من بلاد فارس إلى أسبوع الموضة في باريس: فن قديم ما زال حيًّا

يلون الفنان محمد جبار خاتري الوردة باللون الأحمر

ترجمة وتحرير نون بوست

في قرية صغيرة غرب الهند يقضي أفراد مجتمع خاتري معظم اليوم في ورشهم، حيث ينكبون على قطعة من القماش ويمسكون في إحدى يديهم إبرة وفي راحة اليد الأخرى قطعة سميكة من اللون، بعدها يغمسون الإبرة في اللون ليصنعوا مادة هلامية طويلة تشبه الخيط، يرسمون بها أشكالًا معقدة على قطعة من القماش، وفي بعض الأحيان يطوون القماش للحصول على صورة طبق الأصل.

خلال تلك العملية لا تلمس الإبرة القماش أبدًا، هذا الفن التقليدي الذي أصبح مهجورًا تقريبًا منذ نصف قرن أهداه رئيس الوزراء الهندي للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كما أنه ظهر مؤخرًا في أسبوع الموضة بباريس.

يقول أفراد خاتري في قرية نيرونا – الذين أطلقوا على هذا الفن الفارسي القديم اسم “روجان كآم” – إنهم يحتفظون به منذ 8 أجيال، لكن هذه الممارسة أقدم من ذلك رغم أنه من الصعب الوصول إلى سجلاتها التاريخية، والآن تعمل عائلتان فقط في هذا الفن بالوقت الحاضر.

لإعداد اللون يُغلى زيت الخروع في إناء لمدة 10 ساعات

يقول الفنان المخضرم عبد الغفور داوود خاتري – 54 عامًا – الذي يعود له الفضل في إحياء الفن بعد توقف 30 عامًا: “كان هذا الفن موجودًا سابقًا في 3 قرى بمدية كوتش، لكنه الآن مقتصر على عدد قليل منا، ربما يكون هناك عدد من الفنانين في قرى أخرى لكن الكثيرين تركوا الأمر بسبب القيود المالية وعدم الاعتراف بهم”.

مهمة شاقة

في اللغة الفارسية كلمة “روجان” تعني “الزيت”، لإعداد اللون يغلي الفنانون زيت الخروع في وعاء لمدة تتجاوز 10 ساعات حتى يصبح قوام الزيت كثيفًا يشبه الهلام، ثم بعد ذلك يُخلط بالماء لتشكيل عجينة لزجة يُضاف إليها صبغات طبيعية لمنحها اللون.

يقول رضوان خاتري – 26 عامًا – فنان روجان من العائلة الثانية في نيرونا: “نستخدم الفحم للحصول على اللون الأسود ونستخدم الصخور للحصول على اللون البني، وفي بعض الأحيان نضيف صبغات مطحونة على هيئة بودرة موجودة في الأسواق”، يضيف رضوان وهو يفتح علبة من الألوان تحتوي على عدة درجات للأصفر: “صنع الألوان مهمة شاقة، يستغرق الأمر 3 أيام لإعداد اللون ويستغرق 15 يومًا ليجف لذا نحتاج إلى إعادة العملية بعد أسبوعين لنمنع جفافه، كما أننا نبقيه في الماء طوال الوقت”.

يعود الفضل إلى عبد الغفور داوود في إحياء فن الروجان

 

وفقًا للفنانين فإن فن الروجان وصل الهند منذ 300 عام من البلاد التي تُسمى الآن إيران، ووصل أولًا إلى السند – جزء من باكستان – ثم إلى القرى القاحلة المحيطة بنيرونا، وفقًا للتقاليد كان الفنانون يستخدمونه عادة في ملابس الزفاف لصنع أشكال وردية بألوان مختلفة، يقول رضوان: “ما زلت أملك تلك التنورة الغجرية البالغ عمرها 40 عامًا التي صنعها أجدادي، كانت نساء الرباري (مجموعة عرقية هندية قديمة) يرتدونها في حفلات الزفاف”.

عمل شاق

تطور شكل الفن بمرور الوقت وأصبحت الأنماط أكثر تعقيدًا وتوسع العمل ليشمل أغطية السرير والوسائد والمعلقات على الجدران، يقول رضوان: “اعتاد أجدادنا رسم خطوط سميكة كما ترى، لكن عندما تنظر إلى تصميماتنا ستجدها أكثر تفصيلًا وكثافة، يعمل والد رضوان وشقيقيه بنفس الحرفة، يقول رضوان: “لم يعد والدي يستطيع الجلوس لفترات طويلة وصنع أشكال متقنة بسبب ضعف بصره، لذا بعد عمر الـ50 يميل الناس إلى رسم أشكال بسيطة”.

لم يرسم فنانو الروجان الصورة أبدًا قبل تلوينها، إنهم يمسكون الإبرة ببساطة ويبدأون في الرسم وهم يجلسون عادة على الأرض، عادة ما يكون الشكل وردة أو شجرة أو طاووس أو أشكال هندسية، ويستغرق الأمر 10 أيام لإنهاء قطعة، يقول رضوان: “لا يتأثر اللون أبدًا حتى بعد غسيله”.

