يعتبر المكون الكردي في سوريا من المكونات التي تُغني الواجهة العرقية والإثنية المتشابكة في البلد الذي يشهد أزماتٍ متلاحقة لا تكاد تهدأ حتى تنفجر، إلا أن هذا المكون الذي يأخذ نسبة ما يقارب 6% من التركيبة السكانية للبلاد لم يشهد استقرارًا منذ ما قبل استقلال سوريا، وشهد العديد من النكبات والحروب والاستقطابات، وليس آخرًا بما زجت به المليشيات الانفصالية نفسها وأبناء جلدتها محاولة تحقيق أمنيات الكرد على حساب مدن وأعراق أخرى.
تعرض الكرد كثيرًا للتهميش والإقصاء في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، ولحقه بذلك ابنه بشار الأسد الذي حصلت في عهده أكبر حركة احتجاجية كردية عام 2004، ذهب ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، إلا أن اضطهاد نظام الحكم السوري جاء امتدادًا لتاريخ من القمع الذي واجه به هذه الأقلية.
ومنذ تفجر الثورة السورية كانت مناطق الكرد قد التحقت بركب المنتفضين حتى تدخلت الأحزاب الكردية لتمرير سياساتها ورفع شعاراتها والترويج لتنظيماتها، لتأتي الأيام وتنخرط تلك المناطق بالمعارك المشتعلة وأهمها الحرب ضد تنظيم “داعش” الذي كانت عاصمته في مدينة الرقة القريبة من عمق التواجد الكردي في شرق سوريا، تلك المنطقة التي تملك جزءً كبيرًا من ثروة البلاد النفطية.
تسعى تركيا اليوم مع قوات المعارضة السورية إلى إنشاء منطقة آمنة، إذ أنها أطلقت معركة نبع السلام على طول شريطها الحدودي ويشمل عدة مدن تتخذها المليشيات الانفصالية مراكز لها
ويتوزع الأكراد بشكل أساسي حسب الخارطة الجغرافية السورية على محافظة الحسكة وعدة مدن من ريف حلب، ويمتد تواجدهم على الشريط الحدودي مع تركيا، ويأتي هذا التوزع نتيجةً لاتفاقيات نهاية الدولة العثمانية. وكانت أقرت بعض الاتفاقيات بوجود إقليم للأكراد كاتفاقية سيفر عام 1920، إلا أن اتفاقية لوزان نسفت تلك الاتفاقية وجعلت ما رُسم في الاتفاقية ضمن حدود الدولة الكردية، مما جعل الأكراد ينتفضون بثورة الشيخ سعيد بيران التي قمعها أتاتورك، الأمر الذي دفع الألاف منهم للنزوح باتجاه المناطق السوريّة والاستقرار هناك.
ومع حالة الفوضى التي أعقبت قمع نظام الأسد العسكري للثورة الشعبية في سوريا، ظهرت مليشيات كردية وتمركزت في الشريط الحدودي التركي السوري، ما شكل مصدر قلق كبير لأنقرة، وتسعى تركيا اليوم مع قوات المعارضة السورية إلى إنشاء منطقة آمنة على طول الشريط الحدودي مع سوريا الذي يشمل عدة مدن وقرى كانت التنظيمات الكردية قد سيطرت عليها وتتخذها مراكز بها.
في التقرير التالي نستعرض التركيبة السكانية قبل عام 2011 للمدن الأبرز التي تحاول عملية نبع السلام الدخول إليها، ونلقي الضوء على الممارسات التي قامت بها القوات الانفصالية الكردية في هذه المناطق.
روج آفا
يطلق مصطلح “روج آفا” على المناطق التي يسعى أكراد سوريا إنشاء دولتهم أو إقليمهم عليها، وهي الكلمة الكردية المقابلة لغرب كردستان، وبنظر الأحزاب الكردية فإن المناطق التي يقوم بها الإقليم هي مناطق كردية الأصل، وتشمل روج آفا مناطق عين العرب “كوباني” وعفرين التابعة لمخافظة حلب، ومنطقة الجزيرة السورية.
أما بالنسبة للمدن التي يريد الجيشان السوري الوطني والتركي السيطرة عليها فهي تعتبر رئيسية لمشروع روج آفا والإدارة الذاتية للكرد، وهي قامشلي وعامودا والدرباسية والمالكية ورأس العين وعين العرب وتل أبيض. وسنفصل الحديث بشأنها.
القامشلي: تعتبر القامشلي خليط من السكان العرب والأكراد والسريان والأرمن والكلدان والآشوريين، وترتبط بهذه المدينة 133 قرية تسمى بريف القامشلي، وفي إحصاء جرى في عام 2004، بلغ تعداد سكان المدينة مع ريفها مايقارب 233 ألف نسمة، ويبين الإحصاء أن نسبة الكرد من هذا العدد هي 39%. في أواخر عام 2011 خرجت في المدينة تظاهرات ضد النظام السوري، وتسلم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إداراتها.
رأس العين: وهي المدينة التي تدور المعارك حولها بين مقاتلي الأكراد من جهة والجيشان التركي والسوري الوطني من جهة أخرى، وتعتبر هذه المدينة مهمة للمشروع الكردي، ويشكل الكرد في هذه المدينة نسبة 10% من السكان، ويرتبط بمركز المدينة أكثر من 265 قرية ذات غالبية عربية، وفي رأس العين صدرت العديد من الاتهامات للمليشيات الكردية بانتهاكات، كالضغط على الأهالي بغية تهجيرهم بالإضافة إلى تجنيد الأطفال.
