استقبل سجن الحراش، أمس الخميس، ضيفًا جديدًا من جماعة الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، ضيفًا شغل الرأي العام الجزائري في الفترة الأخيرة خاصة بعد هربه واختفائه عن الأنظار لأيام بعد رفع الحصانة البرلمانية عنه. نتحدث هنا عن النائب البرلماني المثير للجدل بهاء الدين طليبة الذي يعرف عند الكثير من الجزائريين بلقب “إمبراطور المخدرات”، و”علبة الفساد السوداء”، و “عراب العهدة الخامسة”.
رفع الحصانة البرلمانية
إيداع بهاء الدين طلبية، جاء بعد إلقاء القبض عليه من قبل الأمن الجزائري، وقد عثر عليه مختبئًا في أحد منازل مدينة وادي سوف التي ينحدر منها (جنوب شرق الجزائر على الحدود التونسية الليبية)، بعد اختفائه عن الأنظار منذ 25 سبتمبر/أيلول الماضي، ورفضه المثول أمام محكمة سيدي محمد بالعاصمة، وفق ما أكدت وسائل إعلام محلية.
وأمرت محكمة سيدي امحمد بوسط العاصمة الجزائرية، بإيداع النائب ورجل الأعمال “النافذ” بهاء الدين طليبة السجن، تنفيذا لـ “أمر بالإحضار” صدر بحقه لعدم استجابته لاستدعاء المحكمة بعد رفع الحصانة البرلمانية عنه، بحسب ما أكدت مصادر قضائية.
انضم بهاء الدين طلبية إلى أصدقائه في سجن الحرّاش الذي أصبح مأوى لأغنياء الجزائر بعد أن كان في بداية فتحه سجنا للثوار والمعارضين
وجه الادعاء العام للنائب تهم :إبرام صفقات مشبوهة، والابتزاز، وتمويل حملة بوتفليقة الانتخابية، وتمويل حزب سياسي بطرق غير قانونية”، في إشارة إلى فرض شخصيات على قوائم المرشحين في الانتخابات البرلمانية والمحلية التي جرت في 2017.
تجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب كان صادق لصالح قرار رفع الحصانة البرلمانية عن النائب بهاء الدين طلبية بطلب من وزارة العدل، لتمكين القضاء من ممارسة مهامه الدستورية، إلا أن “طلبية” رفض ذلك واختفاء عن الأنظار وتم الترويج لهربه نحو دولة أوروبية عن طريق تونس.
الحراش يجمع أصدقاء بوتفليقة
مباشرة إثر التحقيق معه، تمّ اقتياد النائب في المجلس الشعبي الوطني عن حزب جبهة التحرير الوطني إلى سجن الحراش، بالضاحية الشرقية للعاصمة، قبل أن يقرر قاضي التحقيق متى يمثل أمامه ليبدأ فتح الملفات الملاحق فيها.
وانضم بهاء الدين طلبية بذلك إلى أصدقائه في سجن الحرّاش الذي أصبح مأوى لأغنياء الجزائر بعد أن كان في بداية فتحه سجنا للثوار والمعارضين، ويعود تشييد هذا السجن إلى حقبة الاستعمار الفرنسي، وبالضبط في سنة 1915، حيث جعلته السلطات الفرنسية مركزا لاعتقال الجزائريين من سجناء الحق العام ومن زعماء ومناضلي الحركة الوطنية قبل اندلاع ثورة التحرير سنة 1954.
يطالب الجزائريون برحيل كلّ رموز نظام بوتفليقة
يوجد سجن الحراش ضمن قائمة أكبر وأشهر السجون الجزائرية (لامبيز وسركاجي والبرواقية ووهران)، ويقع على بُعد عشرة كيلومترات جنوب العاصمة، وتبلغ طاقة استيعابه ألفي سجين وقد تتجاوزها إلى أكثر من ذلك، مثلما حصل في سنوات العشرية السوداء خلال تسعينيات القرن الماضي.
إضافة إلى طلبية، يقبع العديد من رجال بوتفليقة في سجن الحراش، مثل أغنى رجل في الجزائر يسعد ربراب ووصيفه علي حداد والإخوة كونيناف، ورجل الأعمال السابق عبد المؤمن خليفة الذي يقضي عقوبة 18 عاما سجنا لتورطه في ما يعرف بـ”فضيحة القرن” المتعلقة باختلاس وتبديد مليارات الدولارات من أموال الجزائريين عبر بنوك وشركة طيران وفروع أخرى.
عراب العهدة الخامسة
يعتبر بهاء الدين طلبية “عراب العهدة الخامسة”، حيث كان أول من فجّر النقاش من حول العهدة الخامسة لعبد العزيز بوتفليقة داخل بيت أكبر حزب في الجزائر، بعد أن كشف عن قائمة بأسماء الشخصيات المنضوية تحت لواء تنسيقية داعمة لترشح بوتفليقة لعهدة جديدة.
