ترجمة وتحرير: نون بوست
هل بإمكان الموظفين السابقين للوحدات التي تعنى بالتكنولوجيا التابعة لقوات الدفاع الإسرائيلية استخدام خبراتهم والمهارات التي اكتسبوها خلال خدمتهم والعمل لصالح شركة إنترنت عربية لها علاقات وثيقة بنظام ديكتاتوري ولا تربطها علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”؟
يعد هذا الأمر غريبا كغرابة السؤال المطروح، لكن هناك أدلة متزايدة تؤكد حدوثه. فعلى الرغم من أن مثل هذه الأمور لا تحدث كثيرا، إلا أن البعض يؤكد تزايد القلق داخل مؤسسة الدفاع الإسرائيلية.
يقتصر نشاط شركة الأمن السيبراني التي تأسست سنة 2015 في أبوظبي، والتي تعرف باسم دارك ماتر، على مجال الدفاع الإلكتروني. لكن وفقا لأخبار كشفتها وكالة رويترز نشرت في وقت سابق من هذا العام، تقدم هذه الشركة خدمات القرصنة لوكالة الاستخبارات الإماراتية ضد أهداف غربية وصحفيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان.
تتمثل مهمة المختصين في الهجمات السيبرانية في العثور على ثغرات في البرامج والشبكات من أجل اقتحامها. ويحصل أولئك الذين يتمتعون بالمهارات، التي غالبا ما يكتسبونها أثناء الخدمة في الوحدات الخاصة، على رواتب ضخمة في أهم الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التكنولوجيا
علاوة على ذلك، تُدير الشركة مكتبا في قبرص، يعمل به عدد من مطوري البرمجيات الإسرائيليين. وفي هذا السياق، قال مصدر في قطاع الاستخبارات السيبرانية الإسرائيلية، طلب أن يُطلق عليه اسم “واي” عليه إن: “ما يحدث يعد بمثابة تهريب فعلي للملكية الفكرية الإسرائيلية دون أي إشراف من قبل وكالة الرقابة على الصادرات التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية. كما أنهم يأخذون هؤلاء الشباب إلى قبرص ويشترُونهم برواتب ضخمة”.
تتمثل مهمة المختصين في الهجمات السيبرانية في العثور على ثغرات في البرامج والشبكات من أجل اقتحامها. ويحصل أولئك الذين يتمتعون بالمهارات، التي غالبا ما يكتسبونها أثناء الخدمة في الوحدات الخاصة، على رواتب ضخمة في أهم الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التكنولوجيا. ومن جهته، يدعي واي أن شركة دارك ماتر تدفع رواتب أعلى من تلك التي تقدمها هذه الشركات.
في هذا السياق، قال واي: “أعرف مختصين في التكنولوجيا جرى إغوائهم برواتب تقارب مليون دولار سنويا”. في المقابل، لم تعلق الشركة على هذا الأمر إلى حد الآن. وفي شهر آذار/ مارس، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه خلال 2017، عانت مجموعة إن إس أو للاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية من موجة مغادرة موظفين جميعهم من قدامى جيش الدفاع الإسرائيلي التابعين لوحدة 8200.
استعانت شركة إن إس أو بمحقق خاص لاكتشاف السبب وراء الهجرة الجماعية للموظفين وتوجههم نحو قبرص. وقالت الصحيفة إنهم عملوا في منشأة أبحاث في مبنى تملكه شركة تابعة لشركة دارك ماتر. ونقلت الصحيفة عن مصادر إن شركة دارك ماتر كانت تمتلك مكتب آخر في سنغافورة يديره موظَفون إسرائيليَون.
فيما يتعلق بحصول هؤلاء الإسرائيليين الذين يعملون لصالح وكالة استخبارات إماراتية على التصاريح المطلوبة من وزارة الدفاع الإسرائيلية، رفضت الوزارة إعطاء إجابة حاسمة على هذا الموضوع.
من جهة أخرى، ردت الوزارة على سؤال طرحته صحيفة ذي ماركر الإسرائيلية بالقول إن “الوزارة لا تعلق على حالات معينة تتعلق بسياسات التصدير الدفاعية. ولهذا السبب، لن تعلق على التراخيص المحددة أو الأشخاص المدرجين في سجل التصدير. أما بخصوص المواطنين الإسرائيليين الذين يطلبون نقل ملكية فكرية أمنية خاضعة للإشراف إلى كيان أجنبي (سواء يتعلّق ذلك بشركة يملكها الشخص نفسه أو شركة يعمل بها)، فهذا إجراء يقتضي القانون أن ينجز بموجب رخصة مبيعات وتصدير”.