ومن القرى التي تم تهجير أهلها العرب في رأس العين: فريسة طيء، فريسة الشرابيين، فريسة وسطى، فريسة شرقية، تل بلال، الصالحية، شكيان، فريسات، المحو، مزارع محيطة”، فيما جرفت القوات الانفصالية منازل لسكان متهمون بالانتساب للجيش الحر وتنظيم “داعش”.
مدينة رأس العين
تل أبيض: سيطرت قوات عملية نبع السلام على هذه المدينة منذ أيام، وطردت منها المليشيات الكردية التي سيطرت عليها عام 2015، وكانت قبل ذلك تحت سيطرة تنظيم “داعش”، إلا أن الوحدات الكردية بعد سيطرتها لم تلق قبولًا من سكان هذه المدينة ذات الغالبية العربية، ويبلغ تعداد المدينة 300 ألف نسمة بحسب إحصاء عام 2010 منهم 30 ألف نسمة من المكون الكردي.
ويبلغ تعداد قرى ومزارع منطقة تل أبيض يبلغ 630 قرية من بينها 27 قرية فقط تقع في ريف تل أبيض الغربي الممتد إلى منطقة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، وفي عام 2015 اتهمت منظمة العفو الدولية القوات الكردية بإجراء حملات تطهير عرقي وتهجير في المدينة.
وتشير التقارير قيام وحدات الحماية الشعبية الكردية بحملات تهجير في القرى العربية ومنها “المغات، وسلوك، ورنين، والحصوية الكبرى، والحصوية الصغرى، وأم كبير، وأم كهيف، والناعم، والحنوة الكبرى، والحنوة الصغرى، والفسطاط، والخولة، وتل الشوك، والحسينية، وعكاظ، والجزعة، والبكارية والهلالية، والعشرة، وتل مجدل، والأغبيش”.
وبحسب مدونة “نصح” السورية، فإن “معظم هذه الممارسات حصلت في محيط الحسكة وتل أبيض حيث يشكّل ضعف الوجود الكردي فيها خطراً على مشروع الإدارة الذاتية، الأمر الذي يفسر اندفاع وحدات الحماية الشعبية في تعزيز وجودها العسكري فيها إبعادًا لأي تهديد ديموغرافي سكّاني مستقبلي”.
عين العرب: تتبع هذه المدينة لمحافظة حلب إداريًا، ويوجد فيها خليط من الأكراد والعرب والأرمن والتركمان، إلا أن مركز المدينة يعتبر ذو غالبية كردية أما الريف فهو ذو غالبية عربية كبيرة، ويشكل الأكراد من النسبة الكلية لمنطقة عين العرب 47% من تعداد السكان البالغ 192.500 نسمة.
واجهت عين العرب أو “كوباني”، معركة هجوم شديد من تنظيم “داعش” إلا أن المقاتلين الأكراد وبدعم من طيران التحالف الدولي صمدوا بها، وأصاب المدينة دمارًا كبيرًا، وتحتل المدينة مكانة معنوية كبيرة لدى الكرد خاصة وأنها تشكل إحدى المقاطعات الثلاث التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي في إطار ما عرف بمشروع الإدارة الذاتية.
عامودا: هي ناحية تتبع لمنطقة القامشلي، يرتبط بها 165 قرية، بلغ عدد سكانها 56101 نسمة سنة 2004 نصفهم في المركز والنصف الآخر في القرى، بلغ عدد الأكراد 50.529 نسمة من إجمالي السكان في هذه الناحية وقراها، وبهذا تبلغ نسبة المكون الكردي 90% من عدد السكان.
الدرباسية: هي ناحية تتبع لمنطقة رأس العين، يبلغ مجموع قراها 204 قرية، عدد سكانها الكلي 55.614 نسمة، وتبلغ نسبة المكون الكردي الإجمالية فيها 65%.
المالكية: هذه المدينة تابعة لمحافظة الحسكة ويرتبط بالمركز 106 قرية يضاف إليها 34 تجمع سكان متفرع عنها ليصبح المجموع 140 قرية مجموع سكانها 84.500 نسمة، وبذلك يكون مجموع عدد سكان المنطقة كاملة 110.855 نسمة، ويشكل الأكراد فيها الأغلبية بواقع 72% من سكان المنطقة.
(عشر معلومات مهمة قد لا تعرفها عن قسد وشرق الفرات!) اختلطت الأمور فيما يخص قسد على قسم كبير من الشعب السوري، خاصة حول…
Posted by مهند الكاطع on Wednesday, October 9, 2019
ويذكر الباحث المتخصص في المسألة الكردية السورية، مهند الكاطع، أن مناطق شرق الفرات تُشكّل ٤١% من مساحة سورية بينما يشكل سكانها ١٧% فقط من سكان سورية يتوزعون على النحو الآتي (٨٣% عرب، ١٢% أكراد، ٥% بقية المكونات من تركمان، سريان، آشور، أرمن، شيشان).
إلى ذلك، ومن خلال هذه الإحصائيات يتبين أن غالب هذه المناطق ذات غالبية عربية وليس كما تدعي المليشيات الكردية، لتحقيق حلمها وتأسيس مشروعها عبر التهجير والتغيير الديمغرافي ومحو معالم المدن عبر الانتهاكات وسط تغافل دولي عن هذه الممارسات، إلا أن الجيش التركي والسوري الوطني ومن خلال عملياتهم العسكرية، يقولون إن معاركهم تهدف إلى إرجاع أصحاب الأرض الذين هُجروا منها وإعادة اللاجئين لمنطقة خالية من التهديدات.