أعلنت عدد من الدول الأوروبية إيقاف مبيعاتها الدفاعية إلى تركيا، ردًا على العمليات العسكرية التي تقوم بها أنقرة بالتعاون مع الجيش الوطني السوري، ضد الميليشيات الكردية، شمالي شرق سوريا، تحت شعار “نبع السلام”.
وبعد مرور 6 أيام على انطلاق المعارك، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده نجحت في تحييد أكثر من 500 إرهابيًا، والقبض على 24 مسلحًا، وتحرير مساحة أكثر من 109 كيلومترات، من بينها مدينة تل أبيض التي كانت واحدة من أبرز معاقل التنظيمات الإرهابية.
اللافت في الأمر أنه على الرغم من كون قرار وقف بيع السلاح صادرًا عن شركاء أوروبيين بارزين لأنقرة، خاصة في مجال التعاون العسكري، مثل فرنسا وألمانيا وهولندا، فإن الرد التركي كان واضحًا في بيان عدم تأثر الدولة بهذه القرارات، وتأكيد الإصرار على استكمال العمليات وصولًا إلى هدف إنشاء منطقة آمنة بعمق 35 كيلومترًا شمالي سوريا.. فعلام يستند القرار السيادي التركي في مواجهة الضغط الأوروبي؟
بشكلٍ عام، يمكن القول إن تركيا استطاعت تأمين كل مواردها العسكرية الأساسية من الأسلحة والذخائر، بشكل يمكنها من إدارة “حرب غير متماثلة”، خارج الحدود، دون الاعتماد على أحد.
الدبابات والمدرعات
تعتبر الدبابات والقوة المدرعة عصب القوات البرية في الجيوش الحديثة، نظرًا لما لها من وظائف متعددة ومتكاملة من فرض السيطرة المساحية وتطهير الميدان من الألغام الأرضية والعبوات الناسفة وحمل أكبر عدد من الجنود إلى خطوط الخصم، وقد شاركت تركيا في “نبع السلام” بعددٍ من آلياتها المصنعة محليًا بشكل شبه كامل، ومنها:
الدبابة M60A3، وهي التطوير التركي الذي قدمته مؤسسة “Standard Bio” عام 2011 من الدبابة الأمريكية العتيقة “M– 60″، وقد تضمن التطوير الثوري تزويد الدبابة بمدفع رئيسي “M 256″ عيار 120 مليمترًا، ومدفع 25 مليمترًا متكامل يحمل 300 طلقة بتحكم آلي من داخل القمرة، وزيادة عدد القذائف إلى 40 قذيفة، ومحرك بقوة 1200 حصان، بالإضافة إلى تطوير أنظمة التعليق وإدارة النيران والتبريد والرؤية الليلية بنظام 360 درجة والرشاشات الثانوية، فأصبحت هذه النسخة العمود الفقري للجيش التركي، متقدمةً على النسخة الألمانية من دبابات “ليوبارد”.
المدرعة Kirpi، وتسمى “القنفذ” بالتركية، من إنتاج مؤسسة “BMC” للصناعات الدفاعية، وتعمل كناقلة جند قادرة على حمل 15 جنديًا إلى الميدان، وكاسحة ألغام برية يبلغ وزنها 16 طنًا، وطولها 6 أمتار، ويتجاوز عرضها مترين، وتستطيع قطع مسافة تصل إلى 1000 كيلومتر بسرعة 60 كيلومترًا/ساعة، ويمكن للجنود بداخلها إطلاق النار من 5 مواقع، ويستطيع برجها المجهز برشاش عيار 12.7 مليمتر الاستدارة الكاملة 360 درجة، وقدمت تركيا التي تشغل منها أكثر من 500 وحدة بعض الفئات الجديدة بأكثر من برج، ونسخًا رباعية وسداسية الدفع، نالت ثقة عدد من الزبائن الخارجيين مثل قطر وتركمانستان.
مدرعة Akincezma، وهي مركبة قتالية مدرعة محلية الصنع، تعمل جنبًا إلى جنب مع دبابات القتال الرئيسية طراز “M 60A3″، ويصل وزنها إلى 19 طنًا، ويشغلها محرك ديزل عملاق طراز “HP– 350/400″، بالإضافة إلى الأجهزة الضرورية الحديثة مثل ناقل الحركة الأوتوماتيكي ومناظير الرؤية الليلية.
