في شمس الأول من فبراير/شباط 2025، تجمّع أهل مدينة حماة لإحياء الذكرى الثالثة والأربعين لمذبحة 1982، مستحضرين مجد مدينتهم وتضحيات شهداء حماة وسوريا بأسرها.
واحتضنت ساحة العاصي -في لحظة مؤثرة- عرضًا عسكريًا تخللته زغاريد النساء، بينما رُفعت صورة مروان حديد أمام مبنى محافظة حماة وسط هتافات الحشود وصيحات تكبيراتهم، مرددين بصوت واحد: “بطل وصنديد .. شيخ مروان حديد”.
في هذه الأجواء، ألقى عبدالرحمن السهيان، ابن حماة ومحافظها الجديد، خطابًا لأهالي مدينته، مستذكرًا عذاباتهم ومهنئًا إياهم بالنصر والتمكين، ومشيدًا بالشيخ مروان حديد، الذي مات في أحد سجون دمشق عام 1976، بعدما كان أول من مهّد طريق المواجهة ضد النظام البعثي.
لقد تأكدت نبوءة مروان حديد بأن إسقاط النظام لن يكون إلا بالقوة والسلاح، واكتملت اللحظة التي حلم بها على يد زعيم سوريا الجديد أحمد الشرع، حتى إن محافظ حماة سعى إلى تقديم نفسه وإخوانه المجاهدين كنتاج للنضال المسلح الذي أطلقه حديد، ليختتم كلمته قائلًا: “حُق للشيخ مروان حديد وللثلّة المجاهدة معه أن يطمئنوا الآن، فقد أكرمنا الله وانهينا ما بدأوا به”.
ما يميز مروان حديد أن إرثه ظل حاضرًا حتى بعد مرور نصف قرن على وفاته، ودائمًا ما ظهر اسمه عند كل منعطف حاسم في تاريخ سوريا، لكن الأهم من ذلك، أن حياته تركت أثرًا عميقًا على كل الجماعات الإسلامية المسلحة التي واجهت الأنظمة السياسية في بلدانها، أو قاومت قوى احتلال، فمن يكون ذلك الرجل الذي تحول إلى أسطورة أثرت في ماضي البلاد وحاضرها، وتجاوز حدود الزمان والمكان؟
أنجبت سوريا قادة جهاديين تركوا أثرًا عميقًا على الحركة الجهادية محليًا وعالميًا، نواصل في سلسلتنا هذه التي تنشرها “نون بوست”، سيرة أبرز هؤلاء القادة والرموز ضمن ملف “الجهادية السورية“، مستعرضين البيئة التي نشأوا فيها، والمنعطفات التاريخية والسياسية التي أسهمت في تكوينهم النفسي وشكلت أفكارهم وشخصياتهم.
النشأة والتكوين الفكري
في أواخر القرن التاسع عشر، شهدت سوريا حراكًا فكريًا لمواجهة الهيمنة الأوروبية والتراجع العثماني، قاده مفكرون بارزون، مثل عبد الرحمن الكواكبي في حلب، ورشيد رضا في طرابلس، والصابوني في حماة، وسليم البخاري في دمشق، وسرعان ما ظهرت الجمعيات الإسلامية التي جسدت أفكار هؤلاء المصلحين، وساهمت أيضًا في التصدي للاحتلال الفرنسي.
وسط هذا الجو، وُلد مروان حديد في مدينة حماة عام 1934 لعائلة ميسورة شغل العديد من أفرادها مناصب رسمية في الإدارة العثمانية. تربي الصغير في بيئة محافظة بحارة البارودية، كان والده الحاج خالد يعمل في الزراعة والتجارة، وقد حرص على تعليم كل أبنائه تعليمًا عاليًا، لكنه لم يهتم بالسياسة بعكس أبنائه.
لم تكن طفولة حديد قاسية بالنظر إلى الوضع الاقتصادي لعائلته، لكنه عاش أجواء مقاومة أهل مدينته للاحتلال الفرنسي، وشهد المظاهرات المناهضة لوعد بلفور، وتأثر بالخطب الحماسية لنصرة فلسطين. وبعد استقلال سوريا عام 1946، أصبحت حماة ساحة للتنافس بين تيارين رئيسيين: الحزب الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني، والإخوان المسلمون.
تأثّر إخوة حديد بالأفكار الاشتراكية، حيث انتمى شقيقه كنعان إلى حزب البعث، بينما تبنى عدنان الفكر الشيوعي. وفي هذا المناخ، تأثر حديد بأفكارهم، معترفًا لاحقًا: “كنتُ وللأسف من أكثر الناس حماسًا للاشتراكية”، غير أن هذا التأثر المبكر بالفكر الاشتراكي كان مدخلًا له إلى عالم السياسة والانخراط في القضايا العامة والتحديات التي تواجه مجتمع حماة.
