع مخصص لمجموع 118219 ناخب. بالنسبة للفوز بخمسة مقاعد في البرلمان، كان هناك 53 قائمة تضم 27 قائمة مستقلة مقابل 21 من قوائم الأحزاب.
حيال هذا الشأن، لم تتمكن أي قائمة من الوصول إلى الحصة الانتخابية المقررة التي تبلغ حوالي 9800 صوت. وبالتالي، وزعت المقاعد الخمسة على القائمة التي حصلت على أعلى الدرجات. تصدر حزب النهضة الإسلامي المعتدل لراشد الغنوشي الأرقام بحوالي 6304 صوت، يليه حزب قلب تونس لنبيل القروي بـحوالي 4873 صوت، تلاه حزب نداء تونس العلماني بـما بلغ 2227 صوت، والحزب الدستوري الحر بـواقع 2،012 صوت وأخيرا القائمة المستقلة “الخير” بأغلبية 1788 صوت.
لا انتهاكات
قبل يوم الانتخابات، كان الوضع العام في زغوان هادئا، باستثناء بعض الحملات الانتخابية عن طريق ملصقات للمرشحين على بعض جدران محيط مراكز الاقتراع. في الواقع، هذا غير مسموح به من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لأن هذه الأخيرة تنص على فترة صمت انتخابي لمدة 24 ساعة. خلافا ذلك، لم يُسجل أي انتهاك، بينما تلقت مراكز الاقتراع جميع المواد الخاصة بالانتخابات والتي كان يحرسها أفراد عسكريون ينامون في المراكز وكانت المفاتيح مع رؤساء مراكز اقتراع.
صبيحة يوم الانتخابات، وصلتُ إلى مركز الاقتراع الأول على الساعة السابعة وربع صباحًا وتابعت الافتتاح الذي بدأ على الساعة الثامنة. راقبت تسع مراكز اقتراع متواجدة في مدينة زغوان وحمام الزريبة وقرية الزريبة وجبل الوسط، وأمضيت في كل واحدة منها من 30 إلى 45 دقيقة. كانت جميع مراكز الاقتراع التي قمنا بزيارتها مؤمنة من قبل الجيش أو الشرطة الذين تمركزوا في الخارج كما ينص القانون. وكان الوضع هادئا، إذ يمكنك أن تشعر أن مسؤولي الاقتراع كانوا في غاية التركيز.
في حقيقة الأمر، كانت كفاءتهم المهنية ومستوى معرفتهم للإجراءات مرتفعًا. فكل شيء كان منظمًا بشكل دقيق للغاية: يقع التحقق من هوية الناخب واسمه بشكل منهجي في السجل الذي سيوقعه، ثم ختم ورقة الاقتراع أمام الناخب في أركانها الأربعة، وأخيرا يغمس الناخب سبابة يده اليسرى في الحبر. إضافة إلى ذلك، حرص المسؤولون على منع إدخال الهواتف إلى مراكز الاقتراع حسب ما ينصه القانون. في الإجمال، اتصفت العملية بالشفافية في جميع مراكز الاقتراع التي قمت بزيارتها وعلى مدار اليوم.
يوجد ثلاثة مسؤولي اقتراع ورئيس واحد وعدة مساعدين في كل مركز. وقد لاحظت أن غالبية مسؤولي الاقتراع كانوا من النساء مقارنة بالناخبين الذين كان معظمهم رجالا. من جهة أخرى، كان المواطنون المعتمدون والمراقبون المحليون والدوليون حاضرين، وقد رحبوا بي ترحيبا حارا مرات عديدة لأنني كنت “الشقيقة الجزائرية”
على الرغم من تدني نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، فقد أظهر التونسيون التزامهم بالممارسات والعمليات الديمقراطية.
بعد ذلك، عُرضت جميع المواد بحذر، بما في ذلك سجلات الناخبين وأوراق الاقتراع وصناديق الاقتراع والخلوة والطوابع والحبر. في الأثناء، لم يقع أي انتهاك خطير باستثناء بعض القضايا البسيطة التي لاحظتها طوال اليوم، مثل عدم وجود قوائم الناخبين أمام كل مركز اقتراع وعدم إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة أو الذين يعانون من مشاكل في التنقل إلى مراكز الاقتراع.
القيم الديمقراطية
لا شك في وجود بعض الالتباس بين كبار السن أو الأشخاص الذين لم يكونوا على دراية بما يجب فعله، بينما أصرت بعض النساء على أن يرافقهن أزواجهن إثر الإدلاء بأصواتهن. وعندما شرح لهم مسؤولو الاقتراع القواعد، التزم بها الناخبون. حتى الأطفال الصغار لم يُسمح لهم بالدخول مع والديهم، بل ظلوا بجانب مسؤول مركز الاقتراع الذي لبّى طلباتهم بغمس أصابعهم في الحبر. والجدير بالذكر أن عمليات التصويت الجماعية أو التصويت بالوكالة لم تعد مسموحة.
بعد ثمان سنوات فقط من الثورة، بدى على التونسيون أنهم تعلموا القيم الديمقراطية وأعادوا صياغتها
في نفس السياق، أوضحت موظفة تونسية في وزارة المالية ذات ال 48 عامًا:” الأمور مختلفة اليوم في تونس. اسمحوا لي أن أروي لكم قصة. تزوجت عام 1995، وعندما تحولت من العاصمة تونس إلى زغوان، لم أقم بتغيير إقامتي أبدا طوال تلك السنوات. وإلى حدود عام 2009، كانت والدتي تتصل بي في كل انتخابات للقول إنها صوتت بالنيابة عني باستخدام بطاقتي الشخصية. هل يمكنك تخيل ذلك؟ اليوم، هذه الأنواع من الممارسات غير مقبولة. إذ أصبحت القواعد تُحترم، وأصبح التونسيون أكثر وعيا”.
بعد ثمان سنوات فقط من الثورة، بدى على التونسيون أنهم تعلموا القيم الديمقراطية وأعادوا صياغتها. إذ صاروا يعملون بنشاط على تحسين جودة العملية الانتخابية وتعزيز ثقة المواطن في الانتخابات. بناء على ذلك، يجب أن يكون نموذجهم مصدر إلهام للعديد من بلدان المنطقة وخاصة لبلدان شمال إفريقيا المجاورة.
المصدر: ميدل إيست آي