آمال وتحديات.. هل يصمد اتفاق دمج قسد أمام العقبات؟

أطاحت اتفاقية إدارة دمشق مع قوات سوريا الديمقراطية التي تقضي باندماج مؤسسات “قسد” العسكرية والسياسية والمدنية في مؤسسات الجمهورية العربية السورية، بمخططات ودعوات تقسيم سوريا، بعد مفاوضات استمرت عدة أسابيع، في سياق خطوات إدارة دمشق للحفاظ على وحدة البلاد.
وأشعل الاتفاق فرحة عارمة في البلاد، وصفت بثاني فرحة بعد فرحة التحرير في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، تمثلت في امتلاء ساحات محافظات الرقة، الحسكة، دير الزور، حلب، دمشق، حمص، حماة، اللاذقية، طرطوس، وميادين مدن كثيرة أخرى، بالمحتفلين الذين عبروا عن فرحهم في عودة مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة “قسد” إلى سلطة الحكومة المركزية في دمشق بناءً على الاتفاقية.
وجاءت الاتفاقية بين الأطراف السورية في وقت تعيش فيه البلاد ظروفًا حرجة، أمنيةً واجتماعية، حيث سبقها هجمات لفلول النظام السابق على منطقة الساحل.
ورغم تحديات تطبيق بنود اتفاق دمشق وقسد إلا أنه يمهد لرسم ملامح مشهد جديد في سوريا، بعد سقوط النظام السابق، لتكون البلاد لأول مرة موحدة جغرافيًا منذ أكثر من 14 عامًا، مرت خلالها بمنعطفات عديدة أوصلتها حد تمزق الأوصال جراء تداخلات المصالح الإقليمية والدولية.
بنود اتفاقية دمشق وقسد
ويقضي الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري، أحمد الشرع، مع قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في العاصمة دمشق الإثنين 10 مارس/ لآذار الجاري، باندماج كوادر قسد العسكرية والسياسية والمدنية في مؤسسات الدولة السورية، في خطوة وصفت بـ”التاريخية”، لما لها من تأثيرات في رسم مستقبل البلاد.
وتضمنت الاتفاقية ثمانية بنود، وهي: ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، دون تمييز ديني أو عرقي؛ والاعتراف بالمجتمع الكردي كجزء أصيل من الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستورية، ووقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية لإنهاء النزاع المسلح.
إضافةً إلى دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما يشمل المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز، وتأمين عودة جميع المهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وضمان حمايتهم من قبل الدولة السورية.
ودعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد وجميع التهديدات التي تستهدف أمن سوريا ووحدتها؛ ورفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفرقة بين كافة مكونات المجتمع السوري، بينما تضمن البند الأخير، تطبيق الاتفاق خلال مدة لا تتجاوز نهاية العام الحالي.
ورحب مجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، في الاتفاقية عبر بيان جاء فيه: إن الاتفاق “خطوة أساسية نحو بناء سوريا جديدة، دولة ديمقراطية تعددية تحترم حقوق جميع مكوناتها، وتستند إلى دستور يعبر عن إرادة السوريين والسوريات، ويؤسس لجمهورية حديثة تتناسب مع تطلعات الشعب السوري وتضحياته”.
واعتبر أن الاتفاق “يعكس الحاجة الملحة إلى مرحلة قائمة على الشراكة الوطنية والاعتراف المتبادل والعدالة السياسية بين جميع السوريين دون استثناء”، كما أكد، على “أن نجاح الاتفاق مرهون بمدى التزام جميع الأطراف بروح التغيير الحقيقي، والعمل على بناء دولة ديمقراطية حديثة تحترم إرادة شعبها”.
تحديات تطبيق بنود الاتفاقية
بنود الاتفاقية، غير التفصيلية، والضبابية التي تلفها، أثارت تحفظات السوريين، بسبب وجود معوقات وتحديات تسهم في تأخير تطبيقها، نتيجة وجود مقاتلين أجانب في صفوف “قسد” وارتباطات إيديولوجية قسمتها إلى تيارين ما يعرقل تطبيق بنود الاتفاقية التي يمكن أن تستغرق 9 أشهر.
ويرى الباحث في الشأن الكردي، مهند الكاطع، أن بنود الاتفاقية عامة لأنها افتقدت لآليات التطبيق والتفصيل رغم وضوح بعض البنود في الحفاظ على وحدة سوريا، ورفض مشاريع التقسيم واستعادة سلطة الدولة على جميع المرافق والمعابر والثروات وتكفلها بحماية المدن والبلدات، إضافة إلى اعتبار أن الكرد مكون أصيل من مكونات الشعب السوري والدولة تضمن حقوقه في المواطنة والدستور.