في الحقيقة، لم يكن انجذابه إلى الاشتراكية في ذلك الوقت نابعًا من إيمانه بالماركسية اللينينية أو الستالينية، بل كان رفضًا لاحتكار الثروة من قِبل فئة محدودة من المجتمع، وظل في الحقيقة على نفس ذلك المبدأ حتى آخر أيامه، وخلال سنته الأولى في المرحلة الثانوية، اشتبك حديد مع شاب اشتراكي أساء بشكل قاسٍ إلى الإسلام، ولاحقًا، صُدم عندما رأى شقيقه الأكبر يحتفل بمقتل حسن البنا.
شكّلت هاتان الحادثتان نقطة تحول في حياته، إذ بدأ يتعرف على الإسلام السياسي، وشرع في دراسة العلوم الشرعية والعربية على يد نخبة من علماء حماة، أبرزهم مفتي المدينة الشيخ محمد سعيد النعساني.
وخلال دراسته الثانوية، تعمق ارتباط مروان حديد بالإسلام من خلال ارتياده المساجد وتعرفه المتزايد على جماعة الإخوان، كما كان من رواد دروس الشيخ الحامد في جامع السلطان، لكنه تأثر بشكل خاص بحسن البنا، فحفظ رسائله واستشهد بها كثيرًا.
وبالنهاية انضم حديد إلى صفوف الإخوان وشارك في أنشطتهم الطلابية وهو في المرحلة الثانوية، وقد شكّل انتقاله من الفكر الاشتراكي إلى الإخوان المسلمين نقطة تحول جوهرية في حياته، وتأثر بالأجواء الإخوانية والتربية السائدة آنذاك. كما أخذ يوسع مداركه الدينية والفكرية إلى جانب دروسه التي يتلقاها في مساجد حماة. ويروي عداب الحمش كيف كان حديد في تلك الفترة يستغرق معظم وقته في قراءة الكتب التراثية.
كذلك كان حديد محبوبًا لدى أهل حماة لتفانيه في حل مشكلاتهم واهتمامه العميق بمعاناتهم. فقد كان قريبًا منهم، يؤدي دورًا اجتماعيًا وإنسانيًا بارزًا، حيث كان منزله ومسجده يعجان بالناس، كما يتضح من الروايات التي نقلها تلميذه عداب الحمش.
لم يكن مروان متفقًا مع الشيخ الحامد في العديد من القضايا، ودارت بينهما نقاشات حادة، كان الحامد يرى أن حديد مندفعٌ أكثر من اللازم، وخاطبه ذات مرة قائلًا: “يا مروان، ليس لها من دون الله كاشفة، والعين لا تقاوم المخرز، وما لها غير سيدنا المهدي”، لهذا استمر الخلاف بينهما، لكن رغم ذلك، ظل حديد يُكنّ التقدير للحامد حتى آخر أيامه، رغم نظرته إليه بأنه يفتقر إلى الشجاعة الكافية.
ويمكن القول إن مروان حديد امتلك تركيبة فريدة جمعت ما بين الروح الثورية والتنشئة الإخوانية، مع نفحة صوفية معتدلة وانضباط سلفي، وظل متمسكًا بهذه التوليفة دون أن يحيد عنه حتى آخر أيامه.
الحراك السياسي: انتفاضة حماة الأولى
من المرجح أن حديد ارتحل إلى مصر بين عامي 1956 و1964 لدراسة الهندسة الزراعية في جامعة عين شمس بالقاهرة، مع قيامه برحلات متقطعة إلى سوريا، وقد اختار الدراسة في هذا المجال تلبيةً لرغبة عائلته، التي كانت تأمل أن يتولى الإشراف على أراضيهم الواسعة.
أثناء إقامته في مصر، أقام حديد علاقات مع عدد من المفكرين، مثل مالك بن نبي ومحمد قطب، كما كان على اتصال بتلامذة حسن البنا، بمن فيهم أعضاء في التنظيم العسكري، لكنه تأثر بشكل خاص بسيد قطب، ويُرجَّح أن حديد تأثر بحياة قطب ونهايته المأساوية أكثر من تأثره بأفكاره.
ثم بعد حل جماعة الإخوان السورية عام 1958، لاحظ سعيد حوى ازدياد التزام مروان حديد بالإسلام، ورغم أنه لم يتلقَ تعليمًا شرعيًا رسميًا كرفيقه حوى، ولم يكن عالمًا بالمعنى التقليدي، إلا أن اهتمامه انصبّ على السياسية. ويذكر سعيد حوى في الجزء الثاني من مذكراته أن حديد كرّس نفسه بالكامل منذ أواخر الخمسينات للدراسات الإسلامية والدعوة، حيث كان يُدَرِّس بانتظام في مساجد حماة، ويلقي المحاضرات في مختلف المناسبات، كما أسس مسجدًا صغيرًا بجوار منزله، ليكون مركزًا للعلم والتعليم والدعوة والعبادة.
وبفضل كاريزميته القوية وأسلوبه القوى في الإلقاء، تمكن من التأثير في أتباعه الذين لقبوه بالشيخ، خاصة بعد أن بدأ بإلقاء الخطب في مسجد البارودية في مسقط رأسه فور عودته إلى سوريا مع بداية الحكم البعثي في أوائل الستينيات.
