بدايات مبكرة لحمّى انتخابية سابقة لأوانها قبل حلول العام 2021، وهو موعد نهاية ولاية الحكومة المغربية الحاليّة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، وهي حكومة تتشكل من خليط هجين من الأحزاب منها الإسلامي والاشتراكي والليبرالي فضلاً عن وزراء السيادة “التكنوقراط”، وضمت الحكومة أيضًا حزبًا شيوعيًا (سابقًا)، إلا أنه انسحب عشية إعلان التعديل الوزاري، وبينما كان الصراع الإيديولوجي عنوان برنامج الأحزاب في فترة ما بعد الاستقلال، أضحى المشهد الحزبي الوطني بائسًا، بعدما أصبح التنافس على المواقع والهاجس الانتخابي واقع حال الممارسة السياسية بالمغرب، واتضح جليًا أن السياسيين لا يحبون بعضهم حتى لو انتسبوا إلى نفس العشيرة.
اختطاف “المصباح”
أزمة داخلية غير مسبوقة يعيشها حزب العدالة والتنمية منذ إبعاد عبد الإله بنكيران عن رئاسة الحكومة وتعيين سعد الدين العثماني بديلاً له، واحتد الصراع بعد محاولات بعض القياديين تعديل المادة 16 من النظام الداخلي للحزب من أجل السماح لبنكيران بالترشح لولاية ثالثة، التي تنص على حصر ولاية الأمين العام للحزب في ولايتين، إلا أن المؤتمر الثامن للحزب الإسلامي الذي انعقد في ديسمبر/كانون الأول 2017 أسفر عن انتخاب العثماني أمينًا عامًا.
كاد الرأي العام أن ينسى الأزمة الداخلية للحزب الإسلامي الذي تبوأ المرتبة الأولى في الاستحقاق الانتخابي، إلى أن خرج عبد الإله بنكيران ليعلن استياءه وامتعاضه من تدبير الحكومة التي يقودها خلفه العثماني
بدا عبد الإله بنكيران آنذاك كمن يريد اختطاف حزب “المصباح” بأي ثمن، من خلال تعديل المادة التي تخوّل له التقدم لولاية ثالثة، وسد الطريق أمام الوزراء في الأمانة العامة، ومنذ ذلك الحين ما زال الحزب منقسمًا إلى تيارين: الأول يناصر بنكيران ويأمل عودته لزعامة الحزب، في حين يشمل التيار الثاني الوزراء داخل العدالة والتنمية والموالين لهم من قيادات وأعضاء الحزب.
كاد الرأي العام أن ينسى الأزمة الداخلية للحزب الإسلامي الذي تبوأ المرتبة الأولى في الاستحقاق الانتخابي، إلى أن خرج عبد الإله بنكيران ليعلن استياءه وامتعاضه من تدبير الحكومة التي يقودها خلفه العثماني، بعد اعتماد البرلمان للقانون الإطار الخاص بمنظومة التربية والتكوين، حيث يقضي بتدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، واعتبر الزعيم السابق للعدالة والتنمية أن التنازل عن اللغة العربية جعل الحزب أضحوكة الزمان، ولم تتقبل قيادات الحزب انتقادات بنكيران القاسية، فأعلن العثماني فيما يشبه الرد المبطن بأنهم لم يتخلوا أبدًا عن مرجعياتهم الإسلامية، مشددًا أن العدالة والتنمية حزب مؤسسات وليس حزب أفراد.
“الجرّار”.. قرارات فردية وانتقام
تؤشر الصراعات داخل الأحزاب إلى بداية التصدع داخل هذه التنظيمات، وحتى ولو كانت هذه الأحزاب تقدم نفسها كمؤسسات سياسية متراصة البنيان، إذ غالبًا ما تقف وراء هذه الصراعات، الحسابات السياسية والشخصية القديمة التي تتجدد من حين إلى آخر.
مخاطر الانهيار تحدق بحزب الأصالة والمعاصرة الذي حل ثانيًا من حيث عدد الأصوات في استحقاقات أكتوبر/تشرين الأول 2016، حيث يمر بمرحلة دقيقة تضعه على مفترق طريقين لا ثالث لهما، منذ استقالة الأمين العام السابق إلياس العماري من منصبه الذي اتُهم بالتحكم به وبالانفراد في اتخاذ القرار.
تصاعدت وتيرة الخلاف داخل الأصالة والمعاصرة بعدما قرر الأمين العام للحزب الانتقام من الأصوات المعارضة له من خلال عزل نائب الأمين العام أحمد أخشيشن من منصبه، وإعلان شغور منصب الأمين العام الجهوي في تسع جهات
ويعاني حزب “الجرّار” من خلافات حادة بين أمينه العام الحاليّ حكيم بنشماس، وقيادات تعارض استمراره على رأس الحزب، ويَعتبر العديد من المراقبين وبعض قياديي “الأصالة والمعاصرة” أن لب الأزمة ضعف القيادة، فيقول عبد اللطيف وهبي عضو المكتب السياسي: “منذ أن تسلم رئاسة الحزب وبنشماس يراكم الأخطاء من قبيل أخذ القرارات بشكل فردي إذ لا يستشير القيادات الأخرى في الحزب، بالإضافة إلى قيامه ببعض التجاوزات، كما يخدم أجندة حزب آخر من داخل حزبنا، وليس له القدرة لا على حل المشاكل ولا على الحوار، إنه يركز فقط على تصفية الحسابات”، وفق تعبير القيادي في الحزب.