في الوقت الذي صوّرت فيه الإمارات نفسها كحليف للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، شملت بعض عملياتها رقابة مكثّفة على أفراد من بينهم صحفيون وناشطون مناهضون للحكومة
وفقا لتقرير وكالة رويترز للأنباء، بداية من سنة 2014، عُيّن موظفون سابقون في وكالة الأمن القومي الأمريكية من طرف أحد مديري التوظيف في بالتيمور للعمل على مشروع الغراب الأسود. عمل الفريق خارج أبوظبي، التي كانت حكومتها هي أيضا العميل الرئيسي أو ربما الوحيد لهذا المشروع. وقد طُلب من طاقم العمل التنقل إلى أبوظبي، مقابل الحصول على رواتب سخيّة. يبدو أن الهدف كان يتمثل في توظيف الخبرات الغربية لتطوير قدرات القرصنة وتسليم العمل إلى السكان المحليين بمرور الوقت بالتزامن مع تعلّم قواعد العمل.
مع ذلك، سرعان ما أصبح الموظفون الأمريكيون يشعرون بالريبة حيال عمليات وأهداف مشروع الغراب الأسود. وفي الوقت الذي صوّرت فيه الإمارات نفسها كحليف للولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، شملت بعض عملياتها رقابة مكثّفة على أفراد من بينهم صحفيون وناشطون مناهضون للحكومة. بالإضافة إلى ذلك، انطوت أكبر عملياتها والتي يُطلق عليها اسم “كارما” على اختراق أجهزة أيفون تابعة لمئات من الناشطين والمشتبه في انتماءهم للإرهاب والمنافسين السياسيين في الإمارات العربية المتحدة.
أُوقف مشروع الغراب الأسود في سنة 2016، وأتيح للعاملين عليه خيار التوجّه للعمل في شركة دارك ماتر. وقال تقرير لوكالة رويترز للأنباء إن لدى هذه الشركة علاقات وثيقة جدا مع أجهزة الاستخبارات الإماراتية، حيث تشغل مكاتب في المبنى ذاته وتتولى، في الحقيقة، مهمة تنفيذ عملياتها.
علاوة على ذلك، أفادت وكالة رويترز للأنباء بأن معظم موظفي وكالة الأمن القومي السابقين فضّلوا البقاء في شركة دارك ماتر والعمل لصالحها في حين غادرها آخرون، نظرا لأن طبيعة العمل الذي كانوا يقومون به باتت واضحة، خاصة بعد أن علموا أن بعض المستهدفين كانوا في الولايات المتحدة ومواطنين أمريكيين. وصرّحت لوري ستراود وي موظفة سابقة لوكالة رويترز للأنباء بأنه “في بعض الأحيان، كان من الصعب تقبل طبيعة العمل هذه، خاصة عندما تستهدف على سبيل المثال طفلا يبلغ من العمر 16 سنة على تويتر”. أما في الوقت الحالي، فيبدو أن هناك إسرائيليون يعملون لحساب الشركة رغم ما كشفته وكالة رويترز.
توظّف شركة دارك ماتر 650 شخصا وتمتلك فروعا في كل من فنلندا وقبرص وسنغافورة ودول أخرى، ويقدر حجم مبيعاتها بمئات الملايين من الدولارات
أورد واي قائلا: “تأسست شركة دارك ماتر لتكون بمثابة أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة ومجموعة إن إس أو التابعة للإمارات، بهدف بلوغ قدرات الشركات الإسرائيلية الرائدة”. في الواقع، تُعد أنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة المحدودة شركة دفاع إسرائيلية مصنّعة مملوكة للحكومة. على صعيد آخر، أنشأت شركة دارك ماتر تحت قيادة فيصل البناي، الذي أسّس أيضا اكسيوم تليكوم، وهي أحد أضخم شركات بيع الهواتف في الخليج. ويُذكر أيضا أن والد البناي جنرال في الجيش الإماراتي، كما أنه تحصل على شهادات من جامعة بوسطن وجامعة سيتي لندن.
استنادا لما أوردته صفحتها الخاصة على موقع لينكد إن، توظّف شركة دارك ماتر 650 شخصا وتمتلك فروعا في كل من فنلندا وقبرص وسنغافورة ودول أخرى، ويقدر حجم مبيعاتها بمئات الملايين من الدولارات. وذكرت وكالة رويترز أن البناي زار “إسرائيل” عدة مرات من أجل القيام بأعمال تجارية واجتمع مع المسئولين التنفيذيين للأمن الإلكتروني الإسرائيلي. في الوقت الذي لم تتمكن فيه صحيفة “ذا ماركر” من الحصول على تأكيد مستقل بأن البناي زار “إسرائيل”، أورد واي أنه يبدو أن آخر زيارة أداها البناي إلى “إسرائيل” كانت في الصيف الماضي، حين رافقه مسؤولون من مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
كان قد أعلمهم سلفا بشركات الأمن الإلكترونية التي أراد مقابلتها، بيد أنه لم يحصل على الموافقة للقائها جميعًا، ولكنه رتّب في بعض الحالات اجتماعات لاحقة في بلدان نامية. وفي هذا السياق، أعرب واي “لقد كان هذا محرجا للغاية بالنسبة لوزارة الدفاع”. من جهة أخرى، تصدرت شركة دارك ماتر عناوين الأخبار مرة أخرى في آب/ أغسطس، بعد أن حظر غوغل المواقع الإلكترونية المعتمدة من قبل الشركة من برامج التصفح كروم وأندرويد.