كان حديد في تلك الفترة مؤمنًا بأهمية العمل السياسي وفاعليته، لذا شارك فيه فعليًا، حيث توجه إلى مراكز الانتخابات عام 1962 التي شهدت مشاركة الإخوان. وعند استيلاء حزب البعث على السلطة عبر انقلاب عسكري عام 1963، أغلق الأخير مؤسسات الإخوان للمرة الرابعة خلال عقد واحد، بينما فُرضت الإقامة الجبرية على السباعي، وأصيب بسكتة دماغية بعد فترة وجيزة.
وهو في العشرينات من عمره، رأى حديد أن النظام يشن حملة ضد الإسلام، لكنه لم يسعَ إلى مواجهة مسلحة مع السلطة، بل لجأ إلى منابر المساجد كأداة للضغط. بعبارة تلميذه “حمدو حمشو”: “كان يريد أن يُشعر الدولة العلمانية أننا موجودون”، حتى حديد نفسه أكد ذلك بقوله: “قلت للمحافظ، نحن أهل حماة نطالب بالإسلام ولن نلجأ إلى أسلوب العنف، وإنما بالتذكرة والنصيحة”.
لم تمضِ سوى بضعة أشهر بين عودة حديد الأخيرة من القاهرة وأحداث حماة، وسرعان ما بلغ الخلاف ذروته عام 1964 حين أشعل التوجه العلماني المتصاعد للنظام عصيانًا مدنيًا في حماة، وقد تعامل النظام مع الأحداث بشكل عنيف. حينها، ودون مشاورة الإخوان أو موافقتهم، قاد الشباب مروان حديد مسيرة احتجاجية أرعبت النظام لكثرة عدد المشاركين فيها. ووصف أمين الحافظ، هذه الأحداث بأنها: “ثورة كبرى قادتها المدينة بأكملها ضد البعث والدولة وجمعت كل الفئات ما عدا الاشتراكيين”.
أسهم نهج النظام في تفاقم الأوضاع، وعند تدخل الجيش، احتمى حديد ورفاقه في جامع السلطان، ومعهم أسلحة خفيفة للدفاع عن أنفسهم، كما جعل حديد من مئذنة جامع السلطان منصة إذاعية، يبث منها بيانات إرشادية للشعب، إضافة إلى رسائل موجهة للبعثيين ورجال الحكومة.
غير أن القوات حاصرت الجامع وقصفته بالمدفعية، مما أسفر عن انهيار مئذنته وسقوط عشرات القتلى، بينما اعتُقل من تبقى، ومن بينهم حديد، الذي لم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره آنذاك. وفي مذكراته، كشف مصطفى طلاس أن الرائد العلوي “عزت جديد” كان المسؤول عن قصف مسجد السلطان، ويُروى أنه عندما مد عزت جديد يده بعد ذلك لمساعدة حديد على الخروج من تحت أنقاض المسجد، قام الأخير بعض يده.
وفي النهاية، خضع لمحاكمة عسكرية علنية ترأسها كبار قادة النظام، وحضرها صحفيون أجانب بهدف تشويه صورته وإظهاره كمتطرف، لتنتهي بإصدار حكم الإعدام بحقه. لكن الشيخ الحامد، الذي لعب دورًا محوريًا في هذه الأحداث، تدخّلَ وأسهمت جهوده في الإفراج عن حديد، ويُقال إنه توجه بنفسه لإطلاق سراح تلميذه الذي شعر بالغضب من أستاذه، بسبب شكره لأمين الحافظ وتقبيل رأسه مثلما روى الحمش.
اللحظة المفصلية
لقد جعلت تصرفات حديد الجريئة منه بطلًا في نفسه وأمام أهل مدينته وذاع صيته في سوريا، لكن سحق الانتفاضة بهذه الطريقة، كان أيضًا بمثابة صدمة له، ذكرته من جهة بمدى ضعفه ورفاقه، ومن جهة أخرى، أدرك أن النظام مستعد للإجرام بصورة لم يسبق لها مثيل، ففي سابقة، قصف الجامع، واستخدام الدبابات، في حين كان سلاح حديد ورفاقه عددًا من المسدسات القديمة.
يندفع كثيرون لتأصيل العمل المسلح الذي سيقوده حديد بعد حادثة جامع السلطان بسبب تأثره بسيد قطب والمودودي، واستناده إلى فتوى ابن تيمية الموجودة منذ قرون، ومع ذلك، لا يقدم هؤلاء تفسيرًا واضحًا عن سبب قبول وانتشار هذه الفتوى في ذلك الوقت، إذ لم تكن هذه العوامل السبب الوحيد أو الدافع الرئيسي وراء معارضة حديد للنظام وإيمانه بالكفاح المسلح.
كان عداء حديد لنظام البعث قائمًا على ثلاثة أسباب رئيسية: أولها فكري، إذ دعا إلى الحكم الإسلامي والحفاظ على التقاليد، مستندًا إلى حجج فقهية تؤكد عدم جواز ولاية هؤلاء الحكام، ولم يكن موقفه هذا موجهًا للعلويين فحسب، بل شمل أيضًا البعثيين السنة.
