“كل من له هدف ينوي تحقيقه، كل من يريد أن يكتشف ذاته الحقيقية، وأيضًا كل من يريد تغيير حياته للأفضل”، بهذه العبارات عرفت إحدى الأكاديميات المتخصصة في مجال الـ “لايف كوتشينغ” عن نفسها. وهي صناعة قائمة على مساعدة الأشخاص في إيجاد شغفهم في الحياة وتطوير ذاتهم بما يتفق مع طموحاتهم، من خلال الحديث معهم، بطريقة تحفيزية ولهجة قاطعة، لكي ترشدهم إلى طريق السعادة والاستقرار الذي يبحثون عنه.
كما تتعهد بتقديم ما هو أكثر من الاستشارات والتوجيهات، وأن تدفعك لتحقيق نجاحات اقتصادية وشخصية، على حسب رغبتك، عن طريق اكتشاف ماهية العقبات والتحديات التي تواجهك ثم إعادتك للمسار الصحيح بغض النظر عن جميع الضغوط والالتزامات التي تقيدك. فما مدى صحة وعودها؟
“لايف كوتشينغ”.. صيحة جديدة بمليارات الدولارات
يمثل الإرشاد الشخصي أو الحياتي الجزء الأكبر من سوق التنمية البشرية، حيث تم تطويره لأول مرة في الولايات المتحدة وكان مقتصرًا على التدريب المهني للشركات الناشئة فقط، ولكن تدريجيًا توسعت خدماته وبات يسعى للتواصل مع شرائح مختلفة من المستهلكين الذين يبحثون عن المشورة والتحفيز فيما يتعلق بالحياة الشخصية أو المهنية أو الصحية، ومنها تتدرج مواضيع ثانوية مثل التغييرات الوظيفية، والتوازن بين العمل والحياة، والتعامل مع التكنولوجيا المتغيرة، والتمويل، والعلاقات، والصحة، وأكثر من ذلك.
أظهرت عدة دراسات، أن نسبة كبيرة من الأشخاص يخططون لتوظيف مرشد حياتي لديهم، ولا سيما في الأوساط التي يتزايد فيها الوعي حول الصحة والرفاهية الشخصية
ورغم أنه قطاع جديد نسبيًا بالنسبة لعامة الناس، إلا أنه بفضل الإنترنت، أصبحت هذه المهن التحفيزية واحدة من أكثر الصناعات نموًا خلال العقد الماضي، حيث يستأجر عشرات الآلاف من الناس مدربين الحياة من أجل مساعدتهم في الوصول إلى أهدافهم المتعلقة بجوانب مختلفة من حياتهم.
وغالبًا ما يكون روادها من الأثرياء الذين يعانون من مشاكل عاطفية أو يفتقرون للتوازن بين حياتهم المهنية والشخصية، أو يعانون من فراغ روحي. يضاف إلى ذلك، شريحة أخرى من أصحاب الدخل المتوسط الذين يحاولوا أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون الاستمرار في العمل بالوظيفة ذاتها خلال السنوات القادمة، أم إذا كانوا بحاجة إلى تحويل مسارهم المهني والبدء في مشروع آخر أكثر تلائمًا مع اهتمامتهم الشخصية وطبيعة حياتهم.
ولمعرفة مدى إنتشار هذه الصناعة، أظهرت عدة دراسات، أن نسبة كبيرة من الأشخاص يخططون لتوظيف مرشد حياتي لديهم، ولا سيما في الأوساط التي يتزايد فيها الوعي حول الصحة والرفاهية الشخصية. وبما أن معدل الطلب مستمر في الارتفاع، يتوقع بعض الخبراء أن تتضاعف هذه الإحصائيات في السنوات المقبلة وتنمو بمعدل 6.7% خلال عام 2022، لتصل إلى 1.38 مليار دولار.