المدفعية
يتشظى سلاح المدفعية الحديث، وهو جزء من القوات البرية، إلى عدة تقسيمات فرعية، ويقع على عاتقه مهمات ميدانية أساسية مثل التمهيد النيراني وفتح الثغرات والقصف المساحي وضرب الأهداف الحصينة، وتشارك في “نبع السلام” عدد من المدفعيات التركية محلية الصنع، ويعد أبرزها:
المدفعية الصاروخية “جباريا”، وتنتجها شركة “روكيستان” التركية، وفي عام 2018 دخلت موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية باعتبارها أكبر راجمة صواريخ تمتلك عددًا من الفوهات في العالم، بعدد 240 فوهة، عيار 122 مليمترًا، محملة على 4 منصات ثانوية فوق شاحنة ضخمة، وتستطيع “جباريا” رجم كامل حمولتها خلال دقيقتين، حتى مدى 37 كيلومترًا، في مساحة قصف واسعة تصل إلى 4 كيلومترات، وقد أصبحت الإمارات أولى زبائنها بعد أن خطفت الأنظار في معرض أبو ظبي الدفاعي عام 2013.
الراجمة T– 122 “سكاريا”، من إنتاج شركة “روكيستان” التركية 2005، وتعتبر تطويرًا محليًا للراجمة الشرقية المعروفة “BM – 21″ (جراد)، حيث أصبحت مزودة بعدة توجيهية ليزرية حديثة، تمكن الرامي من إطلاق شعاع ليزر إرشادي على الهدف قبل القصف، وتستطيع إطلاق 40 صاروخًا عيار 122 مليمترًا حتى مسافة 40 كيلومترًا، وقد قامت كل من أذربيجان والإمارات باقتنائها عقب إضافة التحديثات التركية.
الراجمة TR- 300، هي الذراع الطولى للمدفعية الصاروخية التركية، حيث تعتمد على صواريخ من عيار 300 مليمتر، خلافًا للراجمتين السابقتين (122 مليمترًا)، ويصل مدى هذه الصواريخ إلى 120 كيلومترًا، وتتميز باستخدام نظام توجيه GPS – INS، وتستخدمها تركيا في سوريا بسبب دقتها التي تصل إلى دائرة نصف قطرها 70 مترًا، وقوتها التدميرية المكتسبة من وزن الرأس الحربي البالغة 150 كيلوغرامًا، وقد صممت “روكيستان” صواريخ المنظومة البالغة 16 صاروخًا، بحيث يمكن حفظها داخل سبطانات فولاذية وحاويات معزولة، تضمن حمايتها من الظروف البيئية وسهولة تعبئتها وتفريغها. وتعتبر أذربيجان أبرز مشغلي المنظومة الخارجيين، فيما تحاول بولندا التعاقد عليها.
المدفع ذاتي الحركة T- 155، ويسمى أيضًا بـ”العاصفة” أو “فيرتينا”، وقد دخل إلى الخدمة حديثًا عام 2014، ويصل مداه إلى 40 كيلومترًا، ويعمل على دبابات القتال الرئيسية، ويمتاز بسرعة التلقيم الآلي أو اليدوي، التي تمكنه من ضرب ثلاثة أهداف خلال 15 ثانية و6 أهداف متتالية خلال دقيقة، وتغيير موقعه في أقل من دقيقة.
يوم السبت الماضي، اتهم الجيش الأمريكي القوات التركية بقصف نقطة مراقبة تابعة له في منطقة “كوباني” باستخدام هذا النوع من المدفعية، في عملية اعتبرها مراقبون محاولةً لدفع القوات الأمريكية جنوبًا كي تتمكن عمليات “نبع السلام” من التقدم نحو المدن الكبرى مثل منبج، استنادًا إلى ما هو معروف عن امتلاك الجيش التركي إحداثيات النقاط العسكرية الأمريكية في هذه المنطقة.
الطائرات
لا يمكن للقوات البرية سالفة الذكر أن تتقدم ميدانيًا دون حمايةٍ جوية فعالة ومعاونةٍ متقدمة من القصف الفضائي، ولا يمكن إدارة حرب “غير متكافئة” أمام “ميليشيا” مدربة ومسلحة بواسطة قوى دولية وإقليمية، في جغرافيا معقدة، دون استطلاع وجمع معلومات عن بنك الأهداف العسكرية بشكل دقيق، وقد شارك في أداء هذه مجموعة متنوعة من الطائرات التركية، أبرزها:
إف 16، مقاتلة جيل رابع أمريكية متعددة المهام، تصنعها تركيا في مؤسسة “توساش تاي” الحكومية منذ مدة طويلة، وقد خضعت هذه الطائرة منذ عام 2011 إلى سيل من التطويرات التي قامت بها “توساش”و”أسيلسان” بالتعاون مع الشركة المصنعة “لوكهيد مارتن”، حيث قام التحالف الثلاثي بدمج رادار أيسا جديد من طراز “AN- APG – 69″ (أيسا) على الأسطول التركي الضخم المكون من 117 مقاتلة، بالإضافة إلى حزمة ثورية من أنظمة الحرب الإلكترونية والملاحة والقيادة والاتصال والرؤية الليلية والتمييز بين العدو والصديق (IFF)، وتقلع هذه الطائرات من قاعدة “ديار بكر” القريبة من الحدود السورية. وقد قامت تركيا بتطويرها لباكستان أيضًا بعدد 75 مقاتلة، ضمن برنامج “MLU“.
