يعود ملف أسرى تنظيم داعش إلى الظهور بقوة مع التطورات الأخيرة في شمالي سوريا والعملية العسكرية التركية شرق الفرات التي تسعى عبرها أنقرة إلى حماية حدودها من التنظيمات الكردية المسلحة تحت إطار عملية “نبع السلام” في ظل تخبط دولي بشأن من سيتحمل مسؤولية جنود داعش المحتجزين لدى تلك الفصائل، في ظل تخوفات أوروبية كبيرة من عودة سيطرتهم وتحقيق ترامب تهديداته في التخلي عنهم وإرسالهم إلى الحدود الأوروبية.
وسبق الكشف عن أعداد عناصر داعش المحتجزين لدى التنظيمات الكردية في منطقة شرق نهر الفرات، فقد صرح عبد الكريم عمر المسؤول في ميليشيا “قسد” أن هناك ما يقارب 6 آلاف عنصر محتجز من عناصر داعش بينهم ألف عنصر مهاجر ينحدرون من نحو 50 دولة غربية وأوروبية، أما الآخرون فسوريون وعراقيون.
وأشار إلى وجود نحو 12 ألف امرأة وطفل في المخيمات شرقي الفرات، أغلبهن من دول أجنبية، بينهم 4 آلاف سيدة و8 آلاف طفل من جنسيات أوروبية وأجنبية، وأضاف: “يوجد أطفال تجاوزت أعمارهم الـ10 سنوات، كانوا مجندين لدى أشبال الخلافة و خضعوا لدورات عسكرية وعقائدية”.
إلا أن موجة التصريحات أخذت شكلًا جديدًا يقوم على تملّص الدول الأوروبية من إعادة مواطنيها إلى بلدانهم
إلا أن دولاً غربية على رأسها فرنسا وألمانيا والدنمارك رفضت سابقًا استقبال مواطنيها المحتجزين ومحاكمتهم وفق محاكمات عادلة، الأمر الذي أدى إلى عقد مؤتمر في الـ6 من يوليو الماضي، شمالي شرق سوريا بمشاركة عشرات الخبراء والباحثين الأجانب إلى جانب قيادات محلية بعنوان “المنتدى الدولي حول داعش” للبحث في إمكانية بناء سجون ومعتقلات لاحتجاز هؤلاء الأسرى، إلا أن هذه المباحثات لم تفض إلى شيء حتى بدء عملية “نبع السلام” الجارية.
تملّص الدول الأوروبية
لم تتوقف وتيرة التصريحات المتتالية من رؤساء الدول الأوروبية وأمريكا طوال العام الماضي منذ سقوط “دولة الخلافة” وانتهائها على يدّ القوات الأمريكية في سوريا إلا بعد بدء تركيا عملية نبع السلام وقيام ميليشيا قسد بفكّ أسر جنود دواعش محتجزين لديها في خطوة تهدف على ما يبدو إلى حث ترامب على تغيير موقفه الرافض لنجدة “قسد” من مأزقها، إلا أن موجة التصريحات أخذت شكلًا جديدًا يقوم على تملّص الدول الأوروبية من إعادة مواطنيها إلى بلدانهم وتهديد الرئيس الأمريكي بدفعهم نحو الحدود مع أوروبا.
إذ قال في تصريحه الأخير خلال استقباله رئيس الوزراء الأسترالي في البيت الأبيض: “لقد هزمت دولة الخلافة، والآن لدينا الآلاف من أسرى الحرب والمقاتلون المحتجزون، ونطالب الدول الأوروبية – مشيرًا إلى ألمانيا وفرنسا – أن تستعيد أسراها وإلا في نهاية المطاف سأقول إنني آسف، وأعيدهم إلى حدودكم”، كما أوضح سابقًا بعدم نية بلاده في الاحتفاظ بالأسرى في سجن غوانتانامو وصرف الأموال عليهم، قائلًا إن هذا سيكلفهم “مليارات ومليارات الدولارات”.
المقاتلون الكرد في شمالي سوريا قد يكونون بالفعل من أطلقوا سراح مقاتلي تنظيم الدولة لدفعنا إلى التدخل
ليعود في 14 أكتوبر وينشر تغريدة جديدة على حسابه في تويتر ردًا على إعلان “الإدارة الذاتية” فرار 785 من الأسرى المنتسبين لتنظيم الدولة من أحد سجونها ريف الرقة “بسبب انسحاب حراس المخيم إلى الحدود لمواجهة القوات التركية، حمّل فيها -مسؤولية فرارهم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) قائلًا: “المقاتلون الكرد في شمالي سوريا قد يكونون بالفعل من أطلقوا سراح مقاتلي تنظيم الدولة لدفعنا إلى التدخل”، مضيفًا “من السهل للغاية أن تعيد تركيا أو الدول الأوروبية أسراهم، لكن ينبغي عليهم التحرك بسرعة”، بينما يلفت الانتباه مجددًا وبضغط من برلمانيين أمريكيين، إلى فرض عقوبات جديدة “تلوح في الأفق” على تركيا.
