يوكو أوغاوا كاتبة يابانية معاصرة ولدت عام 1962 وبدأت الكتابة في الثمانينيات ومنذ تلك اللحظة ألّفت أكثر من 40 عملًا بين الرواية الاجتماعية والخيال العلمي، وللأسف رغم هذا العدد الكبير من المؤلفات لم يترجم إلى العربية إلا عدد قليل من رواياتها الاجتماعية الأكثر شهرة، ولكن الأعمال من فئة الخيال العلمي لم يُترجم منها إلى العربية حتى الآن إلا رواية واحدة هي “حذاء لك”.
حصلت يوكو أوغاوا على العديد من الجوائز على المستوى المحلي في اليابان وأيضًا عالميًا بسبب سرعة ترجمة أعمالها والاحتفاء بها في الكثير من الأوساط لما تتضمنه رواياتها من كثافة وسلاسة في السرد في آن واحد، فقصص يوكو أوغاوا ليست معقدة بل أغلبها تراكم للتفاصيل والمشاعر على لسان الأبطال، أو لنقل البطلة بسبب اهتمامها بشكل كبير بالمرأة اليابانية ودورها في المجتمع.
حوض السباحة
“أن أكون أنا اليتيمة الوحيدة التي لن يتبناها أحد”
“حوض السباحة” واحدة من أشهر أعمال يوكو أوغاوا بسبب مواضيعها الصادمة للغاية التي تُحكى على لسان طفلة صغيرة، تقع أحداث الرواية في ملجأ أيتام حيث تعيش البطلة رغم أنها ليست يتيمة بالمعني الحرفي، فوالداها المشرفان على هذه الدار.
هناك بعض الأعمال التي تناقش المشاكل الأسرية وأثارها المدمرة على الأطفال، ولكن غالبًا من يروي هذه الوقائع يرويها بمنظور شخص بالغ محطم، لذا تتسم لغته بالقوة والهجوم، بينما هنا العكس، ففي رواية “حوض السباحة” نسمع طفلة تعتبر نفسها يتيمة رغم أن والديها أحياء بمنتهى الهدوء وتقبل للواقع.
السمة الأخرى في روايات المشاكل الأسرية هو وصف الآباء بالوحشية، ولكن ماذا إذا كان الآباء مثاليين تمامًا بلا أخطاء، مهتمين ولديهم حس إنساني يدفعهم للإشراف على ملجأ أيتام ومعاملة الجميع بمعاملة واحدة من ضمنهم ابنتهما.
وصف حياة الطفلة على لسانها في البداية بطريقة بسيطة وهادئة ظهر مملًا ولكن من رأيي كان الحل الأنسب لمخالفة الاتجاه العام الذي غالبًا يتضمن الغضب الشديد والسخط على الآباء والتأثر بالأذى.
الوضع الغريب لعائلة البطلة لم يكن العنصر الوحيد الصادم لجمهور القراء، بل أيضًا السلوك العنيف وغير المبرر للطفلة حيث تستمتع بتعذيب طفلة صغيرة أخرى لا تقدر على الكلام والشكوى، بكاء الصغيرة يريحها وربما يعزيها لجعلها مثلها تتأذى دون امتلاك القدرة على الشكوى.
غرفة مثالية لرجل مريض
رواية مؤلمة أخرى عن علاقة الفرد بالموت والحياة، هي”غرفة مثالية لرجل مريض”، بطلة الرواية هي ممرضة تجد نفسها في غرفة مع أخيها المريض لحين وفاته، يبدأ الأخوان في التعرف والتقرب من بعضهما البعض، قد تبدو قصة مستهلكة ولكن هناك بعض الإشارات جعلت الرواية غير نمطية مثل اعتراف البطلة بعدم اهتمامها الكبير بعائلتها بل وعدم تذكرها أي حديث دار بينها وبين هذا الأخ الوحيد!
“حين أفكر في أخي الأصغر، يدمى قلبي كرمانة مفلوقة، أسأل في سري لماذا، ربما لأننا كنا اثنين لم نحظ بالكثير من العطف من أبوينا”.