المروحية ATAK- 129، التي صنعتها تركيا اعتمادًا على الخبرة الإيطالية ممثلة في شركة “أوجوستا ويستلاند” عام 2008، وتمتلك المروحية محركين بقوة 292 حصانًا، وتسليحًا أساسيًا من رشاش 20 مليمترًا و8 صواريخ مضادة للدروع وصواريخ 2.75 بوصة أرضية وحزمة صواريخ جو/جو، وتبلغ سرعتها القصوى 519 كيلومترًا/ساعة، ويصل وزنها إلى 6 أطنان، وقد بيعت في عام 2018 إلى باكستان، وفي عام 2019 إلى المغرب وقطر، وتعمل تركيا في الوقت الحاليّ على تصنيع الجيل الثاني من هذه الطائرة، الذي سيتميز بمدفع عيار 30 مليمترًا، ورادار ميليمتري، ونظام حماية “DIRCM” ومن المقرر انتهاؤه عام 2023.
بيرقدار TB2، طائرة دون طيار تكتيكية مسلحة، من إنتاج شركة “بايكار” التركية، وتقوم بأعمال الرصد والتصوير والقصف الدقيق، وتستطيع التحليق حتى 24 ساعة، ليلًا ونهارًا، في مختلف الظروف الجوية، ويصل وزنها إلى 650 كيلوغرامًا، ويبلغ أقصى ارتفاع لها 20 ألف قدم، وتستطيع حمل ذخائر مضادة للدروع والتحصينات، وقد استلمت قطر هذا العام 6 طائرات من هذا النوع، وتعاقدت أوكرانيا على نفس العدد.
الطائرة Alpagu، وتسمى “الشجاع” أو “الكميكازي التركي”، وقد صنعت هذه الطائرة خصيصًا لاستهداف قيادات العناصر الإرهابية والشخصيات الخطرة، حيث يمكن تجهيزها خلال دقيقة واحدة، بواسطة شخص واحد، وتعمل على ارتفاعات محدودة تصل إلى 400 قدم، ولا يتجاوز وزنها كيلوغرامين، وتعمل في سوريا بجانب الطائرة “النحلة” (تركية الصنع أيضًا)، التي تقارب حجم الحشرات الصغيرة، وتعمل داخل المخابئ بواسطة كاميرا دقيقة.
الذخائر
يعتبر تأمين الذخائر، خاصة تلك المعنية بسلاح الجو، حلقةً مهمة في سلسلة الاكتفاء الذاتي من الصناعات العسكرية، التي تبدأ بتوطين التكنولوجيا، مرورًا بالتأمين الفني والصيانة، وصولًا إلى استدامة التشغيل بأفضل كفاءة وأقل تكلفة، وقد لوحظ أن تركيا تستخدم في عملية “نبع السلام” عددًا من الذخائر الجوية المحلية التي صنعت خصيصًا للعمل على الطائرات التركية:
صاروخ “Cirit/ جريت”، وهو صاروخ جو/أرض، قامت شركة “روكيستان” التركية بتطويره عام 2012 للعمل على مروحيات “أتاك” بدلًا من الصواريخ الأمريكية من طراز “جافلين” أو “هيلفاير”، ويبلغ مداه 8 كيلومترات، وعياره 70 مليمترًا، ويتم توجيهه بالليزر، وتمتلك تركيا منه عدة نسخ تعمل على منصات برية وبحرية وجوية.
صاروخ “Kiti”، وهو درة تاج صناعة الذخائر الجوية التركية، حيث طور من جانب “أسيلسان” ليعمل كصاروخ ذكي (جوال/ كروز) يقوم بتتبع الأهداف الأرضية المتحركة، ويتم توجيهه من خلال منظومة GPS، ويستطيع الطيار إطلاقه من ارتفاع 4 آلاف قدم، لإصابة هدف يبعد نحو 25 كيلومترًا، في مختلف الظروف الجوية، وعلى مدار الساعة.