وقال خلال حديثه لـ “نون بوست”: “إن الاتفاق جاء وفق مطالب وخطوط حددتها دمشق منذ اللحظة الأولى من المفاوضات ولم يكن هناك تنازل عن أي بند”، وأضاف، أن ما يعرقل الاتفاقية هو تلكؤ “قسد” المحتمل في تطبيق البنود، في حال لم يكن هناك اتفاق على الآليات التفصيلية بعد؛ مشيرًا، إلى أنه يمكن “أن يكون هناك اتفاقيات تفصيلية لم يتم الإعلان عنها وهذا عادةً يكون مفهومًا في اتفاقيات تسودها أجواء احتقان، بهدف ضمان نجاح سيرها”.
وبدأت مفاوضات دمشق وقسد، باجتماع أولي جمع الشرع وعبدي في دمشق يناير/كانون الثاني الماضي، إلا أن “قسد” وضعت شروطًا تتضمن حكمًا لا مركزيًا، والحصول على امتيازات في إدارة مناطق شمال شرق سوريا، والانضمام ككتلة في مؤسسات الدولة السورية مما أوصل المفاوضات إلى طرق مسدودة.
رغم ذلك، لم تقطع دمشق قنوات اتصال مسار التفاوض بين الطرفين السوريين، في ظل الارتباطات الدولية، نتيجة عداء أنقرة لـ”قسد” باعتبارها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، وتحالفها مع دمشق من جهة، ودعم واشنطن لـ “قسد” عبر التحالف الدولي وتوجهها في دعم مسار التفاوض مع دمشق من جهة أخرى.
لكن تعنت “قسد” في تحصيل شروطها، وعدم قدرتها على اتخاذ قرارات داخلية بشكل مستقل دون العودة إلى مرجعيتها، عرضها لضغوط دولية، عبر تهديدات أنقرة، وضغوط واشنطن، ووساطة باريس، ما أطال أمد المفاوضات حتى التوصل إلى الصيغة الحالية.
كما شهد مسار المفاوضات بيان زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK)، المسجون في تركيا، عبدالله أوجلان، دعا خلاله تنظيمه إلى إلقاء السلاح وحل نفسه وانتهاج المسار السياسي عوضًا عن المسلح، “محملًا المسؤولية التاريخية عن ذلك”، حيث تعد “قسد” التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) امتدادًا لـ (PKK).
وأكد ذلك، مدير مكتب قناة الجزيرة في أنقرة، عبد العظيم محمد، بأن الاتفاق ليس وليد اللحظة، وإنما مر بنقاط خلافية بين الجانبين امتدت لأكثر من شهرين على التوالي، مشيرًا إلى دور دمشق في بقاء الاتفاق بين طرفين سوريين دون مشاركة جهة خارجية بعد وصول ضابط أمريكي إلى دمشق لتمثيل وساطة في المفاوضات.
ويشكل وجود قيادات أجنبية من حزب العمال الكردستاني، وعدم مغادرتهم الأراضي السورية، واحدًا من المسارات التي تحدد السياسة التركية من الاتفاق، كون تركيا ترفض أن يبقى عناصر أجانب ينتمون لـ (PKK) على حدودها مع سوريا.
اتفاقية تمنع تقسيم سوريا
أفشلت اتفاقية دمشق وقسد مخططات تقسيم سوريا التي لم تقتصر في مطالب “قسد” تحت اعتبارات الحصول على حقوق “الأكراد” في إدارة مناطقهم تحت نظام حكم لا مركزي، وإنما امتدت إلى دعوات حكم فيدرالي في السويداء ذات الغالبية الدرزية، وإلى الساحل حيث إقامة الطائفة “العلوية”.
وفي 6 مارس/أذار الجاري شهدت مدن على الساحل السوري تمرد لفلول النظام السابق، طال المرافق العامة، والمؤسسات الأمنية والعسكرية، ما تسبب في وقوع قتلى في صفوف كوادر مؤسسات الدولة، إلى جانب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين، إلا أن الهجمات لاقت ردًا لاذعًا من الفصائل والمجموعات المحسوبة على دمشق، مما أدى انتهاكات بحق المدنيين.
ويرى الباحث، سعد الشارع، أن أهمية الاتفاقية تكمن في توقيت حرج ومنعطفات خطيرة تمر بها سوريا، بسبب القلاقل التي رافقت هجوم الفلول في الساحل، وقبلها في الجنوب، وباتت تتلقى دعوات سيئة للانفصال والتجزئة وبالتالي فالاتفاقية تقطع الطريق أمام أي دعوات مشبوهة تخل في وحدة سوريا.
