وصل وفد من مجلس الأمن الدولي، صباح اليوم الأحد، عاصمة جنوب السودان، جوبا، لمتابعة سير تنفيذ اتفاق السلام بين فرقاء البلاد، حيث من المرتقب أن الوفد سيلتقي كلا من رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وزعيم المعارضة المسلحة ريك مشار الذي وصل، السبت، على رأس وفد رفيع قادمًا من العاصمة السودانية الخرطوم.
وفق عدد من الخبراء فإن الاجتماع المرتقب بين رئيس دولة جنوب السودان وزعيم المعارضة المسلحة يعد الفرصة الأخيرة لإنقاذ اتفاق السلام الموقع في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بحضور رؤساء دول الهيئة الحكومة للتنمية في شرق إفريقيا “إيغاد”.
جدير بالذكر أن المهمة المحددة لتشكيل حكومة الوحدة التي سيتولى فيها مشار منصب النائب الأول للرئيس ستنقضي في 12 من نوفمبر/تشرين الثاني القادم، رغم تمديدها مرة واحدة، فلم يتحقق أي تقدم يذكر على صعيد الخطوات التقنية التي ينص عليها الاتفاق لا سيّما إنشاء جيش موحد والاتفاق على الحدود الداخلية للولايات.
وفي الإطار ذاته يطالب مشار بضمانات لحماية أمنه الشخصي تتيح له العودة إلى جوبا التي فرّ منها على وقع المعارك إثر انهيار اتفاق سلام سابق في يوليو/تموز 2016، علمًا بأن هذه هي الزيارة الثانية التي يقوم بها زعيم المعارضة للعاصمة الجنوب سودانية للقاء كير وبحث تنفيذ اتفاق السلام، بعد أن فشل آخر لقاء بينهما الشهر الماضي.
وتعاني دولة جنوب السودان التي انفصلت عن السودان عبر استفتاء شعبي عام 2011، من حرب أهلية منذ أواخر 2013، اتخذت بُعدًا قبليًا، وخلفت نحو 10 آلاف قتيل، ومئات الآلاف من المشردين، وتم توقيع أكثر من اتفاق سلام لطي صفحة تلك الحرب إلا أنه لم يكتب لأي منهم النجاح بسبب الخرق الممارس من أي من الفرقاء الموقعين عليه.
تقدم في المفاوضات
رغم تعقيدات المشهد خلال الأشهر الأخيرة فإن البعض يرى فيما تم إنجازه حتى الآن تقدمًا في مسار المفاوضات من الممكن أن يقود إلى اتفاق ملزم للجميع يحفظ البلاد من الولوج في مستنقعات الحرب الأهلية التي من المتوقع إن استمرت ستكون تداعياتها أكبر مما هي عليه الآن.
مشار فور وصوله أمس عقد اجتماعًا عاجلاً مع سلفا كير وقادة الأجهزة الأمنية لمراجعة ملف الترتيبات الأمنية قبل الدخول في محادثات بحضور وفد مجلس الأمن الدولي الذي وصل اليوم للبلاد ومن المقرر أن يجتمع بالطرفين لتقريب وجهات النظر حيال بعض النقاط الخلافية.
الكثير من الآمال معقودة على مخرجات هذه الجولة التي ربما تكون الأخيرة وفق ما ذهب البعض وإن يرى آخرون غير ذلك
وزير الإعلام في جنوب السودان والمتحدث الرسمي باسم الحكومة مايكل مكواي، في تصريحاته للصحافيين، قال إن قادة الأجهزة الأمنية في البلاد سيُطلعون الرئيس سلفا كير وزعيم الحركة الشعبية في المعارضة رياك مشار، على التقدم المحرز في تنفيذ ملف الترتيبات الأمنية خلال الفترة الماضية.
وأضاف “لقد استدعى الرئيس سلفا كير ورياك مشار قادة الأجهزة الأمنية ومجلس الدفاع المشترك ليقدموا تنويرًا، حتى يتمكنا من مناقشة القضايا العالقة في الترتيبات الأمنية”، مشيرًا إلى أن اجتماعًا مع كبار مسؤولي الأجهزة الأمنية سيُعقد قبيل التئام اجتماع كير ومشار مع مجلس الأمن الدولي.
