حزم الإصلاحات التي تعهد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي بتنفيذها، وتشمل توظيف عشرات الآلاف من الشباب العراقي وتوزيع أراضٍ سكنية وتقديم رواتب الرعاية الاجتماعية لآلاف الأسر الجديدة، جاءت عقب احتجاجات شعبية حاشدة عمت بغداد ومحافظات في الوسط والجنوب العراقي وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن 110 متظاهرين وجرح أكثر من 4 آلاف.
وفي ظل هذه الوعود التي ترمي إلى امتصاص غضب الشارع، هل يفلح عبد المهدي في تنفيذ وعوده أم أنها ستكون كحال سابقاتها؟
إصلاحات تريليونية
يشكك الكثير من العراقيين في إمكانية تطبيق الحكومة ما وعدت به من إصلاحات اقتصادية فضلًا عن وعودها في مجالي التوظيف والرواتب، فرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي كان قد تعهد في خطابه الأول بأن لديه مشروعًا سيقدمه إلى مجلس النواب يتضمن منح راتب لكل عائلة لا تمتلك دخلاً كافيًا، مؤكدًا أن هذا سيضمن حدًا أدنى للدخل يكفل لكل عائلة عراقية العيش الكريم.
ودفعت التظاهرات التي عمت عددًا من محافظات الوسط والجنوب الحكومة والبرلمان إلى تبني حزم إصلاحية تمثلت في استحداث درجات وظيفية ومنح شهرية للعاطلين عن العمل وتثبيت العقود وتوزيع قطع أراضٍ سكنية
مجلس النواب لديه توجه برفع الرواتب الشهرية للعائلات المشمولة بشبكة الحماية الاجتماعية لتصل إلى 500 ألف دينار شهريًا.
من جانبها، أعلنت لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية عن قرب موعد شمول أكثر من 650 ألف عائلة برواتب شبكة الحماية الاجتماعية التابعة لوزارة العمل العراقية.
عضو اللجنة فاضل الفتلاوي أكد أن وزارة العمل متوجهة نحو شمول أكثر من 650 ألف عائلة برواتب الرعاية الاجتماعية ممن لا يمتلكون راتبًا شهريًا ضمن شبكة الحماية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن الأيام المقبلة ستشهد إدراج مخصصات هذه الرواتب ضمن مسودة مشروع الموازنة القادم لعام 2020 من أجل تهيئة التخصيصات المالية اللازمة لها.
وألمح الفتلاوي إلى أن مجلس النواب لديه توجه برفع الرواتب الشهرية للعائلات المشمولة بشبكة الحماية الاجتماعية لتصل إلى 500 ألف دينار شهريًا، موضحًا أن التخصيصات المالية هذه سيتم توفيرها من الاستقطاعات من رواتب الدرجات الخاصة والرئاسات الثلاثة.
جميع وعود الحكومة والمنح المالية للعاطلين تحتاج إلى دراسة مالية لتضمينها في الموازنة المالية للعام المقبل
أما مقرر اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي أحمد الصفار فأكد أن الدرجات الوظيفية المثبتة في دراسة مشروع قانون الموازنة العامة المقبلة شهدت تغيرات كبيرة بسبب المظاهرات الأخيرة التي أجبرت الحكومة والبرلمان على الخروج عن حدود قانون الموازنة المخطط له.
وتوقع الصفار أن تستحدث الحكومة درجات وظيفية كبيرة جدًا، لافتًا إلى احتمالية إدراج أكثر من 200 ألف درجة وظيفية في موازنة العام المقبل 2020، مؤكدًا أن هذا الأمر يعود إلى اللجنة المالية النيابية للوفاء بالوعود التي أطلقها البرلمان والحكومة للمتظاهرين.
ويؤكد الصفار في ختام حديثه أن جميع وعود الحكومة والمنح المالية للعاطلين تحتاج إلى دراسة مالية لتضمينها في الموازنة المالية للعام المقبل، لافتًا إلى أن الحكومة أمامها شهر أو شهرين لإكمال كل هذه التعديلات وإضافتها إلى قانون الموازنة العامة قبل إرسالها للبرلمان.