أما السبب الثاني فكان شعوره العميق بالتهميش السياسي وتصاعد النفوذ العلوي في الحكم، بينما تمثل السبب الثالث والأهم، قصف جامع السلطان وما نتج عنه من مجزرة راح ضحيتها عشرات الأشخاص في حماة خلال يوم واحد، وكان معظمهم من المقربين إلى حديد.
في الواقع، ظل هذا الحدث محفورًا في ذاكرته، مما عزز قناعته بأن “البعث الكافر” كما أطلق عليه لا يمكن التصدي له إلا بالقوة، وتجلت صدمته بوضوح خلال محاكمته العسكرية حين قال: “ما كنت أظن أن أحدًا سيجرؤ على ضرب المسجد، مهما بلغ به الكفر والضلال، فالفرنسيون لم يضربوا المساجد”.
ومن هنا اقتنع قناعة تامة أن كل الجماعات الإسلامية لن تصمد أمام بطش النظام، واعتبر المواجهة المسلحة ضد البعث أمر لا بد منه، والأكثر لفتًا، توقعه بحدوث انتهاكات أكبر في حال لم تتحرك المعارضة المسلحة لمواجهة النظام. كما بدأ في التأكيد على “الطبيعة النصيرية” لنظام البعث، ويُروى أنه قال في عام 1965: “الآن النصيريون على الأبواب ويجب أن نعد قبل أن تصل النصيرية للحكم”.
أثارت قناعاته التي عبّر عنها بجرأة، جدلًا واسعًا في الأوساط الإسلامية السورية، وكما لاحظ عبد الله عزام الذي التقى بحديد شخصيًا في دمشق، لم يعرف الأخير طعم الراحة بعد منحه العفو عام 1964، إذ كان أشبه بقنبلة موقوتة على وشك الانفجار، خاصة مع استمرار تقييده ومنعه من التعبير بحرية عن آرائه، اعتقل النظام حديد عدة مرات بعد أحداث جامع السلطان، في أعوام 1966، 1967، 1968، 1970.

كذلك بعد أحداث جامع السلطان، التحق حديد بجامعة دمشق لدراسة الفلسفة وحمل شهادتها، رغم رغبته في دراسة الشريعة، إلا أن الظروف لم تسمح له بذلك. ولا يُعرف على وجه الدقة سبب اختياره الفلسفة، لكن تلميذه الحمش يرجح أن ذلك كان محاولة منه للتهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية، التي كان يعارضها بشدة.
سنوات عاصفة: النضال المسلح
إن عقل حديد الحاد وكارزمته منحاه إحساسًا بالفخر، يصل أحيانًا إلى حد التصلب، ولذا كثيرًا ما كان يُنظر إليه كرجل صعب المراس، لا يساوم على مبادئه، ويتسم بجديته الشديدة. أو بعبارة “سعيد حوى”: “مروان حديد يريد جميع أعضاء قيادة الإخوان أن يكونوا مثله”.
وحتى عام 1969، لم يتخذ حديد أي خطوة عملية نحو استخدام القوة رغم تأكيده على ضرورتها، إلا أن قيادات الإخوان رفضت توجهه، واعتبرته اندفاعًا وتهورًا، كما سارعت إلى تهميشه.
ورغم افتقاره لدعم الجماعة، عقد حديد اجتماعات في منزله ومسجده الصغير بحي البارودية، وألقى محاضرات في المساجد، محذرًا من مخططات البعثيين والنصيرية، ومستفيدًا من إخفاق الجيل الأول الذي جسده السباعي في تحقيق دولة إسلامية عبر صناديق الاقتراع. وتمكن من جذب العديد من الشباب الذين ضاقوا ذرعًا بسياسة الإعداد الطويل وانتظار اللحظة المناسبة، وعند اكتشاف قيادة الإخوان انخراط بعض شبابها معه، سارعت إلى فصلهم.
وبعد رفض الإخوان تبني رؤى حديد، قرر تحدي توجيهات قيادة الإخوان السوريين، فسافر في أواخر الستينيات إلى الأردن برفقة مجموعة من الشباب الذين استقطبهم من مسقط رأسه. هناك، انضم إلى معسكر أقامته فروع الإخوان تحت رعاية حركة فتح، وبسبب ذلك، قررت قيادة الإخوان فصله من التنظيم عام 1969.
حصل حديد ورفاقه على تدريبهم العسكري الأول واكتسبوا خبرتهم القتالية مع فدائيي الإخوان في الأردن أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. ومع ذلك، اضطروا إلى مغادرة البلاد بعد أن قام الملك حسين بتدمير العديد من هذه المعسكرات خلال أحداث أيلول الأسود عام 1970.
عند عودة حديد ورفاقه إلى سوريا، كان حزب البعث آنذاك في مرحلته الثالثة من الحكم، وتحقق ما حذر منه حديد، حيث تولى أول علوي في تاريخ سوريا السلطة، وهو ما اعتبره مؤامرة ضد الإسلام، بجانب أن حديد كان من أشد المعارضين لحافظ الأسد حتى قبل أن يكون رئيسًا.