مشكلة البطلة لم تكن مع الموت بل مع الحياة ومرض الأخ كان بداية التغيير، طرحت يوكو أوغاوا فكرة الخوف من المستقبل أو من المغامرة وهو ما يفسر حياة البطلة الروتينية واختيارها للوظيفة وأيضًا للزوج الذي رغم أنها لا تميل إليه فإنه أفضل خيار يضمن لها الاستقرار لفترة من الوقت وعدم القلق بشأن الأمور المالية أو المظهر الاجتماعي.
حالة الأخ كانت بمثابة المنقذ من الروتينية القاتلة، لقد اضطرت رغمًا عنها التفكير بمشاعرها واسترجاع ما فقدته في حياتها بتجاهلها المشاعر والألم وحتى البكاء، فترة ما قبل الموت جعلتها تكتشف أخيها وكم تحبه وكم تحب اللون الأبيض أيضًا الذي ربما لم تكن لتلاحظه لولا هذه المأساة.
“ليس المرض ما يستهويني، ببساطة أنا أحب أخي، واكتشفت مؤخرًا أن الغرفة المكان المثالي لأن تكون بقرب من تُحب”.
مدبرة المنزل والأستاذ
أكثر أعمالها نجاحًا التي اشتهرت أكثر بعد الفيلم الذي اُقتبس من الرواية بشكل كامل، تحكي الرواية عن مدبرة منزل تعمل في بيت عبقري رياضيات يعاني من حالة نادرة من فقدان الذاكرة، مدى ذاكرة هذا الأستاذ 80 دقيقة فقط وهو ما حكم بإنهاء مسيرته المهنية وانعزاله التام عن المجتمع، بل وصعوبة إيجاد مدبرة للمنزل تتحمل ضغط الرجل الذي يظن أنه يقابلها لأول لذا يتعرف عليها ويلقي الملاحظات والأوامر نفسها يوميًا!
المدبرة الجديدة تتأقلم مع أسئلة الأستاذ على غير العادة ولكن الرجل العجوز لا يحتاج فقط إلى العناية والنظافة بل إلى من يستمع لأسئلته المتكررة وأحاجيه الرياضية، وفي حدث فاصل يتعلق الأستاذ بابن البطلة وتبدأ الكثير من الأحداث في الظهور.
لأن يوكو أوغاوا بارعة في قلب الأحداث والصدام مع القارئ جعلت جزءًا من الرواية يناقش مشاعر الطفل وليس الأستاذ
تبنت يوكو أوغاوا مذهب المعجزات ورسمت شخصية الأستاذ متعلقة بطفل يراه لأول مرة “كما يظن” بينما علاقتهما طويلة الأمد مليئة بالمشاعر والأحداث المشتركة، العلاقة الغريبة بين المدبرة وابنها والأستاذ ومراعتهما له رغم حالته الغريبة واضطرارهما لكتم الكثير من الأفكار والمشاعر جذبت الأنظار للرواية عن الإنسانية البسيطة التي لا تعلم في المدارس بل تجعل الطفل مراعيًا ومهتمًا بالفطرة.
ولأن يوكو أوغاوا بارعة في قلب الأحداث والصدام مع القارئ جعلت جزءًا من الرواية يناقش مشاعر الطفل وليس الأستاذ، كيف يمكن لإنسان أن يظل مخلصًا لشخص لا يتذكره يوميًا، ما مشاعر الطفل عندما يبدأ الأستاذ في التعرف عليه كل يوم من جديد، فلا يمكننا بالتأكيد الجزم بأن المشاعر الإنسانية صافية وشديدة العذوبة لهذه الدرجة خاصة في التعامل مع المقربين.
العقبة الوحيدة التي واجهت القراء في العمل هو الإفراط في الرياضيات واستخدام أحاجي الأرقام التي كانت مقبولة في بعض الأحيان ولكنها في أحيان أخرى حولت الوضع إلى حوار من الصعب قراءته، في الغالب ما سبب هذه الغزارة في استخدام الأرقام هو مساهمة يوكو أوغاوا مسبقًا في تأليف كتاب عنوانه “الرياضيات الأكثر أناقة” مع بروفيسور ياباني بشأن جمالية الأرقام والحسابات وهو تقريبًا الموضوع الذي يتحدث عنه الأستاذ طوال الرواية، فاستخدام المؤلف لخبرته العملية داخل الرواية يصبغ عليها واقعية كبيرة ولكن في حالة هذه الرواية فإن بعض الأجزاء تحولت إلى كتاب أرقام.