لم تبرر غوغل اتخاذها لهذه الخطوة، لكنها أشارت إلى القرار نفسه الذي اتخذته شركة موزيلا بشأن متصفح فايرفوكس في تموز/ يوليو. في المقابل، صرحت موزيلا بأنها ستحجب مواقع الويب الخاصة بشركة دارك ماتر بسبب “أدلة موثوق بها” تُثبت تورط الشركة في عمليات قرصنة.
منحت المتصفحات الرئيسية شركة دارك ماتر مركزا مؤقتًا تصادق من خلاله على سلامة المواقع في عام 2017، كما سعت الشركة إلى أن يعترف بها كواحدة من حوالي 60 شركة متمتعة بمركز معترف به تماما. وفي إطار هذا الوضع المؤقت، صادقت شركة دارك ماتر على حوالي 275 موقعًا، يبدو أن معظمها تابع لمؤسسات أو شركات محلية تابعة لشركة الأمن التي تتخذ من أبوظبي مقرا لها.
السنة ضد الشيعة
أفاد مصدر آخر بأن المشكلة لا تقتصر على عمل الإسرائيليين في بلد عربي فقط، إذ صرح أحد الموظفين في قطاع الأمن السيبراني والذي طلب عدم الإفصاح عن هويته وتسميته “تي”، قائلا: “خُذ على سبيل المثال إسرائيليًا درس الفيزياء ويعمل لصالح أنظمة رافائيل. وسيحصل في أحد الأيام على عرض من شركة سيمنز أو بوينغ وبالتالي سيترك “إسرائيل” للعمل لصالحهم. في المقابل، تبيع هذه الشركات منتجاتها دون تردد للبلدان المعادية مثل لبنان، وحتى إيران لو لم يكن هناك حظر. في الواقع، هناك خطر أكبر من أن تبيع ألمانيا الأسلحة لأعدائنا أكثر مما ستفعله الإمارات”.
باعت الشركات الإسرائيلية تقنية التتبع إلى الإمارات العربية المتحدة مرتين على الأقل. وبقدر ما هو معروف، تمت الموافقة على كلا العقدين من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية
تناول “تي” المسألة من حيث الحرب بين القوى العربية السنية بقيادة المملكة العربية السعودية والمدعومة من قبل الولايات المتحدة، والقوى الشيعية بقيادة إيران والمدعومة بصفة جزئية من قبل روسيا. وتعتبر “إسرائيل” أن المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي حلفاءها في الصراع.
فضلا عن ذلك، أضاف “تي” مشيرا إلى أنه التقى بمسؤولين تنفيذيين من شركة دارك ماتر قائلا: “تتم اتصالات بين الدول على مختلف المستويات، لكن “إسرائيل” لا تريد أن تقول ذلك بصوت عالٍ”. وأورد “تي” مشيرا إلى أن حوالي 20 إسرائيليا يعملون في شركة دارك ماتر “إنهم أناس مؤثرون للغاية وسأكون سعيدًا بالعمل معهم. ولقد سمعت عن العديد من الإسرائيليين الذين يعملون هناك والتقيت بهم”.
باعت الشركات الإسرائيلية تقنية التتبع إلى الإمارات العربية المتحدة مرتين على الأقل. وبقدر ما هو معروف، تمت الموافقة على كلا العقدين من قبل وزارة الدفاع الإسرائيلية. وفي عام 2016، كُشف أن هذه الدولة الخليجية اشترت تكنولوجيا من مجموعة إن إس أو واستخدمتها لاختراق جهاز الآيفون الخاص بالناشط الإماراتي في مجال حقوق الإنسان، والمعارض الحكومي أحمد منصور، الذي تم اعتقاله وتعذيبه لاحقًا.
في العام السابق، أُفيد أنه تم التعاقد مع شركة ” أ.ج.ت الدولية” التابعة للإسرائيلي ماتي كوخافي، وذلك بهدف تطوير مشروع المدينة الذكية في أبوظبي، إذ ستمكن هذه التكنولوجيا الحكومة من مراقبة المواطنين. ومن جهته، أورد مسؤول تنفيذي آخر في مجال الأمن السيبراني والذي طلب عدم الكشف عن هويته إن هناك فرقاً كبيراً بين شركة إسرائيلية تبيع تكنولوجيا حساسة لبلد عربي وخبير إسرائيلي يعمل لصالح إحدى هذه الشركات قائلا: “هناك فرق جوهري بين البيع إلى أبوظبي والعمل لصالحهم. وفي اللحظة التي تبيع فيها شركة إسرائيلية إلى دولة خليجية، تُقيَّد إمكانات [المنتج] بأوامر من وزارة الدفاع… ولكن عندما يذهب باحث للعمل هناك يأخذ كل معرفته معه – ولا يوجد حد لكيفية استخدامه لهذه المعرفة”.
المصدر: هاآرتس