عجز مالي وتشكيك في تنفيذ الوعود
تعاني الموازنات الاتحادية للعراق من عجز مالي كبير منذ سنوات، إذ يبلغ العجز في موازنة العام الحاليّ 2019 نحو 27 تريليون دينار عراقي، في الوقت الذي يتوقع أن يرتفع فيه العجز إلى أكثر من ضعف هذا الرقم في الموازنة المرتقبة لعام 2020.
هوشيار زيباري: التعهدات التي قدمتها الحكومة لامتصاص غضب المتظاهرين غير قابلة للتطبيق، والعجز المتوقع في موازنة العام القادم سيزيد على الـ30 مليار دولار.
عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال كوجر أكد أن الإجراءات والمقترحات التي أوصت بها اللجنة النيابية إلى الحكومة تتضمن تفعيل إجراءات مجلس مكافحة الفساد وتوطين رواتب الموظفين في البطاقة الذكية لكشف متعددي الرواتب وتحويل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص كوزارة التربية والتعليم العالي والكهرباء.
كوجر أوضح أن اللجنة المالية طرحت أيضًا تغيير هيكلية بعض الوزارات وتحويلها من وزارات مستهلكة إلى وزارات منتجة، إضافة إلى تفعيل قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، وتفعيل الضرائب والجباية وإيرادات المنافذ الحدودية.
على الجانب الآخر، أكد وزير المالية العراقي الأسبق هوشيار زيباري أن التعهدات التي قدمتها الحكومة لامتصاص غضب المتظاهرين غير قابلة للتطبيق، والعجز المتوقع في موازنة العام القادم سيزيد على الـ30 مليار دولار.
ويشير الخبير الاقتصادي سعد العبيدي إلى أن قرارات الحكومة وتعهداتها الحاليّة يصعب تنفيذها، خاصة ما يتعلق بتوزيع رواتب للعاطلين عن العمل، لافتًا إلى أن قرارات كهذه تتطلب أشهر عديدة لدراستها وتوفير التخصيصات المالية اللازمة لها، وانتقد العبيدي ما أدلى به رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ووعوده بإعادة تشغيل 50 ألف مصنع، مستغربًا من هكذا تصريحات ومتسائلاً عن الجهة التي ستعمر هذه المصانع وعن الكهرباء وكيف ستوفرها الحكومة لهذه المصانع!
على الحكومة توفير نصف مليار دولار سنويًا لـ44 ألف جندي جديد سيتم تطويعهم، وهذه الأرقام للرواتب فقط
وبالانتقال إلى الأرقام وكم ستكلف الوعود الحكومية، فبحسبة بسيطة، ستضطر الدولة إلى توفير مليار دولار سنويًا لـ650 ألف عائلة وعدت الحكومة بتوفير رواتب رعاية اجتماعية لهم، بحساب 150 ألف دينار لكل عائلة شهريًا.
أما ما وعدت به الحكومة من توفير 44 ألف درجة وظيفية لوزارة الدفاع، فإن على الحكومة توفير نصف مليار دولار سنويًا لـ44 ألف جندي جديد سيتم تطويعهم، وهذه الأرقام للرواتب فقط، دون احتساب تكلفة الذخيرة والملابس والآليات العسكرية والسلاح وتجهيز الفرق العسكرية التي ستحتويهم.
يضاف لكل ذلك الوعود التي أطلقت لتوزيع أراضٍ سكنية للعوائل الفقيرة، إذ كيف سيتم التوزيع وما المعيار في اختيار تلك العوائل، فضلاً عن دور الحكومة في بناء وإنشاء البنى التحتية لهذه الأراضي وتحويلها إلى أحياء سكنية.
كثيرة هي الوعود إذن، ويطمح العراقيون في أن ترى طريقها للتنفيذ في المدى المنظور، فهل سيتحقق ذلك؟ هذا ما ستكشفه الأشهر القليلة المقبلة.