ومرة أخرى حاول حديد إقناع الإخوان باللجوء إلى الكفاح المسلح، لكنه أصيب بخيبة أمل تجاه موقفهم، ومع ذلك، ازداد إصراره على الإطاحة بالنظام، فكرّس جهوده لتحفيز الشباب على النضال العسكري، حتى أنه كان يشتري السلاح بنفسه بالتقسيط من تجار وافقوا على ذلك احترامًا له.
في الواقع، ساهمت التطورات السياسية الكبرى في تأجيج الاستياء الشعبي ضد النظام، بدءًا من السياسات الاقتصادية والعلمانية، وصولًا إلى هزيمة 1967 وفقدان مرتفعات الجولان، وهي خسارة اعتبرها حديد إهانة وألقى باللوم فيها على البعث وألف العديد من القصائد يسخر فيها من البعث. كما زاد تدخل النظام في الحرب الأهلية اللبنانية وهيمنة العلويين على الحكم من حدة التوتر، وقد تأثر كل من سينتسبون لاحقًا إلى تنظيم حديد بهذا المناخ.
ورغم افتقار حديد للخبرة التنظيمية، كما أشار أبو مصعب السوري، إلا أن التدريب الذي تلقاه في الأردن عزز من عزيمته وثقته بنفسه. ويروي “عداب الحمش” أن حديد رفض بشكل قاطع تشكيل تنظيم جديد يكون مقابل الإخوان، ولحد آخر لحظة في حياته، كان يعتبر نفسه من الإخوان، لكنه انتقد إهمالهم للجهاد، وراهن على انضمامهم إليه، وقد ألح عليه تلامذته مرارًا، ومن بينهم عداب، الاستقلال بتنظيم منفصل عن الإخوان، وفي إحدى المرات، سأله عداب قائلًا:
“يا شيخنا أنت قلت لي مرات إن الإخوان يعتقدون بالديمقراطية وصناديق الاقتراع؛ لأنها تتناسب مع جبنهم وحبهم للحياة، وأنت تؤمن بالمنهج الجهادي في سبيل التغيير، ولم يتغيّر لديهم شيء، فلماذا نضيع وقتنا في انتظار أن تتغير القيادة المتخاذلة، وتأتي قيادة يمكن التفاهم معها؟”.
بحلول عام 1970، أسس حديد جماعته واستقل بنفسه عمليًا عن الإخوان، وبهذا أوجد ازدواجية وتنظيم داخل جماعة الإخوان المنقسمة، لكنه اعتبر تنظيمه جزء من الإخوان، وهو التنظيم الذي أطلق عليه الإخوان اسم “جماعة مروان”، وعرف بعد ذلك باسم “الطليعة المقاتلة لجند الله”.
ومع تصاعد أنشطته، انتقل حديد إلى مستوى العمل العسكري المنظّم، وسرعان ما أنشأ معسكرات تدريب سرية داخل سوريا كان يشرف عليها شخصيًا، وأدت مساعيه إلى نمو شبكة من الشباب الذين أرادوا تغيير الواقع. ويُلاحظ أن تنظيم حديد تمكن من جذب شباب إسلاميين من مختلف التوجهات، ولاسيما طلبة الجامعات الذين رأوا فيه قائدًا وبطلًا.
ولغرس روح الجهاد في نفوس أتباعه، وضع حديد رؤية للعمل، مستندًا إلى برنامج تربوي مستوحى من كتابات سعيد حوى وأفكار الإخوان. ففي دفتر سجله، يشرح زعيم الطليعة المقاتلة في دمشق الخلفية الفكرية لتنظيم حديد والمراحل التي وضعها لبناء تنظيمه، والتي تبدأ بالجانب الفكري ثم الإعداد والتدريب، وانتهاءا بالصدام مع النظام.

وقد حدد حديد أهدافه بثلاثة محاور: إقامة الدولة الإسلامية على نهج الخلافة، استنهاض طاقات السوريين لبناء الحضارة، واسترداد الأراضي الإسلامية، بدءًا بفلسطين ولبنان وصولًا إلى الأندلس والهند، ورأى أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحقيق هذه الأهداف.
في الواقع، لم يكفر حديد المجتمع السوري ولم يعده جاهليًا ولم يكن أيضًا منعزلًا عن الساحة الإسلامية، بل استمرت علاقاته مع الإخوان، والحركات السلفية والصوفية، وغيرها، وعن هذه الروابط، قال: “جميعهم إخوتنا، وعلاقتنا معهم قائمة على المودة والنصيحة”.
أما نظرة وموقف قيادة الإخوان لحديد في تلك الفترة، فيلخصه سعيد حوى في الجزء الثاني من مذكراته بقوله: “كان العديد من كبار الإخوان المسلمين يتوجسون منه، فبينما يفتخرون به علنًا، كانوا ينتقصونه سرًا.. ويرصدون حركاته وسكناته، ويخذلون عنه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا… وكانت قيادات الإخوان تشعر بأن مجموعات الشيخ مروان حديد ستورطها في معركة قبل إبانها وقبل إعداد العدة لها”.