ويضيف، خلال حديثه لـ “نون بوست”، أن حالة السباق التي تمارسها إدارة دمشق في بناء مؤسسات الدولة وإعادة السلطة المركزية تستدعي اتخاذ القرارات الصائبة، بعدما أثبت السوريون رفضهم القاطع لدعوات تقسيم ومحاصصة سوريا.
في المقابل، يرى الباحث، مهند الكاطع، أن الاتفاقية تجلب لسوريا استقرارًا مهمًا، لا سيما رفع العقوبات، وبدء مسار إعادة الإعمار، وفرض سيطرة الدولة تدريجيًا على المرافق العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية في جميع المناطق السورية.
وعبر الباحث، عن تفاؤله في الاتفاقية، نتيجة انعكاسها على المستويين الإقليمي والدولي، مشيرًا، إلى أن الاتفاقية لا تعني إعفاء أي طرف من المساءلة والخضوع لقانون العدالة الانتقالية، بسبب وجود حقوق أشخاص تعرضوا لمجازر ومذابح على أيدي ميلشيات الأمر الواقع (قسد) ويجب استعادتها لضمان الاستقرار.
وتسيطر “قسد” على مساحات واسعة شمال شرقي سوريا (شرق الفرات) وتشكل ثلث الأراضي السورية، وتضم أبرز حقول النفط والغاز، ويزيد عدد العرب عن 60 % من السكان الأصليين، وتدير المنطقة عبر هيئة مدنية تتمثل بـ “الإدارة الذاتية”، وذراع سياسي يتمثل بـ “مجلس سوريا الديمقراطية”.
ويعود تشكيلها إلى أكتوبر/تشرين الأول 2015 بهدف محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده، واشنطن، واستطاعت دحر التنظيم في مناطق شرق الفرات حتى آخر معاقله في منطقة الباغوز في محافظة دير الزور عام 2019.
رسائل داخلية وخارجية
اعتمدت إدارة دمشق مسار انفتاح متوازي مع كافة الأطراف الداخلية والخارجية، منذ سقوط النظام السابق، بهدف تحقيق استقرار سوريا على كافة المستويات، إلا أن دعوات الانفصال الداخلية، مدفوعة من شخصيات انفصالية لاقت دعمًا إقليميًا من قبل “إسرائيل” من جهة في الجنوب، وإيران من جهة في الساحل تسبب في دعم حالة انعدام الاستقرار.
ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، أسامة الشيخ علي، أن الاتفاقية توجه رسائل داخلية وخارجية، فالداخلية تؤكد على مركزية سلطة دمشق في أي حل سوري، وتثبت الشرع كرجل دولة وسيسجل التاريخ له إعادة توحيد سوريا، وتأمين عودة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم، وعودة مؤسسات الدولة إلى شمال شرق سوريا.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن أهم الرسائل وجهت للجنوب والساحل السوريين، بعدما شهدا دعوات انفصال وحصول على حكم مركزي بناءً على أسس طائفية، وبالتالي دمج “قسد” التي يعولون عليها في مؤسسات الدولة يقطع طريق على كل القوى والجهات المحلية التي كانت تراهن على تقسيم سوريا”.
وأضاف، أما على الصعيد الإقليمي، فإنها ضربة قوية في وجه مشروع “إسرائيل” الساعي إلى تفكيك سوريا وتقسيمها، بعدما صرحت حكومة الاحتلال في تقديم الدعم لـ “قسد” شمال شرق سوريا، والدروز في جنوب سوريا، ووجود تنسيق مع الطائفة العلوية في الساحل، فضلًا عن إفشال مخططات موازية لإيران وروسيا تصب في ذات السياق.
ودعمت “إسرائيل” دعوات تحويل سوريا إلى نظام حكم فدرالي، بعد تصريحات، رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، فيما يتعلق بدعم الدروز في السويداء، الذي تزامن مع تشكيل مجلس عسكري، إضافة إلى دعم الدروز في منطقة جرمانا.
بينما راهنت إيران على عدم استقرار سوريا حسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين، بعد خسارة نفوذهم في سوريا جراء سقوط النظام السابق، ونكاية بتركيا، المتحالفة مع إدارة دمشق، وجميعها تزامنت مع تشكيل ميليشيا أولي البأس، ومجلس عسكري في الساحل من فلول النظام السابق بدعم إيراني، وتواطئ روسي.
ختامًا.. يتطلع السوريون إلى نجاح اتفاقية دمشق وقسد رغم ضبابية التفاصيل، ويرونها خطوة أولية في مسار دمج مؤسسات “قسد” ضمن مؤسسات الدولة السورية، لأنها تقطع محاولات التقسيم الداخلية والخارجية رغم اصطدامها بتحديات ومعوقات تأخر تطبيق البنود.. فما مدى جدية الأطراف في تطبيق الاتفاق؟