ترجمة وتحرير نون بوست
أجلس مع مجموعة من الأصدقاء في مطعم في الهواء الطلق في أحد فنادق أربيل، بجانب مائدتي أسرة عربية فرت من أحداث العنف الأخيرة، أطفالهم يركضون بسعادة حولهم بينما يستمتع الكبار بالشواء والتدخين. على طوالتنا، كان النقاش طوال الوقت حول الصراع الجاري على بعد نصف ساعة من مكان جلوسنا، السيطرة على ثاني أكبر مدن العراق (الموصل) من قبل مجموعة منشقة عن القاعدة (داعش).
السؤال الذي كنا نحاول إجابته هو: كيف يمكن لبضع مئات من المقاتلين إحداث مثل هذه الهزيمة المذلة في غضون عدة ساعات بأكثر من 20 ألف جندي عراقي مسلحين تسليحًا جيدًا ودربهم وصنعهم الأمريكيون على أعينهم؟!
وجهة نظري أن ما حدث في الموصل لا ينبغي أن يشكل صدمة على الإطلاق، الأكراد العراقيون رأوا ذلك من قبل، أكثر من مرج! الجيش العراقي لديه تاريخ مذل من الهزيمة بعد الهزيمة، في عام 1988 خسر الجيش في حرب استمرت ثماني سنوات مع إيران، وفي عام 1991 خسر الجيش حرب الخليج الأولى وجزء معتبر من الشمال العراقي لصالح المتمردين الأتراك الذين كان ينتمي إليهم والدي والذين طردوا قوات صدام حسين من ثلاث محافظات عراقية ذات غالبية كردية (أربيل – دهوك – السليمانية).
وفي السنوات التالية، ومع حماية غربية عبر فرضها منطقة حظر طيران، أنشأ الأكراد العراقيون أول حكومة حكم ذاتي وبدأوا في بناء أجهزة ومؤسسات الدولة الحديثة.
لم يكن سبب الهزيمة الأخيرة للقوات العراقية عدم وجود تدريب أو معدات كافية، كما اعتقد بعض المحللين، لكن ذلك راجع لسبب أو لآخر لعدم وجود الإرادة.
ما حدث في الموصل ليس خسارة تقليدية ناتجة عن خلل في حجم أو نقص في الذخيرة، إنما يمثل التراجع فشلاً للنظرة السلطوية التي تتبناها النخبة الحاكمة منذ أن تأسست البلاد قبل قرابة قرن من الزمان: أيديولوجيا تدعم أي استخدام للقوة أيًا كانت لإجبار ثلاث مجموعات عرقية وطائفية مختلفة لديها تاريخ من الصراعات الدموية، إجبارهم على العيش معًا في بلد واحد تحت قيادة واحدة.
لقد حاول صدام حسين فعل ذلك، وقتل من أجل ذلك أكثر من 182 ألفًا من الأكراد وعشرات الآلاف من الشيعة، لقد استخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، وماذا حقق في النهاية؟ لا شيء!
وعلى مدى السنوات الثمان الماضية، كان الهدف الرئيسي للمالكي هو ذات هدف صدام: إجبار الجميع على العيش تحت حكمه في الوقت الذي يرفض أن يثق في الجميع باستثناء أقاربه الشيعة، ولو استمر على ذلك المنوال، فإن مصيره لن يختلف كثيرًا عن مصير صدام.
لا تنخدع بأن قائد الجيش ينتمي للأكراد، أو أن هناك بعض مسئولي السنة رفيعي المستوى، مثل نائب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية، لا شيء من ذلك يجعل الحكومة أقل طائفية، تقريبًا تكلم كل المسئولين من غير الشيعة عن عجزهم في تلك الحكومة، في الوقت الذي راكم المالكي فيه السلطة واستطاع بناء كتائب كاملة من الشيعة فقط لحماية نفسه والمقربين منه.
هذه الأحداث كلها بطبيعة الحال، لم تكن لتحدث لولا اللامبالاة، أو حتى الموافقة الضمنية من الولايات المتحدة، لم تختلف الولايات المتحدة كثيرًا في رؤيتها للعراق عن وجهة نظر المالكي، فهم لا يرون في العراق إلا “مشكلة أمنية” يمكن حلها بالمزيد من الأسلحة المتطورة وصواريخ هيلفاير وطائرات الهليكوبتر وإف 16 والمزيد من التدريب للقوات.
في هذا المطعم حيث نجلس، كلنا اتفقنا على سبب الأمن الذي نتمتع به الآن، منطقة كردستان إلى حد كبير أمة متجانسة، يحكمها الأكراد ويحميها الجيش الكردي الموالي والمعروف باسم البيشمركة أو ما يعني (أولئك الذين يواجهون الموت).
على الأرض، لم يعد العراق بالفعل كيانًا موحدًا، وما يريق الدماء أكثر في العراق، ليس الشقاق بين طوائفها أو الانشقاقات في شعبها، لكنه الكفاح من أجل الحفاظ على عراق موحد، الجميع يناضل من أجل وحدة العراق! ولا يكاد يخلو بيان للبيت الأبيض من التشديد على أهمية “وحدة العراق” و”سلامة أراضيه”.
ومن خلال تعزيز هذا المفهوم عن “وحدة العراق”، يعتقد الجميع أنهم يحاولون إنقاذ العراق، وهذا جُزئيا صحيح، ربما ينقذون أرض العراق، لكن هذا -قطعا- لن ينقذ العراقيين