مبادرة تركية
حاولت الدول الأوروبية والولايات المتحدة منذ بدء عملية نبع السلام عدة مرات تحميل تركيا كل أنواع المسؤولية بدايّة من سقوط قتلى وانتهاكات بحق الأكراد وصولًا إلى وضع المنطقة ككل أمام مشكلة أكبر، فقد قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، في 14 من أكتوبر: “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتحمل مسؤولية وقوع جرائم حرب وأزمة إنسانية في سوريا، مضيفًا “العمل العسكري التركي غير ضروري ومندفع”.
ثم هدد قائلاً: “التوغل التركي في سوريا نتج عنه إطلاق سراح مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي المأسورين وسيكون هناك اجتماع مع أعضاء حلف الأطلسي الأسبوع المقبل للضغط عليهم لاتخاذ إجراءات جماعية وفردية دبلوماسية واقتصادية ضد تركيا”.
لم يتأخر الرد التركي، إذ قال الرئيس أردوغان في مقال نشره اليوم في صحيفة “وول ستريت جورنال” بعنوان “تركيا تتولى زمام المبادرة في الوقت الذي تراجع فيه الآخرون”: “سنحرص على ضمان عدم مغادرة أي مقاتل للتنظيم لشمال شرق سوريا، ونحن على استعداد للتعاون مع البلدان التي يأتي منها هؤلاء المقاتلون والمنظمات الدولية في سبيل إعادة تأهيل أزواج وأطفال المقاتلين الإرهابيين الأجانب.”
منعت فرنسا مبيعات الأسلحة إلى تركيا، لكن السؤال هو لماذا تجاهلت تحذيراتنا المبكرة والمتكررة بشأن الهجمات الإرهابية الوشيكة؟
وأضاف: “إن ذات الدول التي ألقت محاضراتها على تركيا بشأن فضائل محاربة تنظيم الدولة اليوم، فشلت في وقف تدفق جحافل المقاتلين الإرهابيين الأجانب في سنتي 2014 و2015. ربما قد ترغب حكومة دولة أوروبية سأمتنع عن تسميتها في أن تشرح للعالم كيف يمكن لواحد من مواطنيها الركوب على متن طائرة متجهة إلى إسطنبول في 2014 وقد تضمنت أمتعته التي جرى فحصها ذخيرة حية، وبالمثل، منعت فرنسا مبيعات الأسلحة إلى تركيا، لكن السؤال هو لماذا تجاهلت تحذيراتنا المبكرة والمتكررة بشأن الهجمات الإرهابية الوشيكة؟”.
تركيا إذن، تجد نفسها تتحمل المسؤولية وحدها عن وضع أسرى “داعش” بسبب وجودهم على الحدود التركية السورية أولًا وتنصّل الدول الأوروبية من إدارة ملفاتهم. لكن، السؤال الآن: هل ثمة تنسيق أمني مسبق بين تركيا وروسيا وأمريكا في ملف إعادة تهيئة عناصر تنظيم داعش وعائلاتهم؟
رئيس تحرير موقع ترك برس، عبد الرحمن السراج يقول إنه “لم يتضح من التصريحات الرسمية التركية أو الأمريكية ما إذا كان هناك اتفاق بشأن أسرى تنظيم داعش، كل ما لدينا الآن في هذا الشأن تصريح الرئيس ترامب في بيان سحب قواته شمال سوريا بأن تركيا ستتولى مسألة المعتقلين من أفراد التنظيم”.
ويضيف: “أما في تصريح الرئيس أردوغان بأن بلاده ستمنع خروج مقاتلي التنظيم من شمال شرق سوريا يتضمن ردًا على ردود الفعل السياسية والإعلامية في واشنطن وحول العالم، الرافضة للحملة التركية، التي شملت تحذيرات من انفلات زمام الأمن في المنطقة الذي قد ينتج عن العملية، والذي سيؤدي إلى انتشار عناصر التنظيم وعودة نشاطهم، وصل بعض هذه التحذيرات من أحد مذيعي شبكة فوكس نيوز الأمريكية إلى الإيحاء بأن الأتراك في الأصل داعمون لتنظيم داعش”.
وبينما تأخذ وتيرة الأحداث بالتسارع ساعًة بعد أخرى بين رفض أوروبي وردود تركية يبقى مستقبل العملية غير واضح المعالم في حين تتجه الأنظار نحو من سيفرض سلطته على مدينة منبج التي تمتلك أهمية إستراتيجية كبيرة لدى جميع الأطراف.