أصبحت أشكال الروجان أكثر تعقيدًا وتشمل أغطية السرائر والوسائد

بالنسبة للمبتدئين فهم يحتاجون إلى قضاء 12 ساعة يوميًا لتعلم الحرفة، يقول رضوان: “عندما بدأت التعلم كنت أجلس نصف اليوم مستغرقًا في العمل، الآن أقضي 6 ساعات يوميًا”، خلال تلك الفترة لا يقاطعه إلا صوت أخته الكبرى وهي تبعد الأطفال عن عتبة الباب وهم يصرخون: “أعطنا أقلام”، أحد هؤلاء الأطفال هو سليمان الابن الأصغر لعبد الغفور خاتري.

يقول عبد الغفور: “أرغب حقًا في أن يتعلم ابني الروجان عندما يكبر، عندما كنت صغيرًا واجهت أسرتي بعض الصعوبات ولم يكن لدي الفرصة لمواصلة التعليم فقد كنا فقراءً، كنت أعمل في أي مهنة يدوية حتى لو كنت سأحصل على 5 روبيات فقط (71 سنتًا) وأحيانًا اثنين، لكن لحسن الحظ تغير الوضع”.

مثل العديد من فناني الروجان، انتقل عبد الغفور إلى المدن الكبيرة للبحث عن فرص مالية جدية في شبابه، يقول عبد الغفور: “لم يحدث شيء حقيقي في القرى، فالناس هجروا الفن، في عام 1980 انتقلت إلى أحمد آباد للعمل في مصنع، كانوا يدفعون لي 500 روبية في الشهر (7 دولارات)، ثم انتقلت إلى بومباي لأداء وظيفة مشابهة، وفي عام 1985، طلب مني جدي أن أعود إلى القرية حيث يحتاج إلى مساعدة في إنهاء مشروع روجان حصل عليه من الحكومة، لذا عدت إلى القرية ولم أخرج منها ثانية”.

الاعتراف

في مطلع هذا العام تلقى عبد الغفور جائزة “بادما شري” رابع أعلى جائزة مدنية في الهند من الحكومة الهندية لإحياء هذه الحرفة القديمة والحفاظ عليها، يقول عبد الغفور: “كان أجدادنا منسيين معظم الوقت ويستخدمون فنهم لأجل رعاة الجمال والمجتمعات الرحالة في كوتش، فحتى والدي عمل في وظائف أخرى وكان يعمل بالفن في الأوقات البينية، أعتقد أننا نتلقى هذا التكريم الآن تتويجًا لتلك الجهود”.

كانت مجموعة المصممة ساليتي ناندي المعروضة في أسبوع باريس للموضة مستوحاة من فن الروجان

عام 2014 أهدى رئيس الوزراء الهندي مودي لوحة “شجرة الحياة” التي صنعها عبد الغفور للرئيس الأمريكي السابق أوباما، كما اختار العديد من مصممي الموضة والطلاب بعض التصميميات لعرضها في أحداث الموضة الدولية مثل أسبوع الموضة في باريس، حيث تعاونت المصممة الهندية ساليتا ناندا مع رضوان من أجل مجموعتها المعروضة بعنوان “أوفيليا” في باريس هذا العام.

يقول رضوان: “إنها قصة شيقة، فقد جاء إلى ورشتي بعض طلاب الموضة لرؤية الأشكال الفنية ومعرفة قصتها، بعد ذلك أوصلني أحدهم بساليتا التي مهدت الطريق بعد ذلك لباريس، كما أننا تعاوننا معًا في أسبوع “لاكمي” للموضة في مومباي قبل عامين”.

دور النساء

غالبًا ما يزين فن الروجان ملابس النساء، لكنه كان عادة من عمل الرجال، يقول محمد جبار خاتري ابن عم عبد الغفور وفنان روجان: “يقول البعض إن النساء مُنعن من تعلمه لأنهن سيفشين السر في منزل آخر عندما يتزوجن، لكنني أعتقد أنهن شاركن في أعمال الصباغة وبعدها كن يقضين الوقت في الأعمال المنزلية لذا لم يتعلمنه أبدًا”.

أهدى رئيس الوزراء الهندي لوحة "شجرة الحياة" للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما

قبل 9 سنوات بدأ عبد الغفور في تدريب الفتيات والنساء في قريته، يقول جبار: “إنها خطوة كبيرة بعيدة عن التقاليد، لكنه درّب حتى الآن أكثر من 300 فتاة وامرأة”، قلده الآخرون وبدأوا في تعليم الفتيات برعاية منظمات محلية غير ربحية وبمساعدة الحكومة.

في الوقت الحاليّ، ينظم الفنانون برامج تدريبية في مختلف المدن والقرى كل عام، فهم يعلمون المتدربين كل شيء عدا صناعة الألوان يبقونها سرية، أما سليمان ابن عبد الغفور وشفاء ابنته فلم يجيبا عندما سألناهما إذا كانا سيتعلمان المهنة عندما يكبران، لكن سليمان كان سعيدًا بالقلم أما شفاء فكانت تقف في الزاوية وتبتسم.

  المصدر: ميدل إيست آي