صاروخ “Usmtas”، وهو النسخة الجوية المطورة من صاروخ “Mizrak- U” الذي أنتجته “روكستان” كصاروخ مضاد للدبابات يعمل على منصة أرضية 2005، ولكن المطور هذه المرة كان شركة “هفيلسان”، كي يعمل أيضًا على طائرات “أتاك” و”بيرقدار”، من خلال الأشعة تحت الحمراء أو الليزر، ويبلغ المدى الفعال لإصابة الصاروخ 8 كيلومترات، ويستخدم محركًا عاملًا بالوقود الصلب المركب، ورأسًا حربيًا من “التانديم”، وفي عام 2015 دخل الصاروخ دائرة اهتمامات الجيش البولندي.
كيف حدث هذا التطور؟
يرجع الباحث في الشؤون العسكرية سامح رفعت كل هذا التطور في قطاع الصناعات الدفاعية التركي إلى عام 1974، حينما نجحت قبرص في استصدار قرار دولي بحظر مبيعات السلاح إلى تركيا، على إثر المعارك التي دارت بين البلدين خلال هذا العام، فأصدرت القيادة السياسية التركية قرارًا متزامنًا بتدشين مؤسستي “أصيلسان” و”هافيلسان”، من خلال التبرعات الشعبية.
قفزت نسبة المكون المحلي في المنتجات العسكرية من 25% عام 2011 إلى 70% عام 2018، كما ارتفعت صادراته خلال نفس الفترة بنسبة 90% (1.7) مليار دولار
وبطبيعة الحال، لم تنجح المؤسستان الوليدتان في تحقيق الطفرة المنشودة، إذ ينطوي أمر التصنيع العسكري، بحسب رفعت، على ما هو أكبر من الإرادة والقرار، فيحتاج إلى الصبر والخبرة أيضًا، ومع ذلك، انبثق عن عدد من المؤسسات الصناعية الجديدة كيان تنظيمي نوعي يسمى “سكرتارية الصناعات الدفاعية/ SSM“، وهو الذي نجح بدوره في استجلاب عقود تجميع محلية، برخصةٍ من الشركات الأم المنتجة، مثلت طفرةً إنتاجية خلال هذا الوقت.
عام 2003 كان الميلاد الثاني لقطاع الصناعات الدفاعية التركي، حيث أخذ حزب العدالة والتنمية – الذي وصل إلى السلطة لتوه – مهمة إحياء هذا القطاع الإستراتيجي على عاتقه، من خلال شراكات دولية غير تقليدية، مع كل من إيطاليا وكوريا الجنوبية واليابان، التي أسفرت عن تحول عقود “التجميع” إلى عقود “تصنيع” منتجات لوجيستية أساسية مثل أنظمة المراقبة والتهديف الحراري والإلكتروني، ثم توجت هذه الجهود بتدشين مؤسسة الصناعات الجو – فضائية التركية (توساش تاي) عام 2015.
ووفقًا لسامح، فقد انعكست الطفرة الصناعية التي حصلت في هذا المجال منذ قدوم العدالة والتنمية على الأرقام المصاحبة له، فقد قفزت نسبة المكون المحلي في المنتجات العسكرية من 25% عام 2011 إلى 70% عام 2018، كما ارتفعت صادراته خلال نفس الفترة بنسبة 90% (1.7) مليار دولار، وتخطط القيادة التركية إلى زيادة هذا الرقم كي يصل إلى 5 مليارات دولار، ورفع حجم استثمارات هذا المجال إلى 25 مليار دولار، بحلول عام 2023، حيث تحتفل الجمهورية التركية بمئويتها الأولى، وهو ما سيعني الوصول إلى الاكتفاء الذاتي شبه الكامل من المنتجات الدفاعية.
أسلحة جديدة!
المثير في الأمر، أن تركيا كشفت عن تطوير أسلحةٍ نوعية جديدة في مصانعها المحلية، بالتزامن مع قرارات الحظر الأوروبي، وهو ما يبرز الفرق بين أزمة 1974 التي كان تأثير القرارات الخارجية خلالها فادحًا، وأزمة عام 2019.
وبحسب إسماعيل دمير رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية التابعة للرئاسة، فإن الكشف الجديد متعلق هذه المرة بمجال الدفاع الجوي، حيث قام تحالف ثنائي مكون من شركتي “روكستان” و”أصيلسان” بإنتاج منظومة تسمى “HISAR – A“.
المنظومة الجديدة نجحت في تجاوز الاختبارات النهائية بنسبة نجاح 100%، وتعمل في نطاق تأمين المجال الجوي المتوسط والمنخفض وحمايته من خطر الصواريخ الجوالة والطائرات دون طيار والحوامات في حدود مدى أقصاه 16 كيلومترًا، وتتميز بسهولة نقلها على عربة مجنزرة أو مركبة بعجلات، وقدرتها على التواصل والعمل المشترك مع باقي المنظومات، ويمكنها إطلاق حتى 4 صواريخ عمودية في نفس التوقيت.