تصاعدت وتيرة الخلاف داخل الأصالة والمعاصرة بعدما قرر الأمين العام للحزب الانتقام من الأصوات المعارضة له من خلال عزل نائب الأمين العام أحمد أخشيشن من منصبه، وإعلان شغور منصب الأمين العام الجهوي في تسع جهات، كما طعن بنشماش في شرعية استمرار اجتماع اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الرابع للحزب، لكن هذه اللجنة اختارت تحدي الأمين العام واستكملت تشكيل لجانها وترتبيها لعقد المؤتمر الوطني الرابع للحزب واستقر رأيها على تحديد موعد انعقاده بتاريخ 13 و14 و15 من ديسمبر/كانون الأول 2019.
يوصف حزب الأصالة والمعاصرة بأنه حزب إداري تقف وراءه السلطة، سعى إلى التضييق على الإسلاميين في الساحة السياسية والظفر برئاسة الحكومة، وقد أصبح قوة سياسية في وقت وجيز، فكان تأسيسه سنة 2008 على يد المستشار الملكي فؤاد عالي الهمة، الصديق المقرب من العاهل المغربي، الذي شغل آنذاك منصب أمينه العام قبل أن يتخلى عن الحزب، بعد احتجاجات حركة 20 من فبراير 2011 التي دعت إلى حل هذا الحزب، لكن سرعان ما ارتحل عدد كبير من السياسيين والوجوه البارزة من أحزاب عريقة إلى حزب الأصالة والمعاصرة.
مواجهات سالت فيها الدماء
حزب الاستقلال يشهد بدوره صراعًا دمويًا بين تيار القيادي حمدي ولد الرشيد وتيار نزار بركة الأمين العام للحزب، حيث تحول اجتماع للمكتب التنفيذي للشبيبة الاستقلالية يوم الإثنين 6 من مايو/أيار 2019، إلى مواجهة سالت فيها الدماء، ويعود سبب هذا الصراع إلى خلافات برزت منذ سنة بشأن سعي أنصار ولد الرشيد للهيمنة بعد حضور عدد من الموالين له لاجتماع المجلس الوطني رغم أنهم ليسوا أعضاءً فيه، واحتج عدد من الأعضاء على ذلك بانسحابهم من الاجتماع الذي انعقد في مارس/آذار 2018 من أجل انتخاب اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني المقبل، إلا أن أنصار ولد الرشيد واصلوا الاجتماع وانتخبوا لجنة تحضيرية تضم 40 شخصًا منهم 30 ينحدرون من العيون (جنوب المغرب).
أوضح الأمين العام للحزب محمد العنصر أن “التيار الذي قام بالشغب جند عناصر من الجنوب والشمال وحول القاعة إلى حلبة مصارعة، بعد أن تبين له أن حظوظه في الفوز ضعيفة جدًا”
“حلبة ملاكمة” هو عنوان المواجهات الدامية بالكراسي التي شهدتها الدورة العادية للمجلس الوطني لشبيبة حزب الحركة الشعبية، الذي انعقد مطلع أكتوبر/تشرين الأول الحاليّ، وأسفرت هذه المواجهات عن إصابة بعض الأعضاء ونقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاجات، ودار الخلاف أساسًا، بعد تبادل اتهامات بين تيارين متصارعين بتزوير لائحة أعضاء المجلس الوطني للشبيبة، بعدما لم يتمكنا من وضع لائحة مشتركة للتصويت عليها، فيما أوضح الأمين العام للحزب محمد العنصر أن “التيار الذي قام بالشغب جند عناصر من الجنوب والشمال وحول القاعة إلى حلبة مصارعة، بعد أن تبين له أن حظوظه في الفوز ضعيفة جدًا”.
صراع محموم يُهدّد بالانشطار
العام الماضي، تفاقم الصراع داخل حزب التقدم والاشتراكية، وظهر تيار معارض تحت اسم “قادمون”، ويطمح التيار المعارض داخل الحزب إلى “تصحيح مسار الحزب ومواجهة الانحرافات التي تسبب فيها “المتحكمون” في دواليب حزب التقدم والاشتراكية وعلى رأسهم أمينه العام محمد نبيل بنعبد الله، حسب ما رمى إليه المنتسبون لهذا التيار الذي رفض من الأساس دخول حزب التقدم والاشتراكية في تحالف سياسي مع حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة منذ العام 2012، حيث يعتبره “نزوحًا عن الخط الأيديولوجي والفكري الذي يتبناه الحزب مند نشأته”.
لا يعكس هذا الصراع دينامية الممارسة السياسية بالمغرب، لأن السياسيين يدبرون أمورهم بطريقة تتسم بالخلاف والمناوشات التي تصل إلى العراك في بعض الأحيان، وتبرر هذا الصراع مطامح بالظفر بمواقع حكومية وقيادية داخل الأحزاب بغية الاستعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وقد يهدد هذا الصراع المحموم بانهيار الحزب السياسي وجعله أكثر عرضة للانشطار.