الكثير من الآمال معقودة على مخرجات هذه الجولة التي ربما تكون الأخيرة وفق ما ذهب البعض وإن يرى آخرون غير ذلك، فالمستجدات الإقليمية والدولية والأزمات التي تعاني منها البلاد، اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، كفيلة أن تدفع الأطراف المتنازعة، الحكومة والحركات المسلحة، إلى الجلوس والوصول إلى نقطة التقاء.
استكمال الاتفاقيات السابقة
تعد الجولة الحاليّة استكمالاً للماراثون الذي قطعته الأطراف المتنازعة منذ 2011 وحتى اليوم، وتوج في 12 من سبتمبر 2018 بتوقيع اتفاق سلام نهائي برعاية قادة دول الهيئة الحكومية الدولية للتنمية في شرق إفريقيا (إيغاد) لإنهاء نحو خمسة أعوام من الحرب الأهلية.
الاتفاق الذي أبرم بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، المكون من خمسة فصول، نص حينها على إسناد رئاسة الحكومة لرئيس البلاد سلفاكير وتعيين خمسة نواب له، منهم خصمه رياك مشار في الفترة الانتقالية، مع وجود أربعة نواب آخرين للرئيس تتقاسمهم القوى السياسية المختلفة، ويقضي كذلك بتقاسم السلطة والثروة وتحديد الترتيبات الأمنية ووقف الأعمال العدائية ووضع الدستور والسلطة التشريعية وإحياء عملية السلام التي ظلت معلقة لسنوات إثر انزلاق الدولة الناشئة إلى آتون الحرب عندما تحول النزاع السياسي بين سلفاكير ومشار إلى مواجهة عسكرية، وذلك بعد اتهام الأول للثاني بتدبير انقلاب عليه.
تبقى الساعات القادمة المحك الرئيسي لقدرة الطرفين على تجنب النقاط الخلافية ومدى تمكن الوسيط الأممي من تقريب وجهات النظر
وقد لاقى هذا الاتفاق ترحيبًا كبيرًا من المشاركين في حفل توقيعه من ممثلي الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، الذين أكدوا أهمية تنفيذه على الأرض، وإنهاء المعاناة وسط تفاؤل من قادة الإيغاد بأن ينعكس مناخ تطبيع العلاقات بين دول القرن الإفريقي على فرقاء جنوب السودان.
فيما رحبت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج – التي تعرف بالترويكا الداعمة لجهود السلام – بتوقيع الاتفاق، قائلة في بيان ثلاثي لها “نأمل أن تظل المناقشات مفتوحة أمام أولئك الذين لم يقتنعوا بعد باستدامة هذا الاتفاق، ينبغي أن ننتهز فرصة هذا الزخم الإقليمي واسع النطاق لضمان تحقيق السلام لشعب جنوب السودان”.
أما رئيس بعثة الأمم المتحدة في دولة جنوب السودان ديفد شيرر، فقد أعرب عن أمله في وضع حد للنزاع الدامي في الدولة، قائلاً: “يجدر بنا الإقرار علنًا بأنه ليس إلا خطوة أولى على طريق السلام، خطوة ترسي الأسس لكل الخطوات التالية”.
لم يكن اتفاق 2018 هو الأول من نوعه، فقد سبقه بـ3 سنوات تقريبًا (2015) اتفاق مماثل، وقع عليه الرئيس وزعيم المعارضة، لكنه سرعان ما انهار بعد عام واحد فقط من توقيعه، إثر اندلاع اشتباكات بين القوات الحكومية والمعارضة.
وتبقى الساعات القادمة المحك الرئيسي لقدرة الطرفين على تجنب النقاط الخلافية، ومدى إمكانية الوسيط الأممي في تقريب وجهات النظر، بينما يحتبس الجنوب سودانيون أنفاسهم ترقبًا لما ستسفسر عنه هذه الجولة التي من المرجح أن تلقي بظلالها على المشهد برمته.