من جهة أخرى، أفاد الاتحاد الدولي للمدربين عام 2012 أن هذه الصناعة كسبت ملياري دولار كل عام، وذكر كذلك أن عدد الأشخاص الذين يعملون كمدربين في جميع أنحاء العالم أكثر من 53 ألف شخص، وعادةً ما تتراوح أجورهم ما بين 200 دولار و500 في الساعة، إذ يكسب بعض المدربين المتخصصين أكثر من 100 ألف دولار في السنة. علمًا أن هذه الإحصائيات ليست دقيقة أو شاملة لأن عدد كبير من المدربين غير مسجلين ويعملون دون شهادات مؤهلة، ولعل هذه النقطة واحدة من أكبر عقبات هذه الصناعة.
ما عيب هذه المهنة؟
يلخص تقرير نُشر على موقع “فايند يور كوتش”، نقاط الضعف التي تشوه سمعة هذا المجال، وأبرزها وجود نسبة كبيرة من العاملين غير المحترفين، إذ يفتقر هذا الحقل إلى التنظيم والرقابة وغيرها من المعايير والمؤهلات التي تعرف صفة المدرب وتوضح ماهية التدريب وكيفية إتمامه بصورة صحية.
فضلًا عن ذلك، يوجد أكثر من 620 مدرسة من مدارس التدريب على الحياة والتي تبيع برامجها ومحاضرتها للناس لكي يصبحوا مدربين في مدة تتراوح من 6 أسابيع إلى حوالي عامين تقريبًا. إلى جانب ذلك، لا يوجد شهادات تدريب تفصل بين المدربين المحترفين والمبتدئين، فلقد أظهرت بعض الأبحاث أن هناك أكثر من 60 درجة مختلفة لشهادات التدريب، مما يزيد عملية التحقق من كفاءة المدرب أمرًا صعبًا.
يقدر الخبراء في صناعة التوجيه والإرشاد أن نسب النجاح تتراوح من 20٪ إلى 30٪ فقط
وذلك استنادًا لشهادة العديد من مرشدي الحياة السابقين، مثل أولغا راينهولت، التي قالت: “إن الحقيقة البشعة حول الـ “لايف كوتشينغ” هي أن المدربين غير مؤهلين لما يفعلونه ولا يدركون مدى التزامهم بالمهام المطلوبة، فهم مطالبون بخلق علاقات سعيدة في الأسرة وعمل ناجح ومساعدة زبائنهم على التعامل مع القلق والتوتر الذاتي، رغم أنه من الأفضل أحيانًا رؤية معالج نفسي، ولكن إذا دفعت له أكثر، فليس لدييه مشكلة لقتل وحش الاكتئاب أيضًا”.
يضاف إلى ذلك، الإحصائيات التي تبين انخفاض معدلات نجاح هذا المجال، وصعوبة قياسها بشكل حيادي لأن المتدرب هو الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يحدد ما إذا أتت هذه الجلسات بثمارها أم لا. ومع ذلك، يقدر الخبراء في صناعة التوجيه والإرشاد أن نسب النجاح تتراوح من 20٪ إلى 30٪ فقط. في المقابل، يعتقد البعض أن المدرب نفسه لا يعبأ كثيرًا بالنتائج، ويتعامل مع أزمات المتدرب بشكل سطحي من خلال إغراقه بعبارات وهمية عن السعادة والسلام والنجاح، ما يعني أنه يدفن مشكلاتك تحت طبقات سميكة من الكلمات البراقة والحماسية، وبالتالي يزيد أمورك الحياتية تعقيدًا.
بالنهاية، يرى أنصار هذه المهنة أن هؤلاء الأشخاص قد يكونوا الخيار الأفضل لإخبارك متى تكذب على نفسك وأي المعتقدات والأفكار التي تمنعك من تحقيق ما تريد، على اعتبار أننا جميعنا نصاب بالعمى أحيانًا فيما يخص قراراتنا الشخصية ونحتاج من وقت لآخر لمن يهدينا إلى الطريق الصحيح.