النهاية المأساوية والمواجهة الأخيرة
بدلًا من توسيع آفاق المشهد السياسي، رسخ الأسد سلطة الأجهزة الأمنية والقوات الخاصة التابعة له، وبلغت التوترات ذروتها عام 1973 عندما سعى إلى تكريس التوجه العلماني للنظام. وبعد فترة وجيزة، أمر النظام بالقبض على كل من حرض على المظاهرات المناهضة للدستور، وكان على رأسهم سعيد حوى، الذي يقول:
“تحرك الشيخ مروان حديد رحمه الله حركته القوية بعد دخولي السجن، وأوجد تيارًا يؤمن بالثورة والعمل المسلح كطريق وحيد لإنقاذ سوريا، ووضع الجماعة أمام خيار وحيد، فإما أن تقبل الجماعة هذه الأعمال، أو أن قواعد الجماعة ستتحول إليه”.
مروان حديد – موقفه من دستور البعث
في تلك الفترة، وجد العديد من الشباب أنفسهم أمام خيارات محدودة، مما زاد من تأثير مروان حديد داخل الأوساط الإسلامية. تتضارب الروايات حول دور حديد في أحداث الدستور، يؤكد أقرب تلاميذه أنه لم يشارك فيها، لقناعته بعدم جدواها، إذ رأى أن التحركات السلمية التي قادها حوى والإخوان لن تؤدي إلى نتائج ملموسة، كما كان يؤمن بأن هذا النظام لا يستجيب إلا لمنطق القوة.
كثّف النظام جهوده للقبض على حديد، فنصحه رفيقه “حمدو حمشو” بمغادرة سوريا، لكنه رفض قائلًا: “لن أخرج من بلدي حتى يحكم الله بيني وبين عدوي”. واضطر بعدها إلى العيش متخفيًا، وقضى معظم وقته هاربًا في دمشق، متنقلًا بين عدة شقق لمدة عامين ونصف، عمل خلالها على جمع الأسلحة وتعزيز علاقته بأفراد تنظيمه.
في الحقيقة، لم يكن حديد يتجنب مواجهة النظام، بل كرّس نفسه لقضيته بوعي كامل لما قد يواجهه من عواقب. وقد عبر عن نفسه قائلًا:
كل ما أدريه أني .. فاقدًا يومًا لرأسي
في قتال أو بشنق .. في سلاح أو بدهسي
يتفق جميع من التقى حديد على شجاعته الفريدة، حتى أن عصام العطار وصفه بأنه كان أقوى من الموت. أما خالص جلبي، الذي عرفه شخصيًا، فقد أكد أن الموت نفسه، لو تجسد في هيئة إنسان أو كائن، لخاف من مروان.
وكما يتضح من أشعاره، فإن كان كل همه وكل مشاعره وأحاسيسه أن يكون شهيدًا، ولم يكن حديد مجرد شخصية حركية، بل كان أيضًا شاعرًا موهوبًا، شغوفًا بالإنشاد، خاصة الأناشيد الحماسية. وقد خلف ديوانًا حافلًا بالقصائد التي تناولت الاستشهاد، وتميزت أشعاره بمفردات تعكس معاناته العميقة.
وقد جسد في أبياته التضحية بالنفس كقيمة نبيلة، مع تصوير قاسٍ لمعاناته وتوقه إلى الخلاص، بعبارة حديد “لهيب الشوق للجنة”. وفي كثير من قصائده، لا يقتصر الأمر على التعبير عن اليأس، بل يتعداه إلى التلذذ بالموت، ومواجهة المحن، مؤمنًا بأن هذه الآلام ستشكل حافزًا لمن يأتي بعده لمواصلة الطريق، كما يقول في إحدى قصائده:
یا جراحی یا جراحي يا جراحي … أنت فخري أنت نوري مع صباحي
فيك أنسي فيك راحي وارتياحي … ونجاتي يوم حشر وفلاحي
مروان حديد ينشد على درب الحق مضيت
وكما أوضح تلميذه وكاتب سيرته عداب الحمش، فلم يكن حديد مختبئًا أو يعمل في الخفاء، بل كان واضحًا في نهجه، ومعتقده، وطريقته في مقاومة النظام. لكن كما يحلل أبي مصعب الذي درس تجربة حديد الجهادية بموضوعية، فقد افتقر حديد إلى الكفاءة في التنظيم والتخطيط والخبرة اللازمة لاتخاذ قرارات استراتيجية، ولم يدرس بدقة متطلبات إسقاط النظام، أو يراعِ الواقعين المحلي والدولي، كما لم يكن واقعيًا بشأن إمكانياته، ولم يضع تصورًا واضحًا لشكل الدولة والسياسة التي يسعى إليها.