وأسّس طليبة الذي تولى منصب نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني خلال عهدته الأولى من 2012 إلى 2017، رفقة عدد من النواب الآخرين بينهم الأمين العام الحالي محمد جميعي المطلوب للتحقيق أيضا، “تنسيقية دعم ومساندة ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة”، وكان ذلك في فبراير/ شباط 2018.
كونه عضوًا في البرلمان وقائدًا لجبهة التحرير الوطني ، فقد بنى ثروته الحقيقية التي استمرت في النمو من خلال الاستحواذ على العديد من الشركات
هذه التنسيقية فجرت جدلًا وخلافًا كبيرًا بالأوساط السياسية، وخاصة داخل الحزب الحاكم، ليقرّر الأمين العام للحزب أنذاك، جمال ولد عباس، إحالته إلى لجنة التأديب، وذلك بتهم تحقيق مصالح ومآرب شخصية. وقال ولد عباس، إن “هناك شكوك في خلفيات التنسيقية الوطنية لمساندة العهدة الخامسة”، واتهم النائب بمحاولة لبس عباءة الولاية الخامسة لتحقيق أغراض شخصية.
وكانت هذه المسألة، أي العهدة الخامسة، سببًا مباشر في انطلاق الحراك الشعبي بالجزائر في 22 فبرابر/شباط الماضي، حيث شهدت العديد من المناطق من البلاد، خروج آلاف الشبان الجزائريين، للاحتجاج على سعي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للفوز بفترة رئاسية خامسة رغم مرضه.
وطالب العديد من الجزائريين في مظاهرات مختلفة عرفتها مدن البلاد، خاصة مدينة عنابة برحيل ومحاسبة النائب طليبة البالغ من العمر 40 سنة المنتمي لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، لما اقترفه في حقّ المدينة
“إمبراطور المخدرات”
فضلا عن كونه “عراب العهدة الخامسة”، يعرف النائب الأفلاني ” بهاء الدين طليبة ” بكونه “إمبراطور المخدرات” في الجزائر، فهو المسيطر على تجارة مادة “الزطلة” (القنب الهندي) في البلاد، ووكيل الجنرالات في هذا الأمر.
تجارة المخدّرات مكّنت “طلبية” من امتلاك ثروة مالية كبيرة تقدر و أملاك عديدة داخل و خارج الجزائر، حيث لديه عديد الشركات في مدينة عنابة و فرنسا خاصة، وتشتغل هذه الشركات في مجال الترقية العقارية والتجميل والاعتناء بالجسم والكهرومنزلية وفي مجال الفندقة والإعلام أيضا.
“علبة الفساد السوداء”
كان صعود الابن المدلّل لنظام عبد العزيز بوتفلية صاروخيًا، كما كان سقوطه مدويًا أيضًا، ولد بهاء الدين طليبة قبل أربعين سنة في عنابة (شرق) ، وينحدر من عائلة من مدينة الوادي التي تبعد 500 كيلومترًا عن العاصمة الجزائر.
كان أول ظهور له في مجال الهندسة المعمارية، فقد شغل أولاً منصب مدير مكتب تصميم شركة عامة في مدينة ورقلة (جنوب) ، قبل شراء هذا الهيكل لشركة الإدارة والمشاركة، حينها لم يدخل السياسة بعد وكان مهتما بالعمل فقط.
عقب ذلك استفاد من أزمة الإسكان والتسهيلات التي تمنحها الإدارة – وروابطها، وقربه من شقيق بوتفليقة “سعيد” وكبار ضباط الجيش، وأيضا عائلة قائد أركان الجيش أحمد قايد صلاح – لخلق العديد من الشركات العقارية.
استغل طلبية قربه من مراكز القرار للزيادة في ثروته
استطاع “طلبية” في بضع سنوات، أن يصبح شخصية مؤثرة في المشهد السياسي الجزائري. كونه عضوًا في البرلمان وقائدًا لجبهة التحرير الوطني ، فقد بنى ثروته الحقيقية التي استمرت في النمو من خلال الاستحواذ على العديد من الشركات ما جعله واحدًا من أغنى رجال الأعمال في الجزائر منذ عام 2012.
وتقول العديد من التقارير الإعلامية إن رجال الأعمال المثير للجدل بهاء الدين طليبة، قد استولى على العديد من المتاجر الفاخرة في المطار الجديد وميناء عنابة السياحي الذي يقع بين المنار وشاطئ ود بوكرات، دون وجه حقّ.
إلى جانب استغلال قربه من النظام، استغل “طلبية” منصبه النيابي منذ سنة 2012، تاريخ ظهورها المفاجئ على الساحة السياسية، لزيادة ثروته أكثر فأكثر، فقد استغلّ اندماجه مع جبهة التحرير الوطني ، في الاستيلاء على العديد من العقارات والشركات.