يبدو أن استنتاجات السوري دقيقة، فعندما سُئل حديد عن استراتيجية الجهاد التي سينتهجها، سواء كانت حرب عصابات، أو اغتيالات، أو انقلابًا عسكريًا، أجاب: “كلها جائزة بأدلتها الشرعية”. كما رفض الاطلاع على مشروع تنظيمي أعده “عداب الحمش”، أحد أهم مساعديه، مبررًا ذلك بأنه يريد أفعالًا لا تنظيرات، الأمر الذي دفع الحمش إلى الابتعاد عن حديد، معلنًا رفضه الانخراط في تنظيم جهادي يفتقر إلى التنظيم والتخطيط.
وقبل وقت قصير من اعتقاله، دعا حديد إلى صحوة جهادية يقودها العلماء، فكتب من مخبئه في دمشق كتيبًا من نحو 40 صفحة، أرسله إلى علماء المحافظات، وسماه: “نداء إلى العلماء العاملين، والمسلمين المخلصين، والجماعات الإسلامية”. يجسد هذا البيان الرؤية التي تبناها لتنظيمه.
وتعكس الأسئلة التي طرحها حديد في بيانه الأخير عمق المأساة التي عاشها، إذ تضمن أسئلة تعبر عن غضبه واستيائه من الواقع، كما حمل توبيخًا شديدًا، ومعاني ثقيلة، وألفاظًا مباشرة تجاه علماء عصره، ندد بجبنهم، مؤكدًا أن أعذارهم ومواقفهم السلبية لن تحميهم من بطش النظام ولا من غضب الله، مخاطبًا إياهم بالقول:
“إن أخشى ما أخشاه عليكم إذا بدأ عباد الله بقتال أعداء الله أن تقفوا موقف المتفرج ولا تقاتلوا، فتكون النتيجة أن يسحقكم أعداء الله وأنتم في بيوتكم، ثم تذهبون بعدها إلى النار وغضب الجبار”.
من الواضح أن استجابة العلماء لبيان حديد كانت ضعيفة، فعندما وصل البيان إلى البوطي، وصفه بالجنون. ورغم إعجاب حديد بكتابات البوطي وحضوره صلاة الجمعة بإمامته في دمشق، فإنه لم يكن راضيًا عن مواقفه تجاه السلطة. في المقابل، كان الشيخ وهبي سليمان الغاوجي الوحيد الذي تفاعل إيجابيًا مع البيان، إذ بعث إلى حديد برسالة قال له فيها: “ما تقوله حق، ولكنني أجبن من أن أتحمل ذلك وأقوم به، أعانك الله ونصرك”.
بعد أيام قليلة من نشر هذا البيان، تمكنت المخابرات من تحديد موقع شقة حديد في دمشق وحاصرتها. كان برفقته آنذاك اثنان من طلابه وزوجته التي لم يدخل بها بعد. وبعد اشتباك عنيف استخدمت فيه القنابل اليدوية والرشاشات، انتهى الأمر بالقبض عليه.
وفقًا لرواية الشيخ عبدالله عزام، فقد واجه حافظ الأسد مروان حديد شخصيًا وعرض عليه العفو بشرط التخلي عن العمل المسلح، إلا أن حديد رفض العرض، مشترطًا إقامة دولة إسلامية، فما كان من الأسد إلا أن غادر الغرفة دون أن يعلق.
ثم بعد عام من اعتقاله، توفي مروان حديد في ظروف غامضة عن عمر ناهز 42 عامًا. وكان آخر ما قاله في سجنه الأخير: “الروح ستشرق من غدها .. وستلقى الله بموعدها”. ووفقًا لرواية النظام التي نقلها باتريك سيل، فقد فارق حديد الحياة في يونيو 1976 داخل مستشفى عسكري نتيجة إضرابه عن الطعام. ويزعم سيل أن حافظ الأسد حاول منع وفاته، بل وأرسل شقيقه كنعان، الذي كان حينها دبلوماسيًا في طهران، لمحاولة إقناعه بإنهاء إضرابه.

بينما يؤكد كثيرون أن وفاة حديد كانت بسبب التعذيب، ويقول مقربون منه أنه تعرض للتسميم بعد سبعة أشهر من التعذيب المستمر، كما فقد الكثير من وزنه حتى وصل إلى 45 كجم، وقد حكى حديد عن تجربته في السجن، وعبر عن ما جرى له بقوله: “إنني شهدت تعذيب الإخوان المسلمين بمصر وقرأت وسمعت عن مختلف أنواع التعذيب في العالم، إلا أنني لم أجد أخس ولا أحقر ولا أحط من زبانية حافظ أسد”.
الغائب الحاضر: إرث حديد وتأثيره المستمر
يصف الشربجي “معركة العدوي”، التي اعتُقل خلالها حديد عام 1976 وأفضت إلى وفاته، بأنها لحظة مفصلية، ورغم أنها أدت إلى شلل التنظيم، إلا أن النموذج الذي قدمه حديد ألهم الكثيرين لمواصلة طريقه، بل وأصبح أيقونة وشهيدًا في نظر التيار الجهادي الأوسع. وانتشرت الكثير من القصص حتى اليوم عن قوة وفضائل حديد، ورغم أن العديد من هذه القصص قد تكون مختلقة، إلا أنها تعكس الطريقة التي نُظر بها إلى حديد.
بعد موت حديد، استمر تنظيمه في العمل عبر عدة خلايا منتشرة في مختلف أنحاء سوريا، وتولى عبد الستار الزعيم مسؤولية تدريبها وتوحيد صفوفها. وفي 8 فبراير 1976، نفّذ “المروانيون” أولى عملياتهم، حيث اغتالوا رئيس مخابرات حماة، محمد غرة، ابن عم حافظ الأسد، ردًا على تعذيبه عددًا من الشباب حتى الموت.
وفقًا للشربجي، واصلت الخلايا التي أسسها حديد العمل بسرية تامة لمدة أربع سنوات، ثأروا خلالها ممن عذب حديد، واغتالوا كبار ضباط الأمن والشخصيات الموالية للنظام، إضافة إلى استهداف المنشآت العسكرية ومكاتب الحزب الحاكم، وسرعان ما بلغت العمليات ذروتها بهجوم مدرسة المدفعية في حلب عام 1979.
شكّلت هذه العمليات انتصارًا كبيرًا للطليعة، مُثبتة قدرتها على الاستمرار بعد وفاة زعيمها. أنكر الإخوان تورطهم في حادثة مدرسة المدفعية، لكن وزير الداخلية عدنان الدباغ اتهمهم بالمسؤولية عنها. وشنت أجهزة الأمن حملة واسعة، فانتشرت الحواجز، واعتُقل الآلاف، وقُتل العديد تحت التعذيب وأُعدموا، خاصة في سجن تدمر.
لم يلجأ إلى الإخوان إلى السلاح إلا عندما قرر النظام استئصالهم، ومع تصاعد القمع، تحالف الإخوان مع الطليعة المقاتلة، لكن لم ينخرطوا في الكفاح المسلح بجدية وافتقروا بشكل واضح للاستعداد، فيما نفذ تنظيم مروان معظم العمليات العسكرية.
ثم بعد مذبحة حماة، فر العديد من مقاتلو تنظيم حديد، وانضم بعضهم إلى المعركة في أفغانستان، حيث برزوا كقيادات مؤثرة في الحركة الجهادية، ومن أهمهم أبو مصعب السوري ورفيقاه أبو خالد السوري وأبو فراس السوري. أما من بقي في سوريا، فقد قضوا سنوات طويلة في السجون العسكرية.
ورغم ذلك، ظل حديد رمزًا ملهمًا لكل من أراد استئناف الجهاد ضد النظام. ففي آخر كتاب ألفه أبي مصعب عن سوريا، أهداه إلى مروان حديد، حتى وصية أبي مصعب التي كتبها في 2004، ذكر فيها مروان حديد ودعا الله أن يلحقه به.
في الواقع، بات مروان حديد شخصية بارزة في الأدبيات الجهادية وروج لأسمه باحترام وتقدير، حتى أن رابطة أدباء الشام وصفته بـ “رائد الدعوة والجهاد في بلاد الشام”. ورغم عدم تركه إرثًا كتابيًا، إلا أنه غالبًا ما يُقارن بسيد قطب، إذ كما رفض قطب الاستسلام للنظام المصري حتى وفاته في السجن، اتبع حديد النهج ذاته في مواجهة النظام السوري.
ومن اللافت أن الشيخ عبد الله عزام اعتبر مروان حديد مثله الأعلى، وأهداه كتابه “عبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر”، كما صرّح لاحقًا بأن حديد أشجع شخص التقاه في حياته.
تشكيل كتائب الطليعة المقاتلة
ثم مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حضر الإرث الجهادي لحديد بقوة، وعاد العديد من أعضاء الطليعة المقاتلة إلى سوريا لمواجهة نظام الأسد مجددًا. وخلال سنوات الثورة، ازداد تمجيد حديد بشكل لافت، حيث حملت العديد من السرايا والألوية والكتائب اسمه، بل أصبح اسمه رمزًا يُخلد في كبرى المعارك التي خاضتها الفصائل المسلحة.
وخلال تحرير سوريا، ولا سيما مدينة حماة في ملحمة ردع العدوان، برز اسم مروان حديد من جديد، ولا يزال دوره في الكفاح ضد النظام محورًا للقاءات التي أجريت مؤخرًا، كما زار العديد من الأشخاص ضريحه تخليدًا لذكراه.
وتكريمًا لاسم مروان حديد، قام بعض أهل حماة بترميم مسجده الذي عرف سابقًا باسم المدفن، إلا أنهم قاموا بتغيير اسمه بعد التحرير إلى مسجد الشيخ مروان، واليوم يتحدث سكان المدينة عن حديد بإعجاب، وعن دوره في تاريخ سوريا الحديث، وهي دلالة مهمة تعكس بوضوح، كيف سيؤثر ماضي تلك المدينة العريقة على حاضرها السياسي ومستقبلها.